أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

هوية مجتمعنا الثقافية في مواجهة الغزو الثقافي الغربي الإباحي الشذوذي

الدكتور محمود مصالحة

إن تحدي الغزو الثقافي الغربي الذي تواجهه الذاتية والعربية والإسلامية، الفردية والجماعية في مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، ودون مبالغة في القول: إنه لا يقل خطرًا عن نكبة ال48، فالهوية الثقافية الفردية والجماعية هي التي يتميز بها شعبنا عن غيره من الشعوب، لذلك فإن الصراع الثقافي هو صراع وجودي، فلا بد أن نكسب المعركة لنحافظ على وجودنا في أرضنا، ولقد قال مايكل هيل وزير خارجية أمريكا عام1936-1943: “فإذا أردت أن تلغي شعبا فاصنع له تاريخا، واجعل له ثقافة يتبعها فسيعادي أصله وحضارته ويندثر ويكون في حكم الأمم المنقرضة” لذلك فمن المخجل أن يكون هنالك من يدّعون أنهم من جلدتنا، وقد تثقفوا بثقافة الجندر(الشذوذ الجنسي)، ويروجون له بكل وسيلة، فهذه الثقافة سلوكيات مناقضة لديننا ولثقافتنا وقيمنا العظيمة، فكيف يتبنون تلك الأيديولوجيات الغربية ويتخندقون ضد شعبهم في مشروع صراع الثقافات والحضارات لهنجتنتون الذي تبنته الدول الغربية الاستعمارية، إن هذا الأمر ليشكل خطرًا على هويتنا وذاتيتنا العربية والإسلامية، بل إنه الضياع لأبنائنا، حيث تعمل تلك الثقافات على تفكيك الأسر والقضاء على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فإذا فُقدت القيم والأخلاق، أصبح المجتمع كله في حكم الضياع، إذن فعن أي قضية بعدها تبحثون؟
ولما امتهنت المرأة الغربية في العصر الإغريقي والعصر الروماني، وقد ورثت الحداثة الغربية هاتين الحضارتين بثقافتيهما وجعلت الكنيسة بين الجدران، وكذلك الكنيسة لم تنصف المرأة الغربية وهضمتها حقوقها، فحُق للمرأة أن تنتزع حقها، ولكن لا أن تتمرد على القيم والأخلاق والشرائع السماوية، وتهوي في مستنقع الشذوذ الجنسي المدمر للمجتمعات، ألا يكفينا ما نحن فيه، فمجتمعنا العربي يواجه تحديات كبيرة من عنف، واعتداءات، ومخدرات، وعمليات قتل يومية، وتصفيات لم نشهدها في العقود الماضية، حتى تأتي جمعيات وتُصرِّح علنًا في دعوتها لهذه الظاهرة الشذوذية الغربية الاستعمارية المدمرة، إن أبناءنا فلذات أكبادنا هم عدة المستقبل، يواجهون الضياع إن لم نقف وقفة رجل واحد، كلٌّ في موقعه في وجه تلك الدعوات الشاذة، ولا يُسمح لتلك الجمعيات دخول مدارسنا بدعواتها للشذوذ الجنسي المدمر للأخلاق والقيم، تحت عناوين مُنمَّقة (التربية الجنسية أو النهوض بالمرأة…)!!.
لقد كانت الدعوة إلى تحرير المرأة منذ القرن التاسع عشر كأثر من آثار الحداثة الغربية التي أرادت تجاوز التراث الاجتماعي والقانوني والديني المحقر والمعادي للمرأة، لقد أعلنت هذه النزرعة الأنثوية ثورة فوضوية وحربا على الفطرة السوية وأججت الصراع بين الجنسين- الإناث والذكور- انطلاقا من العداء الصريح، ودعت إلى الثورة على الدين وعلى الله وعلى اللغة وعلى الثقافة والتاريخ والعادات والأعراف والأخلاق، وسعت إلى عالم تتمحور فيه الأنثى حول ذاتها مستقلة استقلالا كليا عن عالم الرجال، بل ودعت إلى الشذوذ الجنسي بين النساء، وإلى التحرر الانحلالي، مهددة بذلك الوجود الإنساني ذاته!1.
والأدلة على ذلك؛ دعوة الاشتراكي الفرنسي ” فورييه”(1772-1837م) حيث “دعا إلى تحرر المرأة على كل الأصعدة البيتي، والمهني، والمدني، والجنسي وقال: إن العائلة تكاد تشكل سدا في وجه التقدم” …
وهذا فيلسوف النزعة الأنثوية” ماركيوز-هربرت(1898-1979م) قد جعل من أسس”نظريته النقدية”: “التأكيد على اطلاق الغرائز الجنسية بلا حدود … حتى حرية الشذوذ…وتمجيده باعتباره ثورة ضد قمع الجنس … معتبرا التحرر الجنسي عنصرا مكملا للتحرر الاجتماعي … رافضا ربط الجنس بالتناسل والانجاب”!..
أما فيلسوفة هذه النزعة الأنثوية الكاتبة الوجودية “سيمون بوفوار”(1908-1986م) فلقد اعتبرت” الزواج السجن الأبدي للمرأة، يقطع آمالها وأحلامها!” واعتبرت” مؤسسة الزواج لقهر المرأة يجب هدمها وإلغائها!، وجعلت الدين من الألوهية عدوا لهذه الفلسفة الأنثوية” …
وتبلورت لهذه الحركة فلسفتها التي تُقَرر: أن المرأة مالكة لجسدها … وحرة فيه، تتصرف فيه جنسيا مع من تشاء، ووفق ما تشاء…فالتعبير الحر هو جزء من الحرية، حتى لو اتخذت شكل الشذوذ الجنسي السحاقي … وحتى لو اتخذت شكل احتراف للبغاء، طالما خلا هذا الاحتراف للبغاء من الاستقلال التجاري! … وتُقرر هذه الفلسفة أن الحياء مرض يجب العلاج منه! … و” أن العفة تخلف وكبت للحرية” … ورأت هذه الفلسفة في الأمومة: قوالب جائرة لأنها لا تحقق للمرأة عائدا ماديا! …ورأت في الانجاب عبودية للمرأة…تسميها سيمون دي بوفوار” عبودية التناسل”! … ودعت هذه الفلسفة إلى حرية الزواج في أي لحظة والافتراق في أي لحظة وذلك بين فردين مثلين أو مختلفين … ووصل الحد أن قامت فيه منظمات أنثوية أمريكية اسمها:” حركة تقطيع أوصال الرجال!2.
…وإن 60% من أعضاء المنظمات الأمريكية سحاقيات! وأمثالها في الغرب وهي المسيطرة على لجنة المرأة في الأمم المتحدة، وهي التي تفرض الشذوذ الفكري والسلوكي على العالم من خلال المواثيق الدولية، تحت اسم المنظمة الدولية من وثيقة مؤتمر السكان 1994م، ووثيقة 1995م ووثيقة مؤتمرالمرأة2000م، ووثيقة الطفل، وإلغاء كافة التمييز ضد المرأة(CEDAW).
وتأملوا ماذا تقول الأستاذة الأمريكية” كاترين فورت”: ” إن المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تخص المرأة والأسرة والسكان … تصاغ في وكالات ولجان تسيطر عليها فئات ثلاثة: الأنوثة المتطرفة” و(أعداء الأنجاب والسكان) و(الشاذون والشاذات جنسيا) … وإن لجنة المرأة في الأمم المتحدة شكلتها امرأة اسكندنافية كانت تؤمن بالزواج المفتوح، ورفض الأسرة، وكانت تعتبر أن الزواج قيدا …3.
والمؤتمرات كثيرة التي عقدت من قبل جمعيات (الأنوثة المتطرفة Feminism) و(أعداء الأنجاب والسكان) و(الشاذون والشاذات جنسيا)، الذين سيطروا على لجنة المرأة في الأمم المتحدة، كالمؤتمر العالمي الثاني للمرأة المنعقد في “كوبنهاجن” عام 1980م4.
وكذلك المؤتمرات التي أُقيمت في عام 2000م، و 2001م، و 2003م، و 2005م، و 2007م، و 52009.

وخلاصة ما توصلت إليه هذه المؤتمرات:
أولاً: المساواة المطلقة بين الذكر والأنثى، انطلاقًا من مفهوم الجندر، ومما يدخل في هذا البند ما يلي:
* الاعتراف بالشذوذ الجنسي كحق معتبر للفرد، ويدخل في مصطلح الشذوذ: اللواط، والسحاق، والممارسة الجنسية الثنائية، والمتحولون من جنس لجنس.
* إلغاء قوامة الرجل على المرأة، وولايته عليها.
* المطالبة بالمساواة في الأحوال الشخصية: مثل الميراث، التعدد، والطلاق، والعدّة، والزواج.
* المطالبة بالمساواة في الأدوار الفطرية: كأدوار الإنجاب، والأمومة، والحضانة واعتبارها أدواراً نمطية لا تختص بجنس.
* إزالة كافة الفوارق في الميراث.
ثانياً: المطالبة بالحرية الجنسية وتشريع الزنا: بتوفير برامج الصحة الإنجابية والجنسية، ووسائل الحماية من الحمل غير المرغوب فيه.
ثالثاً: تجريم تزويج الفتاة دون سن الثامنة عشر: وعده نوعاً من أنواع الإتجار بالمرأة، مقابل اعتبار علاقاتها الجنسية بلا عقد زواج حرية شخصية! مع الإقرار بحق المرأة في المتاجرة بجسدها “الدعارة”.
رابعاً: اعتبار العنف كل عمل لا تتفق فيه الإرادة بين الطرفين مبنياً على الجندر: مما يُلحق ضرراً جسدياً أو جنسياً أو معاناة نفسية، وهذا المفهوم المطاطي يجعل حصره أمراً بالغ الصعوبة.
(المثليين والمتحولين جنسيًا) بحيث يصبح استنكار الشذوذ واعتباره انحرافًا أخلاقيًّا من مخلفات الماضي، وعلى المجتمعات إتاحة الفرص أمام ما تعتبره المنظومة الجندرية “أنماطًا غير تقليدية” من هؤلاء البشر تمارس حياتها بشكل طبيعي واعتبار وجودها أمر عادي، ويعبر عن احترام المجتمعات لحقوق الإنسان!
* نشر الإباحية في المجتمعات عبر مطالبة الدول بإعطاء المرأة كامل الحق في جسدها، بل وعلى الدول تيسير سبل حصول المرأة على موانع الحمل؛ تفاديًا لحدوث حمل لا ترغب المرأة فيه، وإذا ما حدث ذلك الحمل، فعلى الدول إباحة الإجهاض للتخلص منه!6.
وهكذا… إنها تلكْ؛ ثقافة الغرب الغازية التي لا تعدو أن تكون إلا بهيمية مغيرة للانتماء والهوية، وتسعى لتدمير منظومتنا التربوية الراقية القيمية، وأخلاقنا الفاضلة السماوية، “فو الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها”: إن لم نُلقِ بالًا لأبنائنا، ولم نرعهم حق الرعاية، فإن القدر المحتوم وسوء الخاتمة والضياع هو مصيرهم، بل وانقراض المجتمع بأسره، فمن هذا المنبر الإعلامي الموقر: نناشدكم يا أيها المديرين والمديرات الأفاضل، و يا أيها الآباء والأمهات الأكارم، و يا كل مسؤولٍ بقدر أمانة المسؤولية التي أوتيها في أي موقع كنت، الفضيلة الفضيلة، القيم القيم، والأخلاق الأخلاق، بها نرصُّ الصفوف، وننهض بالمجتمع ونرتقي بعون الله تعالى، آن الأوان أن نحمي ونُحصِّن مجتمعنا وأبناءنا من ظاهرة الغزو الشذوذي الغربي الاستعماري الخطير والمدمر، ولا يُسمح لتلك الفئة التي تعمل لأجندة ذات أيديولوجيات غربية ذات السلوكيات الشاذة، أن تخترقه لتفسد علينا وجودنا في أرضنا وبلادنا. وبالله التوفيق.

المصادر:
1. محمود مصالحة، الهوية بين التعددية الحضارية وضياعها في الحداثة الغربية والعولمة الاستعمارية.
2. أ.د مثنى أمين الكردستاني، حركات تحرر المرأة من المساواة إلى الحجاب، دار القلم، ط1، القاهرة، 2004م.
http://www.muslim-wf.org/News_Details_Print.aspx?Id=700.3
ملف بعنوان: عنف الأمم المتحدة ضد المرأة، من مجلة البيان، العدد 310 بتاريخ 31-5 -1434هـ بتصرف..4
صفحة الأمم المتحدة لليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة بتصرف. .5
http://www.un.org/ar/events/endviolenceday/.6

.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى