أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

من الجزائر تأتي البشائر

الشيخ كمال خطيب
من فضل الله تعالى أن أنعم عليّ بنعمة التفاؤل والأمل واستبشار الخير، رغم صعوبة الظرف واشتداد الكرب وعظم البلاء، وإن اعتبر البعض تفاؤلي هروبًا من الواقع وقراءة وهمية للمستقبل وتعلقًا بسراب يحسبه الظمآن ماء.
لست مُنجمًا ولا عرّافًا والعياذ بالله، ولكنني مسلم أثق بوعد الله تعالى القائل {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} آية 8 سورة الصف. وأثق بوعد رسوله صلى الله عليه وسلم القائل: “ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز أو بذل ذليل، عز يعز الله الاسلام وأهله وذل به يذل الله الشرك وأهله”. نعم أثق بوعد الله الذي لا يخلف {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} آية 6 سورة الروم. وأطمئن إلى حد اليقين بقول رسول الله صلى الله وسلم: “واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا”.
أفتخر أنني تلميذ في مدرسة الشيخ القرضاوي الذي قال في أبيات شعره:
لا تيأسن من الزمان وأهله وتقل مقالة قانط وحزين
فعليك بذر الحب لا قطف الجنى والله للساعين خير معين
سنعود للدنيا نطبّ جراحها سنعود للتكبير للتأذين
وأعتز أنني تلميذ في مدرسة فيلسوف الإسلام محمد إقبال القائل: “المسلم الضعيف يعتذر بالقضاء والقدر، وأما المؤمن القوي فهو بنفسه قضاء الله وقدره الذي لا يرد”.
إلا أن من بين الدعاة والخطباء والكتاب من رزخ تحت كابوس اليأس والتشاؤم، حتى أنه ما عاد يرى يرى المستقبل إلا قاتمًا ولا الدنيا إلا سوادًا. إنه هُزم تحت تأثير الباطل وأعلامه وانسحب متراجعًا أمام زحف الشرّ وأعوانه حتى لكأنه صدّق أن الإسلام يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأنه يوشك أن يشيّع إلى مثواه الأخير، وأن الدورة الآن هي للباطل ولعلها دورة وجولة أبدية، وأنه لن تقوم للإسلام بعد اليوم قائمة.

# مسافر في قطار الدعوة
منذ أكثر من عشرين سنة وقع بين يديّ كتاب من أروع ما قرأت وهو كتاب “مسافر في قطار الدعوة” للكاتب العراقي ابن مدينه البصرة المرحوم عادل الشويخ والذي كتب مقدمته أستاذه الدكتور محمد أحمد الراشد حفظه الله.
وكان من ظريف ما ذكره الدكتور راشد في المقدمة قصة من يومها وإلى اليوم وأنا استشهد بها ضمن خطاب الأمل والتفاؤل وأن الأمة بخير وأن المستقبل للإسلام، وأن خطاب الدعاة والعلماء خطاب مسموع وقريب إلى القلوب وإن بدا لهم بين مرة ومرة، أنهم كمن يصرخ في واد أو ينفخ في رماد أو يكتب على وجه الماء، حيث الشيخ الراشد يشير إلى أنها بعض أوقات يصيبه ما يصيب غيره من الدعاة من الإحباط والتشاؤم، إلى أن جاءه هدهد من الجزائر يخرجه مما هو فيه، ويخبره بأحسن الأخبار ويبشّره بأجمل البشائر.
يقول الأستاذ الراشد في مقدمة الكتاب محدثًا عن الاستاذ الشويخ: “وقد استبد به الزهد في الكلام وإلقاء الدروس قبل سنوات، واشتكى من سلبية بعض السامعين وعدم مجاراتهم له من خلال الأسئلة الواعية التي تحرك المدّرس عادة لمزيد من العطاء، حتى ذكر لي بأنه يجب التوقف عن الكتابة والكلام احتجاجًا، فوجد عندي من هذا المعنى ما هو أكثر، واستولى علينا التبرم وتعاهدنا على السكوت، فساق الله إلينا شابًا يخرجنا من الخطأ إذ كنت أجلس مع عادل في مطار اسطنبول ننتظر الطائرة قافلين من دورة لم نصادف فيها من أسئلة الدعاة ما يشجع. وإذ نحن نتبارى في التلفظ بمرادفات اليأس إذ بشاب يقبل علينا ثانيًا ركبته يسأل، قائلًا لي: أأنت محمد أحمد الراشد؟ قلت: نعم هل التقينا سابقًا؟ قال: لا، عرفتك من خلال رؤية فيديو كلمتك في مؤتمر هيوستن بأمريكا. قلت: ومن تكون؟ قال: إسمي خالد الموساوي وأنا جزائري من أهل واحة “وادي سوف” على بعد ألف كيلومتر عن العاصمة جنوبًا على مشارف الصحراء الإفريقية الكبرى قرب أقصى الحدود التونسية، ونحن هناك نقرأ لك ونسمع أشرطتك ونرى بعض دروسك من خلال الفيديو، وأنا ذاهب إلى الجهاد في أفغانستان.
رحبنا به وأبدى سروره لهذا اللقاء على غير موعد وسألني عن أمور وسألته ثم تنهّد مستدركًا، قال: لكن مازال نصف حلمي لم يتحقق، لم أتعرف بعد على عادل. قلت كيف بك إذا أنزلتك معي في دبي لأعرّفك به؟ قال إذًا يكون هذا يوم عيدي، فنحن نسمع دروسه ولم نر صورته على الفيديو. وهنا تدخل عادل رحمه الله فسأله عمّا سمعه من أشرطة دروسه دون أن يعرفه بنفسه، فعدد له عناوين دروس عديدة، فسأله عادل ممتحنًا: الدرس الفلاني ماذا يقول فيه؟ قال: كذا وكذا. وأتى بمختصر معانيه على وجهها، ثم امتحنه مرارًا يسأله عن دروس أخرى والفتى يأتي بالمعاني على وجهها بإتقان أدهشنا، فقلت له بعد أن ازددت فراسة في صدق توجهه: إذن فهذا عادل أمامك هو الذي يمتحنك، فطار الفتى من الفرح وأذهلته المفاجأة وقال: كلنا في “وادي سوف” على هذه الشاكلة نقرأ ونحفظ ونعيد السماع، ثم أخرج كتاب “الموافقات” للإمام الشاطبي من خُرجه وقال لعادل: سمعتك في شريط تثني على الكتاب وتوجب على الدعاة أن يطالعوه، فاقتنيته ليكون صاحبي في الجهاد.
هذه الحادثة هزت عادلًا وجعلته يوقن بوجود مبلّغين أوعى من سامعين، ومال إلى التوبة من اليأس، ومن الزهد بالكلام وطفق يقول بعدها: نتكلم لأهل الواحات والغابات إن خذَلَنا أهل الحواضر، فكان من ثمّ إكثاره في السنوات الأخيرة رحمه الله “.

# خالد وسليم
هكذا كانت كلمات خالد الموساوي من سكان الوحات بعيدًا ألف كيلومتر عن الجزائر العاصمة بمثابة الصعقة الكهربائية التي تعطى لمن يصاب بإغماءة أو نوبة وإذا بها تعيد إليه نبض الحياة من جديد. لقد كان تأثيرها مباشرًا على الشيخ محمد أحمد الراشد وعلى رفيق دربه في الدعوة المرحوم عادل الشويخ كأنها قطرات الندى سقطت على وردة ذابلة فأحيتها وكأنها حبة دواء شربها مريض فأنعشته.
ما أجملها مواقف التشجيع وشد الأزر والتواصي بالحق والصبر. لطالما كنت أنا أستشهد بقصة الشيخ الراشد والشيخ عادل الشويخ مع الفتى الجزائري للتأكيد على أنه لا مجال لليأس ولا محل للإحباط، وأن جهد الدعاة يثمر والحمد لله مهما بدا عكس ذلك، حتى وجدت نفسي أنا أمام نفس المشهد وأمام ظروف مشابهة سوى أنني والحمد لله قد طلّقت اليأس طلاقًا بائنًا لا رجعة فيه. لكن هذا ليس معناه أننا لسنا بشرًا وأننا لم نتعرض لمحاولة التيئيس والتثبيط عبر حملات عداء سافرة وحملات تشويه وافتراء وكذب تدعمها دول وتمولها أنظمة من أنظمة العهر كالنظام السعودي والإمارات، نظام السيسي طاغية مصر.
فبعد خطبة الجمعة 17/5/2019 والتي كانت بعنوان “خادم الحرمين وخائن أولى القبلتين” واتساعها وانتشارها الفائق وغير المتوقع، حتى أن عدد من شاهدها تجاوز المليون والحمد لله، لكن لأن هذه الخطبة قد أوجعت النظام السعودي وفضحت سياساته، فقد أوعزوا إلى عكاكيزهم ومرتزقة الأقلام عندهم ليكتبوا وينشروا الأكاذيب والافتراءات عني انتقامًا وكيدًا، لا بل إنهم الذين استخدموا أقذع العبارات من السُباب والشتائم لي ولأهلي وبناتي وأمي، وطعنوا في أخلاقي، وغير ذلك لا أبالغ إذا ما قلت أن هذا لم يحرك شعرة في بدني ولن يكون بإذن الله، ولذلك فإنني لم أردّ على هؤلاء ولن يكون ذلك لأنهم أقل من أن أذكرهم بلساني أو أن يستحقوا قطرة حبر من قلمي.
ويشاء الله وكما حصل مع الشيخ الراشد والشيخ الشويخ وإذا بهدهد من الجزائر لا بل إنه عفريت الفيس بوك واليوتيوب يحمل إليّ رسالة بريدية قصيرة ومختصرة لأخ يسعى فيها لمناصرتي والوقوف إلى جانبي في مواجهة جيش الكذب والشتم والسُباب الالكتروني الذي تموله مملكة آل سعود. إنه شاب جزائري اسمه “سليم ديلمي” يقول في رسالته: ” تحية عطرة للشيخ كمال الخطيب….. وأبشرك بأننا في أعماق الجزائر بعض من أئمتنا يقتبسون من خطب الشيخ، بل وبعضهم يقوم بتلخيصها وعرضها بأسلوب جديد، الثبات الثبات يا شيخ، لا تغترّ بواحد كافر باع دينه وتولّى اليهود والروس فصار سمينًا مثل البغل لأنه أكل التبن السعودي أقصد عبد الجليل التعيس”.

كانت كلمات سليم بردًا وسلامًا عليّ” مع تحفظي طبعًا على كلمتي كافر وبغل بل ورفضهما”، مثلما كانت كلمات خالد بردًا وسلامًا على الشيخ الراشد والشيخ الشويخ.
إنه الشعور بالطمأنينة والحمد لله بل وإنه الفضل العظيم من الله جل جلاله أن صدى كلماتنا قد وصل إلى أعماق صحراء الجزائر ليتم هناك اقتباس خطبنا أو مقاطع منها ليتم القاؤها هناك على أهلنا في الجزائر.

# الجزائر على العهد
ليس سهلًا أن تكون متفائلًا في هذا الزمان حتى أن البعض يعُد التفاؤل نوعًا من البله ودغدغة المشاعر والمواساة التي لا طائل منها، لأن هذا الزمان هو زمان الفتن والبلاء العظيم والشر المستطير.
ولكن وفي غمرة هذا البلاء الواقع علينا ليس فقط من أعدائنا وإنما هو من بني جلدتنا من عبيد الطواغيت ينزل علينا، وإذا بهدهد مبارك يأتيك بالخبر اليقين من الجزائر يسلم عليك ويشد على يديك ويقول لك الثبات الثبات، بل إنه يردد كلماتك ويقتبس عباراتك.
وإذا كان الهدهد قد حمل رسالة سليمان عليه السلام إلى بلقيس ملكة سبأ يقول فيه {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِين} آية 30-31 سورة النمل. فإن هدهد هذا الزمان هو الفيس بوك واليوتيوب قد حمل إليّ رسالة سليم ديلمي يقول لي فيها الثبات الثبات.
بل إن الفيس بوك واليوتيوب هما عفريت الجن الذي يوصل إليك رسالة من قلب وعمق الجزائر أو أي مكان في الدنيا وأنت جالس في بيتك وفي لحظة واحدة وكبسة زر {قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} آية 49 سورة النمل.
إنهم أهل الجزائر الذين كان شعارهم دائما وأبدًا نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة.
إنهم أهل الجزائر الذين راهن المستعمر وأذنابه على مسخ هويتهم، وإذا بهم في مسيرات الاحتفال بالاستقلال من فرنسا عام 1962 يهتفون ويقولون (يا محمد مبروك عليك الجزائر رجعت إليك).
إنهم أهل الجزائر ورغم هيمنة الطغمة العسكرية على مقاليد الحكم فيها وسعيهم بعد الإطاحة بعبد العزيز بوتفليقة لتنفيذ نفس سياسة العسكر في مصر بعد الإطاحة بحسني مبارك، ها هم الجزائريون في مسيرات الجمعة الأخيرة يحددون موقفهم من العسكر في بلادهم ومن عسكر مصر عبر هتافات التأييد للرئيس الشهيد محمد مرسي الذي انقلب عليه وقتله عسكر مصر، فكانت هتافاتهم “لا إله إلا الله محمد رسول الله، السيسي عدو الله”.
يا أهلنا في الجزائر يا أهل الخير والبشائر، كنتم دائمًا ومازلتم رمزًا للعطاء وحملة الراية. دم شهدائكم ما يزال يسرج لنا قناديل الحرية. نعلم أن حبكم لدينكم لا يباريكم فيه أحد، وأن حبكم لفلسطين وقضيتها فوق كل حب.
أنتم وكل أهلنا في بلاد المغرب العربي كنتم طلائع الجيش الصلاحي لتحرير القدس من الصليبيين وما زلتم على العهد لا تقيلون ولا تستقيلون، بل تتطلعون لإعادة الدورة المهمة المباركة من جديد بإذن الله.
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى