أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةعرب ودولي

انفجار نيونوكسا “النووي”: التجارب الصاروخية الروسية الفاشلة تزداد خطورة

أزاح إعلان وكالة “روس أتوم” الروسية النووية عن مقتل خمسة من خبرائها في قاعدة لتجريب وإطلاق الصواريخ بعض الغموض عن طبيعة الانفجار الذي حدث في قاعدة نيونوكسا قرب مدينة أرخانغيلسك، شمالي غرب روسيا، وتسبب في ذعر بين السكان بعد ارتفاع معدلات الإشعاع لفترة وجيزة إلى ضعفي المعدلات الطبيعية في مدينة سيفيرودفينسك التي تبعد 30 كيلومتراً عن القاعدة العسكرية، وإغلاق جزئي لحركة الملاحة في بعض المناطق البحرية القريبة لمدة شهر كامل. وكما درجت العادة منذ أيام الاتحاد السوفييتي، كانت المعلومات شحيحة ومتناقضة حول الانفجار، لكن “روس أتوم” كشفت أن خمسة من موظفيها قُتلوا في هذا الانفجار، وأنّ ثلاثة أشخاص آخرين أُصيبوا بجروح، موضحة أن موظفيها كانوا يقدمون الدعم الهندسي والتقني المتعلق بالوقود المستخدم في محركات الصواريخ. ومعلوم أن وزارة الدفاع اكتفت بعد الحادث بالقول إنّ الحادث وقع خلال القيام بتجربة “محرك صاروخ يعمل بالوقود السائل”، مشيرة إلى وفاة “اثنين من الاختصاصيين متأثرين بجراحهما” وإلى إصابة ستة آخرين.

وفي حين أكد الجيش الروسي ومتحدث باسم الحكومة الإقليمية بعد ساعات من انفجار يوم الخميس الماضي، أنّه “لم يحصل تلوث إشعاعي”، إلا أنّ بلدية مدينة سيفيرودفينسك التي يبلغ عدد سكانها 190 ألف نسمة وتبعد حوالي 30 كيلومتراً عن القاعدة، أكدت على موقعها على الإنترنت، أنّ أجهزة الاستشعار لديها “سجلت ارتفاعاً للنشاط الإشعاعي لمدة قصيرة”، لكن الخبر سرعان ما سُحب من على موقع بلدية المدينة، كما لم يحدد أيضاً المستوى الذي بلغه النشاط الإشعاعي. لكن مسؤولاً محلياً في الدفاع المدني أكد لوكالات أنباء روسية أن مستوى الإشعاع ارتفع إلى 2.0 ميكروسيفيرت في الساعة لمدة ثلاثين دقيقة، مشيراً إلى أنّ الحد الأقصى المقبول للتعرض للنشاط الإشعاعي هو 0.6 ميكروسيفيرت في الساعة. التناقض في التصريحات نشر الذعر بين سكان المناطق المحيطة وازداد الطلب بشكل جنوني على شراء اليود أو الأدوية التي تحتوي مركبات اليود، بهدف حماية الغدة الدرقية في حال حدوث تسرب إشعاعي نووي، وتبادل السكان التعليمات حول القواعد التي يجب التقيد بها في حال حصول تلوث إشعاعي.

وكان من الممكن أن يضاف الحادث في القاعدة المخصصة لإجراء تجارب على صواريخ لسلاح البحرية الروسية وقبلها السوفييتية منذ 1954 إلى ملف من ملفات تحت عنوان “سري للغاية” لو لم ترصد مستشعرات الإشعاع في مدينة سيفيرودفينسك ارتفاعاً كبيراً في مستوى الاشعاع لمدة ساعة بعد الحادث. كما ساهم نشر وسائل الإعلام مقاطع فيديو لإسعاف جرحى بعد الحادث في كشف الطابع النووي له، فالمقاطع الأولى التي بثتها محطات التلفزة المحلية والفيدرالية تظهر مسعفين وجرحى يرتدون الألبسة الخاصة بالإسعاف في حال التسرب الاشعاعي.

وفي تقرير لها بعد الحادث، نقلت صحيفة “نوفايا غازيتا” المعارضة أن الحديث يدور عن تجربة جديدة فاشلة لنوع من الصواريخ الأسرع من الصوت التي أعلن الرئيس فلاديمير بوتين عن امتلاكها في مطلع مارس/ آذار من العام الماضي. وأشارت الصحيفة إلى وجود أدلة على أن الحادث الأخير قرب أرخانغيلسك مرتبط بأسلحة بوتين “الخارقة”، منها بيان “روس أتوم” الذي أفاد بأن الخلل حدث في محرك الصاروخ العامل بالوقود السائل، كما أن ساحة التدريب التي حصل فيها الحادث هي ذاتها التي تشهد اختبارات للصواريخ البالستية العاملة بالوقود النووي للغواصات النووية الروسية. ورجح خبراء للصحيفة أن الحديث يدور عن استخدام نظير اليورانيوم 232 التي تعمل بها البطاريات النووية. وخلصت الصحيفة في تقريرها إلى أنه “من المبكر معرفة حقيقة ما حدث، وعلى الأرجح لن نعرف الحقيقة قبل سنوات طويلة، نظراً للسرية التامة التي تعمل بها هذه المراكز المتخصصة بإنشاء الأسلحة الحديثة”، لكنها أشارت إلى أن “ربط الكارثة بالعواصف أمر غير مقبول عند العمل في هذه التقنيات”، مرجحة أن الحادث “ناجم عن الاستعجال في إدخال صاروخ نووي روسي إلى الخدمة بحلول 2020 -2021، إرضاء لمخططات الكرملين”.

وبعد تحليل المعلومات الواردة من وزارة الدفاع الروسية و”روس أتوم” بالإضافة إلى مكان حادث الانفجار، نقلت الصحافية في “نوفايا غازيتا” يوليا لاتيلينا عن خبراء قولهم إن الحديث يدور عن انفجار أثناء تجريب صاروخ “تسيركون” الذي تحدث عنه بوتين في خطابه مطلع مارس/ آذار 2018. وحسب الصحافية، فإن الخبراء أشاروا إلى أن “تطوير صواريخ تعمل بالوقود النووي يعني أننا أمام تشيرنوبيل (مكان الانفجار النووي في أوكرانيا عام 1986) طائر يمكن أن يتسبب في كارثة مدمّرة، ما جعل العلماء السوفييت يتوقفون في حينه عن تطوير هذه الصواريخ”. وأوضح الخبراء أن “الكارثة يمكن أن تحصل أثناء عمليات الإطلاق غير الناجحة أو في حال إسقاط هذه الصواريخ، أو في حال سقوطها بفعل قوانين الطبيعة بسبب الجاذبية بعد نفاد الوقود في حال تغلبت على جميع منظومات الدفاع الصاروخية”.

ومعلوم أن روسيا أجرت في السنوات العشر الأخيرة تجارب فاشلة لإطلاق صواريخ نووية، ففي يوليو/ تموز 2009 سقط صاروخ “بولافا” الاستراتيجي في البحر الأبيض، شمالي غرب روسيا، بعدما جرى تدميره ذاتياً بعد مسافة قصيرة. وحسب خبراء، فإن صاروخ “بولافا” ذاتي الدفع وعابر للقارات، ويطلق من الغواصات ويستطيع حمل ما يصل إلى 10 رؤوس حربية لمسافة تصل إلى 8 آلاف كيلومتر، لكنه خضع قبل ذلك لست تجارب فاشلة، مقابل نجاح خمس أخرى. وفي يوليو/ تموز 2017، كشف شريط فيديو عن تجربة فاشلة جديدة لـ”بولافا”، ووثّق التسجيل لحظة انفجار الصاروخ بعد إطلاقه بلحظات من البحر الأبيض، علماً أن تجربة الإطلاق كانت تستهدف أن يقطع الصاروخ مسافة 5 آلاف كيلومتر.

وحينها نقلت صحيفة “ديلي ميل” عن مصادر أن “الصاروخ من نوع بولافا، كان أحد صاروخين تم إطلاقهما من الغواصة يوري دولغوروكي في البحر الأبيض، بهدف قطع مسافة 5600 كيلومتر إلى شبه جزيرة كامشاتكا، في أقصى الشرق الروسي”. وأشارت مواقع إخبارية روسية حينها إلى أن “نتائج إطلاق الصواريخ الروسية حاملة الرؤوس النووية تعد كارثية؛ إذ فشل إطلاق 9 صواريخ من بين 27 تجربة، ما مثل إحراجاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكان يمكن أن يجلب كارثة لو كانت الصواريخ تحمل رؤوساً نووية”.

وفي مايو/ أيار 2018، وبعد شهرين من عرض بوتين أسلحة “لا تقهر” وقادرة على الوصول إلى أي نقطة في العالم وتجاوز الرادارات ومنظومات الردع الصاروخية، نقل تلفزيون “سي إن بي سي” عن مصادر في الاستخبارات الأميركية قولها إن صاروخ “أفانغارد” الذي تباهى به بوتين لم ينجح حتى اليوم خلال عمليات اختبار عدة، في تقديم أداء فعال، وحسب خبراء عسكريين فإن “أفانغارد” هو من ضمن الصواريخ التي تطورها روسيا منذ عام 2000 وتعمل عند الإطلاق بنظام دفع يعتمد على الوقود، قبل أن ينتقل خلال عملية التحليق إلى العمل بالطاقة النووية. وحسب بوتين، فإن “أفانغارد” هو صاروخ عابر للقارات أسرع من الصوت، ومن شأنه أن يحلق نحو أهدافه بسرعة تزيد عن 20 ضعفاً من سرعة الصوت ويضرب “وكأنه نيزك، أو ككرة نارية، وقادر على القيام بمناورات حادة في طريقه إلى الأهداف، ما يجعله منيعاً تماماً على أي نظام دفاع صاروخي”.

ومع أن التسرب الاشعاعي الناجم عن انفجار الصاروخ، يوم الخميس، لم يكن كبيراً حسب المؤشرات الأولية، إلا أنه يعيد إلى الأذهان حوادث سابقة لتسرب الإشعاعات النووية مثل تشيرنوببل. لكن الأخطر أنه في ظل الحديث عن سباق تسلح جديد بين روسيا والولايات المتحدة بعد انسحابهما من اتفاقية الحد من الأسلحة القصيرة ومتوسطة المدى، يمكن أن نشهد حوادث كارثية مع سعي الطرفين إلى التفوق العسكري، واجراء تجارب مدمرة للطبيعة والبشر. فبعد استخدام الولايات المتحدة القنبلة النووية للمرة الأولى في الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) ضد اليابان في هيروشيما وناغازاكي، تمكن الاتحاد السوفييتي من الوصول إلى هذه القنبلة بعد تجارب عدة في مناطق قرب القطب الشمالي. وذهب السوفييت إلى حدّ إجراء اختبارات بالقرب من تجمعات سكنية في مقاطعة أرنبورغ، شرقي روسيا، تضمنت اختبار تأثير السلاح النووي على الأرض والحيوانات والطبيعة والتقنيات العسكرية، في سبتمبر/ أيلول 1954 وتحت اسم “كرة الثلج”، اختبر الجيش الأحمر شحنة نووية تكتيكية في ميدان توتسك المتاخم لعدد من التجمعات البشرية، التي ما زالت تعاني مما حصل عبر إصابات سرطانية وأمراض جلدية. وفي ذلك التاريخ جُمع 45 ألف جندي ومئات العربات المدرعة والمدافع والطائرات معاً. وكان المطلوب أن يحاكي الجنود اختراق دفاعات العدو بعد خمس دقائق من رمي طائرة “تو 4” قنبلة نووية بقوة 38 كيلوطناً. وبعد سنوات على الحادثة تحدثت تقارير عن تضرّر معظم الجنود بسبب الإشعاعات المنبعثة من القنبلة، بسبب تقديرات لقيادة الجيش الأحمر بأن تأثير القنبلة يكمن فقط في موجة الصدمة الأولى بعد الإطلاق.

تجربة ميدان توتسك جرت تحت تخطيط وإشراف المارشال السوفييتي المعروف غيورغي جوكوف، الذي قال في مذكراته لاحقاً “بعدما رأيت بنفسي التفجير النووي وعاينت الأماكن والتقنيات بعده، وصلت إلى قناعة بأن الحرب باستخدام الأسلحة النووية يجب ألا تندلع بأي حال من الأحوال، ولكن بالنسبة لي فإن شيئاً آخر بات واضحاً وهو أن سباق التسلح المفروض علينا يتطلب منا أن نتخذ كل الإجراءات والاحتياطات من أجل إنهاء تخلفنا في مجال جميع أنواع الأسلحة”. وتشارك معظم النخب الروسية المارشال جوكوف عقيدته بأن السلاح النووي سلاح ردع ولا للاستخدام، كما يشاركونه في مخاوفه من تخلف روسيا في مجال التسليح فيندفعون لتطوير أسلحة للتصدي للمخاطر الخارجية، ومنها أسلحة تحمل مفاعلات نووية صغيرة في داخلها يمكن أن تجلب كوارث على روسيا والعالم. وعلى الرغم من صعوبة التوصل إلى اتفاقات لوقف سباق تسلح جديد، فإن خبراء في موسكو يأملون بأن يشكل حادث تفجير الصاروخ الأخير عبرة للحد من تجارب خطرة، ويفتح الطريق أمام تفاهمات جديدة بين واشنطن وموسكو وتضم بلداناً أخرى تحل محل الاتفاقات السابقة للحد من التسلح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى