أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

يوم أمس ويوم غد

الشيخ كمال خطيب
يوم أمس الخميس 28/9 وافقت ذكرى استشهاد المفكر الإسلامي ومفسر القران العظيم الشهيد سيد قطب رحمه الله، وكان ذلك في العام ١٩٦٦. كان إعدام سيد قطب على يد وبقرار من جمال عبدالناصر، الذي سبق وأمر باعتقاله المرة الأولى، وحكم عليه لمدة خمس عشرة عامًا، كان ذلك في العام ١٩٥٤ بسبب موقفه من انقلاب جمال عبدالناصر على الرئيس محمد نجيب وهو ما رفضته جماعة الاخوان المسلمين صاحبة الدور الكبير في الشورى. قضى سيد قطب عشر سنوات منها ثم أفرج عنه بعد تدخل الرئيس العراقي يومها عبد السلام عارف، وكان الافراج بعفو صحي بسبب تردّي الوضع الصحي لسيد قطب، حيث كان يعاني من السكري والذبحة الصدرية.
قضى أقل من عام خارج السجن ثم أعيد اعتقاله يوم ٨/٩/١٩٦٥ وبعد عام قضاه في السجن تم تنفيذ حكم الإعدام فيه، يوم ٢٩/٨/١٩٦٦ رغم تدخل الملك فيصل رحمه الله، حيث كان عبدالناصر في زيارة إلى موسكو وزعم أن رسالة الملك فيصل كانت قد وصلت متأخرة.
إنه سيد قطب رحمه الله، والذي أصبح أحد القادة البارزين في جماعة الاخوان المسلمين التي أعلن عبدالناصر الحرب عليها بسبب موقفها منه ومن مشاريعه، وهو الذي امتطى واستغل ثورة تموز عام ١٩٥٢ ضد الملك فاروق رغم أنه كان واحدًا من مجموعة ضباط قاموا بالثورة، ولم يكن هو الأوحد أو المميز بينهم. الثورة التي كانت قاعدتها الشعبية جمهور جماعة الاخوان المسلمين، بما تمتعوا به من رصيد جماهيري جارف يومها.
لقد رفض سيد قطب رحمه الله تقديم طلب استرحام لجمال عبدالناصر وفق طلب وإلحاح بعض المحبين والأقارب وكانت جملته الشهيرة يومها “إن أصبع السبابة التي تشهد لله بالوحدانية في الصلاة، لتأبى أن تكتب كلمة واحدة تُقرّ بها حكم طاغية، فإذا أنت سجنت بحق فأنا أرضى حكم الحق وإن كنت مسجونًا بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم بباطل”. وكيف لا يكون سيد قطب مسجونا بباطل وبظلم على يد أدعياء المشروع القومي العربي والذين أعلنوا الحرب السافرة والشاملة على جماعة الاخوان المسلمين، هذا المشروع الذي تلقى صفعة مدوية على يد الدولة العبرية الناشئة يومها في هزيمة حزيران ١٩٦٧، وكان احتلال وخسارة سيناء والجولان وغزة والضفة الغربية والقدس الشريف، حتى أنّ الزعيم المغربي يومها علاء الفاسي قد قال: “ما كان الله لينصر حربًا يقودها قاتل سيد قطب”.
لقد كان سيد قطب رحمه الله صاحب رؤية ثاقبة، وحذر يومها من محاولة خلق قيادات عربية إسلامية وسياسية دينية تروج لإسلام تتقبله أمريكا، بل تصنعه هي على يدها فقال: “إن الإسلام الذي يريده الأمريكان وحلفاؤهم في الشرق الأوسط ليس هو الإسلام الذي يقاوم الاستعمار ويقاوم الطغيان، ولكنه الإسلام الذي يقاوم الشيوعية، إنهم لا يريدون للإسلام أن يحكم، أنهم يريدون إسلامًا أمريكيًا يستفتى في الطلاق والوضوء والحيض والنفاس، أما الإسلام الذي له رأي في حياة الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإنه مرفوض أمريكيا، إنها مهزلة وأي مهزلة”.
إنه سيد قطب رحمه الله، وهو الذي عاش في أمريكا مدة سنتين مبتعثًا من الحكومة المصرية وخلالها كانت حادثة اغتيال الشهيد حسن البنا، مؤسس جماعة الاخوان المسلمين التي لم يكن سيد قطب قد عرفها وانتمى لها بعد، وكان ذلك يوم ١٢/٢/١٩٤٩عقابا له ولجماعته التي أعلن الملك فاروق حلّها واعتقال عشرات الآلاف من شبابها عقابًا لهم على دورهم الفاعل ومشاركتهم في محاولة الدفاع عن فلسطين خلال احداث نكبة ١٩٤٨.
لقد قال سيد قطب محذرًا من صلف واستبداد أمريكا، وشعور الأمريكي الأبيض باستعلائه على الملوّنين والناس أجمعين، بما لا يشبهه إلا صلف النازية، فقال رحمه الله: “وويل للبشرية أن يوقعها سوء الطالع في رقبة هذا الصلف الأمريكاني بلا قوة في الأرض تُخشى ويُعمل لها حساب”.
صحيح أن سيد قطب رحمه الله كان يدرك بنظرته الثاقبة وبمعرفته بحال الأمة الإسلامية يومها، عندما وجود الاتحاد السوفييتي كقوة موازية لأمريكا أمر مهم وفي صالح كل شعوب الأرض، لكنه كان يدرك كذلك أن كليهما – أمريكا والاتحاد السوفييتي- يديران حروبهما ويجربان اسلحتهما في غير أرضهما وعلى غير شعوبهما، وإنما في أراضي وعلى شعوب العرب والمسلمين الذين سيكونون مثل فئران التجارب.
إن سيد قطب قد توقع سقوط الاتحاد السوفييتي وأمريكا وسيكون بإذن الله كما سقطت امبراطوريات كثيرة في العالم، لكنه أشار كذلك إلى طريق الخلاص عبر قوة ثالثة تظهر، فقال: “إن طريق الخلاص هو أن تبرز الى الوجود من أرض المعركة المنتظرة قوة ثالثة تقول لهؤلاء وهؤلاء أننا لن نسمح لكم بأن تديروا المعركة على أشلائنا وحطامنا، وأننا لن ندع أجسادنا تطهر حقول الغامكم ولن نسلمكم رقابنا كالخراف والجداء”.
هذا هو سيد قطب رحمه الله، وهذه بعض أفكاره، ونذكّر بها في ذكرى استشهاده الذي كان يوم أمس.

يوم غد
يوم غد السبت من شهر من محرم من العام الهجري الجديد ١٤٤١. إننا إذا سنكون مع اليوم الأول من الشهر الأول من هلال عام جديد سيهل على أمة الإسلام، فاللهم يا ربنا أهله علينا باليمن والايمان والسلامة والإسلام. اللهم اجعله هلال رشد وخير وتمكين على أمة الإسلام والمسلمين.
بداية عام هجري جديد تعني ذكرى هجرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى طيبة الطيبة، في ظرف كان من أصعب الظروف التي مر بها الحبيب محمد ومرت بها الدعوة الناشئة يومها، لكن ولأن رسول الله كان على عين الله فإن الله الذي أذن له بالهجرة من مكة الى المدينة بعد إذ اشتد الظلم والأذى عليه وعلى أصحابه رضى الله عنهم (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا). ولأننا نعيش في الزمن الصعب وفي الظروف الخانقة التي تعيشها الأمة الإسلامية، فما أحوجنا إلى أن نستلهم دروس وعبر الهجرة الشريفة من أجل أن نتجاوز هذه المرحلة بإذن الله.
وكما أعلنت قريش والجاهلية العربية يومها الحرب السافرة وبكل الوسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى دعوته (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ). مثلها تمامًا فإنها الحرب السافرة اليوم على الإسلام ودعوته ولكل من ينادي بنصرته، يشارك فيها الأعداء وعملاؤهم من قادة العرب تحت شعار “مكافحة الإرهاب والتطرف” وهم في الحقيقة يريدون محاربة رأس الإسلام، لكن وكما رد الله تعالى كيدهم ومكرهم بأن سلّم رسول صلى الله عليه وسلم من كيدهم ومكرهم، فإنني على يقين أن الله سبحانه وتعالى سيحمي دينه ويدافع عن الذين آمنوا والذين باعوا أنفسهم له.
إن بداية عام هجري جديد وحلول ذكرى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، لتذكرنا بالحاجة الماسة منا نحن المسلمين لاستشعار معية الله سبحانه خلال هذه المعركة الشرسة التي يعلنها أعداؤنا علينا، وكما كان الموقف من رسول الله وقوله لصاحبه ورفيق هجرته أبي بكر الصديق رضي الله عنه: “يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟”، إنها كلمات التطمين وإنزال السكينة في اللحظات العصيبة والمواقف الحرجة تذكر أن فوق قوة البشر فإنها قوة الله تعالى، وفوق تدبير الناس فإنه تدبير رب الناس سبحانه.
نعم إن استشعار معية الله والحاجة إليها كانت حاضرة عند رسول الله في الغار وكانت حاضرة عند إبراهيم في وسط النار، وكانت حاضرة عند موسى في رحلة عبوره البحر، وعند يونس في بطن الحوت. اليوم وقد أعلنت الحرب السافرة علينا من كل أعدائنا يرموننا عن قوس واحدة، فما أحوجنا لحسن التوكل عليه سبحانه وتفويض الأمر إليه واستشعار معيته، نعم يجب أن نكون على يقين بأن الله لن يتخلى عن عباده وإن بدا لهم ذلك، وأنه سبحانه هو من يدير المعركة، وإن جعل الغلبة في بعض جولاتها للباطل، فإنما هي لحكمة منه سبحانه، وليس لأنه تخلى عن أوليائهم وأسلمهم لأعدائه. ما أحوجنا في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة، وحيث كثير من شعوبنا تعاني من الظلم والملاحقة والتشريد والتهجير كما يحصل في سورية واليمن وليبيا ومصر، وكما يحصل لاخواننا الإيغور والروهينجا، وكما يحصل لشعبنا الفلسطيني، فما أحوجنا لليقين بأن دوام الحال من المحال، وأنه لا بد يومًا للمهاجر أن يعود إلى وطنه وملاعب صباه، ولا بد أن ينتهي الظلم مهما عظم واشتدّ. هكذا بشّر الله رسوله الله صلى الله عليه وسلم خلال رحلة الهجرة، رغم ما لاقاه (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ).
صحيح إن هذا حدث بعد قريب من ثلاثة عشر عامّا، يوم فتح مكة، وصحيح أن يوسف التقى مع أبيه وأخوته بعد سنوات، لكنه اليقين الذي يجب أن يظل يلازمنا، بأن الله لا ينسى ولا يتخلى عن أولياءه، وما أحوجنا في ذكرى الهجرة الشريفة ومع بداية عام هجري جديد ١٤٤١، ستطلع شمسه غدًا بإذن الله، إلا اليقين بأن المستقبل للإسلام، وأن كلمته ستكون هي العليا وكلمة الذي كفروا هي السفلى. تماما كما كانت نهاية رحلة الهجرة النبوية الشريفة (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا)
إن كل المؤشرات والملابسات التي أحاطت برحلة الهجرة المباركة كانت كلها تشير إلى الفاجعة والنهاية المؤلمة، وما الوقوف على باب الغار أو مطاردة سراقة بن مالك لهما أو لحظات الجوع والعطش كما في قصة ام معبد وغير ذلك من ظروف الهجرة، لكن الله سبحانه وتعالى كانت يده هي العليا وعينه التي تحرس ومشيئته هي النافذة.
إنه وبكل الظروف الصعبة والحرب السافرة على الإسلام حتى لكأن البعض يظن أننا بين يدي أن يلفظ الإسلام أنفاسه ويشيع إلى مثواه الأخير، وتكون نهاية الإسلام نهاية مفجعة ومحزنة، إلا أننا يجب أن نكون على يقين راسخ وثقة لا تتزعزع أن المستقبل للإسلام وأنه سيخرج من هذه الجولة من جولات الصراع وهي الأصعب منتصرًا عزيزًا بإذنه تعالى.
إنه هلال شهر محرم الذي سيطلع علينا مؤذنًا ببداية عام هجري جديد، هو نفسه الهلال الذي شهد ظروفًا وسنوات كانت قاسية على الأمة، لكن الأمة تجاوزتها بإذن الله. إنه هلال محرم الذي سيشهد بإذن الله سنوات خير وعز وفرج وتمكين للإسلام والمسلمين، فما علينا إلا الصبر والثبات والإخلاص واستمرار العمل بكل الإمكانات المسخرة لخدمة الدين ونصر الإسلام، وسيتحقق لنا وعد الله لنا سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى