أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

من استغلال العواطف الدينية إلى الحفاظ على الهوية من خلال الكنيست

• “حزب” المقاطعة المنافس الوحيد الذي يقلق المشتركة، لماذا؟
• بين الكنيست والسلطة المحلية…وفِرية التكفير والتخوين!!

حامد اغبارية
غريبٌ أمرُ القائمة المشتركة! فقد تركت كل شيء؛ تركت تقديم برنامج انتخابي واضح وعملي وشفاف للجمهور، وتركت “منافستها” الانتخابية للأحزاب الصهيونية، و”نسيت” شرح موقفها من تصريحات أيمن عودة ووليد طه وغيرهما، ولم تعد ترى أمامها سوى “حزب” المقاطعة، الذي يبدو بوضوح وبقوة أنه يسبب لها صداعا وكوابيس وحالة نفسية صعبة!

وفي الوقت الذي تعيش فيه المشتركة حالة مريعة من التناقضات؛ بين تصريح أيمن عودة الذي أعلنها صريحة بأنه (يعني المشتركة التي يرأسها) على استعداد للدخول في ائتلاف مع يسار الوسط، بشروط قال –مبررا فيما عد- إنها تعجيزية، لنكتشف لاحقا أن قسما من تلك الشروط لم يذكرها في المقابلة مع “هآرتس”، وإنما أضافها لاحقا في بيانه حول الموضوع، وتصريح وليد طه، الذي أعلنها صريحة بأنه (أي المشتركة التي هو مرشح سادس فيها) على استعداد للدخول في ائتلاف مع حكومة يمينية مقابل تحقيق بعض المطالب، مثل وقف هدم البيوت ومحاربة العنف، وبين خطاب المشتركة الإعلامي الانتخابي الذي يدعو إلى إسقاط اليمين ونتنياهو، وإلى عدم التفكير بالدخول في ائتلاف مع حزب الجنرالات برئاسة جانتس، لم يبق أمامهم إلا شن هجوم تلو الهجوم على المقاطعين، في محاولة يائسة للتقليل من شأنهم، رغم أنهم بحسب نتائج انتخابات نيسان الماضي يشكلون 60%، وحسب استطلاعات الرأي الجديدة التي لا تختلف كثيرا عن الجولة السابقة، وحسب الاستطلاعات التي لا يريد أحدٌ أن يقدم نتائجها للجمهور، لأنها تعكس حقيقة لا يريدونها، ويريدون أقناع أنفسهم أنها غير حقيقية، يشكلون أكثر من 60%.

في جزء من كلمة له (بالصوت والصورة) في لقاء انتخابي – على ما يبدو- تحدث الدكتور منصور عباس عن المقاطعين، محاولا التقليل من شأنهم إلى درجة الاستهزاء بهم وتسخيف موقفهم، وكأنهم هو الخصم الوحيد الذي تجب منافسته في انتخابات الكنيست!

ومما قاله إن البند الوحيد بالنسبة للمقاطعين الذي يستحق الحديث (منه طبعا) هو بند اللامبالاة، وقول قطاع من المقاطعين إنهم لا تعنيهم السياسة. ثم يحاول إقناعهم بأن السياسة موجودة في كل شيء؛ في كيس الحليب وفي جودة التعليم، وفي المواد التي يتعلمها أبناؤنا، والتي تحددها السياسة!

كلام صحيح مائة بالمائة. فكل شيء في حياتنا، من كيس الحليب إلى هدم البيوت إلى منهاج التعليم إلى ضائقة السكن والأراضي.. وصولا إلى العنف، تقرره السياسة. ولكن.

هل السياسة محصورة فقط في عضوية الكنيست؟ هل العمل السياسي لا يكون ناجعا وفاعلا ومؤثرا إلا من خلال الكنيست؟! إذا كان الأمر كذلك فهو حصرٌ غير منطقي وغير علمي وغير واقعي لمفهوم العمل السياسي في دائرة واحدة، هي في الحقيقة أصغر دوائر العمل السياسي وأضيقها وأقلها تأثيرا ونتائج، خاصة فيما يتعلق بنا نحن في الداخل الفلسطيني. وهذا الفهم بالمناسبة يناقض أقوالا وتصريحات أخرى للدكتور منصور في مناسبات أخرى. ولو سلمنا بهذا المفهوم، فلنا أن نسأل: ماذا حققت المشاركة في الكنيست بخصوص كيس الحليب وجودة التعليم ومواد التعليم وهدم البيوت والمسكن والأرض والعنف؟ النتيجة التي يراها الجميع على أرض الواقع صفر.

ثم تحدث د. عباس عن الذين “يختبئون خلف موقف مبدئي أو ديني، وحلال وحرام وشغلات من هذا النوع… فكلنا مشاركون وكلنا مقاطعون….”!

المبدئيون أيها الأخ الكريم لا يختبئون خلف الموقف، بل يعلنونه صراحة، وهو موقف أصيل يمثل على الأقل نصف أبناء شعبك، ومسألة الحلال والحرام ليست مجرد “شغلات من هذا النوع”!!…إنها من أهم، إن لم تكن أهم “شغلة” في حياتنا، وأظنها في حياتك أيضا، وفي التالي فإن تسخيف رأي المقاطعين المبدئيين، سواء بدوافع إيديولوجية علمانية، أو بدوافع دينية إسلامية صريحة، يعتبر إهانة كبيرة واستخفافا بفهم الناس وعقولهم، وكنت أربأ بك أن تدفعك الخصومة إلى هذا المستوى الذي لا يليق بقائد سياسي.

أما مسألة “كلنا مشاركون… وكلنا مقاطعون” فهذه من عجائب السياسة! وقد استحضرها الدكتور منصور عباس بطريقة لا تقنع أحدا، بل هي تأتي بنتائج عكسية تماما. فالحديث عن حمل الهوية وجواز السفر والجنسية الإسرائيلية، وكأنها كانت باختيارنا، هو شطب لمرحلة حرجة ودامية ومليئة بالتفاصيل المؤلمة من تاريخ شعبنا، تماما كالحديث عن دفع المستحقات من ضرائب وتأمين وطني وغير ذلك، وكأننا نفعل ذلك عن إرادة منا، دعما لميزانية “دولتنا” لتصب في نهاية الأمر في خدمة شعبنا!! أي كلام هذا؟

إن حمل الهوية وجواز السفر ودفع الضرائب وغيرها مسائل فرضت عليك وعلينا، ونحن وأنت لم نسعَ إليها ولم نطلبها راغبين، على عكس عضوية الكنيست التي هي ذهاب إلى مؤسسة تشريعية صهيونية بإرادتكم وبرغبة منكم واستقتال، دون أن يفرض عليكم ذلك أحد، لا بالقانون ولا بقوة السلاح! بل إن المشاركة في الكنيست هي من أسوأ نتائج النكبة التي وقعت على شعبنا عام 1948، واختطفت منه الرواية والتاريخ والآثار والجغرافيا، وما يزال الذين أوقعوا النكبة على شعبنا يحاولون أيضا اختطاف الهوية والانتماء، بل إن المشاركة في الكنيست الصهيوني ساهمت إلى حد بعيد في محو آثار النكبة من ذاكرتنا، وفي نسيان نتائجها وآلامها وعذاباتها، إلى درجة أن الكثيرين من أبناء شعبنا، و”بفضل” أحزاب كثيرة مارست وتمارس العمل السياسي في مجتمعنا منذ 1948 ولغاية اليوم، أصبحت لديهم قناعة أن تاريخ هذا الجزء من الشعب الفلسطيني، بدأ عمليا من تاريخ 15 أيار 1948، ولا شأن له بما كان قبله، وأصبحوا يتصرفون في كل شيء (من كيس الحليب إلى هدم البيت) على هذا الأساس. وهذا أمر خطير جدا…

أما القول إن المشاركة في انتخابات السلطات المحلية موازية للمشاركة في انتخابات الكنيست، فهذا تلبيس، لا علاقة له بواقع الحال. ولعل كل أبناء شعبنا يعرفون الفرق الشاسع بين الحالتين، وقد كتبنا حول هذه المسألة في أكثر من مقال، وقلنا إن الكنيست مؤسسة سيادية تشريعية، تمثل رمزا من رموز المؤسسة الإسرائيلية، ولذلك فإن مقاطعة الانتخابات لهذه المؤسسة تأتي من هذا الباب، على عكس السلطة المحلية التي هي مؤسسة تقدم الخدمات لمواطني البلد المعين، ورئيسها وجميع أعضائها من أبناء ذات البلد، (بدلا من إدارتها بواسطة جنرال أو خرّيج شاباك). وإنها إن كانت تابعة لوزارة الداخلية التي هي جزء من السلطة التنفيذية (الحكومة الإسرائيلية)، فإنها تماما مثل مسألة بطاقة الهوية وجواز السفر ودفع الضرائب.. أما أننا نشارك أيضا في الوظائف في كل الوزارات دون استثناء فهذه كبيرة جدا، تحتاج إلى دليل. وليس عليها أي دليل. فما هي “كل الوزارات دون استثناء” التي نشارك فيها كموظفين؟ هل هناك وظائف نحن مشاركون فيها لا نعرفها ولم نسمع بها؟!!

وأما أكثر ما يثير التساؤل والدهشة فهو قول د. منصور إنهم مقاطعون للخدمة العسكرية وللعمالة!! أهذا كل شيء؟!! كثَّر الله خيركم على هذا الإنجاز…!
عفوا… دكتور، هذا الكلام يستخف بعقلي وفهمي.. وأرى فيه محاولة للهروب من الواقع، ونثراً للضباب على الحقيقة.. حقيقة أن الوصول إلى الكنيست هو هدف وليس وسيلة.. بأي ثمن، حتى لو كان هذا الثمن هدم هيكل الوعي على رؤوسنا جميعا.

إن المقاطعين والداعين إلى مقاطعة الكنيست الصهيوني لا يلعبون بعواطف الناس وبالقضايا الدينية من غير فهم حقيقي لواقع شعبنا واحتياجاته، كما تقول، بل إن ما تخاطب به أحزاب الكنيست (من المشتركة وغيرها) هو الذي يلعب بعواطف الناس، ويحاول إخراجهم إلى صناديق الاقتراع بأوهام و”خراريف” فارغة، لا تسمن ولا تغني من جوع. أو كما قال ذلك الشاب الذي أصبح من أصحاب حق الاقتراع لأول مرة في حياته، لكنه لن يصوت من منطلقات مبدئية وواقعية: يا أخي، صارلهم سبعين سنة بيحكوا عن تحقيق المساواة والحقوق، وينتا بدنا نحصل عليها؟ بعد سبعين سنة أخرى؟!! أو كما قال شاب آخر: ليش كل ما حكت الأحزاب عن وقف هدم البيوت بزيد الهدم؟ وليش كل ما حكوا عن محاربة العنف بزيد العنف؟ ووينتا بدي أبطِّل أفكر بمصاريف التعليم والزواج والبيت والأمن الشخصي؟ يعني قديش بدنا نستنى كمان لحد ما تتحقق كل هاي الأشياء؟

إن كان ربط قضايانا المختلفة (ومنها الكنيست) بالمفاهيم الدينية الإسلامية يعتبر تلاعبا بالعواطف وبقضايا دينية، فإن كل مشروعك الإسلامي من أوله إلى آخره، بحسب هذه النظرية العجيبة- هو تلاعب بعواطف الناس… أتقبل أن يقال هذا عن مشروعك الإسلامي الذي جاء لإحداث التغيير في الواقع وفي المدارك، وفي المفاهيم، وفي آليات العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتربوي، وفي البناء الفكري والهوية والانتماء، وفي الرواية التاريخية والحقيقة التاريخية؟!
إن الاستقتال من أجل الحصول على الأصوات للكنيست الصهيوني في ربع الساعة الأخيرة، إلى درجة استخدام مكبرات الصوت في المساجد (مؤسسة دينية!!)، واستخدام العبارات الإسلامية (حتى من العلمانيين… تصوروا!!) والعزف على وتر الأخوّة في الدين وما شابه ذلك من مصطلحات (عليها شواهد مصورة بالصوت والصورة من الانتخابات السابقة) هو بالذات استغلال لمشاعر الناس وعواطفهم الدينية.

ثم يصل الدكتور منصور إلى القاصمة!! حين يقول لك: إياك أن تستخدم الخطاب (يعني خطاب المقاطعة) من أجل أن تكفر أحدا ذهب للتصويت أو تخوِّنه!!
مرة أخرى، وللمرة الألف: يا دكتور منصور، أنا – كاتب هذه السطور- أتحداك وأتحدى جميع أحزاب المشتركة وغيرها، وكل من يفتري هذه الفرية، ويستخدمها كشماعة للتغطية على ضعف حجته، أن تأتونا بدليل واحد، أو شاهد واحد يشير من قريب أو بعيد إلى تكفير أو تخوين صدر عن ناشط أو قيادي من الذين يتصدرون حملة المقاطعة. وأنت أكثر من يعرف أن الذين تربوْا في حضن الصحوة الإسلامية هم أبعد ما يكونون عن التكفير والتخوين…. ويحق لي هنا أن أسأل: أليس هذا الكلام حول التكفير والتخوين تحديدا يندرج تحت عنوان استغلال مشاعر الناس وعواطفهم الدينية؟!

وأريد أن أسأل الدكتور منصور؛ تقول: نحن هناك (أي في الكنيست) ليس لتقديم الولاء والطاعة لمن هدم بيتنا واغتصب أرضنا، فماذا يعني قسم يمين الولاء من على منصة الكنيست بالإخلاص لدولة إسرائيل وقوانينها وأداء رسالة عضوية الكنيست بإخلاص؟ أليس هذا ولاء لدولة هدمت بيتك واعتصبت أرضك وشردت شعبك؟ وما هي مهمة عضو الكنيست سوى التشريع لتلك الدولة التي ارتكبت وترتكب كل هذه الفظائع بحق شعبك؟ نعم ستقولون: نحن نرفض كل القوانين التي تمس حقوقنا، ولا نشرّعها ولا نشارك فيها ولا نصوت لصالحها… الخ.. وهذا تبرير فارغ من المضمون، فأنتم يا سيدي أعضاء في مؤسسة تشريعية، شأنكم شأن كل عضو كنيست يهودي، تجلسون تحت ذات السقف الذي تسن تحته كل القوانين؛ التي توافقون عليها والتي تعترضون عليها، ولستم وحدكم في الرفض والموافقة.. غير أن مجرد الجلوس هناك هو تثبيت لمؤسسة (حتى لو زعمتم أنها دون قصد…) لم تقم لأجلنا، ولا تشرّع شيئا لصالحنا، بل إن القوانين التي (نستفيد) منها تأتي بالتبعية، لأنها أصلا سُنت للآخر، والذي قدمها لتصبح قانونا، لم يفعل ذلك وهو يفكر بك أساسا، بل هو يمنُّ عليك أنك نالتك “طرطوشة” من القانون… ويتمنى لو أنك لم تكن موجودا لتستفيد منه.. والأمثلة على ذلك كثيرة.. ناهيك عن أنكم لم تمنعوا سن قانون واحد من القوانين التي ملأتم الدنيا ضجيجا حولها… وقائمتها طويلة لا تتسع لها الصفحات.

وهل حقا الذهاب إلى الكنيست هو حفاظ على وجودنا في أرضنا؟ أم أنه في الحقيقة حفاظ على وجود أحزاب لو لم تكن هناك مؤسسة تسمى الكنيست لاختفت عن الساحة؟!

أحقا الذهاب إلى الكنيست هو حفاظ على هويتنا؟ كيف يمكن أن نحافظ على هويتنا من خلال المشاركة في الكنيست؟ وما هي هويتنا؟ ومن الذي يقرر شكل هذه الهوية ومضمونها؟ إن من حقنا على الدكتور منصور أن يشرح لنا هذه المعضلة المعقدة.

أما الذهاب إلى الكنيست “من أجل تحصيل حقوقنا المسلوبة” فإن واقع الحال يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن حقوقنا ما تزال مسلوبة رغم مرور سبعة عقود على اجترار هذا الشعار الممجوج، ولا يزال في جعبة المشروع الصهيوني الكثير الكثير من الحقوق التي ينوي سلبها أمام أعينكم وتحت أنوفكم، وعلى مرأى ومسمع من الدنيا كلها، دون أن يكون في استطاعتكم عمل شيء سوى الاحتجاج العبثي من على منصة الكنيست الصهيوني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى