أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

وما أكثر مراهقي عصرنا

توفيق محمد

أما عن المراهق، فإنه غالبا ما يريد تجربة كل شيء لوحده، كالأطفال تماما، لا يقتنع بكلام والد، أو والدة، أو أخ، أو أخت، أو معلم، او مدير، أو مرجعية فكرية أو دينية أو عقدية، فتراه يعتبر نفسه سيد الموقف يجب ان يخبره بنفسه، وبعد إذ يتبين صواب ما أرشده إليه سابقا كل الذين ذكرت آنفا ترى هذا المراهق يبتسم ابتسامة صفراء ويخفض نظراته، لكنه في كثير من الأحيان يرفض الاعتذار المباشر عما بدر منه فتراه يحاول صياغة الجمل والبحث عن الكلمات التي تبقي له شيئا من “عزة النفس”.
نتوقع منه أن يتراجع عن خطأه، أن يعتذر عما بدر، لكنه للأسف يأتي اعتذاره أسوأ من خطأه وهو يحاول أن يجمع بين “عزة النفس” (قد تسمى العزة بالإثم) وبين تصحيح ما بدر عنه وبهذا يكون قد أساء الى نفسه، والى من حوله من إخوة وعائلة، وبالتالي الى مجتمعه كله، ومثل هذا لا بد من تبيان الحقيقة له ووضعه أمام المرأة الكاشفة حتى لا يعتقد أنه يقود نفسه والمحيطين به الى الصواب والحقيقية والحق، وإلا فانه سيأتي بالوبال على نفسه وأهله ومجتمعه.
بالضبط كهذا المراهق هو حال المراهق السياسي (وقد يكون شخصا أو حزبا أو حركة) الذي يعتقد نفسه قائدا كبيرا مدركا للواقع الذي يحياه أكثر من غيره، فيتقن أن يتحول الى معجونة أطفال ليتكيف مع الواقع، ولو كان ذلك على حساب ثوابت الدين والوطن والموروث الحضاري لأمته.
ومثل أولئك تجدهم في عالمنا العربي وفي مجتمعنا الفلسطيني في هذه الأيام بكثرة، بل هم الطفرة التي باتت تتحكم وتحكم المجتمعات العربية، وفي حالات أخرى تأخذ الشرعية من جلاديها، لأنها حسب اعتقادها أتقنت دون غيرها فهم الواقع الذي تحياه، فمالت حيث الريح تميل، وأصبح ميلانها هذا مشروعا تنظر له في محاضراتها وفي مؤتمراتها الصحفية، وتجد صفا من “السحيجة” الذين يؤولون ويفسرون لها “سقطاتها” الدينية والوطنية والعقدية والتاريخية.
ولكن في النظر الى كثرة هذه السقطات فإن السؤال الذي يسأل هو: هل فعلا هذه سقطات مراهقة سياسية تسعى لموقع قدم لها في الواقعية التي يمسك بكل خيوطها جلادوها وجلادو شعبها أم أنها مشروع سياسي يتغلف بغلاف الوطنية والدين الفاهم والمدرك – حسب فهمه هو- لكل تعقيدات الواقع الشائك المعقد الذي بات يحكم أمتنا الإسلامية وعالمنا العربي، وبالتالي فانه يتعامل معه وفق “حط راسك بين هالروس” وليس وفق قاعدة: هل رأيت النخل يحني جسمه …… نحن يا قدس خلقنا كالنخيل (الشاعر خالد سعيد)، فتسول له نفسه (وقد يكون شخصا أو حزبا أو حركة) وفق مفهوم الواقعية أنه بات قائدا فذا مغوارا فهَّاما لقوانين اللعبة وليس كغيره غارق في دهاليز الثوابت الموروثة من ماض قديم بات لا يتساير مع الواقع الذي تحياه الأمة في هذه الأيام.
يا كل هؤلاء إن أمثال هؤلاء المراهقين السياسيين لم تخلُ منهم الأمة في كل الفترات الصعبة التي عاشتها، ولو أنها أذعنت إليهم لما وصل إلينا ديننا على الوجه الذي ارتضاه لنا المولى جل وعلا، فمثل أولئك لم تخل منهم الأمة أيام محنة “خلق القرآن” ولولا الثبات على الموقف الذي سطره الإمام أحمد بن حنبل، رضي الله عنه، رغم كثرة العلماء أصحاب الفهم الواقعي الذين اُدخلوا الى زنزانته لإقناعه بالعدول عن موقفه لانهارت الأمة – لو استجاب لأصحاب الفهم الواقعي- لكنه الثبات الذي ثبَّت أمة خلفه، ولم تخل منهم الأمة أيضا أيام محنة المغول والصليبيين إبان دولة السلاجقة، ولولا ثبات فئة قليلة لانهار العالم الإسلامي، ومثلهم أيضا شهدت الأمة أيام المماليك وأيام صلاح الدين الأيوبي، وكان الواقعيون دوما قريبين من الطرف الآخر الذي يسعى لهدم حصون الأمة يغدقون عليهم الشرعية والمقدرات لأنهم مدركون وفاهمون للواقع، ولكن كانت النتيجة هي التي نعرف جميعا.
ولذلك فان ذلك المرهق (وقد يكون شخصا أو حزبا أو حركة) من أصحاب الفهم الواقعي لا يصلح لقيادة مجتمع ولا لصناعة قدوة ولا لتربية أجيال، لأنه إن فعل فسوف يربيها على الخنوع والخضوع والقبول بفتات شرعية الجلاد الشاهر سوطه فوق رأسها دوما. وبمثل ذلك لا تبنى الحصون. إلى هنا نقطة حاليا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى