أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (5)… حول مسألة عودة الخلافة (1-2)

حامد اغبارية
من القضايا المركزية التي بذل الغرب الصليبي والشرق الشيوعي والمحفل الماسوني العالمي والمشروع الصهيوني وعكاكيز الاستعمار في العالم العربي، من أنظمة وأقلام مأجورة تعاني من الشذوذ الفكري والاهتزاز الهويّاتي التشكيك فيها، قضية الخلافة الإسلامية في آخر الزمان، والتي أكدت السنة النبوية المطهرة على أنها واقعة لا محالة.
وقد وجدنا بين ظهرانينا، هنا في الداخل الفلسطيني، تيارات علمانية لا تكتفي بإعلان موقفها الرافض لمبدأ الخلافة أساسا، بل تجدها تشن هجوما لاذعا على التيار الإسلامي الذي يؤمن بقضية الخلافة في آخر الزمان، هجوما بعيدا عن أدب الحوار، وعن النقاش الفكري الموضوعي، وكأن رفضَ فكرةٍ ما مِن جهةٍ ما، أو من تيار ٍما سيمنع تحققها أو ينقُضُ صحّتها!
تستطيع أن تقول بكل صراحة: أنا لا أؤمن بهذا كلّه، فعقيدتي العلمانية، التي لا علاقة لها بشريعة السماء، ولا برسالات الأنبياء، ترفض هذا الكلام ولا تستوعبه. ولكن أن تقلل من شأن الآخر الذي يؤمن بهذا، وتسخر منه، فأنت بذلك تقلّل من شأن الحديث النبوي والسنة المطهرة، وتسخر من الإسلام بطريقة غير مباشرة، ومن ثم فإنك تسيء إلى كل من يؤمن بهذا المبدأ. وقد رأينا وقرأنا الكثير من المواقف والآراء التي تعبر عن هذا الموقف بفجاجة تفضح النوايا وتكشف مكنونات الصدور. إنهم لا يريدون للإسلام أن يحكم. لا يريدونه أن يحكم حتى في قضايا الزواج والطلاق، فكيف يحكم شعوبا، ويدير شؤون أمة؟!!!
هذه التيارات لا تملك من مبدأ احترام الرأي وحرية العقيدة والتعبير سوى عدّ الأصوات في صناديق الانتخابات، وهي تَقبلُ الرأي الآخر فقط عندما تجد فيه ما يتوافق معها في قضايا معينة. لكنها تصاب بالفزع والجنون إذا ما خرج من يطرح فكرا أو فكرة أو مبدأ إسلاميا أصيلا، كمسألة عودة الخلافة في آخر الزمان على منهاج النبوّة، تكون عاصمتها مدينة القدس.
لذلك تجد هذه التيارات تفرح عندما تجد إسلاميا يتحدث في سياق مقال أو حوار أو مقابلة إعلامية عن قضية القدس المحتلة، وأنها ستكون عاصمة الدولة الفلسطينية. لكنها تصاب بالفزع وتقفز كالملدوغ عندما تسمع إسلاميا يتحدث عن المدينة المقدسة كعاصمة لدولة الخلافة القادمة. فهل هؤلاء تريدون “تحرير” القدس المحتلة من أيدي الاحتلال الصهيوني كمبدأ، أم يريدون “تحريرها” على مزاجهم السياسي وحسب مقاسهم، وبشرط أن تكون عاصمة لدولة وهمية، وإلا فالأفضل أن تبقى تحت الاحتلال؟
لماذا من حق هؤلاء أن يلعلعوا صباح مساء بأن القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة، ويمنعون غيرهم من التعبير عن إيمانهم بأنها ستكون عاصمة الخلافة القادمة؟ ربما أنهم يستبعدون حدوث هذا، ولذلك لا يرونه أمرا واقعيا. فماذا لو قلت لهم إنَّ حدوث هذا أقرب من قيام الدولة الفلسطينية التي يحلمون بها، والتي لا أراها قائمة يوما من الأيام؟ ألا يرون أن كل ما يجري من حولهم يُبعد قيام الدولة الفلسطينية مسافات شاسعة عن الواقع؟ ثم ألا يرون أن كل ما يجري من حولهم يؤكد أن عودة الإسلام هي مسألة وقت؟ الأعمى فقط هو الذي لا يرى الحقيقة.
ولعل السؤال الذي يجب أن نسأله: ما هي مشكلة هؤلاء مع قضية عودة الخلافة الإسلامية؟ وما مشكلتهم مع قول القائل إن عاصمة هذه الخلافة ستكون مدينة القدس المحتلة؟
إن مشكلتهم ليست مع هذه القضية تحديدا وحسب، بل مشكلتهم مع الإسلام. إنهم لا يريدونه أن يعود ليقود، ولا أن يحكم، ولا أن يضبط، ولا أن ينشر العدل، ولا أن ينصر المظلوم، ولا أن يعيد الأمور إلى نصابها، ولا أن يعيد الحقوق إلى أصحابها. ولذلك حاربوه من أول لحظة أُطلِق فيها نداؤه السرمدي في جبال فاران، في مكة المكرمة. وحاربوه في كل الحقب التاريخية التي عاشتها البشرية منذ أن نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد تجمعت أحلاف الشر ومحاور الدم منذ تلك اللحظة لاجتثاثه، وما تزال هذه الأحلاف تتبدل وتتغير عبر التاريخ، لكنها ما تزال تحمل ذات العقيدة، وذات المبدأ: لا بد من محاربة هذا الدين بكل ثمن ووسيلة، تارة بالقوة العسكرية، وتارة بالتشويه والشيطنة، وتارة بالاختراق الثقافي والفكري. وها نحن-فيما يبدو لي-نعيش آخر مراحل هذه الحرب المجنونة على الإسلام باستخدام كل الوسائل؛ العسكرية، والتشويهية والفكرية الثقافية. وهي مرحلة ستكون لها نهاية، عسى أن تكون نهاية قريبة. ولقد رأيتهم في زماننا حاربوا الإسلام لما تآمروا على آخر خلافة إسلامية، وأطاحوا بها، ظنا منهم أنهم بذلك قد استقرت له الأمور، ودانت لهم شعوب الأرض، وأصبحت الدنيا ملك يمينهم!! ورأيتهم ينقلبون على الإسلام يوم أن رُفعت رايته في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي. ورأيتهم ينقلبون عليه يوم أن ظهرت له راية في فلسطين في انتخابات 2006، ورأيتهم ينقلبون عليه في أفغانستان وفي مصر الثورة. وها أنت تراهم يبذلون كل وسيلة ويسيرون في كل سبيل لوأد أية انتفاضة أو ثورة في أي بلد عربي أو إسلامي لأنهم يدركون أن فسحة صغيرة من الحرية ستعيد الإسلام إلى السيادة والسؤدد. وما مصر وسوريا والعراق وليبيا والسودان وغيرها عنا ببعيد..
فلماذا لا يريدون للإسلام أن يسود؟ وما مشكلتهم مع الخلافة؟ ولماذا يصابون بالفزع كلما قلنا إن عاصمة الخلافة القادمة ستكون القدس؟ عن هذه التساؤلات وغيرها سنجيب – بحول الله- في القسم الثاني من هذا المقال. (يتبع)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى