“متلازمة الرجل الوسيم” أم طبع بشري ببساطة؟
عائشة حجار
ضجّت شبكات التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع، بالحديث عن شاب ما في بلد ما ارتكب جريمة مروعة، وحظي هذا الشاب بدعم كبير ومطالبات بتخفيف عقوبته لا لشيء سوى أنّ شكله الخارجي نال إعجاب رواد مواقع التواصل (خاصة الإناث، على ذمة الناشرين). تناول الكثيرون هذه القصة، والتي تكرر سيناريو نشاهده كل فترة، من عدة نواح، فمنهم من عرض القسوة التي صار العالم إليها إذ يطالب بتخفيف عقوبة قاتل، وتفاهة رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة النساء منهم، ومنهن من استغل هذه القصة ليعرضها دليلًا على تغلب عاطفة النساء ووجوب “تهذيب” هذه العواطف والحذر منها عن طريق إبعاد النساء عن مواضع اتخاذ القرار. سأتناول هنا استهجان الكاتبين لتعاطف الجمهور مع القاتل على حساب الضحايا، وادع جانبًا نقاش “العاطفة الانثوية” لا لقلة أهميته لكن لأن الرقعة لا تتسع لنقاشين هنا.
هناك الكثير من الظواهر نستغربها ونسهجنها على تكرارها ورغم وجودها طوال الوقت، ثم إذا نظرنا للخلف نجد لها أمثلة في التاريخ تثبت أننا أمام جزء من التصرفات المعروفة للبشر. مثلًا في حالة المطالبة بالصفح عن مجرم لأنه أو لانها ذوا شكل لائق، هذا التصرف نجده تقريبًا في كل ملف جريمة بشعة، ما الفرق بين أن تقول “حرام، إنه صغير يبدو بريئَا” وأن تقول “وجهه وجه مجرم”؟ في الحالتين يتصرف الناس كجمهور لمسرحية لا يعون أبعاد كلماتهم وتأثيرها أولًا على مجرى القضاء، وثانيًا على المجتمع نفسه.
يتهم البعض شبكات التواصل الاجتماعي بهذا الفتور في حس العدالة لدى الناس، لكن أليس هذا بالضبط ما كان يحصل في عصور ما قبل الميلاد؟ فقد كان الحاكم (لنقل مثلًا القيصر) يجمع الناس في المسرح (لنقل الكولوسيوم) ويجعلهم يشاهدون بشرًا وحيوانات يتصارعون حتى الموت وسط هتاف الجماهير وتناولهم الخبز. زد على ذلك “مساعدة” الجماهير للقيصر في حال تغلب أحد المصارعين على الآخر ولم يقتله، فيهتف الجماهير نحو قيصره مطالبين بالعفو عن المهزوم أو الإجهاز عليه ليرفع الأخير إبهامه إن قرر الصفح أو يشير به نحو الاسفل إن قرر انتهاء اللعبة بمقتل المهزوم. وفي الواقع هذه هي القصة وراء إشارة “أعجبني” الدارجة والتي تعتبر مركزية في شبكات التواصل، نحن لا نشهد شيئًا جديدًا بل نقلًا لغريزة الشر البشرية إلى الفضاء الرقمي بعد أن لم يبق هناك مكان في الواقع الملموس لم تصل إليه هذه الغريزة.
إذا كان طقس العفو هذا موجودًا منذ الازل، فما الذي يجب أن نقلق منه هنا؟ المقلق هو أن طقس العفو هذا يدل على بعض المميزات للمجتمع، وفي حالتنا العالم، الذي يجرى فيه: مجتمع من أفراد يعانون داء الفراغ والجوعين، الروحي والمادي، أضف إلى ذلك، ضيق الأفق وقصر النظر والشعور بأن مصير الآخرين ليس في نطاق مسؤوليتهم طالما ليسوا هم من ينطق الحكم رسميًا. في مثل هذه الحالات تخاف، لأن هذا يشير إلى مجتمع في طريقه للتفكك وتغليب الكره والأنانية. المخيف أكثر هو أن هذا النوع من المجتمع يرى في التسلية حجة مقنعة لإيذاء غيره، ويرى في أكثر الغرائز حيوانية سببًا كافيًا لتغييب السمو البشري الذي به تتحقق قيمتنا في النهاية. لماذا أقول كل هذا عن حادثة حصلت “عندهم”؟ لأن هذه الظواهر حاضرة بقوة أيضًا في مجتمعنا، لا بد أن نحذر منها.



