أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الدول الإمبريالية والصناديق المانحة الإمبريالية

عبد الإله وليد المعلواني
منذ أن كنت صغيرا وأنا أسمع مصطلح (الإمبريالية) أو (الإمبريالية الأمريكية) ثمّ لمّا بلغت سن الرشد وبدأت أعي ما يدور حولي وعلى الصعيد المحلي والعالمي، أدركت أن الإمبريالية قد تكون سياسية أو ثقافية أو عسكرية أو اقتصادية أو إعلامية، وقد أشبع ذلك بحثا د. إدوارد سعيد، وأدركت أن هذه الإمبريالية في كل مظاهرها قد تكون إمبريالية أمريكية أو روسية أو أوروبية أو صينية أو إيرانية، وقد تكون إمبريالية رأسمالية أو شيوعية او باطنية أو وثنية او شركية، وقد تكون ديموقراطية أو إباحية أو ليبرالية أو علمانية، وقد ينظّر لها فيلسوف أو شاعر أو أديب أو إعلامي، ومنذ أن ولدت وحتى الآن وهي لا تزال تهدف إلى الهيمنة المطلقة على الشعوب الضعيفة وعلى ثرواتها وقيمها وثوابتها وهويتها وإرادتها وسيادتها وقرارها، وقد تلبس الإمبريالية ثوبا مزيفا ومزخرفا وتدّعي أنها قامت لنشر الحداثة أو الحرية أو التحرر أو الاستقلال أو حق تقرير المصير أو حقوق الإنسان أو حقوق المرأة أو حقوق العمال أو العدالة الاجتماعية، وتحت كل هذه الإدعاءات أو بعضها لا تزال تشرعن لنفسها إحتلال الشعوب الضعيفة واستباحة قتل بعض شرائحها وفرض الهيمنة على برّها وبحرها وجوّها، والتحكم بما تزرع وتصنع، والتغلغل في أسلوب عيشها وطعامها وشرابها ولباسها ولغتها وإعلامها ومناهج التعليم فيها وماهية نظام الحكم فيها وماهية سلوكها الفردي والجماعي والمجتمعي، وقد تفرض الإمبريالية نفسها على المكشوف بقوة السلاح على الشعوب الضعيفة لتحقق كل أطماعها البهيمية التي ذكرتها أعلاه، وقد تفرض نفسها من خلال صناديقها المانحة أو من خلال أزلام لها صنعتهم على عينها من أبناء وبنات هذه الشعوب الضعيفة، ولذلك فإن الإمبريالية آفة متوحشة لا يمكن التفريق بين أدواتها وأهدافها وإسقاطاتها وارتدادات إسقاطاتها، سواء كانت بأداة عسكرية أو سياسية أو إعلامية أو ثقافية أو قيمية أو تعليمية أو اقتصادية، وسواء كانت عن طريق احتلال عسكري مباشر أو عن طريق دخول قواتها إلى أوطان الشعوب الضعيفة بادعاء حمايتها أو عن طريق صناديقها المانحة أو عن طريق قطاريزها الذين صنعتهم على عينها من أبناء وبنات الشعوب الضعيفة، وأضفت على أحدهم لقب رئيس أو ملك أو أمير أو وزير أو قائد أو فريق او حتى إمبراطور، أو عن طريق بعض الأحزاب أو عن طريق بعض جمعيات المجتمع المدني التي قامت في هذه الشعوب الضعيفة من بين أبنائها وبناتها، ومن السذاجة بمكان أن يفرق بعض الطيبين المخدوعين بين كوارث الإمبريالية بناء على تفريقهم بين أدواتها، فإذا كانت بأداة عسكرية هاج هؤلاء الطيبون المخدوعون وراحوا يسبون علانية الإمبريالية وحاضنتها والمتعاونين معها حتى لو كانوا من بني جلدة هؤلاء الطيبين المخدوعين، ولكن إذا كانت الإمبريالية بأداة ثقافية أو عن طريق الصناديق المانحة أو عن طريق أحزاب أو قيادات أو جمعيات صنعتها الإمبريالية من بني جلدة هؤلاء الطيبين المخدوعين، فالعجب كل العجب أن الكثير من هؤلاء الطيبين المخدوعين قد يصفقون للإمبريالية ويهتفون باسمها ويشرعنون اختراقها لشعوبهم بادعاء أن هذه هي الحداثة والتحضر والانفتاح والتحرر والحرية!! ولذلك كم هي صورتهم مضحكة ومؤلمة وتستدر الشفقة أولئك القوم من بني جلدتنا في الداخل الفلسطيني، الذين لا يزالون يلعنون الإمبريالية الغربية جهارا نهارا إذا كانت بأداة عسكرية، وفي المقابل يحتضنونها ويروجون لها وينافحون عنها إذا كانت بأداة ثقافية أو عن طريق الصناديق المانحة، وعلى سبيل المثال لا يزال بعض الناشطين من الجبهة والتجمع يشنون هجوما لا هوادة فيه على الإمبريالية الغربية بأداتها العسكرية وفي المقابل يتواصلون مع هذه الإمبريالية من خلال صناديقها المانحة سواء كانت أوروبية أو أمريكية بل حتى لو كانت صهيونية أمريكية أو صهيونية أوروبية، ولا شك أن أسماء هذه الصناديق الإمبريالية الغربية معروفة، ولا شك أن أسماء الأفراد والجمعيات من بني جلدتنا في الداخل الفلسطيني المتواصلين مع هذه الصناديق الإمبريالية الغربية معروفة، ومن المكابرة إنكار ذلك أو الهروب منه إلى لغة المماحكة!! ولا شك أن هذه الصناديق الإمبريالية الغربية يوم أن تمنح بيد فإنها تفرض أجندتها وسياساتها بيدها الأخرى على الأفراد والجمعيات الممنوحين من بني جلدتنا في الداخل الفلسطيني، ومن ينكر ذلك فهو يكابر، وواقعنا المرير المفكك يرد على مكابرته!! ولا شك أن هذه الصناديق الإمبريالية الغربية تريد دفعنا إلى نفق مظلم بلا مخرج، وتريد خلط الحابل بالنابل في مسيرة مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، وتريد مسح الحد الفاصل بين الصمود والعمالة كيّما يصبح كل شيء مباحا بادعاء أنه وجهة نظر!! ولذلك من المضحك المبكي أن نجد أن جعفر فرح الذي كاد يصبح عضو كنيست في لعبة الكنيست رقم (21) عن الجبهة يرأس جمعية مساواة التي تتلقى دعما ماليا سنويا بالملايين من هذه الصناديق الإمبريالية الغربية!! وأن نجد أن عايدة توما عضو الكنيست عن الجبهة في أكثر من دورة للعبة الكنيست كان لها دورها الفعّال بإنشاء جمعيات نسوية في الداخل الفلسطيني وربط هذه الجمعيات مع الصناديق الإمبريالية الغربية!! و أن نجد ثابت أبو راس العضو في سكرتاريا الجبهة القطرية هو موظف نافذ في صندوق إبراهيم الصهيوني الإمبريالي!! وأن نجد أن ائتلاف 17/9 الوهمي الذي قام قبيل انتخابات لعبة الكنيست رقم (22) قد تلقى دعما ماليا خياليا على المكشوف من صناديق مانحة صهيونية أمريكية علما أن بعض أعضاء هذا الائتلاف الوهمي هم من الناشطين في الجبهة والتجمع!! وأن نجد أن القائمة المشتركة المكونة من الجبهة والجنوبية والتجمع والطيبي قد تلقت دعما ماليا خياليا خلال حملتها الانتخابية قبيل انتخابات لعبة الكنيست رقم (22) من نفس هذه الصناديق المانحة الصهيونية الأمريكية!! والمقالة لا تتسع للتفصيل أكثر في هذه المضحكات المبكيات!! ومن المبكيات غير المضحكات أن الصناديق المانحة الإمبريالية لا تمنح مجانا وكأن لسان حالها يقول: لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، بل تمنح لتفرض ماهية النشاط على كل فرد أو جمعية ممنوحة!! لدرجة أنها قد تتدخل بتعيين الموظفين في هذه الجمعية الممنوحة!! وقد تتدخل بأعلام وشعارات ونشاطات هذه الجمعية الممنوحة!! ونملك من الدلائل ما يكفي!! وقد تتدخل لفرض تبني بعض القضايا على هذه الجمعية الممنوحة بغية أن تواصل هذه الجمعية إثارتها حتى لو كانت وهمية!! طمعا من هذه الصناديق المانحة الإمبريالية أن تتحول هذه القضايا الوهمية إلى جزء من إعلامنا ونشاطنا ونقاشنا وخطابنا في الداخل الفلسطيني، وإن كانت قضايا وهمية افتعلتها الصناديق المانحة الإمبريالية أو الجمعيات الممنوحة بعامة، والجمعيات النسوية بخاصة، ولذلك كم كانت صريحة وجريئة الناشطة فرات إبراهيم، عندما كتبت في تغريدتها بتاريخ 15/ 8/2019، تقول: (النسوية المتطرفة خطر كبير على كرامة وإنسانية المرأة، فهي الوجه الثاني للعملة الشيطانية تماما كما الذكورية الداعشية، القامعة، الظالمة، النسوية المتطرفة الإباحية والتي تروّج لحرية المرأة والرجل المطلقة بفعل ما يريدون رامين بعرض الحائط بأن الحرية التي لا تضبطها قواعد وحدود وقيم وقوانين لا تعتبر حرية، بل تعتبر انحراف وانفلات أخلاقي واجتماعي… النسوية المتطرفة ركّزت على ما ترتديه المرأة من ملابس قصرت أو طالت فيما عرّت عقلها وسطحت ثقافتها وأهملت تعليمها وتمكينها الثقافي والاجتماعي. ببالغ الخطورة أرى أن علينا التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة آباء وأمهات بوعي كبير عبر الحوار الهادف الفعّال بحب وشفافية مع أولادنا وبناتنا بهدف تحصينهم بالثقافة الواعية والرقابة الذاتية والأدوات الكافية، لمواجهة هذا الفكر المتطرف، نسوي أو ذكوري متطرف)، وكم صدقت الناشطة فرات إبراهيم في تغريدتها، فها هي النسوية المتطرفة تحاول فرض مقولة (ما يسمى شرف العائلة) علينا، وكأنه لا يوجد شرف ولا يحزنون، وكأنه يحق للمرأة أن تفعل ما تشاء بلا ضوابط!! وها هي النسوية المتطرفة تحاول فرض مقولتها الملغومة (المرأة تملك جسدها) علينا، وهي ملغومة لأن المرأة لا تملك جسدها، كما أن الرجل لا يملك جسده، وجسد كل منهما هو أمانة من عند الله تعالى يجب أن يحفظها بما أمر الله تعالى به أو نهى عنه، وسيسأل كلا من الرجل والمرأة عن هذه الأمانة يوم القيامة، وقد حاولت النسوية المتطرفة إشاعة هذه المقولة الملغومة (المرأة تملك جسدها) وكأنها تريد أن تقول: إن المرأة ما دامت تملك جسدها، فلها أن تتصرف به كيف تشاء؟! ولا ندري هل معنى ذلك أن النسوية المتطرفة تجيز للمرأة الانتحار وتعاطي المخدرات وبيع بعض أعضائها وأكل لحوم البشر وإعدام جنينها ابن الثمانية أشهر في بطنها بادعاء أنها تملك جسدها؟! وها هي النسوية المتطرفة باتت تروّج للشذوذ الجنسي للرجال أو للنساء وإشاعة الحريات الجنسية والجندرية، وباتت تقيم المظاهرات نصرة لهذا الشذوذ ولهذا الانفلات، كتلك المظاهرة التي تقدمتها عضو الكنيست عايدة توما في حيفا لمناصرة الشذوذ الجنسي!! وهذا الشذوذ والانفلات يعني تفكك مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، وتفكك مجتمعنا في الداخل الفلسطيني يعني تحوله إلى أرض خصبة للعنف، وهو ما بتنا نعاني منه الآن.
وحتى ندرك خطر هذا الاختراق لمجتمعنا من قبل الصناديق المانحة الإمبريالية عبر جمعيات بعامة ونسوية متطرفة بخاصة في الداخل الفلسطيني، فقد نشرت بعض الجمعيات النسوية بيانا بتاريخ 30/7/ 2019 قالت فيه: (… وأن نبذل جهودا حثيثة في نشر قيم احترام الاختلاف والتعددية الجنسية والجندرية…) وقالت فيه (من أجل العمل على بناء مجتمع مدني فلسطيني… يتيح للأفراد العيش على نحو منفتح ومتساو، بغض النظر عن الجنسانية، الميول والهوية الجنسية والجندرية…) وهي دعوة صريحة لا لبس فيها لإشاعة الشذوذ الجنسي في مجتمعنا في الداخل الفلسطيني من أجل عيون الصناديق المانحة الإمبريالية!! وهي إعلان حرب على ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية!! وقد أشبع هذا الموضوع بحثا الإعلامي الكبير المرحوم عبد الحكيم مفيد قبل سنوات في سلسة مقالات له نشرتها صحيفة صوت الحق والحرية قبل حظرها إسرائيليا!! والمبكي غير المضحك أنها قد وقعت على هذا البيان الذي نشرته جمعيات نسوية ثلاث وثلاثون جمعية في الداخل الفلسطيني، ولا أظن واحدة من هذه الجمعيات تملك رفض التوقيع على هذا البيان، لأنها تتلقى دعما من الصناديق المانحة الإمبريالية التي تفرض عليها أن توقّع على هذا البيان، كجزء من هيمنة هذه الصناديق على هذه الجمعيات الممنوحة!! والمبكي غير المضحك أنها كانت من ضمن الجمعيات التي وقّعت على هذا البيان المركز العربي للتخطيط البديل، وإنجاز (المركز المهني لتطوير الحكم المحلي للسلطات المحلية العربية)، وجمعية الجليل وجمعية الثقافة العربية وحركة النساء الديموقراطيات (إحدى مؤسسات الجبهة) وعدالة ولجنة متابعة التعليم العربي ومركز مساواة…، فهذا البيان وهذه التواقيع عليه من ثلاث وثلاثين جمعية نذير خطر لنا أننا في لحظات ما قبل الانهيار!! وما قبل تفكك مجتمعنا وتحويله إلى أرض خصبة للعنف والانفلات!! وما أسهل على المؤسسة الإسرائيلية ترحيلنا عند ذلك!! فهل من مدكر؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى