أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

وصية ومعايدة بمناسبة عيد الأضحى المبارك

د. مهدي زحالقة
نحن في أيام عظيمة هي الأيام الأولى من شهر ذي الحجة، والتي هي خير أيام الدنيا كما قال عنها النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبها أقسم الله في كتابه العزيز بقوله سبحانه وتعالى: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ). قال النبي صلّى الله عليه وسلم: أفضل أيام الدنيا أيام العشر.
أيها الأحبة، غدا السبت هو التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة الذي قال عنه اﻟﻨﺒﻲ صلّى الله عليه وسلّم: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده”. وبعد غد الأحد هو العاشر من ذي الحجة وهو يوم عيد الأضحى المبارك الذي نبدأه إن شاء الله بالصلاة (صلاة العيد الساعة 06:20)، ومن ثم ذبح الأضاحي وهو سنة مؤكدة، إحرص على أدائها يا أيها الأخ الحبيب.
ولا تنسَ أن شهر ذي الحجة أصلاً هو الشهر الأخير من العام، وعما قليل ستُطوى صحائفه، وتُغلق خزائنُه على ما عملناه فيه من خير أو شر، فاختم عامك -أيها المسلم-بخير.
وما دمنا نتحدّث عن الخير فلنا هنا وقفة مهمّة نقف فيها مع استاذِ البشرية الأكبر، وقائد المسلمين الأعظم، وصاحبِ الرسالة العصماء، نبيِ الرحمة، وعظيمنا وقائدنا، سيدِنا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم القائل في الحديث: إنَّ من الناس ناسًا مَفاتيح للخير مَغاليق للشَّرِّ، وإنَّ من الناس ناسًا مَفاتيح للشَّرِّ مَغاليق للخير، فطُوبَى لِمَن جعَل الله مَفاتيح الخير على يدَيْه، ووَيْلٌ لِمَن جعَل الله مفاتيح الشَّرِّ على يدَيْه.
أيها الإخوة وأيتها الأخوات، المؤمن يَخافُ الله ويُطِيعه، ويُخالفُ نفسَه ويَعصى هَواه، ويُقدِّم الآخِرةَ الباقية على الدُّنيا الفانية، هذا في تَعامُله مع الله تعالى، أمَّا مع الناس فهو مِفتاحُ خيرٍ، ودلّال مَعروف، وسَفير هِداية، ورسول صَلاح، مِغلاقُ شَرٍّ، ودافِع بَلاء، ومانع نِقمةٍ، وصمام أمان من غَضَبِ الرحمن…
كم نحن بحاجة الى هذه المعاني
أيها الأحبة، الخير مرضاةُ الله والشرُّ سخطُه. فإذا رضي الله عن عبدٍ فعلامة رِضاه أن يجعَلَه مِفتاحًا للخير، فإن رُئِي ذُكِرَ الخير برُؤيته، وإن حضر، حضَر الخير معه، وإن نطق نطَق بخيرٍ، وعليه من الله سماتٌ ظاهرة؛ لأنَّه يتقلَّب في الخير، بعمَلِ الخير، وينطق بخير، ويُفكِّر في خير، ويضمر خيرًا فهو مفتاح الخير حسبما حضَر، وسبب الخير لكلِّ مَن صحبه. هناك أناس إذا التقيت بهم أو رأيتهم أو حتى سمعتَ ذكرَ أحدِهم تتذكر القرآن، أو تتذكر الذكر والاستغفار، أو تتذكر رسول الله، والصلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم. وهناك الآخَر ممن يتقلَّب في شَرٍّ ويعملُ شَرًّا، وينطق بشرٍّ، ويُفكِّر في شَرٍّ، ويضمر شرًّا، فهو مِفتاح الشَّرِّ؛ إذا رأيته أو سمعت عنه تذكرت الشر وأهله وتذكرت المكر والسوء. لذلك، صُحبة الأوَّل دَواء، اللهم اجعلنا منهم، وصحبة الثاني داء، اللهم إنا نعوذ بك منهم.
إذن، الناس على نوعين: منهم مَن إذا اجتمع بهم في مَجالسهم حَرَص على شَغْلِهم بما ينفعهم في دينهم ودنياهم، بل حتى وهو في جوف بيته وداره يُشيع الخير ويبثُّه في الناس، وبخاصة مِن خلال وسائل الإعلام الحديثة، ووسائل التواصل الاجتماعي؛ فقد يُرسل رسالة عبرَ هاتفه أو عبر البريد الإلكتروني، أو من خلال مقالٍ صحفي، أو غير ذلك، فيكون مفتاحًا لأنواعٍ من الخير، تَذهب هذه الكلمة، فتُشرِّق وتغرِّب وهو لا يَدري أثرَها الذي بارك الله فيه، وهذا يوضِّحه قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: ((وإن الرجل ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالًا، يَكتب الله له بها رضوانَه حتى يلقاه)). وهناك مِن الناس مَن يَشغل غيرَه بما يَضرُّ ويعتدي على غيره، فهؤلاء قد حرَمَهم اللهُ الخيرَ وأشقاهم.
من هنا، علينا أيها الأحبة في الله، أن نسعى جاهدين عاملين في تقريب القلوب، وجمع الكلمة والائتلاف، ونشر الخير فيما بين الناس، وعلينا أن نحارب وننبذ كل من يسعى في إثارة الفتن والشقاق، والتنافرِ والاختلاف.
إن الناس من تُذكِّر رؤيتُه بالله جل في علاه، يُعين العبادَ في مقاله وحاله على طاعة الله، ويأمرهم بالقيام بالحقوق الواجبة والمسنونة. ومنهم من هو على الضدِّ من ذلك، ممَن يثبِّط الناس عن الخير، وأحواله غير مأمونة، فتبارك الله جل في علاه، الذي فاوتَ بين العباد هذا التفاوتَ العظيم. فهذا كريمٌ على الله وعلى خلقِه، الذي كان مفتاحًا للخير، مغلاقًا للشر. وهذا لئيم، وهو الذي فتح أبواب الشر وأغلق أبواب الخير.
ذاك مبارك على مَن اتصل به، وهذا دلَّ إلى كلِّ خلق ذميم. هذا مفتاح للبر والتقوى وطُرق الخيرات، وهذا مغلاقٌ لها، ومفتاحٌ للشرور والآفات. هذا مأمونٌ على النفوس والأعراض والأموال، وهذا خائنٌ لا يوثَق به في حال من الأحوال. هذا قد سَلِم المسلمون من لسانه ويده، وهذا لم يَسلَم منه أحدٌ، وربما سرَت أذيَّته على أهله وأولاده!
أيها الأخ المبارك، لا تتساهل في هذا الأمر، واحرص على أن تجد أبوابا للخير تفتحها للناس. هذه تجارة رابحة مع الله، وما عليك إلاّ أن تنوي أن تكون فعّالا لا خاملا بين أُناسك مخلصا لله. حينها سيعينك الله على التغيير والإصلاح ونشر الخير بين الناس إذا نويت صادقا، مصداقا لقوله تعالى “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”. وحينها أيضا سيصرف الله عنك الشر والسوء، كما قال تعالى عن نبي الله يوسف عليه السلام ” كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين”. وأخيرا، إن من أهم مفاتيح الخير، أن تتحلى بمكارم الأخلاق المحمدية، فتوشح بحلية العفو والتسامح حتى عمن ظلمك، لتكن أنت الفائز بمفتاح الجنة. والأجمل أن تكون متفنّنا في فعل الخير مبدعا، فهذه السيدة عائشة رضي الله عنها كان تعطّر الدراهم قبل ان تتصدق بها!
كن مرآة لأخيك ليهنأ بما يرى وانصحه بالخير فهو محتاج لك إن كنت قادرا على نصحه وبذلك يعمّ الخير عليك وعليه وعلى الجميع. ولا تبذل جهدا في احباط الآخرين!
ولا تنسَ مفتاحا آخرا للخير، يفوح عطرا وطيبا، هو الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. مفتاح الخير هذا له أسرار عظيمة، يفتح أبواب خير كثيرة. يفتح أبواب تفريج الهمّ، وأبواب مغفرة الذنوب إن شاء الله تعالى، بل هو مفتاح من مفاتيح الجنة. فأكثر من الصلاة على حبيبك محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
وفَّقنا الله تعالى لكل خير ولما يحبه مِن كل خُلُقٍ كريم، وأجارنا الله وإياكم من سيئ الأخلاق والأقوال والأفعال، إنَّ الله سميع مجيب.
تقبل الله طاعاتكم وأعاننا وإياكم أن نكون مفاتيح للخير مغاليق للشر، وكل عام وأنتم بألف خير، وكل عام وأنتم إلى الله أقرب. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّد الأولين والآخرين سيدنا محمّد أشرف الخلق والمرسلين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى