أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

إن ذلك سيكونُ فأبشري يا قدسُ

طه محمد اغبارية
عندما نقف عند الحديث النبوي الصحيح الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، والذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {تكونُ النبوّة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوّة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكا عاضًّا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكا جبريا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة} ثم سكت.
عندما نقف عند هذا الحديث الصحيح نجد فيه دلالات كثيرة وعظيمة ومباركة. ومن أهم هذه الدلالات ما يلي:
هذا الحديث صحيح يتحدث عن مسيرة الأمة الإسلامية من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قيام الساعة، ولكن بإيجاز شديد. وكأن هذا الحديث الصحيح أشبه ما يكون بكتاب يمكن أن نسميه كتاب (مسيرة الأمة الإسلامية حتى قيام الساعة). ولكنّ الذي يميز هذ الكتاب أنه يكتفي بعرض أسماء الفصول الواردة فيه فقط، ولم يخُض بتفصيلات إي فصل منها، وهذه الفصول خمسةٌ كما نلاحظ، وهي كما يلي:
عهد النبوة. ب. عهد الخلافة الراشدة. ج. عهد المُلك العضوض. د. عهد الملك الجبري. ه. عهد عودة الخلافة على منهاج النبوة، ثم بعد العهد الخامس؛ أي عهد عودة الخلافة على منهاج النبوة، يقول الإمام أحمد في هذا الحديث الصحيح. بعد ذلك: (ثم سكت). أي ثم سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتحدث عن عهدٍ سادس، وهذا يقول إن عهد عودة الخلافة على منهاج النبوة سيبقى هو الأخير في مسيرة الأمة الإسلامية، ولن يرفعه الله تعالى عنها حتى قيام الساعة، أي بمعنى آخر إن الخلافة الإسلامية ستعود إلى الأمة الإسلامية كما يبشرنا بذلك هذا الحديث الصحيح، ولن يتمكن أي ظالم من إلغائها، كما فعل ذلك الشقي مصطفى كمال أتاتورك عندما أعلن عن إلغاء الخلافة الإسلامية عام 1924 بعد أن كانت قد امتدت قبل ذلك أطول من ألف وأربعمائة عام، فلن يتكرر مثل هذا الإلغاء إن عادت الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، بل ستبقى قائمة في الأمة الإسلامية حتى آخر الدنيا.
هذا الحديث يتحدث لنا عن هذه العهود الخمسة التي ستمر بها الأمة الإسلامية قبل نهاية الدنيا. وكما هو واضح فقد مرت هذه الأمة بالعهد الأول وهو عهد النبوة، ثم مرت بالعهد الثاني وهو عهد الخلافة الراشدة، ثم مرت بالعهد الثالث وهو عهد الملك العضوض، وها هي الأمة الاسلامية تعيش آخر أيام العهد الرابع؛ وهو عهد الملك الجبري، وفي ذلك بشرى تقول: إن الأمة الإسلامية على أبواب دخولها في العهد الخامس، وهو عهد الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة.
لدى قراءة سريعة للتاريخ الإسلامي، وعلى ضوء هذا الحديث الصحيح يمكن أن نقول باطمئنان إن المقصود بالعهد الأول وهو عهد النبوة هو العهد الذي عاشته الأمة الإسلامية منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وفاته، والمقصود بالعهد الثاني هو العهد الذي عاشته الأمة الإسلامية على امتداد عهد الخلفاء الراشدين الذي استمر ثلاثين عاما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي حتى عام 40 هجرية، والمقصود بالعهد الثالث- وهو عهد الملك العضوض – هو العهد الذي ظلت الخلافة الإسلامية تحكم الأمة الإسلامية وترعى شؤونها الدينية والدنيوية، وتحفظ سيادتها ومنعتها وغلبتها على أعدائها، ولكن الذي ميز هذا العهد أن الخلافة الإسلامية انتقلت فيه من خلافة شورية يجري فيها تعيين الخليفة على الشورى بين المسلمين إلى خلافة ملكية بالوراثة. وقد امتد هذ العهد الثالث منذ بداية العهد الأموي حتى نهاية العهد العثماني، أي منذ 41 هجرية حتى 1924 ميلادية، والذي أعلن فيه الشقي مصطفى كمال أتاتورك عن إلغاء الخلافة الإسلامية. وهنا لابد من تأكيد ملاحظة هامة؛ وهي أن الخلافة الإسلامية، وإن تحولت إلى ملكية وراثية في هذا العهد الثالث إلا أن حياة الأمة الإسلامية في كل جوانبها على صعيد العقيدة والشريعة والعبادة ونظام الحكم وشؤون الدين والدنيا ظلت إسلامية ترعاها الخلافة الإسلامية بمظهرها وجوهرها الذي كانت تُرعى فيه الأمة الإسلامية على عهد الخلافة الراشدة، وإن طرأ ذلك الثلم على الخلافة الإسلامية الذي تحولت فيه من شورية إلى ملكية وراثية. والمقصود بالعهد الرابع، هو عهد الملك الجبري، وهو العهد الذي امتد منذ عام 1924 فصاعدا، وهو العهد الذي تفرقت فيه الأمة الإسلامية إلى قوميات متناحرة ومتنافرة، وأقصت فيه الإسلام عن منصة الحكم، وحصرت دوره في المساجد فقط، وفي مساحة ضيقة من الأحوال الشخصية، وهو العهد الذي عادت فيه الأمة الإسلامية إلى جاهلية جهلاء بات بعضُها يضرب رقاب بعض، وهو العهد الذي تبنت فيه الأمة الإسلامية الحلول المستوردة البديلة عن الإسلام، وهو العهد الذي تحولت فيه الأمة الإسلامية من أمة واحدة، ودولة واحدة، وراية واحدة، ومعسكر واحد، وموقف واحد، وحاضر واحد، ومصير واحد، وألم واحد وأمل واحد، وسلطان واحد، وجيش واحد إلى أكثر من خمسين دولة وراية وإرادة ومعسكر وموقف وحاضر ومصير وألم وأمل وسلطان وجيش، وهو العهد الذي ضاعت فيه فلسطين وضاعت فيه القدس والمسجد الأقصى المباركين، ووقعت فيه مآسي المسلمين والعرب إلى جانب مأساة الشعب الفلسطيني، وهو العهد الذي تحول فيه الحكم إلى مُلك جبري لا يعترف بالإسلام منهج حياة، ولا يرعى حرمات الأوطان والشعوب التي يحكمها. وهذا ما دفع حكام هذا العهد المشؤوم إلى نهب ثروات الشعوب المسلمة والعربية واستباحة أعراضها ودمائها وحرياتها، وهو العهد الذي نعيش فيه اليوم، والذي بات في آخر أيامه، والذي سينقضي غير مأسوف عليه خلال فترة وجيزة ما هي إلا أيام في عمر الشعوب. لكل ذلك فنحن على أبواب العهد الخامس؛ وهو عهد عودة الخلافة على منهاج النبوة، لا على منهاج الداعشية.
ويوم أن ندخل في العهد الخامس عما قريب بإذن الله تعالى، وهو عهد عودة الخلافة على منهاج النبوة، فما أسهل على الأمة الإسلامية أن تعود كما كانت: أمة واحدة، ودولة واحدة، وراية واحدة، وإرادة واحدة، ومعسكرا واحدا، وموقفا واحدا، وحاضرا واحدا، وجيشا واحدا! وما أسهل على الأمة الإسلامية أن تفرض عند ذلك الانتصار لفلسطين وللقدس والمسجد الأقصى المباركيْن، والانتصار لكل مآسي الشعوب المسلمة والعربية، والانتصار لكل المظلومين في كل الأرض. وإن ذلك سيكونُ، فأبشري يا قدس! وما أسهل على الأمة الإسلامية عند ذلك أن تنهي الإفساد الثاني كما أنهت الإفساد الأول اللّذيْن تحدثت عنهما سورة “الإسراء”، وإن ذلك سيكونُ، فأبشري يا قدس. وإنهم يروْنه بعيدا ونراه قريبا، فأبشري يا قدس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى