أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

نحو ميثاق اجتماعي للداخل الفلسطيني (4)

قواعد الميثاق
صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
لسنا بصدد كتابة الميثاق لذاته وانتهى الأمر، بل ثمة حاجة أساس أن نتعاطى مع موضوعة العنف بشكل عملي أساسي، ذلكم أنَّ القاتل والمقتول ودائرة الحدث تدور كلها على أرضنا وفي بلداننا، ولذلك فالحاجة أن يكون الحلُّ أيضا من داخلنا، ومعنى ذلك أننا نحتاج الى عمل جماعي وتعاضد أخلاقي ومجتمعي للوقوف أمام هذه الآفة وهذا المرض، وأن تخرج الحلول من بيننا نعمل عليها ونتحملها ونمضي بها إذ الأمراض التي تحتاج الى دواء مرِّ لا مناص للمتطبب من شربه، وهذا لا يعني أبدا إعفاء المؤسسة الرسمية من مهامها، ولكنْ ما حاك جلدك إلا ظفرُكَ، وفاقد الشيء لا يعطيه، ولذلك هناك حاجة واضحة كي يأخذ كل فرد دوره مهما كان هذا الدور وأي كان هذا الدور، وحيث أننا فقدنا قرابة ما سقط شهداء ابان النكبة في اقل من عقدين، يضعنا أمام مواجهة مباشرة مع ذاتنا فنحن أمام مسألة وجود لا أكثر ولا أقل.
ما انفك العنف يضرب مجتمعنا الفلسطيني، وقد أخذ العديد من الاشكال والتنوع تبعا لها، فهناك جرائم القتل على شرف العائلة وهناك القتل للأخذ بالثأر، وهناك القتل بسبب القروض الربوية الفاحشة، وهناك التصفيات الجارية بين عصابات الاجرام المنظم ومساعيهم للسيطرة على مقرات الداخل الفلسطيني، فنحن نتحدث عن آلاف الجرحى والقتلى والمعوقين ومن دُمِرَت حياتهم ومعيشتهم، بل وتم تسليع الجريمة، وهل قتل الإنسان لمجرد خطأ ارتكبه أو خلاف نشب مع آخرين من قبل مأجورين الا تسليع للجريمة وببابها الواسع، وللجريمة بابها الضيق المتمثل بالقتل العمد وهناك أنواع أخرى مختلفة من العنف كفوضى السير وفتح مكبرات الصوت وإزعاج الناس خاصة في ساعات الليل، وهناك الاعتداء على المُلك العام والامثال كثيرة لأنواع العنف في مجتمعنا اليوم.
ولذلك ثمة حاجة لتفكيك هذا العنف ورسم خارطة بيانات واضحة فيه، وهذه مهمة السلطات المحلية أساس ومؤسسات المجتمع الأهلي والمدني بما في ذلك اللجان المحلية، مثل لجان الاصلاح ولجان إفشاء السلام وغيرها.
ثمة حاجة اليوم لتفكيك منظمات الجريمة في بلداننا والجلوس مع اربابها والحديث الصريح معهم فهم في نهاية المطاف جزء من مجتمعاتنا المحلية ومن الكل الفلسطيني في الداخل ا ومجالستهم ومصارحتهم واجبة بحقنا وبحقهم وبهذه الخطوة نقطع نصف الطريق للوصول الى حلول جذرية أخالها في ظل نظام رأسمالي منفتح ومتغول ومتوحش وعفن صعبة المنال لكنها ليست مستحيلة.
قواعد الميثاق
هذه القواعد كما أظنها الأساس الأخلاقي والقيمي والسياسي الذي يمكن للقوى العربية الفاعلة أن تجتمع عليه لتتخذ من الميثاق الاجتماعي اساسا معتمدا وجامعا للعرب في الداخل الفلسطيني بأحزابه وهيئاته التمثيلية السياسية والمجتمعية.
قال الله تعالى “مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ”.
لقد اتفق الناس على إغاثة الملهوف والتشمير لإنقاذ أهل الحتوف (أي المتحقق قتلهم)، وكذلك اتفقوا على ان من رأى مضطرا مظلوما مضطهدا مهضوما وكان متمكنا من دفع مُن ظلمه، فله أن يدفع بكُنه جهده كما له أن يدفع عن نفسه. ولو همَّ رجل أن يأخذ مقدار نزر من مال أنسان ، فله أن يدفعه، وأن أتى الدفع على القاصد ظُلما كان دمه مُهْدرا مُسقطا، فإذا كان يجوز الدفع عن الفلس والنفس بالسلاح والجراح من غير مبالاة بزهوق الأرواح مع التعرض للتردد بين الاخفاق والإنجاح فلو انتفض الدهر عن إمام ذي استقلال وقيام بمهمات الأنام للقي أهل الاسلام اهوالا واختلالا ولأكل بعض الناس بعضا وارتجت الممالك واضطربت المسالك طولا وعرضا فكم من محرمات لو أفضى الامر الى ذلك تهتك وكم من حدود تضيع وتُهمل وكم من مناظم للدين تَدْرُس وكم من معالم تُمحَق وتُطمس وقد يتداعى الأمر إلى أصل الملة أذا لم ينتهض من يحمل عناء الإسلام. (الفقه اللاهب وهو تهذيب كتاب الغياثي للجويني.. قام بتهذيبه العلامة محمد احمد الراشد، قام الكاتب بالتصرف قليلا في النص).
قال الله ﴿لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم) النساء (148). وفيها بيان جواز الخروج على الظالم ولو بوقوع ضرر متوقع، “ومفهوم الآية أن من ظُلِمَ جاز له أن يفعل ما لا يجوز لغير المظلوم فعله، وجاز له أن يقول وأن يرفع صوته وأن يعبر التعبير القوي الذي يبلغ ويوصل مظلوميته. فله أن يرفع من سقف احتجاجه، ومن سقف مقاومته للظلم… ليس هناك حـد لهـذا الاحتجـاج، بـل هو الاحتجاج على الظلـم، والاحتجـاج بـدون شـك هـو نوع من إنكار المنكر، ونوع من تغيير المنكر، وتغيير المنكر كما يقول العلماء من ضوابطه ألا يـأتي بمنكـر أكبر.. وإذا أقدم على إنكار المنكـر، وما فيه تغيير المنكر، وهـو يـرى أن هـذا التغيـير حتـى لـو كان فيه بعض الأضرار، وبعض الخـسائر، سيـؤدي إلى إزالـة هـذا المنكـر، ولا يـأتي بمنكـر أكـبر منـه، فـإن هـذا الاحتجاج يجوز. أحمد الريسوني: “فقه الاحتجاج والتغيير، مقالات وحوارات”.
العلاقات بين الناس في مجتمعنا مؤسسة على مبادئ اليسر والتيسير ورفع الحرج. يقول الله تعالى ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (رحم الله سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى).
والعلاقات بين أبناء مجتمعنا في الداخل الفلسطيني ومع الاخرين مؤسسة كذلك على رعاية مصالح الناس جميعا وعلى تحقيق العدالة ومنع الظلم بين الافراد والتزام العدل والتوسط في الأمور كلها وبحسب العادات، يقول الله تعالى (أنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )ويقول (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)..
والعلاقات بيننا كذلك مبنية على قاعدة الصفح الجميل والاعراض عن مواجهة السيئة بمثلها والإعراض عن الجاهلين “…وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا” ويقول الله تعالى ” فاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى