أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

منْ يجرؤ على الثناء على مِصْر

عبد الاله وليد معلواني
أنا لا أحسد أي شخص يخوض مغامرة التعرف على كلّ الأحزاب العربية وعلى تاريخها وأدائها في العالم العربي، لأنه سيجد نفسه مضطرًا أن يفني عمره للقيام بهذه المغامرة الخطيرة التي قد تكلفه حياته. وسيجد نفسه مضطرًا أن يستعين بفريق عمل جماعي مكوّن من عشرات الآلاف إنْ لم يكن مئات الآلاف، فعسى هذا الفريق أن ينجح بإعداد موسوعة من عشرات المجلدات كي تُحصي أعداد الاحزاب في العالم العربي، وكي تسلط الضوء على كلّ منها وعلى شعاراتها البرّاقة التي رفعتها، وعلى ماهيّة نهجها العملي عندما مكنتها الأحداث أو القوى العالمية من استلام الحكم في إحدى الدوال العربية.
وعلى عجالة، يمكن أن نقول إن أشهَر هذه الأحزاب قد تسلطت على الحكم في العالم العربي، وأبهرت الشعوب بشعاراتها البرّاقة، وتغنّت طوال الوقت عبر إذاعاتها وقنواتها وصحفها بالوحدة والحرية والاشتراكية والديمقراطية ومقاومة الاستعمار، إلى جانب أنها تغنّت طوال الوقت بنصرة فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المباركين. ولكن ماذا كانت نتيجة حكم كلّ هذه الأحزاب بدون استثناء سواء كانت الوفد أو السعديين أو الناصريين أو الشيوعيين أو البعثيين أو الليبراليين أو القوميين عامة والعلمانيين عامة؟!
1. لقد كرست هذه الأحزاب حكم الفرد الواحد الملهم الخالد وكرست بذلك نهج الاستبداد السياسي والسلطة المطلقة والدكتاتورية المتوحشة، واستئصال المعارضة إعدامًا، سجنًا ونفيًا بلا رحمة.
2. لقد كرست هذه الأحزاب نهب أموال الشعوب وسرقة الأوطان وتسمين القطط السمان وسحق طبقة العمال والكادحين وإفقار الفقراء وإعدام المعدمين وفرض اشتراكية الجياع والمرضى والمحرومين واحالة الشعب الى قافلة عبيد في خدمة الحاكم بأمره المعصوم المعجزة الذي لن تلد النساء نظيرًا له الى جانب خدمة زبانيته.
3. لقد أحالت هذه الاحزاب كل دولة عربية الى عزبة للحاكم وابناء الحاكم وسائر ذريته، وكرست نهج الحكم بالوراثة فابن الحاكم حاكم بعد أبيه بالوراثة، وهكذا تحولت مسيرة الحكم في كل الدول العربية ما بين النهج الملكي بالوراثة أو الى النهج الدكتاتوري بالوراثة أو الى نهج حكم الحزب الواحد بالوراثة وهكذا أصبحت شعوب العالم العربي تعاني من نفس هذا التسلط بالوراثة سواء باسم الملكية أو الاشتراكية او القومية أو المقاومة او الثورية او اليمينية او اليسارية أو الرجعية أو التقدمية. وباتت كلّ الشعوب العربية على الجوع تنام، وعلى الخوف تنام، وعلى الذلّ تنام.
4. ساهمت كلّ هذه الأحزاب بدون استثناء بضياع فلسطين، فمنها من تجرّع الهزيمة وتسبّب بالإمعان في ضياع فلسطين. ومنها من ساهم بتوالي الانشقاقات في مسيرة الحركات الفلسطينية أو في مسيرة الحركة الفلسطينية الواحدة وتسبّب بالإمعان في ضياع فلسطين. ومنها من تآمر على فلسطين وتسبب بالإمعان في ضياع فلسطين، لدرجة أن البعض منهم بات يتنكر اليوم لفلسطين بالمطلق، وكأنها لم تكن قضية فلسطين ذات يوم، ولم تكن قضية القدس والمسجد الأقصى المباركين ذات يوم.
5. ألم يتآمر الملك فاروق على فلسطين لدرجة أنه اعتقل آلاف المصريين المجاهدين الذين حاربوا دفاعا عن فلسطين في زمانه؟! ثم ألم يتجرّع عبد الناصر الهزيمة وعلى أثر هزيمته ضاعت سيناء من مصر وضاعت الضفة الغربية والقدس والمسجد الأقصى المباركين من فلسطين؟! ثم ألم يتجرع الملك حسين الهزيمة وعلى أثر هزيمته ضاع ما ضاع من فلسطين؟! ثم ألم يتجرع البعث السوري الهزيمة، وعلى أثر هزيمته ضاع الجولان من سوريا وضاع ما ضاع من لبنان وضاع ما ضاع من فلسطين؟! ثم ألم يرتكب حافظ الأسد مجزرة تل الزعتر التي قُتل فيها الآلاف من الشعب الفلسطيني؟! ثمّ ألم تقم التنظيمات الشيعية العراقية بترحيل الفلسطينيين حتى آخر فلسطيني منهم في العراق بعد مرحلة صدام حسين؟! ثمّ ألا يواصل الآن الثلاثي؛ السيسي وابن سلمان وابن زايد التآمر على فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المباركين؟!
6. ثمّ إلى جانب ذلك ألم يكرّس عبد الناصر النهج الدكتاتوري وتسلط الحزب الأوحد في مصر؟! ألم يبطش بالمعارضة المصرية سواء كانوا من الاخوان المسلمين أو الشيوعيين أو رجال الفكر والأدب الذين قالوا له: لا؟! ثمّ ألم يكرّس حزب البعث العراقي الدكتاتورية في العراق إلى جانب حزب البعث السوري الذي كرسها في سوريا! ألم يشهد عهد الشيوعيين الذين حكموا اليمن الجنوبي أيام الرفيق عبد الفتاح اسماعيل حربا أهلية فيما بينهم تسببت بقتل الآلاف، ثم اندلعت حرب أهلية على عهدهم بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي تسببت بقتل الآلاف؟! ألم يضحّ مبارك بالشعب المصري، وزين العابدين بالشعب التونسي، وعلي عبد الله صالح بالشعب اليمني، والقذافي بالشعب الليبي وبشار الأسد بالشعب السوري حفاظا على عروشهم وقروشهم وكروشهم منذ ميلاد الربيع العربي؟!
7. ولكن في المقابل، ها هو الامام حسن البنا استشهد هو واخوانه دفاعًا عن فلسطين، وها هو عملاق الفكر الاسلامي سيد قطب استشهد هو واخوانه دفاعا عن حرية مصر وكرامتها، وها هو الرئيس الشهيد محمد مرسي، وها هو المرشد الشهيد محمد مهدي عاكف استشهدا دفاعا عن الشرعية المصرية وعن إرادة الشعب المصري وحقه في تقرير مصيره! فهل يستوي تاريخ المشروع الاسلامي المعاصر النقي التقي الحر مع تاريخ هذه الأحزاب المعاصرة الدموية السوداء حيث أهلكت الحرث والنسل واستعبدت الشعوب وأضاعت فلسطين وهي تتغنى بفلسطين؟! أليست هذه هي الحقيقة؟! فمن يجرؤ على الصدع بالحقيقة؟! ومن يجرؤ على الثناء على مصر التي أنجبت مؤسس المشروع الاسلامي ورجاله الأوائل؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى