أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

ثوابتنا أسمى من لعاعة الكنيست

د. أنس سليمان أحمد
الثوابت هي منظومة العقائد والقيّم والأخلاق والآداب ذات الامتداد الإسلامي العروبي الفلسطيني، وهي التي تضبط منهج تفكيرنا وتعبيرنا وسلوكنا ومعاملاتنا، والتي ترسم معالم هويتنا وانتمائنا وجذورنا، والتي تعيننا على فهم ماضينا والإحاطة بحاضرنا والتخطيط لمستقبلنا، والتي تزودنا بمقياس حسّاس جداً نفرّق فيه بين الحق والباطل، وبين التقدم والتخلف، وبين المدنية والجاهلية، وبين التطور والجمود، وبين العلمانية المستمدة من العلم والعلمانية اللادينية المنكرة لهذه الثوابت، وبين السيادة والتبعية، وبين الأصالة والإذدناب.
عن أهم أصول هذه الثوابت وعن معززات هذه الأصول كتب الشيخ رائد صلاح- فكّ الله أسره- كتاباً بعنوان “معركة الثوابت” وأنا بدوري أنصح بقراءة هذا الكتاب، وما يمكن أن أقوله في هذه المقالة إن هذه الثوابت الإسلامية العروبية الفلسطينية هي التي يُعرف بها مدى التزامنا الإسلامي العروبي الفلسطيني، ومدى تمسكنا بفهمنا العقائدي وحسّنا القومي والوطني، ومدى انحيازنا إلى قضايانا الإسلامية العروبية الفلسطينية، ولذلك فنحن نُعرَفُ بها ولا تُعرفُ بنا، على قاعدة يُعرف الرجال بالحق ولا يُعرف الحق بالرجال، وهي التي تحدد لنا مدى قيمتنا ومثقال وزننا في كل زمان ومكان وحال، وبقدر تمسكنا بها وذبّنا عنها واعتزازنا بالانتماء إليها تعلو قيمتنا ويثقل وزننا، وإلا إذا ضعف تمسكنا بها أو ذبنا عنها أو اعتزازنا بالانتماء إليها، فإن ذلك يوهن من قيمتنا ويضعف وزننا، وإذا حدث هناك تماد بالانقطاع عن هذه الثوابت أو بالاستخفاف بها، فإن ذلك سيوقعنا في فتن مظلمة يصبح الحليم فيها حيرانا، وسنجد من يقول جرأة وجهالة أنا لي رأي في القرآن أو أنا لا أعترف بالسُنة أو أنا رجل والصحابة والتابعون ومجتهدو المذاهب رجال ويحق لي أن أجتهد في كل شيء كما اجتهدوا في كل شيء، ويحق لي أن أرُّد اجتهاد الخلفاء الراشدين أو اجتهادات علماء التابعين أو اجتهادات أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، ويحق لي أن أحدد مقاصد الشريعة وفق رأيي وأن أرسم فقه الأولويات وفق اجتهادي، وأن أعيد النظر في السياسة الشرعية وفق تقديري!! وهكذا قد تقع المصيبة!! وهكذا قد يختلط الحابل بالنابل!! وهكذا قد يبيح الآلاف لأنفسهم الاجتهاد في قضايانا الكبرى باسم السياسة وفهم الواقع وتقدير المصلحة، ويا ليتهم لو يعلمون أن لكل من السياسة وفهم الواقع وتقدير المصلحة شروط الاجتهاد الفقهية، كما أن لتفسير القرآن وفهم السنة وضبط ميزان الحلال والحرام وفقه العبادات والحدود والشرائع والمواريث والأحكام الشخصية شروط الاجتهاد الفقهية، فالقضية ليست مشاعاً لكل رأي واجتهاد وتقدير في قضايا السياسة وفهم الواقع وتقدير المصلحة كما في قضايا القرآن والسنة وما انبثق عنهما من قضايا تشريعات وعبادات وأحكام ومعاملات.
وحتى ننضبط في كل ذلك لا بد لنا أن نصرّ على مواصلة الانضباط مع ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية في كل أصولها وفي كل معززات هذه الأصول، لذلك فالثوابت هي فوق كل شخص فينا وكل حزب وكل حركة وهي المرجع التي تحكُمُ علينا وعلى كل أقوالنا وأعمالنا وتصريحاتنا وبيانتنا في كل أبعادها، ولذلك من البدهي أن نقول إن ثوابتنا أسمى من لعاعة الكنيست، ولا مقارنة أصلاً بين رفعة الثوابت ولعاعة الكنيست، ولوجود التصادم بين ثوابتنا وبين لعاعة الكنيست فعلينا أن ننحاز فوراً إلى ثوابتنا ولتذهب لعاعة الكنيست إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم!!
وعلى هذا الأساس أقول ناصحاً كل أبناء المشروع الإسلامي وحريصاً على خيرهم وفوزهم في الدارين: الزموا الثوابت ودوروا معها حيث دارت ولا تفارقوها أو تصادموها أو تستخفوا بها، وإلا لو حدث بعض ذلك منا على حين غفلة أو عثرة أو استعجال سنضيع أنفسنا وسنضيع جوهر مشروعنا الإسلامي، فاليقظة اليقظة يا أبناء هذا المشروع!! وكما أن الصلاة خير من النوم فإن عضّنا بنواجذنا على ثوابتنا خير لنا من مليون لعاعة كنيست، وأولى من كل منصب ومال وبريق إعلامي قد يرشح من لعاعة الكنيست، وأسمى من كل أوهام لعاعة الكنيست التي ثبت بالدليل القطعي على مدار سبعين عاماً أنها لا تطعم ولا تسمن ولا تغني من جوع!! وها هي ثوابتنا ترشدنا وتقول لنا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل بأي تحالف في سيرته العطرة يناقض الثوابت، فيوم أن عرضت عليه قريش أن يعبدوا إلّهه سنة مقابل أن يعبد إلههم سنة رفض ذلك بكل إباء رغم شدة الحصار الذي كان قد وقع عليه، وعلى سائر الصحابة والصحابيات، ويوم أن عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفاً مع قبائل المدينة بما في ذلك قبائل اليهود فيها، لم يجامل قبائل اليهود التي نقضت ذاك الحلف فيما بعد وكان له موقفه الصارم المعروف مع كل من قبيلة بني نضير وبني قينقاع وبي قريظة، ويوم أن عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم معاهدة طويلة المدى الزمني مع قريش لم يجامل قبيلة قريش عندما خرقت تلك المعاهدة وكان له موقفه الحازم معها وقام بفتح مكة على أثر نقض قريش لتلك المعاهدة!! كل ذلك يقول لنا إن أبناء المشروع الإسلامي قد يعقدون تحالفاً أو معاهدة مع آخر من غير المشروع الإسلامي، بشرط أن لا يناقض هذا التحالف أو المعاهدة ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، ولا أن يصادمها ويخرج عليها باسم هذا التحالف في قول أو موقف أو تصريح أو بيان، وإلا إذا حدث ذلك فالمطلوب من أبناء المشروع الإسلامي إعادة النظر في هذا التحالف أو هذه المعاهدة، وعلى هذا الأساس فأنا أتساءل بدافع الحب لكل أبناء المشروع الإسلامي في الداخل الفلسطيني سواء كانوا مع الكنيست أو ضدها: هذه تصريحات عضو الكنيست سابقاً حنين زعبي التي اتهمت فيها المساجد أنها تحرّض على العنف ضد النساء؟! ألا يصادم ذلك ثوابتنا؟! وهذا موقف عضو الكنيست عايدة توما التي تصدّرت مظاهرة في حيفا لمناصرة الشذوذ الجنسي!! ألا يصادم ذلك ثوابتنا؟! وهذه بيانات التجمع والجبهة التي اعتبرت أغاني تامر نفّار وطنية رغم أننا لمّا فحصناها وجدنا بعضها يقوم على كلمات هابطة وأدب فراش منحل!! ألا يصادم ذلك ثوابتنا؟! وهذه تصريحات عضو الكنيست أيمن عودة التي قال فيها على المكشوف إنه على استعداد للتحالف مع اليسار والمركز الصهيوني!! ألا يصادم ذلك ثوابتنا؟! ألا يحق لنا أن نتساءل بعد ذلك عن حقيقة هذا التحالف الذي اسمه “القائمة المشتركة” بعد أن صدر عن بعض مركباتها كل ذلك!؟ سيما إذا وضعناها في ميزان ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية؟! هل تستحق كل ذلك لعاعة الكنيست؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى