أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

تسلحوا بالبكاء من خشية الله تعالى

د. أنس سليمان أحمد

هذا هو طريق المشروع الإسلامي، طريق طويل وشاق وشائك، وفيه ما فيه من وحشة الطريق وقلة الزاد وبُعد السفر، وفيه ما فيه من المحن والفتن والبأساء والضراء والزلزلة، وفيه ما فيه من مخالفة العدو وخذلان القريب وظهور المنكر وانتفاش الباطل، وفيه ما فيه من سجون وحصار وتشريد وتضحيات وابتلاءات تلحق بعضها كلما قيل انقضت تمادت.
وإلى جانب ذلك فإن السائرين في طريق المشروع الإسلامي ليسوا معصومين وسيذنبون ذنباً بعد ذنب إلى ما شاء الله تعالى، وليسوا ملهمين وسيخطئون خطأ بعد خطأ إلى ما شاء الله تعالى، ولهم نفوس في داخلهم وقد تكون أمّارة بالسوء أو لوّامة، ومن النادر أن تكون مطمئنة، فسيميلون إلى السوء والعاصم هو الله تعالى، ولهم الهوى العاصف الجارف في داخلهم، وقد يزين لهم هواهم المنكر معروفا، والمعصية طاعة، والسيئة حسنة، والشر خيرا، والانحراف سياسة، والمداهنة مداراة، والتبعية مجاملة، والعاصم هو الله تعالى، وفي كل منهم شيطان يجري فيه كجري الدم في العروق، ولا ينقطع عن وساوسه في الليل قبل النهار، ومن بين أيديهم وخلفهم وعن أيمانهم وشمائلهم دنيا تطاردهم وهي حلوة خضراء فتّانة، تعرض عليهم بريق المنصب تارة، أو إغراء الوظيفة تارة أخرى، أو بهرجة الحياة تارة ثالثة أو سحر السمعة تارة رابعة، أو فخامة الفنادق تارة خامسة، أو شهوة المديح تارة سادسة، أو طقطقة المال تارة سابعة، والعاصم هو الله تعالى.
لكل ذلك فإن أكثر الناس عرضة للامتحانات هم أبناء المشروع الإسلامي، وهم أكثر الناس قرباً من الخطر على دينهم ودنياهم، وهم لكل ذلك عرضة للسقوط من علٍّ بعد مرحلة صعود، وللتراجع المعيب بعد مسيرة ثبات، وللزلل المؤسف بعد عطاء كريم، أو لعل بعضهم عرضة للغرور أو العجب أو المباهاة أو المفاخرة أو إحسان المظهر دون الجوهر بعد بذل كريم، والعاصم هو الله تعالى.
لذلك لا بد لأبناء المشروع الإسلامي من التسلح بالبكاء من خشية الله تعالى، على أن يكون هذا البكاء مثالاً صافياً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله”، وعلى أن يكون هذا البكاء ثمرة محاسبة على حصاد سنين أو ثمرة ندم على ذنوب غابت عن الخلق وما غابت عن الخالق، أو ثمرة أسف على طول تقصير في جنب الله تعالى أو ثمرة حسرة على أوقات ضاعت على القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، أو على غمز ولمز وهمز وتطاول على الآخرين ظلماً وعدواناً، أو ثمرة جلد للذات على مواقف هزيلة خذلت فيها نصرة المشروع الإسلامي وهو يحسب أنه يحسن صنعا!!
فيا أبناء المشروع الإسلامي انظروا إلى صدوركم وقلوبكم وأجسادكم ستجدون كم فيها من ندوب معيبة بسبب هذه الأمراض التي كان لكل منكم حظ منها، وكان لبعضها حظ من كل واحد منكم، فتنبهوا ولا يكن حالكم كحال حاطب الليل الذي حزم حطبه وكان فيه ثعبان، فما أن وضع ذاك الحطب على ظهره حتى لدغه الثعبان لدغة قاتلة.
لنقف مع مشهد مهم في هذا الباب، فقد روي في مجلس معاوية رضي الله عنه حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” َنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ، فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ، وَرَجُلٌ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعِلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلانٌ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ، وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعَكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ، أَنْ يُقَالَ: فُلانٌ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ، وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ لَهُ فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ : كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ : بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ : فُلانٌ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ “، ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتَيَّ، فَقَالَ : “يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أُولَئِكَ الثَّلاثَةُ أَوَّلُ خَلْقٍ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” فعندما سمع معاوية رضي الله عنه هذا الحديث قال: قَدْ فَعَلَ بِهَؤُلاءِ هَذَا، فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ، فَقُلْنَا لَهُ: قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُلُ بِشَرٍّ، ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
فيا أبناء المشروع الإسلامي سددوا وقاربوا ولا يغرنكم أن يُقال عن أحدكم فقيه أو خطيب أو داعية أو شاعر أو سياسي أو كاتب أو مفكر أو إعلامي أو اقتصادي!! سيروا على بركة الله وتسلحوا دائماً بالبكاء من خشية الله تعالى، لعلنا نكون من الناجين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى