أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

لماذا هُزمنا .. وكيف ننتصر؟

الشيخ كمال خطيب
# خماسيات في الإيمان
كثيرون من الناس من يسهّلون على الشيطان أن ينتصر عليهم في معركته معهم، وهو بذلك يسهل على أوليائه من شياطين الإنس كذلك أن ينتصروا عليهم في معركة الصراع بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الهدى والضلال، بين الإيمان والكفر، بين الاسلام وبين أعدائه. إنه ينتصر عليهم حين يزج بهم في خانة اليأس والإحباط والتشاؤم، حيث كان يتوجب عليهم أن يحاربوا اليأس والإحباط وأن ينظروا دائمًا نظرة الأمل والتفاؤل، وأن دوام الحال من المحال، وأنه بين غمضة عين وانتباهتها يغيّر الله من حال إلى حال، وأن أمور العباد والخلائق بل كل هذا الكون بيد الله سبحانه وأنه {إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} آية 82 سورة يس. وأن الله سبحانه لا يتخلى عن أوليائه لأعدائه لدرجة أنه يعطل قوانين الكون ونواميسه إذا أراد سبحانه انتصارًا لهم، كيف لا ورحمته سبحانه وتدخله وإرادته وقدرته كانت حاضرة في أحلك الظروف وأصعب الأوقات كما في خماسية الأنبياء المباركين حيث تجلّت مع يوسف في قاع الجب ومع يونس في بطن الحوت ومع موسى في جوف اليمّ ومع إبراهيم في النار ومع محمد صلى الله عليه وسلم في قلب الغار.
ولأن الصراع بين الحق والباطل، وبين الإسلام وأعدائه يشتد ويحتد حيث موازين قوى الأرض هي لصالح الباطل. فما أحوجنا في هذه المرحلة إن كنا على ثقة أننا على حق بأن نحسن التوكل والثقة بالقوي الذي في السماء سبحانه وتعالى، وكيف لا نفعل ذلك وهو سبحانه الذي أمرنا لمّا قال {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} آية 14 سورة غافر. وهو الذي قال {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} آية 60 سورة غافر. ورسوله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا وحبب إلينا الدعاء وبيّن لنا عظيم فضله لمّا قال: “لا تعجزوا في الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد”. وهو الذي قال صلى الله عليه وسلم: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا. قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ . قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ”. وفي هذا كان قول الشاعر:
لا تسألن بُنيَّ آدم حاجةً وسل الذي أبوابه لا تُحجبُ
الله يغضبُ إن تركت سؤاله وإذا سألَت بَني آدم يغضبُ

# سداسيات في الأخلاق
سئل حكيم في سداسية أسئلة:
من القوي من الناس ومن الضعيف؟ فقال: القوي هو من يستطيع أن يكظم غيظه ويكبت جماح نفسه. أما الضعيف هو من تسمع صوته دائمًا مدويًا ملعلعًا.
وسئل من الثرثار ومن الفصيح؟ فقال: الثرثار هو من يتحدث في كل شيء وبلا معنى. وأما الفصيح فهو الذي لا يتكلم كثيرًا وإذا تكلم أوجز في كلامه.
وسئل فمن العالم ومن الجاهل؟ فقال: العالم هو من تجد عنده المعرفة. وأما الجاهل فهو من يدعي المعرفة دون إدراك أنه لا يعرف ولا يعرف أنه لا يعرف.
وسئل من هو الكريم ومن البخيل؟ فقال: الكريم هو من يعطي بسخاء دون مَنٍ ولا تبذير. أما البخيل فإنه الذي يعيش على أرزاق الآخرين.
وسئل عن الصادق والكاذب، فقال: الصادق هو من يصدق مع نفسه أولًا. وأما الكاذب فهو من غرّه الشيطان بنفسه فيرى نفسه معصومًا لا يخطئ أبدًا.
وسئل عن الناقص والكامل، فقال: الناقص هو كل إنسان. أما الكامل فهو الله وحده جل جلاله.

إن هذه السداسية في الأخلاق وفق فهم ومنطق ذلك الرجل الحكيم للتي تشير إلى أن الله سبحانه قد أتى كل إنسان نصيبه من الرزق ومن الخُلُق، لكن الأخلاق هي حالة يكتسبها الإنسان ويسعى لتحصيلها زيادة في فضائلها وإنقاصًا من سلبياتها، ليس سعيًا للكمال لأن الكمال هو لله وحده سبحانه، ولكن لئلا يتردى الانسان في أخلاقه ومع ذلك يظلّ يرى بنفسه أنه المعصوم الذي لا يخطئ.
سيظل أحدنا من بني آدم، وكل ابن آدم خطّاء، وستظلّ تتنازع فينا الشيطانية والملائكية، فإذا كنا لن نبلغ الثانية فعلى الأقل يجب أن نحرص ألا نكون في الأولى والعياذ بالله.
إن ميزان الأخلاق هو الميزان الأهم بعد ميزان الإيمان والعقيدة، وإن من تمام العقيدة الصحيحة والإيمان الصادق، الأخلاق الفاضلة والعلاقة بين المسلم وبين أفراد المجتمع والناس جميعًا، كما قال صلى الله عليه وسلم “الدين المعاملة”، وكما قال “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”.
وإذا كان أحدهم قد صنّف الإخوان إلى ثلاثة أصناف، صنف كالغذاء تحتاج إليه كل وقت، وصنف كالدواء تحتاج إليه أحيانًا وصنف كالداء لا تحتاج إليه أبدًا. فكن الأول ولا تكن الأخير، كن كالغذاء ولا تكن كالداء.

# سباعيات العجائب
طلبت معلمة من طالباتها أن تكتب كل واحدة منهن وتعدد عجائب الدنيا السبع. فنظرت المعلمة فيما كتبته طالباتها وقد كان تفاوتًا وعدم إجماع على تعداد عجائب الدنيا السبع، لكن كثيرات منهن أشرن إلى أنها الأهرامات في مصر، تاج محل في الهند، الوادي الكبير في الولايات المتحده، قناة بنما، بناية امباير ستيت في نيويورك، كاتدرائيه بيتر باسيلكا في إيطاليا والسور العظيم في الصين.
لكن المعلمة انتبهت إلى أن إحدى الطالبات ما تزال تمسك بورقتها وبيدها القلم فسألتها المعلمة إن كانت تجد صعوبة في حصر عجائب الدنيا السبع وتريد المساعدة لكن الطالبة ترددت ثم دمعت عيناها وبكت وهي تقول أنا أعتقد أن عجائب الدنيا السبع موجودة في كل إنسان منا وهي: أن تسمع، أن ترى، أن تلمس، أن تتذوق، أن تشعر، أن تضحك، أن تحب. ساد الصمت الغرفة ولم يكسر ذلك الصمت إلّا صوت الطالبة مرهفة الحس، صادقة الايمان تقول أنها كلها عطايا الله أعطانا إياها وتتلو قول الله تعالى {وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} آية 20 – 21 سورة الذاريات.
إنها عجائب لا تبني باليد ولا تشترى بالمال، ولكنها صنع الله العظيم كما قال الشاعر:
لله في الآفــــاق آيات لعل أقلّها هو ما إليه هـداكا
ولعل ما في النفس من آياته عجب عجاب لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيراً لها أعــياكا

إنها نِعَم بل إنها عجائب لا نعرف حقيقتها وعظيم إبداع الله فيها إلّا عندما نفقدها وعند حاجتنا إليها. إنها العين بكل أسرارها والأذن بكل عوالمها. إنه اللسان ليس فقط بمخارج الحروف والنبرات، وإنما بقدرته على تذوق الحلو والمالح، الحامض والمر، والحار وغير ذلك.
إنها العجائب في إمكانية أن يضحك أحدنا، وأن يبكي وأن يبتسم، وأن يعبس. ليست أنها المتناقضات أبدًا وإنما هي الآيات الساطعات على عظيم صنع الله يجمع كل هذا في مخلوق واحد اسمه الإنسان، أنا وأنت وهو وهي.
فإذا كانت عجائب الدنيا السبع من أهرامات مصر إلى سور الصين العظيم هي من صنع الانسان ليكون السؤال من هو صانع وخالق الانسان إذًا؟ إنه الله جلّ جلاله الذي خلق هذا الإنسان وهو يميته وهو الذي يحييه مرة اخرى {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} آية 43 – 47 سورة النجم.

# ثمانية الهزيمة وثلاثية النصر ورباعية الذل
سئل أحد العلماء العارفين عن السبب الذي أوصل المسلمين إلى هذه الدرجة من الذل والهوان وتكالب الأعداء عليهم، فقال: إن ما حلّ بنا سببه أننا فضّلنا الثمانية على الثلاثة. فقيل له: ما هي الثمانية، وما هي الثلاث؟ فأجاب: إنها في قول الله تعالى {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} آية 24 سورة التوبة.
إنها الدلالة الواضحة في قول الله سبحانه في تحذير المسلمين من أن يصبح آباؤهم وأبناؤهم وأزواجهم وأموالهم أحب إليهم من الله ورسوله والجهاد في سبيله، ولأن النتيجة عند ذلك ستكون واضحة وضوح الشمس فإنه الذل والعار والهوان.
فإذا كان الله سبحانه قد قال في آيات سورة الصف مبينًا أسباب النصر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْن ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} آية 10-13 سورة الصف. فإن آية سورة التوبة تدل دلالة عكسية واضحة أن نترك هذا كله والتعلق بالأموال والأولاد والتجارة، فإن مصيره الذل والهوان والتربص من الله سبحانه.
ولقد زاد في توضيح ثمانية الهزيمة من الآية الكريمة الرسول صلى الله عليه وسلم عبر أربعة أسباب أخرى وردت في حديث شريف قال فيه صلى الله عليه وسلم: “إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد، سلّط الله عليكم ذلًا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم”.
نعم إن للنصر قوانين وإن للهزيمة كذلك قوانين لا بد لمن يريد النصر لأمته أن يعمل بها وتعمل بها الأمة كلها، ولا بد من ترك والبعد عن تلك التي تكون سببًا في الهزيمة والهوان. وإذا كانت هذه هي ثلاثيات النصر رباعية الهزيمة فإنه وقبل ذلك كله، فإنهما رُكنا وثنائية التوحيد وأساسه لا إله إلا الله محمد رسول الله.
فما أحوجنا ونحن في الزمن الصعب ونحن في ظروف الهوان والهزائم وتكالب الأعداء علينا، فما أحوجنا إلى التفاتة إلى الوراء نستطيع من خلالها أن نبيّن الفرق بين الذي كنا عليه وبين الذي صرنا إليه. إنه الإسلام كنا به أعزة، وأصبحنا اليوم بعد تخلينا عنه أذلة تنبَحُنا لا بل تنهشنا كل كلاب الأرض. كنا معشر العرب أذلّ قوم فأعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
فكما أننا يجب ألّا نفضل الثمانية على الثلاثة كما في جواب العالم الجليل، فإنه يتوجب علينا ألّا نفضل على الإسلام كل مناهج الأرض، لأن الإسلام هو اختيار الله لنا، هو الذي ارتضاه سبحانه لنا فكيف لا نرضاه لأنفسنا {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} آية 3 سورة المائدة. الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها من نعمة.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى