أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

يوم أن قتلوا الرئيس الشهيد مرسي فقد قتلوا منهج العدل

عبد الإله وليد معلواني
دخل أنس بن مالك على الحجاج بن يوسف، فلما وقف بين يديه، سلّم عليه فقال له: إيهٍ إيهٍ يا أنيس! يوم لك مع عليّ، ويوم لك مع إبن الزبير، ويوم لك مع إبن الأشعث، والله لأستأصلنك كما تستأصل الشأفة، ولأدمغنك كما تُدمغ الصمغة. فقال أنس: إيّاي يعني الأمير أصلحه الله؟ قال: إياك، سك الله سمعك. قال أنس: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله لولا الصبية الصغار ما باليت أيَّ قتلة ولا أيَّ ميتة مِتُ. ثم خرج من عند الحجاج، فكتب إلى عبد الملك بن مروان يخبره بما قال الحجاج، فلما قرأ عبد الملك كتاب أنس استشاط غضبا وصفّق عجبا، وتعاظم ذلك من الحجاج، وكان كتاب أنس: إلى عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين من أنس بن مالك، أما بعد: فإن الحجاج قالي هُجرا، وأسمعني نُكرا، ولم أكن لذلك أهلا، فخذ لي على يديه، فأني أمُتُّ بخدمتي رسول الله وصحبتي إياه، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. فقرأ عبد الملك الكتاب وهو يبكي، وبلغ به الغضب ما شاء الله، ثم كتب إلى الحجاج بكتاب غليظ، فبعث عبد الملك إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر –وكان مصادقا للحجاج-فقال له: دونك كتابيّ هذين فخذهما، واركب البريد إلى العراق، وابدأ بأنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدفع كتابي إليه وأبلغه مني السلام، وقل له: يا أبا حمزة قد كتبت إلى الحجاج الملعون كتابا، إذا قرأه كان أطوع لك من أمتك. وكان كتاب عبد الملك إلى أنس بن مالك: بسم الله الرحمان الرحيم من عبد الملك بن مروان إلى أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت من شكايتك الحجاج، وما سلطته عليك ولا أمرته بالإساءة إليك، فأن عاد لمثلها فأكتب إليَّ بذلك أنزل به عقوبتي، وتَحْسُن لك معونتي والسلام. فلما قرأ أنس كتابه قال: جزى الله أمير المؤمنين عنّي خيرا، وعافاه وكفاه وكافأه بالجنة، فهذا كان ظني به والرجاء منه. وكان كتاب عبد الملك إلى الحجاج: بسم الله الرحمنالرحيم، من عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى الحجاج بن يوسف، أما بعد: فأنك عبد طمَتْ –أي ارتفعت-بك الأمور فسموت فيها، وعدوت طورك، وجاوزت قدرَك، وركبت داهية إدَّا، وأردت أن تبورني –أي تختبرني-فإن سوغتكها مضيت قُدما، وإن لم أسوغها رجعت القهقرى، فلعنك الله عبدا أخفش العينين، منقوص الجاعرتين –أي حرفا الوركين المشرفين على الفخذين-، أنسيت مكاسب آبائك بالطائف، وحفرهم الآبار ونقلهم الصخور على ظهورهم في المناهل؟ يا ابن المستفرمة بعجم الزبيب والله لأغمزنك غمز الليث الثعلب، والصقر الأرنب، وثبت على رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، فلم تقبل له إحسانه، ولم تجاوز له إساءته، جُرأة منك على الرب عز وجل، واستخفافا منك بالعهد، والله لو أن اليهود والنصارى رأت رجلا خدم عزير بن عزرا وعيسى إبن مريم لعظمته وشرَّفته وأكرمته، فكيف وهذا أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين، يطلعه على سِّره ويشاوره في أمره؟! ثم هو مع هذا بقية بقايا أصحابه، فأذا قرأت كتابي هذا فكن أطوع له من خُفه ونعله، وإلا أتاك مني سهم مثكل، بحتف قاض، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون. ولما علم الحجاج بأن عبد الملك غاضب عليه استوى جالسا مرعوبا، ولما قرأ الكتاب اعتذر لأنس ولم يزل مكرما له حتى مات، وكتب الحجّاج خطابا يعتذر فيه عما حدث منه في حق أنس. وحول هذا المشهد يمكن أن يكتب الشيء الكثير، ومن أهم ما نلفت الانتباه إليه أن عبد الملك بن مروان أدرك ان دوام الحكم يقوم على حفظ حرمات الدين، وأن تضييعها يؤدي الى ضياع الحكم ولو بعد حين، ولذلك عجَّل بالانتصار لأنس ابن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي نراه من السيسي شقي مصر اليوم أنه أضاع حرمات الدين، وزج بمئات العلماء في ظلمات سجونه، وصادر الأزهر الشريف، وكمم أفواه الأحرار من علمائه، وألقى الحبل على غاربه لزمرة من علماء السلطان يعيثون فسادا في أمور الدين، لدرجه أن بعضهم تجرأ واعتبر أن السيسي رسول من عند الله تعالى، وأن بعضهم تجرأ وصادق على إعدام المئات من أحرار مصر وحرائرها الذين هم من خيرة أهل الأرض، وأن بعضهم أصدر من الفتاوى المستهجنة ما أضحك الأموات في قبورها، وأن بعضهم أنكر وجود المسجد الأقصى في القدس المحتلة، وأن الكثير منهم صفق للسيسي عندما دعا بالبث المباشر إلى تجديد الخطاب الديني وكان يرمي من وراء ذلك نسف ثوابت الإسلام بل الاعتداء على القرآن الكريم والسنة النبوية، فهل يستقيم هذا شقي مصر السيسي مع الرئيس الشهيد محمد مرسي الذي كان حافظا للقرآن ومعظما لشعائر الله تعالى وأحكامه وحدوده. وإلى جانب ذلك يستوقفنا بكاء عبد الملك بن مروان عندما سمع أن الحجاج قد ظلم الصحابي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك، وهذا يقول لنا: إن عبد الملك بن مروان بكى عندما علم عن وجود مظلوم في دولته، ولكن السيسي شقي مصر ها هو قد ملأ مصر ظلما وجورا، ولا يزال يملك الجرأة أن يخرج علانية بالبث المباشر وأن يضحك ملأ شدقيه، فلا أدري هل سيأتي يوم قد يبكي فيه هذا السيسي من قبح ظلمه الذي آذى فيه كل حر في مصر وكل حرة وكل بيت حر وكل مسجد وكل كنيسة وكل مدينة وكل صعيد، من حدود الصحراء المصرية الليبية حتى صحراء سيناء، فيا ويل مصر من عاقبة ظلم السيسي، وفي المقابل ها هو سليم عزوز يروي في الحلقة الرابعة من سلسلة مقالات له بعنوان (عام في القصر)، والتي لا نوافقه على كل ما ورد فيها يروي أن الرئيس الشهيد محمد مرسي التقى في أول زيارة له للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 2012 بالجالية المصرية في قاعة مفتوحة تسمح بدخول الجميع، وكان ذلك بأحد فنادق تايم سكويرز في قلب نيويورك، وتوجهت إلى هذا اللقاء الذي حضره ما يقارب 200 مصري، وقد أجاب د.مرسي بكل دقة وصدق على أسئلة الجالية المصرية. كان من بين المصريين سيدة قبطية فاضلة شكت له بقوة ما يتعرض له الأقباط من تمييز وعنف في الشارع المصري فحاول بعض الحضور اعتراض كلامها، وهنا أمرهم د.مرسي بالسكوت حتى تستطيع السيدة البوح بشكواها بكل حرية، ثم أجابها. لم تعجبها إجابة د.مرسي التي لم تر فيها إلا مجرد كلام في التسامح لا وجود له على أرض الواقع، فظلت تصرخ ضده، وهنا توجه الأمن الخاص بالرئاسة وأمرها بالجلوس برفق وبعد انتهاء الجلسة توجه إليها د.مرسي أثناء خروجه وقبّل رأسها وفتح لها الطريق للخروج قبله، ولم يشتد وجهه إلا عندما نَهَر أحد مرافقيه كان يريد الرد بشكل غير لائق على هذه السيدة!! فيا ويل من تآمروا على هذا الرئيس الشهيد محمد مرسي، فأنهم يوم أن قتلوه فقد قتلوا منهج عدل في الأرض وأقاموا منهج ظلم، فهل تستوي الظلمات والنور حتى يستوي العدل والظلم؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى