أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

مع المستشرقة الإيطالية “لورا فيشيا”

د. أنس سليمان أحمد
مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مولد النور، ومولد الرحمة المهداة للعالمين، ومولد الخلق الكريم ومولد العدالة الاجتماعية، ومولد حقوق الإنسان، ومولد السلام العالمي، وهو قبل كل ذلك وبعد كل ذلك مولد الإيمان الحق والدين القيّم والصراط المستقيم والتوحيد الخالص المخلص والولاء لله رب العالمين وحول كل هذه المنظومة التي تكاملت كلها في بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإستوت على سوقها في العهدين المكيّ والمدنيّ، كتب الكثير من المنصفين غير المسلمين، سواء كانوا غربيين أو غيرهم، وسواء أسلموا أو ظلوا على ملتهم، ولنأخذ مثالاً على ذلك المستشرقة الإيطالية ” لورا فيشيا” التي كتبت كتاباً بعنوان (دفاع عن الإسلام) حيث تقول في هذا الكتاب الشيء الكثير وإليكم بعض المقتطفات منه :
” إن الإسلام لم يكن قط عقبة في سبيل الكمال الخلقي وليس هذا فحسب، لقد وُفقَ قبل أي دين آخر، إذ كان يملك في ذات نفسه قوة فعّالة موجهة نحو الأفعال الحميدة إلى تهذيب الناس، والارتفاع بهم نحو الله، وإنما نجح الإسلام، لأنه لم يكن أقل إهتماماً بالمسؤولية الأخلاقية، عن أقرانه من الأديان التوحيدية الأخرى، التي اعترف بأن أنبياءها إخوانه، ولأنه كان من بعض النواحي أكثر عناية بهذه المسؤولية من أولئك الأنبياء، إذ أدخل في حسابه الضعف البشري، ودعا أتباعه إلى مُثُل عُليا غير بعيدة عن متناولهم، فالفضائل نفسها التي تقدّمها اليهودية والنصرانية بوصفها الغاية القصوى لحياة الأنسان الأخلاقية، لا يقدّمها الإسلام كمُثل عليا فحسب، بل يأمر بها كمُثُل عليا أيضاً” .
” ومن هذه المُثُل العليا، الأشفاق على المخلوقات جميعاً، وحسن التفهُم والصفح والبساطة، واللياقة في العلاقات الاجتماعية، وتقبّل الرزايا، وما إلى ذلك، والآيات القرآنية التي تؤكد على العمل الصالح تُعّد بالآلاف”.
” إن القيود التي فرضها الإسلام على أتباعه – في موضوع التمتع بالحياة- قليلة يتساوى فيها الجميع، وتتمُّ عن حكمة بالغة. واليوم حين تُشنُّ في العالم الغربي حملة قاسية على معاقرة الخمر، وحين يحاول الغرب أن يضع حداً للقمار (الميسر) عن طريق التحريم والتعقيد، هل يستطيع أحد أن يلوم الإسلام لإيصاده في عنف (بابي الحظر) هذين الخمر – الميسر، ولمحاربته إيّاهما بوصفهما سببين في إفساد الروح والثروة جميعاً؟”.
“إنّ الأحاديث النبوية لتحمل إلينا تحديداً للرحمة والإحسان ليس أجمل منه، وهي تردف ذلك بتحديد ليس أدق منه للمفاهيم الأخلاقية” .
” إن السنة النبوية هي أقوى سند لمفهوم الحياة السليمة “.
” إن الناس في حاجة إلى الدين، ولكنهم يريدون من هذا الدين في الوقت نفسه، أن يلبّي حاجاتهم، وألا يكون قريباً إلى عواطفهم فقط، بل أن يقدم إليهم أيضاً الطمأنينة والسلامة في هذه الحياة الحاضرة، وفي الحياة الآخرة معاً، والواقع أن الإسلام يُعنى بهذه المطالب على الوجه الأكمل، لأنه ليس مجرد عقيدة، ولكنه إلى ذلك أيضاً فلسفة حياة. إنه يُعلّم التفكير الصائب، والعمل الصالح، والكلام الصادق، وهو لهذه الأسباب يتخذ سبيله إلى عقل الأنسان وقلبه في غير عسر “.
” لقد اعترفت جميع الأديان إلى حدّ ما، بالأهمية الأخلاقية والاجتماعية الكبرى التي ينطوي عليها تقديم الصدقات، وأوصت بذلك بوصفه تعبيراً حسياً عن الرحمة، وسبيلاً ملائماً لالتماس لطف الله وكرمه، ولكن الإسلام يتمتع وحده بالمجد المتمثل في جعل الصدقة إلزامية، ناقلاً تعاليم المسيح إلى دنيا (الأمر)، ومن ثم إلى دنيا (الواقع) فكل مسلم ملزم بحكم القانون بأن يُخصّص جزءاً من ثروته لمصلحة الفقراء والمحتاجين والمساكين والمسافرين والغرباء (إبن السبيل)، وبأداء هذه الفريضة الدينية يختبر المؤمن حسّا أعمق من الإنسانية، ويطهر روحه من الشح، ويأخذ في حرارة الأمل بالفوز بالمكافأة الإلهية” .
” وعلى كل مسلم إذا توافرت فيه بعض الشروط أن يقوم بالحج إلى مكة مرة واحدة في حياته على الأقل… إن العرب والفرس والترك والأفغان والهنود وأبناء شبه جزيرة الملايو وجزر إندونيسيا والفلبين، وأبناء المغرب والسودان وإفريقيا وغيرهم، كلهم يتجهون نحو الكعبة المقدسة لمجرد إلتماس الغفران من الله الرحمن الرحيم، وهم إذ يلتقون في مثل ذلك المكان لمثل هذا الغرض، إنما ينشئون صلات جديدة من المحبة والأخوة. مرة واحدة في حياة المسلم على الأقل تُلغى الفروق كافّة بين الفقير والغني، بين الشحاذ والأمير إلغاء تاماً، ذلك أن كل حاج مسلم يلبس خلال أداء تلك الفريضة المقدسة الثياب البسيطة نفسها، ويخلف وراءه حُلاه الشخصية، ويتخذ لنفسه شعاراً واحداً ليس غير، هو كلمة: (الله أكبر) – أعتقد أنها تقصد لبيك اللهم لبيك -. والشعائر التي يتعيّن على الحاج أدواؤها من مثل الطواف ببيت الله (الكعبة) واللقاء قرب جبل عرفات، وتقديم الذبائح عند مِنى، توقظ من نفسه ذكرى الأنبياء، والآباء العظام، الذين عاشوا في المواطن نفسها خلال العصور السالفة، إنها تعيد إلى الحياة أعمال إبراهيم مؤسس الدين الخالص، وأعمال إبنه إسماعيل وزوجته هاجر، وهي توقظ في الحاج النزعة إلى تقليدهم في تعاطفهم، وفي خضوعهم لمشيئة الله”.
هذا بعض ما كتبت المستشرقة الإيطالية “لورا فيشيا” في كتابها “دفاع عن الإسلام”، ويمكن باطمئنان اعتبار هذه الكاتبة واعتبار كتابها دلالة ساطعة من قول الله تعلى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم الحق)، فليس شرطاً أن تكون الآيات التي سيريها الله تعالى لهؤلاء القوم آيات كونية فقط، فقد تكون آيات باهرة، بما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية من قيم ومبادئ وشرائع وشعائر وأخلاقيات، تؤكد كلها أنها وحي من عند الله تعالى، وأن القرآن كتاب الله تعالى، وأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رسول مبعوث من عند الله تعالى، وهو كما نلاحظ ما توصلت إليه هذه المستشرقة في سياق كتابها الذي اختارت له هذا العنوان: ” دفاعاً عن الإسلام”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى