همزة وصل آسيا بأوروبا.. ما هو طريق الحرير العراقي؟
ـ “طريق التنمية” سيشمل خط سكك حديدية يربط ميناء الفاو الكبير جنوبي البصرة بالحدود الشمالية مع تركيا
ـ الطريق سيكلف 17 مليار دولار ويمتد على طول 1200 كلم وتنتهي المرحلة الأولى منه في 2028 وتستكمل آخر مرحلة في 2050
ـ طريق الحرير العراقي يتضمن بناء مدن صناعية وسكنية جديدة ومن شأنه تشجيع تجارة البضائع بين أوروبا ودول الشرق الأوسط بل وبين الصين والهند ودول القارة العجوز
ـ الطريق العراقي يفتح المجال لإنشاء أنابيب نفط جديدة من البصرة نحو تركيا وأنابيب لتصدير الغاز القطري إلى أوروبا بديلا عن الغاز الروسي
ـ قبل أكثر من قرن سعى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني والإمبراطور الألماني لإنجاز خط سكة حديدية يربط برلين بالبصرة إلى الكويت لكن الخط توقف عند سامراء بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى
يتوجه العراق نحو إحياء مشروع استراتيجي طموح عمره أكثر من 100 عام، يربط مدينة البصرة جنوبا، بأوروبا مرورا بتركيا عبر خط للسكك الحديدية والطرق المعبدة، من شأنه أن يحول بلاد الرافدين إلى نقطة عبور تجارية أشبه بطريق حرير جديد.
هذه الخطة الواعدة، أعلن عنها رسميا رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال مؤتمر دولي عقد في بغداد، في 27 مايو/أيار المنصرم، وأطلق عليها اسم “طريق التنمية”.
وجمع مؤتمر بغداد مسؤولي النقل في 10 دول مجاورة للعراق، وهي : تركيا والسعودية وإيران وقطر والكويت والإمارات وسوريا والأردن والبحرين.
مشروع “طريق الحرير العراقي” مرتبط باستكمال إنجاز ميناء الفاو الكبير، بمحافظة البصرة، المطل على الخليج العربي، والذي انطلقت عمليات تشييده قبل أكثر من عقد، وبلغت نسبة إنجازه 50 بالمئة، بتكلفة تصل إلى 2.6 مليار دولار، ومن المنتظر البدء في تشغيله جزئيا في عام 2025.
ويمتد خط السكك الحديدية من ميناء الفاو الكبير جنوبا إلى الحدود العراقية – التركية شمالا، على طول 1200 كلم، ويكلف ميزانية ضخمة تقدر بنحو 17 مليار دولار، ويهدف لنقل 400 ألف حاوية من البضائع في مرحلته الثانية.
قسمت عملية إنجاز “طريق التنمية” إلى ثلاث مراحل الأولى تنتهي في عام 2028، والثانية في 2033، والثالثة في 2050.
وتخطط الحكومة العراقية لاقتناء قطارات فائقة السرعة تصل إلى 300 كلم في الساعة بالنسبة لقطارات نقل الركاب، لكنها تنخفض إلى 140 كلم في الساعة بالنسبة لنقل البضائع.
عندما أوقفت الحرب العالمية “خط الحديد”
وفكرة هذا المشروع قديمة وتعود إلى اتفاق بين السلطان العثماني عبد الحميد الثاني (1842-1918) والإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني (1859-1941) لإنجاز مشروع خط سكك حديدية “برلين – بغداد – البصرة”.
ووفق مقال للمؤرخ العراقي إبراهيم العلاف، فإن ألمانيا استطاعت في عام 1899 الحصول على امتياز من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وبموجبه أصبح بإمكانهم مد خط سكة حديد الأناضول من إسطنبول إلى مدينة الموصل (شمالي العراق) ومنها إلى بغداد والبصرة، كما كان مقررا أيضا أن ينتهي هذا الخط بالكويت.
ويشير العلاف، إلى أن خط السكة الحديد وصل إلى غاية مدينة سمراء (جنوب بغداد) لكن العمل توقف به في 1914، بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918).
من نقل النفط والغاز إلى نقل الحجاج
من شأن إنجاز “طريق التنمية” أن يحقق عدة أهداف سواء للعراق أو لدول الشرق الأوسط، بل وحتى لدول آسيا وأوروبا.
إذ من المرتقب أن يُحدِّث المشروع شبكة النقل بالسكك الحديدية المتهالكة في البلاد، والتي يبلغ طولها 2893 كلم، منها خط بغداد البصرة الذي يصل طوله إلى 600 كلم، والذي لا تتجاوز سرعة قطاراته 70 كلم في الساعة.
ومن المخطط له أن يسهم في تطوير النسيج العمراني والصناعي عبر بناء مدن جديدة، سواء سكنية أو صناعية، من شأنها تخفيف الضغط على المدن الكبرى مثل بغداد، ويساعد أيضا على تنمية قطاعات الزراعة والسياحة.
سياسيا، يربط “طريق التنمية”، جنوب البلاد بشمالها، ويعزز ذلك تواصل العراقيين فيما بينهم، باختلاف عرقياتهم وطوائفهم، وسيمتن ذلك وحدة البلاد ولحمتها الوطنية، ويفك العزلة عن بعض المناطق النائية والبعيدة عن العاصمة.
وإذا تم ربط هذا الطريق بخط للسكك الحديدية مع دول الخليج، فسينمي تجارة البضائع بين تركيا ودول الخليج، لأنه سيوفر الوقت والمال ويجعلها أكثر ربحية كما يوفر عائدات بالعملة الصعبة للعراق كرسوم عبور.
ورغم أن طريق الحرير الصيني لا يمر من العراق مباشرة، ولكن “طريق التنمية” سيكون أحد الخيارات البديلة له في حالات النزاعات والحروب.
كما أن طريق التنمية العراقي، سيقصر المسافة بين الصين وأوروبا، مقارنة بالطريق البحري عبر قناة السويس، وبالتالي يوفر الوقت والمال.
وبعد استكمال ميناء الفاو الكبير وخط السكك الحديدية، من شأن ذلك أن يجتذب الشركات العالمية إلى العراق وخاصة الصينية منها، بالنظر إلى رخص أسعار الطاقة وتوفر اليد العاملة والبنية التحتية، ما سيخدم استراتيجية البلاد للتحول نحو اقتصاد متحرر من ريع النفط.
وبما أن العراق ينتج كميات كبيرة من النفط واحتياطات لابأس بها من غاز البترول المصاحب، فيمكنه إنشاء أنابيب أخرى لنقل النفط والغاز على طول “طريق التنمية” ومنه إلى تركيا، التي تملك بنية تحتية يمكن من خلالها تصدير النفط والغاز من ميناء جيهان في محافظة أضنة (جنوب)، أو عبر أنابيب الغاز من تركيا إلى أوروبا.
ويمكن أن تستفيد قطر الغنية بالغاز من طريق التنمية، من خلال إنجاز خط لتصدير غازها الوفير إلى أوروبا عبر العراق وتركيا، ما يخدم استراتيجية دول الاتحاد الأوروبي في الاستغناء عن الغاز الروسي.
ومزايا “طريق التنمية” لا تتوقف عند هذا الحد، بل يمكن أن تسهم في نقل الحجاج من أوروبا إلى البقاع المقدسة، على غرار خط حديد الحجاز، الذي أمر بإنجازه السلطان عبد الحميد الثاني، والذي كان يربط بين دمشق والمدينة المنورة مرورا بالأردن.
فنقل الحجاج من أوروبا بالسكك الحديدية سيكون أقل تكلفة مقارنة بالسفر عبر الطائرة، وإن كان أطول زمنا وأقل أمنا.
- ثلوث الأمن والفساد والتمويل
يواجه طريق الحرير العراقي عدة تحديات وعراقيل قد تحول دون إنجازه، أولها التكلفة الكبيرة، التي تصل إلى 17 مليار دولار، والتي لا يمكن لحكومة السوداني، أن تتحملها لوحدها، حتى وإن كانت مقسمة على نحو 28 عاما، مدة انتهاء جميع المراحل.
ومع عودة البلاد إلى إنتاج النفط بمستويات تصل إلى 3.3 مليون برميل يوميا، وبمستوى أسعار يفوق 70 دولارا للبرميل، فيمكن للحكومة تحمل جزء من التكاليف، لكنها مع ذلك بحاجة إلى شركاء دوليين، ولذلك دعت دول الجوار، بما فيهم دول الخليج، للمشاركة في مؤتمر حول طريق التنمية.
وإذا اقتنعت دول الخليج وتركيا ومعهم الصين بالأهمية الاستراتيجية لهذا المشروع فيمكن أن تساهم في تمويله وإنجازه وتشجيع بنوك دولية وإقليمية للمساهمة أيضا في تمويله.
ويعتبر الفساد المستشري في البلاد أحد النقاط السوداء التي تجعل شركاء بغداد يتريثون قبل اتخاذ قرار في هذا الشأن، ما يوجب على حكومة السوداني، القيام بإصلاحات جادة لمكافحة الفساد وطمأنة المستثمرين الأجانب.
والنقطة الثالثة والأهم، الجانب الأمني، فالبلاد لم تشف تماما من تهديدات تنظيم “داعش” الإرهابي، والذي مازالت بعض خلاياه تنشط في وسط البلاد، وكذلك تنظيم “بي كا كا” الإرهابي، الذي ينشط شمالا.
كما أن العراق يوشك أن يحول إلى ساحة صراع بين إيران وأذرعها المسلحة من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة ثانية.
كما دخلت الصين في صراع النفوذ الاقتصادي مع الولايات المتحدة، وهذا الصراع الدولي على أرض الرافدين قد يجعلها منطقة غير مستقرة، ما يؤثر على إنجاز مشروع طريق التنمية، على غرار ما حدث قبل أكثر من قرن.
كما أن طريق الحرير العراق، قد تنظر له القاهرة على أنه تهديد لقناة السويس، أو على الأقل سيقلص من إيراداتها السنوية، لكن الطريق البحري تبقى ميزاته الرئيسية قدرته على نقل حمولات كبيرة مقارنة بالقطارات التي تبقى حمولتها محدودة، لكنها تتفوق على السفن من حيث قصر المسافة.
كما أن هناك مشاريع منافسة مثل طريق الحرير الصيني البري الذي يمر عبر أذربيجان، وطريق آخر يربط ميناء بندر عباس الإيراني بروسيا، وطريق آخر يربط الصين بميناء غوادر جنوبي باكستان.
وهذه المشاريع المنافسة لطريق التنمية العراقي، رغم أنها لا تتبع بالضرورة نفس المسار أو تستهدف نفس السوق، إلا أن من شأنها مزاحمته على اجتذاب الاستثمارات اللازمة وأيضا تحويله إلى مسار عالمي يربط آسيا بأوروبا.