أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

نحو ميثاق اجتماعي للداخل الفلسطيني (5)..قواعـــد الميثاق

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
لا يزال يدور جدلُّ فكري رصين حول ظاهرة العنف لدى كافة الفلاسفة وعلماء الاجتماع في المجتمعات التي ابتليت بأفة العنف ودفعت ثمنا باهظا سواء كان العنف مجتمعيا او سياسيا او طائفيا فقد اتفقوا جميعا على خلاف مذاهبهم الفكرية والفلسفية أنَّ العنف آفة قاتلة لا ينبغي تحليلها فحسب والاكتفاء بتوصيفاتها بل لا بدَّ من كبحها ونزع الشرعية عنها لأنَّ للعنف رصيد يتراكم ببطيء ولا يعرف أحدُّ قط متى تكون لحظة انفجاره وتدفق سيوله القاتلة أذ العنف أي كان يولد عنفا مضادا ويخلق دورة من العنف والعنف المضاد لا تنتهي بحكم وجود مغذيات نفسية ومجتمعية.
في حالتنا نحن في الداخل الفلسطيني ثمة حاجة ماسة لجغرفة (من جغرافيا) العنف من جهة وتفكيك انواعه ورصد خلفياته وأسبابه أّذ بعد مقتل أكثر من 1382 قتيل وآلاف المصابين وأكثر من ألف أرملة وأكثر من الفي يتيم آن الاوان أن نفكك بشكل دقيق هذا العنف عبر ترسيمات جغرافية له وعبر مسح انواعه فنحن امام عنف الجريمة المنظمة وعنف مدرسي وعنف خاص وعنف حمائلي متعلق بالثارات وعنف ضد النساء وعنف متعلق بالسيطرة على الحيز العام وعنف يتعلق بالسير والسرعة وعنف ارباب العمل وموت المئات من العمال بسبب الاهمال، وهكذا. وهذا بعد أن يتم تفكيكه الى معطياته الاولية نحتاج الى ناظم نتفق عليه يشكل إجماعا لنا كفلسطينيين في الداخل أسميته بالميثاق كناية عن صلابة العهد والوفاء له وقد استغرقت في مقالات سابقة تبيان بعض ملامحه ووضعت له مجموعة من القواعد الناظمة التي تشكل في ظني إجماعا عربيا في الداخل الفلسطيني عليه باعتبار أن هذا الميثاق بعد مدارسته من كافة المعنيين وخضه والاتفاق على صورته النهائية يشكل عقلا جمعيا ومسطرة تقضي تغييرا في منظوماتنا الحياتية بما يتفق وهذا الميثاق.
لا يختلف اثنان ان تجفيف العنف مرتبطة مباشرة بتجفيف منابعه ومن ضرورات تجفيف منابعه خلق مدننة مجتمعية بيننا مؤسسة على قيمنا وأخلاقنا وأعرافنا وديننا الحنيف في ظل التحولات الجارية في مجتمعاتنا المحلية والمتسمة بسرعة هذه التحولات، وهو ما يتطلب من علماء الشريعة والاصوليين منهم خاصة تقديم تصورات ونماذج تتسم بالمعاصرة تحسم عديد القضايا الشاغلة لمجتمعاتنا المحلية في الداخل الفلسطيني، ويتطلب من اهل السلوك ممن أكرمهم الله تعالى بجملة من الصفات والمواصفات أن يتقدموا بأنموذج الشخصية المرادة في عصر التحولات وتشظي القيم والسلوكيات وتعرضنا نحن في الداخل الفلسطيني للحداثة بقسماتها الاسرائيلية والغربية المأمركة بما تحمله من سَموم الفكر والتصورات والقيم والتحلل والغرق في عالمي الاستهلاك والشهوات والغلو فيهما والفردنة التي باتت علامة من علامات ردتنا الاجتماعية والاخلاقية وهو ما يحتاج منا الى مجموعة من اصحاب القلوب الملذوعة الساعية لتهذيب السلوك الفردي والجماعي بناء على ما ذكرت سابقا وتضبط انفعالاتنا الفردية والجماعية وتعمل على توجيه العلاقات البينية وضبطها عل اساس من قيمنا الراسخة لا تلكم الوافدة الطارئة.
بناء على ما سبق فإن من القواعد الاساسية الناظمة للميثاق المرجو:
ونرى بالبعدين التدافعي والاصلاحي اساس لمنع الفساد في داخلنا الفلسطيني ونبراسنا في هذه القاعدة قول الله تعالى ” وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿البقرة-٢٥١﴾.
واجبنا التشنيع على أرباب الجريمة والعنف ومن يُلحِقُ الأذلال والأذى بين الناس وذلك بفضحهم على رؤوس الأشهاد لقول صلى الله عليه وسلم “أتُرْعَون عن ذكر الفاجر. اهتكوه متى يعرفه الناس اذكروه بما فيه يحذره الناس” ولقول رسول الله ﷺ:”: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه”، وكان السلف يقولون: ثلاثة لا غيبة لهم الإمام الجائر، والمبتدع، والمجاهر بفسقه”.
ونرى أنّ المدافع عن ماله وعرضه شهيد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قُتِلَ دون دينه فهو شهيد، ومن قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، ومن قُتِلَ دون أهله فهو شهيد) وإذا قتلَ المعتدى عليه من يسعى لاغتصاب ماله فلا ضمان عليه فهو بريء الذمة لعدم حصول التعدي منه والمال المقصود فيه القليل والكثير.
ونرى أنّ من اطلعَّ على بيوت الناس وتجسس عليها فقد حلَّ لهم أن يفقؤا عينه ولا دية ولا قصاص على من فعل ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم ” من اطَّلعَ في بيت قوم بغير إذنهم، ففقؤا عينه، فلا دية ولا قصاص”، وعلى هذه القاعدة تُقاس قضايا كثيرة تخص مجتمعنا اليوم.
وإذا ما وقع ضررُّ على واحد منا وتحقق حدوث خطر حقيقي على أحدى الضروريات الخمس التي صانتها الشرائع السماوية: الدين والنفس والمال والعقل والعرض فلنا الأخذ بالأحكام الاستثنائية لدفع هذا الخطر، والقاعدة تقول: “إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب اخفهما”.
ولقد حرم الإسلام الأخذ بالثأر، ومنع القتل على خلفية شرف العائلة، وقرر أن تنفيذ جميع العقوبات الشرعية إنما هو من اختصاص الحاكم المسلم أو من ينيبه وليس ذلك للأفراد أو الجماعات أو الأحزاب.
ونرى أنَّ من يأخذ موقف الحياد إزاء ما نتعرض له من أذى العنف خارج عن صفنا الاسلامي والعروبي والفلسطيني أذ حمل هموم الناس أصل من اصول اسلامنا وقيمنا وعاداتنا وأعرافنا وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة”.
والأخذ على يد الظالم والانتصار للمظلوم أساس من أسس قيمنا ومبادئنا، والله تعالى يقول “وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ” الشورى 39.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى