أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

في لقاء مع صحيفة “المدينة”.. الدكتور مهند مصطفى: الثورات العربية قد تصل لمبتغاها النهائي في الجيل القادم واستعجال نتائجها يدل على نفاذ صبرنا وليس على نفاذها

حركة النهضة كانت حركة منفى بينما الاخوان المسلمين في مصر كانوا حركة وطن
النظام المصري هو حالة فريدة من نظام استبدادي فاشي دون ايديولوجية فاشية
الانقلاب في مصر هو نقطة التحول المركزية في تعثر الثورات العربية وليست الحالة السورية
اثبتت احتجاجات وثورات الجزائر، السودان، العراق ولبنان أن الثورات بذرت بذورها في حركة التاريخ العربي
التحرر من الاستبداد هو منطلق نهضة العرب والمسلمين

أجري اللقاء: عبد الإله وليد المعلواني
في خضم الاحداث في العالم العربي في الاشهر الماضية، بدءا باحتجاجات الجزائر مرورا بما حدث في السودان وانتهاء بالاحتجاجات في لبنان، تستدعي الكثير من الاسئلة حول مآلات الثورات العربية التي اندلعت في نهاية عم 2010. وحول هذه الاسئلة، تلتقي “المدينة” مع الدكتور مهند مصطفى، مدير عام مدى الكرمل: المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية في حيفا، ومحاضر مشارك في الكلية الاكاديمية بيت بيرل، ورئيس قسم التاريخ في المعهد الأكاديمي العربي للتربية في بيت بيرل، ومحاضر غير مشارك في برنامج الماجستير سياسات شرق اوسطية في مدرسة العلوم السياسية في جامعة حيفا. حصل الدكتور مهند على إجازة الدكتوراه من جامعة حيفا، وتناولت أطروحته النظم السلطوية والمعارضة الاسلامية والتحول الديمقراطي من خلال بحث مقارن بين مصر وتونس. وعمل باحثا زائرا لمدة عام في مركز الدراسات الاسلامية في جامعة كامبردج، وكتب بحثا حول التراث السياسي الاسلامي وتحولاته وعلاقته بالثورات العربية الحالية. نشر العديد من الدراسات حول الحركات الاسلامية بعد الثورات العربية، وسؤال الاندماج الاجتماعي والنظم الانتخابية والتحول الديمقراطي في العالم العربي. وكان للمدينة هذا اللقاء معه حول التطورات الاخيرة في العالم العربي.
ما هي القراءة الأولى التمهيدية لما يحدث في الأشهر الأخيرة في العالم العربي؟
هنالك قراءتان لما يحدث حاليا في العالم العربي، قراءة اسميها وجدانية وقراءة أخرى تحمل مقاربة نظرية وتاريخية. بالنسبة للقراءة الوجدانية فهي ضرورة التحلي بالتفاؤل من حراك الشعوب العربية، والعزوف عن المقاربات الثقافية التي تعمل على وصم العرب والمسلمين بالتخاذل والانصياع الفطري للاستبداد بكل أشكاله. في السنوات الأخيرة كان يستغرب طلابي من هذا التفاؤل الذي حملته لهم خلال محاضراتي عن مآلات الثورات العربية، قبل الغرق في أي مقاربة نظرية أو تحليل سياسي وتاريخي لما يحدث. ويعود هذا الاستغراب إلى حالة الاحباط من الثورات العربية لدرجة الغضب على الشعوب العربية والاسلامية، لاسيّما بعد الانقلاب العسكري في مصر عام 2013. أما القراءة النظرية والتاريخية فهي ما توضحه ثورات واحتجاجات الشعوب العربية في الجزائر والسودان ومصر والعراق ولبنان، أن الثورات العربية التي خرجت في الأساس ضد الاستبداد وبنيته المتشعبة في الدولة والمجتمع والثقافة لم تصل إلى نهايتها، فهي مستمرة. في بعض المواقع قد تصل إلى مبتغاها النهائي في الجيل القادم واستعجال نتائجها يدل على نفاذ صبرنا وليس على نفاذها. تشترك هذه الاحتجاجات في أنها تبدأ كحركة احتجاج او حراك ثوري من اجل العدالة الاجتماعية بمفهومها الواسع، ثم ما تلبث أن تصل إلى نتيجة أن هذه غياب هذه العدالة هو نتيجة الاستبداد السياسي.
لماذا تعتبر أن الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، بداية الاحباط من الثورات العربية؟
الانقلاب العسكري في مصر في تموز 2013 هو نقطة الكسر في الثورات العربية، ولكنه كسر مؤقت، ولكن نتائجه كانت كارثية بلا شك. الكثير من الباحثين يعتقدون أن الثورة السورية وما رافقها من قتل جماعي وتهجير غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، وتدمير الحاضرة المدنية السورية وريفها، هو نقطة الكسر في الثورات العربية ضد الاستبداد. ولكن في اعتقادي ان الانقلاب العسكري في مصر كان نقطة الكسر الحقيقية، وليس صدفة أن يظهر تنظيم مثل “داعش” بعد الانقلاب العسكري في مصر، ويمكن التفصيل الكثير في هذا الشأن. مثلا كيف لانقلاب عسكري في مصر أن ينعكس على نشوء تنظيم مثل هذا التنظيم في الشام والعراق. أعتقد أن ضرب المشروع والتحول الديمقراطي في مصر، كان له تأثيرات كارثية على الثورات العربية فيما بعد نحو تعزيز القوى المضادة للثورات العربية، التي رأت في نجاح التحول الديمقراطي في مصر بداية تحول تاريخي في العالم العربي نحو تفكيك الاستبداد في العالم العربي وقواه غير الديمقراطية المعادية لإرادة الشعوب. فنجاح التحول الديمقراطي في مصر وما يحمل من تأثير على العالم العربي أهم من نجاح التجربة التونسية وتأثيرها بكثير.
اذن، دعنا نبدأ بالحراك الشعبي في مصر في الفترة الأخيرة، هل فشل هذا الحراك، وهل أصبح نظام العسكر في مصر حالة مستقرة؟
قبل اندلاع الثورة المصرية بأشهر، عقد في جامعة تل ابيب مؤتمرا عن النظم السياسية العربية، وتحديدا حول النظام المصري، وقد كتب المنظمون في ورقة مرجعية المؤتمر أنه يحاول سبر أغوار السر وراء استقرار النظام السلطوي العربي عموما والمصري تحديدا واستعصاء التحول الديمقراطي والتغيير السياسي في هذه الأنظمة، بمعنى أن الإطار المعرفي الذي انطلق منه المؤتمر هو استقرار النظم السلطوية العربية. بعد أشهر قليلة اندلعت الثورة التونسية والمصرية واسقطت النظام في تونس ورأس النظام في مصر. اذن، استأنفت الثورات العربية على الاطر النظرية والمعرفية التي استقرت عقود في تحليل ومقاربة النظام السياسي العربي. لذلك لا يمكن الادعاء ان النظام المصري الحالي استقرت أركانه. الثورة المصرية مرت بتعثر منذ بدايتها، وارتكبت أخطاء، علينا ان نفهم ان الثورات الشعبية في المجتمعات العربية هي حالة استثنائية في التاريخ العربي، ما حرّك التحولات الكبرى في التاريخ العربي هو الانقلابات العسكرية والقبلية، معتمدة على موروث التغلب والعصبية كما جاء في مقدمة ابن خلدون. الحراك الشعبي للتغيير السياسي هو ظاهرة جديدة وقد ترتكب الاخطاء، منها ما يرجعها إلى المربع السلطوي ويُحدث ردة عن التحول الديمقراطي. اريد ان اذكر فقط ان الثورة الفرنسية، وهي ثورة شعبية ضد السلطة الملكية المستبدة نجحت في اسقاط العائلة المالكة، ولكنها ارتدت إلى نظام ارهاب ضد الشعب، أكثر فتكا من النظام الملكي، ثم عاد الحكم الملكي من جديد مرورا بحكم بونابرت، وبعد عقود استقرت الثورة الفرنسية ضمن جمهورية ديمقراطية تضع ارادة وسيادة الشعب في المركز. صحيح ان التحولات السياسية في فرنسا في العقود الأولى بعد الثورة ربما اصابت قطاعات اجتماعية بالإحباط، ومنهم من تمنى عودة اسرة البوربون الملكية للحكم، ولكن الثورة زرعت بذورها في حركة التاريخ الفرنسي، التي نمت لاحقا مُولدة واحدة من أهم الثورات الشعبية في التاريخ الانساني، حيث ضرب ارتدادها مناطق أخرى في العالم.
كيف تطبق ذلك على الحالة المصرية؟
لا أؤمن بالمطابقات التاريخية بين حالات وسياقات مختلفة، ولكن الدرس من الثورة الفرنسية، على سبيل المثال لا الحصر، مهم جدا. واقول ذلك لأن أغلب ثورات التحول الديمقراطي في أمريكا اللاتينية مرت بنفس المسيرة تقريبا، من ردة عن التحول الديمقراطي ومن ثم عودة من جديد للمسار الديمقراطي، كما حدث مثلا في الارجنتين. ولكن النظام المصري يعتقد انه يستطيع اجتثاث بذور ثورة يناير، فالنظام السلطوي يتعلم ايضا من ثورات الشعوب الاخرى محاولا تثبيت اركانه ضد ثورات مستقبلية. فمثلا النظام المصري يحاول جاهدا اجتثاث بذور ثورة يناير، من خلال تشويه سردية الثورة وأهدافها، وذلك في الخطاب الاعلامي والسياسي ومناهج التعليم، وارجاع كل أزمات مصر إلى هذه الثورة. والاهم من كل ذلك، يحاول النظام المصري بناء نظام سلطوي قريب من النظام السوري، فيه من الفاشية ما فيه. وهذا سيكون مكمن دماره لاحقا. لأنه يتناقض مع منطق المجتمع والثقافة والتاريخ المصري. نظام مبارك كان نظاما سلطويا ولكنه لم يكن فاشيا، النظام المصري يبني سلطويته واستبداده بعكس منطق التاريخ والمجتمع، وهو فاشيّ بدون ايديولوجيا فاشية، وهي حالة مذهلة تحتاج للدراسة أكثر، فهو نظام فاشيّ في ممارساته وأساليبه دون منطق ايديولوجي يوجه هذه الفاشية، كما كانت النظم الفاشية في القرن العشرين. لذلك نراه يُمارس الارهاب بكل أشكاله، كما حدث في فرنسا، لاجتثاث قيّم ثورة يناير وقمع كل حراك شعبي ضده بأساليب النظم السلطوية في شرق أوروبا وجنوب امريكا في سنوات الستينات والسبعينات، لذلك نراه يأكل حتى داعميه، لذلك فإن بذور يناير ستنمو وتزدهر، لأن حركة يناير هي المُعبّرة عن مصر وليس نظام ارتد إلى سراديب أنظمة سياسية ظلامية اختفت من الخارطة تقريبا.
هل الاحتجاجات في لبنان هي امتداد للحراكات الشعبية الاخيرة؟
بكل تأكيد، الاحتجاج الشعبي الاخير في لبنان كان عام 2005، في أعقاب اغتيال رفيق الحريري في شباط نفس العام، والتي أدت بالنهاية إلى خروج القوات السورية من لبنان. لكن الاحتجاج الحالي يختلف في تقاطعه مع فئات اجتماعية وسياسية مختلفة وامتداده ومثابرته، دون ان تنتج اصطفافات سياسية وطائفية جديدة كما حدث عام 2005. بل هي مطالب جماهيرية تؤسس لكتلة جماهيرية وشعبية تريد الخروج من المأزق الاقتصادي والسياسي في لبنان. وهي تلتقي مع منطق الثورات العربية بغياب تنظيم سياسي او انتماء طائفي يحركها، على عكس ما كان عام 2005.
ما هي معالم المأزق السياسي في لبنان؟
أولا دعني اضيف منطق اخر يلتقي فيه الاحتجاج في لبنان مع منطق الثورات العربية، ويلتقي من سؤالك حول المأزق السياسي. وهو ان الثورات رفعت في البداية شعار العدالة الاجتماعية، ولكن فهم الثوار بعدها أنه لا يمكن تحقيق هذه العدالة في ظل وجود الاستبداد السياسي، لذلك تحولت الثورات إلى ثورات لإسقاط النظام. النظام السياسي في لبنان الحالي خرج من واقع الحرب الاهلية بتوقيع اتفاق الطائف، الذي أنهى هذه الحرب. ولكن النظام كان نظاما عائليا وطائفيا. ليس صحيح أن النظام اللبناني في جوهره طائفي، بل هو نظام لبعض عائلات تنتج بشكل مستمر ومثابر سياسات طائفية تضمن هيمنتها على المشهد السياسي، فتحول النظام إلى نظام محاصصة طائفية، وهو في الحقيقة نظام محاصصة بين عائلات وحركات سياسية تستعمل منطق الطوائف. رغم أن السُنة لم يكونوا يوما طائفة بمفهومها الحديث. اعتقد أن الاحتجاج في لبنان يدرك العلاقة بين منطق النظام السياسي في لبنان والازمة الاقتصادية فيه.
لا شك ان السودان كان حالة مهمة في مسيرة الثورات العربية، كيف تقرأ ما حدث في السودان؟
كلام سليم، ودعني اضيف ما حدث في الجزائر قبل ذلك، الاحتجاج الجزائري والثورة السودانية اعادتا الأمل من جديد للشعوب العربية بقدرتها على التغيير، وخاصة كما ذكرت سابقا، بعد المحاولات الحثيثة لقوى مناهضة للتحول الديمقراطي في العالم العربي من عرب وغير عرب على تشويه الثورات ونزع الروح الثورية من نفوس الشعوب العربية، من خلال دعم النظام العسكري في مصر وإغراق سوريا في صراع تدميري. في السودان تحديدا، حمل كل طرف، أي الثوار من جهة والنظام من جهة اخرى تجارب سابقة من تاريخ السودان والمنطقة. في السودان لم تكن هذه أول مرة يسقط فيها نظام عسكري، كان هنالك تجربتين لبداية تحول ديمقراطي في السودان بعد ثورة عام 1964 وثورة 1985، إلا أن التحول لم يكتمل لان التغيير السياسي لم يكتمل، في ثورة 1985 أفضت التجربة عن صعود نظام سلطوي يحكمه عمر البشير. فهم الثوار هذه المرة الدرس التاريخي، فحتى بعد تنحية عمر البشير استمر رفض الثوار لحكم المجلس العسكري، الذي أراد محاكاة التجربة المصرية، وفعلا حاول الاحتيال عليهم بوعود للإصلاح السياسي وعندما فشل حول قمعهم من خلال ارتكاب مجزرة بحقهم، غير أن الثوار تمسكوا بمطالبهم، مستفيدين أيضا من أخطاء الثورة المصرية، واعتقد أن ثوار السودان قد يعيدون تجربة الثورة التونسية إذا تمسكوا بمطلب تحييد العسكر عن الحكم حتى النهاية.
هل الانتخابات التونسية ساهمت في بلورة الامل لدى الشعوب العربية بالقدرة على التحرر من الاستبداد؟
التجربة التونسية هي تجربة هامة في اعطاء نموذج للتحول الديمقراطي وتفكيك الاستبداد، نجحت التجربة التونسية لان القوى المركزية اتفقت على المشروع الديمقراطي كإطار ينظم الصراع السياسي بينها، ولأسباب تتعلق بالتجربة التاريخية التونسية نفسها لا يمكن التفصيل بها هنا. ولكن استمرار انعقاد الانتخابات وتغيير السلطة، وليس النظام الديمقراطي، كما حدث في مصر في اعقاب الانقلاب، الذي غيّر النظام وليس السلطة فقط متمثلة بالرئيس محمد مرسي رحمه الله، يساهم في تعزيز النظام الديمقراطي كثقافة وليس فقط كتسوية لتنظيم الصراع السياسي بين المتنافسين. ولا شك أن دور حركة النهضة التونسية كان حاسما في تعزيز التحول الديمقراطي في تونس، حيث استأنفت هذه التجربة على كل المقولات الثقافية والاستشراقية عن استحالة انخراط الحركات الاسلامية في النظام الديمقراطي. أكثر من ذلك، تقدم حركة النهضة نموذجا عن دور حركة اسلامية لم تنخرط في النظام الديمقراطي فحسب، بل ساهمت في بلورته والدفع به، واضعة انحيازها للمشروع الديمقراطي التونسي كجزء من منظومة المصالح الشرعية والعامة وفق المنظور الاسلامي كما تأصله في العصر الراهن.
وفي مصر؟
مصر توافقت القوى السياسية على اسقاط النظام، ولكنها لم تتوافق على النظام الديمقراطي بشكل جوهري وحقيقي، لذلك عندما صعد الاخوان للحكم عبر انتخابات ديمقراطية، تحالف ضدهم العسكر، وبيروقراطية الدولة، وقوى سياسية أخرى نادت بالتحول الديمقراطي سابقا، ولكنها لم تقبل الديمقراطية عندما صعد الاخوان للحكم عبر الانتخابات، فدعموا انقلابا عسكريا أنتج نظاما أكثر استبدادا وفتكا بالمصريين من نظام مبارك.
كيف ترى الاختلاف بين تجربة الاخوان في مصر وحركة النهضة في تونس؟
طبعا السياق السلطوي مختلف، ودور المجتمع المدني والقوى السياسية مختلف بين الحالتين، وكلها تلعب دورا في تباين تجربة الحركتين ايضا. ولكن اعتقد أن الاختلاف بين الحركتين هو بالتجربة التاريخية لهما في سياق العلاقة مع النظام الاستبدادي. حركة النهضة منذ بداية التسعينات وحتى الثورة التونسية، كانت حركة منفي خارج الوطن، اشتغلت بالأساس بالقضايا الفكرية واقل بالقضايا التنظيمية، بينما الاخوان المسلمين في مصر كانوا حركة وطن في صراع متواصل مع النظام، فاشتغلت بالقضايا التنظيمية والعمل المدني والاجتماعي واقل بالمسائل الفكرية. المفارقة الان، ان حركة المنفى باتت حركة وطن، وحركة الوطن باتت حركة منفى بعد الانقلاب. صحيح ان حركة الاخوان في مصر كانت محظورة منذ الخمسينات، ولكن النظام السلطوي اعطاها حيز للعمل منذ السبعينات، كان يتقلص ويتوسع حسب مصالح النظام السلطوي. لماذا هذا التمايز هام، لأنه يجعلك تفهم كيف ان الاخوان المسلمين في مصر في ظل ملاحقة مستمرة كان لا بد لهم ان يطوروا تنظيمهم كحركة وطن لمواجهة ملاحقة وقمع السلطة لهم، بينما حركة النهضة كحركة منفى ركزت على الجانب الفكري في مقارعة نظام سلطوي ايديولوجي عزّز استبداده تحت غطاء خطاب ليبرالي في القضايا الاجتماعية. النظام المصري منذ السبعينات لم يكن نظام أيديولوجي بل نظام سلطوي براغماتي همّه الاساسي الحفاظ على بقاءه واستقراره، وقد تبنى في سبيل ذلك خطابا دينيا في بعض الاحيان، لمقارعة المعارضة الاسلامية التي مثلتها حركة الاخوان المسلمين. كحركة وطن تواجه نظام استبداد براغماتي فمن الطبيعي التركيز على تنظيم صفوفك، لذلك ظهر الاخوان الاكثر تنظيما في مصر خلال الثورة وبعدها، كحركة منفى امام نظام استبدادي ايديولوجي فمن الطبيعي ان تطور فكرا ومقاربات اسلامية لقضايا معاصرة وذلك لفضح التناقض في النظام القائم بين استبداديته وبين ليبراليته كما كان في الحالة التونسية.
هل يتحمل الاخوان المسلمين مسؤولية ما عما حدث في مصر؟
بالطبع لا، مرة وجّه لي أحد الطلاب الغيورين على التحول الديمقراطي بمصر هذا السؤال، قلت له لا انوي تحميل الضحية أخطاء من قمعها. الاخوان رغم اخطاءهم، لا تبرر الانقلاب على حكمهم، وهو انقلاب ليس على حكم الاخوان أصلا، بل على التجربة الديمقراطية المصرية، وهذا هو مربط الفرس. والانقلاب لم يكن نتيجة أخطاء ارتكبها الاخوان، من يعتقد ذلك فهو لم يفهم ما حدث في مصر وهدف الانقلاب فيها. الاخوان تصرفوا كحركة سياسية لها مصالحها الشرعية كأي حركة سياسية أخرى قد تتفق وقد تختلف معها، وحتى إذا ارتكبوا أخطاء، فهي نابعة من طبيعة أي تجربة للتحول الديمقراطي، ولكنها كانت في إطار قواعد اللعبة الديمقراطية. في هذا السياق اريد أن أقول أمرا هاما، أن أكثر الحركات السياسية التي قامت بمراجعات تنظيمية وفكرية في العقود الاخيرة في العالم العربي جاءت من التيار الاسلامي.
كلمة أخيرة:
الثورات العربية مستمرة بطريقة أو بأخرى، ويشهد العالم العربي انماطا متنوعة من الاحتجاج والعمل الثوري والحراك الشعبي نبعت من منبع الثورات العربية. حتى اضراب المعلمين في الاردن لرفع رواتبهم هو نابع من منطق الثورات العربية، احتجاجات العراق ضد النظام الطائفي الفاسد نابعة من منطق الثورات العربية، ولكما بقيت بذور الثورات العربية سيبقى من يحاربها ويشوه سرديتها وأهدافها، لان منطق الثورات هو ضد الاستبداد السياسي بكل أنواعه، وهنالك في المنطقة والعالم من يريد بقاء الاستبداد في العالم العربي والاسلامي، لن وجود الاستبداد هو الضمانة لدونية العرب والمسلمين والتحرر من الاستبداد هو منطلق نهضتهم، هذا هو الدرس الأساسي الذي تعلمته منذ بزوغ حركة الاصلاح الاسلامية والعربية في القرن التاسع عشر، وهو ما تعلمه ايضا مؤيدي هذا الاستبداد من العرب والمسلمين وغيرهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى