لماذا نشتري أشياء لا نحتاج إليها؟
ليلى غليون
كم هي المرات التي قمت بشراء سلعة أو سلع غير ضرورية لا تحتاجها آنيا؟ وكم هي المرات التي قمت بشرائها فقط لأنه يوجد عليها تخفيض دون حتى أن تفكر أنك بحاجة إليها أم لا؟ وكم هي المرات التي دخلت فيها متجرا بنية شراء شامبو للشعر مثلا، ولكنك خرجت وأنت تشتري زجاجة عطر؟
المفترض والطبيعي أننا نشتري الشيء لأننا بحاجة إليه والضرورة هي التي تدفعنا لذلك، ولكن لماذا نشتري الأشياء التي لا نحتاجها على الأقل في الوقت الحاضر؟ والسؤال الأهم لماذا عندما نذهب للتسوق لشراء سلع ما محددة هي فعلا ما نحتاج إليه ولكننا نشتري بالإضافة إليها منتجات معروضة لم نكن نخطط لشرائها ليمرّ عليها الشهر أو الشهران أو أكثر دون أن تلزمنا الحاجة لاستعمالها وربما تتلف هذه المنتجات وربما ينتهي تاريخ استعمالها ليؤول مصيرها إلى حاوية النفايات دون الاستفادة منها؟
صرنا نعيش لأجل الاستهلاك والمفروض أننا نستهلك لنعيش، أصبحنا نندفع للتخلص من أشياء صارت في نظرنا قديمة وعفا عليها الزمن مع أنه لم يمر عليها وقت طويل ولا تزال صالحة جدا للاستعمال، لاستبدالها بجديد آخر صيحة اكتسح السوق على التو ليصبح هذا الجديد بعد فترة وجيزة قديما لأن صيحة أخرى حلت محله لتتم الهرولة لاقتنائها، ثم بعد فترة يطل جديد آخر وبعده آخر… وهكذا تدور العجلة على هذا المنوال دون توقف ودون شبع.
للأسف فإن قطاعا واسعا من الأفراد في مجتمعنا، بل في كل المجتمعات أصيبوا بحمى الاستهلاك غير الطبيعي ليصبحوا مستهلكين شرهين ويصبح الاستهلاك غالبا لديهم لمجرد الاستهلاك وليس للحاجة أو الضرورة.
فلو قام كل منا بمراجعة بسيطة فقط لآخر قائمة لمشترياته، يجد بالتأكيد على الأقل سلعة واحدة أو اثنتين وربما أكثر لم يكن بحاجة إليها بدليل أنه حتى اللحظة لم يستعملها أو ربما نسي أنه اشتراها فنجدها قابعة في إحدى زوايا منزله نسيا منسيا، إذن نحن نشتري أشياء لا نحتاج إليها، فلماذا نفعل ذلك؟ ولماذا نشتري في الأصل ما لا نحتاج؟ هل نشتري لنشعر بالسعادة مثلا كما توهمنا الدعاية بمصطلح “متعة التسوق”؟ هل نشتري لنشعر أننا لسنا بأقل من غيرنا؟ هل نشتري لأننا نريد أن نشعر بالرفاهية ونبلغ نشوة الامتلاك؟ هل نشتري لنساير الموضة؟ هل نشتري الأشياء للتباهي ثم تصويرها وتقديمها على شبكات التواصل الاجتماعي منتظرين تعليقات الاصدقاء والمتابعين عليها؟ أم أن هناك سياسة مدروسة ومخطط لها أوقعتنا من حيث لا ندري ضحايا في مصيدة الحيل التي تستخدمها مراكز التسوق لمضاعفة بيع منتجاتها وبالتالي أرباح فاحشة تدخل جيوبها بأي وسيلة كانت؟ أم أننا نريد المحافظة على الاقتصاد من الانهيار!! كما قال أحدهم: “لو اقتصرت مشتريات كل إنسان على ما يحتاجه فقط لانهار الاقتصاد تماما”.
هذا السؤال “لماذا نشتري” وضعه “باكو اندرهيل”- عالم نفس ومؤلف ومؤسس شركة أبحاث السوق والاستشارات- عنوانا لكتابه ووضع عدة أسباب تدفعنا للشراء غير الرشيد، وبين أنه لا بد من شيء اسمه قوة الدفع تزيد الطلب على العرض، هذه القوة هو المستهلك نفسه والهدف استنفار الطاقات الانفعالية في ذاته المستهلكة وشهية للاستهلاك لا تشبع، من هذه الأسباب:
- أننا في الأصل مجبرون على الشراء.
- تشير الدراسات أن حوالي ثلث ما نشتريه يذهب مباشرة للقمامة.
- إن ثلثي ما نشتريه لم نكن نخطط له من الأصل.
- تصميم المتجر على شكل متاهة ليس عبثا بل يهدف للتعرض إلى أكبر قدر من البضاعة وأكبر مما خطط الفرد لشرائه.
- السلع المرتبة بعناية فائقة في المتاجر لم توضع بهذه الطريقة مصادفة والتصميم الداخلي لهذه الأقسام ليس اعتباطيا.
- تغيير أماكن أقسام السلع في المتاجر من وقت لآخر يهدف إجبار المتسوقين على قضاء وقت أطول داخل المتجر للبحث عن سلعتهم المحددة ،لتكون النتيجة سلة مليئة بالسلع التي لم يكن مخططا لها.
- إشعار المستهلك أن ما يملكه من منتجات لم تعد صالحة ولا هي مواكبة للعصر ، وأن المنتج الجديد يظهرك بمنظر الإنسان العصري.
فكل هذه وغيرها حيل ووسائل مدروسة تجذب الفرد بلا وعي للشراء، حتى لو لم تكن هناك حاجة إليها.
أما بيرنارد ماندفيل (فيلسوف انجليزي اهتم بالسياسة والاقتصاد عاش في القرن الثامن عشر) فيقول: “الطريقة الوحيدة لتوليد الثروة هي ضمان ارتفاع الطلب على الأشياء السخيفة وغير الضرورية”. وبين هو أيضا أسبابا ومسببات تجعل الفرد يرتاد السوق بكثرة ويقضي ساعات كثيرة متجولا بين أقسام المنتجات منها:
- أن الشركات نفسها هي التي تدفع الفرد للاستهلاك غير الرشيد وذلك من خلال انتاجها لسلع أقل جودة ومتانة (كشركات الملابس والأحذية) لتضمن تلفها بسرعة فتضمن بذلك عودة المستهلك لشرائها من جديد مرات ومرات.
- كذلك فإن لسياسة صناع الموضة أثر كبير مدمر لاستلاب الإرادة وتغييب الوعي من خلال انتاجها كل عام موضة جديدة في الملابس مثلا (خاصة الملابس النسائية) تجعل من موضة العام الماضي قديمة لا يلتفت إليها بل يجب التخلص منها حتى ولو كانت سليمة وجميلة لأنه انتهى زمانها، وبالتالي شراء ملابس جديدة تخضع لمقاييس موضة هذا العام.
- ولا يمكن أن ننسى مضخة الإعلانات التجارية قبل نزول المنتج أو أثناء وجوده في السوق، إعلانات في الشوارع، في التلفاز، في الهواتف الذكية في كل مكان يمكن أن تسيطر فيه على الإرادة والوعي.
- يقول المصمم الفرنسي العالمي “جان سيجيلا” وهو أحد فلاسفة الجمال، أنه في بداية حياته ذهب إلى سيدة في الستينيات من عمرها يعرض عليها بعض الأشكال والتصاميم تصلح أن تكون لمحل أحذية وقدم لها مجموعة من التصميمات البعيدة عن الإيحاءات الجنسية، فما كان من تلك السيدة إلا أن رفضت عرضه بشدة كما رفضت التعاون معه أو أن يكون شريكها في المحل قائلة له: “نحن نبيع أقداما جميلة لا نبيع أحذية”.
بمعنى الإعلان سيسلط الضوء ويلفت النظر على الاقدام الجميلة وليس على المنتج (الأحذية) ليتم التلاعب بالمشاعر وتتم عملية التسويق بكل نجاح، فالإعلانات في الحقيقة تخاطب النفس، تخاطب الغرائز ولا تخاطب العقل، تستخدم فيها أساليب متعددة للضغط على الشراء، كاستخدام النساء الفاتنات للترويج للسلع واستثارة النزعة الاستهلاكية للرجال مثلا، فتأثير الإعلانات التي تتكرر صباحا ومساء وفي كل وقت تجعل الفرد لا يشتري الأشياء لذاتها ولكنه يشتري الإحساس الذي تمنحه هذه الأشياء حين يمتلكها.
وفي نهاية المطاف هناك مقولة تقول: “إنك لا تستطيع إجبار شخص على شراء شيء لا يريده ولكنك تستطيع إقناعه بشراء شيء لا يحتاجه” وهذا برأيي هو جواب للسؤال الذي ابتدأناه في أول المقالة.



