أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

كيف نفهم أصول المشروع الإسلامي

د. أنس سليمان أحمد
ليتنا لو نعلم علم الراشدين أن القرآن الكريم قرّر منذ أربعة عشر قرناً ما تتغنى به الإنسانية اليوم، ويظنه بعض الجاهلين من ثمار العصر الحديث، ألا هو ميثاق حقوق الإنسان إلى جانب ميثاق حقوق الحيوان والبيئة، وبذلك سبق القرآن الكريم عصبة الأمم وهيئة الأمم وكل جمعيات حقوق الإنسان المعاصرة على اختلاف أسمائها وكل جمعيات الرفق بالحيوان وجمعيات العناية وحفظ البيئة، وبذلك سبق القرآن الكريم كل الفلاسفة القدماء والمعاصرين الذين دعوا إلى حقوق الإنسان في أقوالهم وكتاباتهم، وهو موضوع ثقيل يطول الحديث عنه، ولذلك سأكتفي بالتذكير بأهم عناوين ميثاق حقوق الإنسان ثم ميثاق حقوق الحيوان والبيئة في القرآن الكريم، طامعاً أن يعلم جميع الناس أننا يوم أن ندعو إلى المشروع الإسلامي بفخر واعتزاز فإننا ندعو إلى مشروع عالمي إنساني كوني يضبط الحياة وفق منهج القسط والعدل المستمد من منهج الحقوق في القرآن، ولذلك أقول متحسراً: قاتل الله تعالى الجهل، فيوم أن جهل بعض أبناء الأمة الإسلامية وأبناء العروبة حقيقة الإسلام وروعة الحضارية العالمية التي يحملها لكل الناس راحوا يقلدون متعثرين أنظمة الآخرين على اختلاف عناوينها، فماذا كانت النتيجة!؟ لا هم نجحوا بتقليد الآخرين لأنه لا يصح إلا الصحيح، ولا هم حافظوا على عمود ثوابتهم الإسلامية العروبية الفلسطينية ألا وهو القرآن، وهكذا ضاعوا وضيّعوا أجيالاً وأجيالاً خلفهم، لم تحصد إلا غرور الشعارات وسراب الوهم ومرارة الضياع!! وهذا يعني أن مجرد الحديث عن المشروع الإسلامي يعني من ضمن ما يعني ما يلي:
إن الحديث عن المشروع الإسلامي يعني عودة الوعي إلى الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني، وليس أي عودة وعي، بل هو عودة وعي بالذات في أبعادها الإسلامية العروبية الفلسطينية، وهو عودة وعي بالهوية الأصيلة التي لا تقبل التقليد والتبعية، وهو عودة وعي بالانتماء الضارب بجذوره من تاريخ إسلامي عروبي فلسطيني مجيد، وفي حضارة إسلامية عروبية فلسطينية تليدة، وكما أن التاريخ قابل أن يكون له امتداد في الحاضر والمستقبل فإن أمجاد التاريخ والحضارة الإسلامية العروبية الفلسطينية قابلة أن تتجدد حاضرا ومستقبلاً، وقابلة أن تُسعد الدنيا اليوم كما أسعدتها بالأمس، وقابلة أن تخرج الناس اليوم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأنظمة الأرضية إلى عدل الإسلام كما أخرجتهم بالأمس، وقابلة أن تملأ الأرض اليوم قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، فيا له من قرآن عظيم، ويا له من مشروع إسلامي قويم، ويا له من تاريخ إسلامي كريم، ويا له من بناء حضارة إسلامية سليم، لا يزال كل منها غضا طرّيا وأخضر يانعا قابلاً أن ينقذ الأمة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني من سوء الحال، وأن ينقذ الأمة الإنسانية مما هي فيه من شقاء وضنك ونكد وإرهاق، ولكن بشرط أن ينهض رجال صادقون ونساء فاضلات لحمل أمانة هذه الأصول الكبرى: القرآن الكريم والمشروع الإسلامي والتاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية.
ثم إن الحديث عن المشروع الإسلامي يعني التحرر من رّق العبودية تارة، ورّق التبعية تارة أخرى لأفكار أرضية وأنظمة أرضية وقوى أرضية لا تحمل للإنسانية بعامة ولا تحمل للأمة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني بخاصة إلا كيد الليل والنهار، وإلا المكر الذي تزول منه الجبال، وإلا نهب ثروات الشعوب، واحتلال أوطانها، واستعباد أهلها بعامة، واستباحة الأمة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني بخاصة، أرضاً وأوطاناً وتاريخاً وحضارة ومقدسات وحاضراً ومستقبلا، وها هي أفعال أمريكا اليوم وأفعال روسيا القيصرية وأوروبا العجوز والعلو الصهيوني والأطماع الفارسية والزحف الصيني تشهد على ذلك، وها هي كل هذه القوى المستكبرة قد اتفقت فيما بينها أنه من المشروع اليوم أن تقوم في الأرض أنظمة تتبنى الرؤية الصهيونية أو الصليبية أو الوثنية أو المجوسية، ولكن أن يقوم نظام يتبنى الرؤية الإسلامية فهو الإرهاب الذي يجب أن تلتقي هذه القوى الكبرى على استئصاله رغم ما يوجد بينهما من تباين المصالح، لأن مصلحة استئصال المشروع الإسلامي في نظرهم هي مصلحة جامعة تلتقي عليها كل هذه القوى الكبرى بخيلها وخيلائها، وهذا ما يفسر لنا ما يقع اليوم في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن والجزائر والسودان وفلسطين، وهذا ما يفسر لنا سر هذا العداء بين بعض هذه القوى الكبرى في العلن واتفاقها والتنسيق فيما بينها في السر، وهكذا لا تزال هذه القوى تضرب المشروع الإسلامي عن قوس واحدة.
ثم أن الحديث عن المشروع الإسلامي يعني الحديث عن الولاء لله ولرسوله ثم يعني الولاء للأمة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني ثم يعني الولاء لمصالح شعوب وأوطان وقضايا كل الأمة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني بدون استثناء وبعيداً عن المزاجية، حيث أن هذا الولاء لله ولرسوله يجعل من الأمة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمى.
ثم أن الحديث عن المشروع الإسلامي يعني تحرير الأمة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني من سطوة كل الأنظمة الرجعية المنقادة كالخادم المطيع لكل القوى الكبرى العالمية، وهذا يعني إعادة زمام المبادرة إلى الشعوب كي تقرر مصيرها وتختار قيادتها بإرادتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى