أخبار رئيسية إضافيةمقالات

باسم الحرية الشخصية…كل شيء مباح!

ليلى غليون

عندما يصبح الانحطاط الاخلاقي والانحدار الذوقي مادة للنقاش على طاولة المفاوضات بين مؤيد ومعارض …
عندما يصبح الانتكاس في الفطرة قضية فيها نظر …
عندما يصبح انقلاب القيم والموازين مسألة قابلة للجدل …
عندما تصبح الرذيلة والشذوذ الجنسي حرية شخصية …
عندما يصبح انكار المنكر فضولا وتدخلا في شؤون الغير …
عندها كبر على المجتمعات أربع تكبيرات فباطن الأرض خير وأشرف لها من ظاهرها.
فكم أنت مسكينة أيتها الحرية الشخصية .. وكم سفهت معانيك السامية وكم شوهت مفاهيمك الجميلة وكم ألبسوك زيا لا يليق بك، وكم زيفوا لحنك الجميل وكم فعلوا الأفاعيل والقبيح تحت مسماك.
لقد كرم الله تعالى الإنسان وفضله على جميع مخلوقاته وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، وكفل له حريته وممارسة شؤونه في إطار وحدود شرعها له.
فالحرية قيمة رائعة من روائع القيم التي من الله تعالى بها على الإنسان، وهي ليست فضاء مجردا من أي ضوابط أو معايير كما يريد البعض أن يجردها من هذه الأدبيات، بل الابجديات لتصبح وفق معتقدهم حقلا ملغوما ينسف كل فضيلة ويدمر المنظومة الاخلاقية المجتمعية السائدة بين الناس.
فإسلامنا العظيم أرسى مبادئ الحرية السامية للفرد (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) ولم يتحكم بهذه الحرية الفردية بل ضبطها وفق معايير وقيم للحفاظ على حرية الآخرين وعلى المجتمعات الفاضلة.
فأنت حر نعم، ولكنك لست وحدك الحر، فكل فرد في هذا العالم من المفترض أنهم أحرار، لذلك حريتك لها حدود وإطار إذا تخطيته لن يقتصر الضرر عليك وحدك بل يتعدى الضرر إلى الآخرين.
فأنت حر بقيادة سيارتك تسافر بها إلى أي مكان تريد، ولكنك مقيد بقوانين السير وإشارات المرور والتي لو خالفتها ربما تخسر حياتك أو حياة الآخرين أو على الأقل ستسبب ضررا ما على فرد ما قد يكون أنت أو غيرك، فحريتك لها قيود وضوابط ؟!
وقد فهم سقراط الحرية فهما أخلاقيا فحددها في فعل “الأفضل ” بمعنى أن حرية الإنسان تتحقق عندما يقوم بفعل الأفضل بين الأفعال المتاحة له.
أما عند الغرب، فيعرف أحد الفلاسفة الغربيون الحرية بقوله: ” نحن نشعر جميعا بأن حريتنا تنحصر في تحقيقنا لأفعالنا دون الخضوع لشروط أو ظروف خارجية ”
بمعنى افعل كل ما تشاء، متى تشاء، كيفما تشاء بدون أن تخضع لرقيب أو حسيب أو ضابط.
وحسب هذا المفهوم المشوه للحرية بإمكانك أن تقتل لأن هذا من باب الحرية الشخصية غير الخاضعة لشروط أو ظروف.
وحسب هذا المفهوم الأخرق بإمكانك أن تسرق وأن تزني وأن تشرب الخمر وتمارس الشذوذ (والعياذ بالله) وأن تخالف القانون وأن تتعدى على حقوق الآخرين لأنك تملك حرية ما تشاء.
وحسب هذا المفهوم الأعمى فالاعتداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم حرية
والاعتداء على كتاب الله حرية، والاعتداء على حجاب المسلمات حرية،
والاعتداء على حرمات المسلمين حرية، والحرب حرية، والقمع حرية، وسياسات التجويع حرية والانقلاب على الشرعية حرية.

إن اساءة فهم واستعمال مفهوم الحرية كان ولا يزال اللغم الذي ينسف المجتمعات عن بكرة أبيها وهو الشرارة التي فجرت براكين الفوضى الاخلاقية والسلوكية وأنبتت ظواهر الشذوذ والفساد والعهر والانحطاط القيمي، وهذا ما نراه متحققا في المجتمعات الغربية ( والتي بدأت عدواها تنتقل إلى مجتمعاتنا)، السادرة في غيها الغارقة في الأوحال ومستنقعات الرذيلة ، فهذه الشعوب التي ذاقت الويلات والحنظل من الاستبداد أيام حكم الكنيسة ، تتجرع اليوم الحنظل وتعاني أكثر من فوضى الحرية المغلوطة التي تمارسها ،الأمر الذي ينبئ بسقوطها عاجلا أم آجلا لأن حرية كهذه بلا ضوابط ولا معايير حتما ستؤول إلى الدمار والبوار والخراب .
وإن كنا نستهجن ونستنكر على تلك المجتمعات ما آلت إليه والتي وصل فيها الشذوذ إلى أعلى المستويات والمراتب ، لا بل لقد أصبحت المجاهرة بالشذوذ فيها علنا موضة الموسم يدعمها النظام اللبرالي العلماني المتغني بالحرية الشخصية ، مع أن خروج الشاذ عن صمته وإعلان شذوذه على الملأ متمردا على كل الأعراف ، فهذا بحد ذاته يعتبر سلوكا شاذا لأنه خروج على أخلاقيات المجتمع الذي تحكمه مبادئ وقيم ،فإن كنا نستنكر ذلك بشدة، فإن استنكارنا أشد بل هو الاستهجان من فريق المدافعين والمطبلين والمزمرين الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها دفاعا عن ذاك المسخ المسمى بالحرية الشخصية ، حتى لو أفرزت هذه الحرية مرضى من الشاذين والشاذات جنسيا ذاك السلوك الذي يمجه الدين والعرف والذوق السليم ، بل ذاك السلوك الذي أجمع عليه الاختصاصيون النفسيون على مستوى العالم أجمع أنه شذوذ ومرض واضطراب نفسي بحاجة إلى علاج .
فالحرية يا هؤلاء لا تعني الانسلاخ عن القيم والاخلاق
والحرية يا هؤلاء لا تعني جفاف ماء الحياء والأدب
والحرية يا هؤلاء ليست التجرد من الكرامة والشرف
الحرية والإنسان الحر كما عرفه الشيخ أبو زهرة بقوله: (إن الحر حقا هو الشخص الذي تتجلى فيه المعاني الإنسانية العالية، الذي يعلو بنفسه عن سفاسف الأمور ويتجه إلى معاليها، يضبط نفسه فلا تنطلق أهواؤه ولا يكون عبدا لشهوة معينة بل يكون سيد نفسه، فالحر يبتدئ السيادة على نفسه ومتى ساد على نفسه وانضبطت أهواؤه وأحاسيسه يكون حرا بلا ريب) ·

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى