أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

صفقة القرن

توفيق محمد
عندما كان ما يزال رئيسا للمعارضة الإسرائيلية، حدد بنيامين نتنياهو في خطابه أمام مؤتمر هرتسليا رؤيته للتسوية السياسية فيما يتعلق بقضية شعبنا الفلسطيني، وذكرت صحيفة هآرتس في عددها الصادر يوم 20.1.2008 أن رئيس المعارضة عضو الكنيست بنيامين نتنياهو قال في مؤتمر هرتسليا المنعقد في فندق دانيال في هرتسليا: “يعتبر السلام الاقتصادي ممرا لإمكانية حصول السلام السياسي”، وأضاف نتنياهو: “يجب فتح الأفق للجمهور الفلسطيني بأن هناك إمكانية لتحسين مستوى حياتهم حتى يتمكنوا من إحضار الطعام لموائدهم”، واعتبر نتنياهو في خطابه ذاك أن “السلام الاقتصادي يعتمد على قوتين، أما الأولى فهي الأمن الإسرائيلي، وأما الثانية، فهي قوة السوق….. يجب خلق جزر من الرفاهية، وقواعد من الأمل بدل الإسلام المتطرف، وبإمكان ذلك منع تجنيد واسع من المتطرفين، من الممكن ان يستمر تجنيد المتطرفين لكن مجال التجنيد سيتقلص”.
اللافت أعلاه أن نتنياهو عندما يضطر الى ذكر شعبنا الفلسطيني فإنه يستعمل مصطلح الجمهور الفلسطيني، ولا يستعمل مصطلح الشعب الفلسطيني والفرق شاسع بين المصطلحين، فهو انطلاقا من رؤية السلام الاقتصادي لا يعترف بدولة فلسطينية وشعب فلسطيني، ولدى استعماله مصطلح “الجمهور” يسعى الى تحويل القضية الفلسطينية للمربع الإنساني الاقتصادي الذي يعمل على تحسين حياة الفلسطينيين الاقتصادية مع الإبقاء عليهم بصورة أو بأخرى “مواطنين” في دولة احتلال يتم الاتفاق على صيغة وضعيتهم لاحقا، واللافت الآخر في الحديث اعلاه حرص نتنياهو على القوة الأمنية لإسرائيل وبمعنى آخر التفوق العسكري الإسرائيلي على مجموع من سيعمل معهم لترسيخ السلام الاقتصادي من العرب، عبر استثمار المال عربي في ذلك، أي أنه على العرب أن يمولوا هذه القوة الأمنية الإسرائيلية لترسيخ السلام الاقتصادي الذي سيعمل ايضا على دحر التوجه الديني لدى أبناء الوطن العربي عموما، ولدى شعبنا الفلسطيني على وجه الخصوص.
وفي خطابه أمام منظمة “الايباك” الصهيونية في أمريكا يوم 4.3.2014 قال نتنياهو في معرض عرض رؤيته للسلام في المنطقة: “يُمْكِنُنا حل مشاكل المياه والطاقة، وتحسين مستوى الزراعة، والتربية، والصحة، كل ذلك يُمَكِّنُنا من تحسين مستوى حياة مئات الملايين من البشر، لدينا الكثير الذي يمكن ان نربحه من السلام”(صحيفة معاريف 5.3.20014).
تلك هي الرؤية الإسرائيلية للسلام الذي تعرضه إسرائيل ليس على شعبنا الفلسطيني إنما على الدول العربية قاطبة، بل على كل الدول الإسلامية، وهذه الرؤية التي عرضها نتنياهو في شتى المناسبات، منذ كان رئيسا للمعارضة ليست بعيدة عن الرؤية التي كان يتبناها شمعون بيرس وهي: “الشرق الأوسط الجديد” والتي كانت تعتمد على الازدهار الاقتصادي في المنطقة المبني أيضا على التفوق والسيادة الإسرائيلية، وان كانت مغلفة بمعسول الكلام الذي كان يتقنه بيرس أكثر من أي إسرائيلي آخر.
ولدى النظر في المخرجات المأمولة لصفقة القرن التي تعتبر ورشة المنامة (البحرين) إحدى مقدماتها يتبين ان الذي وضع أسسها ليس غير الاحتلال الإسرائيلي بشخص رئيس الوزراء نتنياهو، فهي تعبر أصدق تعبير عن كل ما نظر له شمعون بيرس ونتنياهو، وإن بأساليب مختلفة، واختلافات قليلة.
المخرجات المأمولة لصفقة القرن هي:
شطب حق العودة.
ضم القدس للاحتلال الإسرائيلي، وتدويل الأماكن المقدسة ضمن معادلة تضمن السيادة الإسرائيلية عليها.
تثبيت الاحتلال والاستيطان في الضفة الغربية، وهو ما بدأ ينظر له أقطاب الحكومة الإسرائيلية منتهية الولاية عندما بدأوا يسوقون انتهاء مشروع حل الدولتين.
تفكيك مكونات الشعب الفلسطيني وعناصر وحدته وقوته عبر الاستعانة ببعض دول الجوار.
حصار وتدمير المقاومة وعوامل الصمود، عبر المزيد من الضغط والحصار والتجويع، وصناعة أجواء وظروف تجعل من الحصول على أساسيات الحياة أو ما يعين عليها إنجازا عظيما، وإنهاك المقاومة الفلسطينية بهم توفير أسباب الحياة والمعيشة للشعب، وحصر الهم الفلسطيني في ذلك بدل التفكير والعمل في مشاريع تحررية تسعى لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
السيطرة على المقدسات الإسلامية، وبالذات في مدينة القدس وبالذات المسجد الأقصى المبارك، ناهيك عن السيطرة على مجمل المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، وهو ما يساعد على تبديل الرواية التاريخية للأرض عبر تزييف التاريخ والوقائع الأثرية ومن يتجول اليوم في بلادنا يلحظ كثرة أعمال الحفريات الأثرية في مختلف ربوع بلادنا، وهو ما يدلل على بداية كتابة مرحلة جديدة للتاريخ ستتميز هذه المرة بالإحلال، أي بنفي التاريخ العربي الإسلامي للأرض لصالح ما يدعم الرواية اليهودية للأرض وإحلالها عليها.
ضم الضفة الغربية او أجزاء كبيرة منها وفرض السيادة الإسرائيلية عليها وهذا ما بدأ اقطاب الحكومة الإسرائيلية منتهية الولاية يتحدثون عنه في العلن خلال عمر هذه الحكومة.
حماية المصالح الصهيونية في المنطقة العربية، وقد لاحظنا انه بالتوازي لورشة المنامة عقد في القدس مؤتمر لمستشاري الأمن القومي في كل من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل كان من أهم أهدافه ضمان المصالح الإسرائيلية في سوريا.
تكريس سلطة فلسطينية تحكم بصلاحيات محدودة.
إغراء الدول العربية المحيطة بفلسطين بالمال للتخلي عنها
التوطين وانهاء قضية اللاجئين على حساب الفلسطينيين والدول العربية وهذا البند مرتبط بسابقه، ومتعلق بالمليارات التي تطالب أمريكا عرب الخليج بتوفيرها لتسليك صفقة القرن، وتكون هذه المليارات قد حققت الأمن الإسرائيلي ورسخت الاحتلال الإسرائيلي عبر توطين اللاجئين نهائيا في الدول التي يقيمون فيها، والقضاء على حق العودة قضاء مبرما أولا، وثانيا توفير المليارات العربية لضم الضفة الغربية أو أكثرها للاحتلال الإسرائيلي، والقضاء على حلم الدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران.
انهاء الوجود الفلسطيني في الداخل الفلسطيني، وربما يقول البعض ان هذا خيالا وتخويفا ليس في محله، لكن لدى الإمعان في القوانين والممارسات الإسرائيلية بحق أهلنا في الداخل، فإن هذا لن يكون بعيدا عن الصفقة المشبوهة لدى النظر الى تكريس سياسية هدم البيوت العربية وهي ليست أقل من هدم المستقبل، ولدى النظر الى مجموع القوانين العنصرية التي تعنى بالوجود العربي في بلادنا وعلى رأسها قانون القومية.
إضفاء الشرعية على ضم الجولان لإسرائيل، وقد شهدنا اعتراف الرئيس الأمريكي بضم الجولان لإسرائيل.
صناعة وتأهيل قيادات جديدة للشعب الفلسطيني وفق المقاسات الإسرائيلية
وبالتالي تحويل القضية الفلسطينية لمشروع اقتصادي إقليمي ومشروع إنساني خال من بعده الوطني والقومي والديني، ويأتي ذلك بعد أن نجحت إسرائيل في مرحلة سابقة بجعل القضية الفلسطينية خاصة بالشعب الفلسطيني، ثم خاصة بأهلنا في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد اذ نجحت بنزعها من بعديها العربي والإسلامي، وهو ما وجه ضربة قوية للقضية في الصميم ما تزال تترنح تحت إسقاطاتها ونتائجها الى الآن، وما صفقة القرن سوى المظهر الجلي لذلك.
في النظر الى كل ما ورد أعلاه، فنحن أمام سياسة إسرائيلية واضحة المعالم وثابتة الخطوات تسعى لترسيخ مخرجات صفقة القرن المأمولة منذ بدأ المفاوضان الفلسطيني والإسرائيلي الجلوس في العلن في مدريد في العام 1991، ولم يكن بيرس ورابين وكل قيادات اليسار الإسرائيلي معسول اللسان بعيدين عن ما ينفذه الآن نتنياهو بأيد أمريكية، لأن هذا اليسار يمتاز بالازدواجية المنافقة، فهو يروج للإعلام مشروع الدولتين، ولكنه عندما كان متمكنا من الحكم لم يقدم على تنفيذ “مشروعه” الذي دفنه نتنياهو وحكومته منتهية الولاية من خلال صفقة القرن التي تسعى لبيع ما تبقى من الشرف العربي بالمليارات الخليجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى