وقفات عند مشهد اغتيال الرئيس

حامد اغبارية
أمام حدث جلل كحدث استشهاد الرئيس محمد مرسي، رحمه الله تعالى، لا تعرف من أين تبدأ، وفي أي ملف تخوض. فالكلام كثير، والألم موجع، والملفات ضخمة ومتراكمة، والحزن كبير والغضب شديد، والأحداث تتوالى. غير أنه لا بد من ملاحظات لعلها تنفع من يريد أن يرى بعيني عقله وقلبه، وتزيل الغشاوة عن أعين طُمست قلوب أصحابها.
لقد أصبح الرئيس الشرعي لمصر (في الفترة بين 17\6\2012 و17\6\2019) عند الملك العدل الذي لا يُظلم عنده أحدٌ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وإن عقوبة الذين قتلوه بعد أن ظلموه بالانقلاب عليه واختطافه وسجنه في زنزانة انفرادية، معجّلةٌ في الدنيا قبل الآخرة، فانتظروا إنا منتظرون.
أما نحن، الأحياء، فلفقه الدرس، ولنَعِ الحدث، ولنقرأ الخارطة بالشكل الصحيح.
لقد سُكب حبر كثير، وقيل كلام كثير منذ لحظة استشهاد الرئيس، وبدا الأمرُ وكأن هناك من يبحث عن إجابات لمشهد مرتبك. والأمر ليس كذلك. فالمشهد ليس مرتبكا، والإجابات واضحة.
ومما قيل إن الذي قتل الرئيس مرسي هو الخسيس عبد الفتاح السيسي. وهذا صحيح، جزئيا فقط، غير أن المعادلة تبقى ناقصة حتى توضع النقاط على الحروف. فالسيسي لم يكن أكثر من أداة قذرة تقطر دما في اليد الخبيثة التي تقف خلفه. وهذه اليد تمثل تلك العصابة التي مُكِّن لها في الأرض إلى أجل مسمّى، ليحيا من حيّ عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنة؛ عصابة إجرام دولية يشكل رؤوس أنظمة العار العربية فيها مجرد صبيان يؤمرون ويطيعون وينفذون. أما الرؤوس الكبيرة التي تقود المشهد القذر فتجلس في واشنطن وتل أبيب، وخزينة تمويلها في الرياض وأبو ظبي.
ومن الذين شاركوا في قتل الرئيس الإعلام الفاجر، الذي مارس كل موبقات العهر الإعلامي، ولم يترك فاحشة إعلامية إلا أتاها.
ومن الذين شاركوا في قتل الرئيس جهاز قضائي جاهل أحمق عفن، لا يعرف إلى العدالة طريقا، مرتشٍ قوّادٌ، يمارس البغاء القضائي على شاشات التلفزيون جهارا نهارا.
ومن الذين شاركوا في قتل الرئيس تلك الشخصيات والأحزاب العلمانية الساقطة التي مارست كل أنواع الموبقات السياسية، وكل أصناف السفالات، ولم تنطق إلا كذبا وتلفيقا وخيانة للأمانة، وخيانة للعهود وللوطن.
ومن الذين شاركوا في قتل الرئيس الاتحاد الأفريقي الذي أوهم الناس في البداية أنه ضد الانقلاب، وإذا به “شُخشيخة” في يد أمريكا، وعادت عصابة السيسي إلى عضوية الاتحاد بأمر من الماسون الأكبر.
وممن الذين شاركوا في قتل الرئيس الاتحاد الأوروبي الفاجر، الذي كان يقول شيئا (على استحياء) ويمارس على أرض الواقع دورا خبيثا لئيما في المؤامرة على الرئيس وعلى مشروعه….
ومن الجهات التي مارست أوسخ دور في قتل الرئيس هيئة الأمم المتحدة، التي تقيأت كلاما كثيرا، و”قلقت” أكثر من المصريين أنفسهم، ثم استقبلت المجرم العييّ؛ ذلك الخسيس الخائن على السجادة الحمراء ليتآمر على الإسلام والمسلمين من على منبرها الأممي الوسخ…. وإن قائمة الذين شاركوا في قتل الرئيس طويلة لا تنتهي..
سقوط مهني؟؟؟!
ومما يغيظك أن تخرج وسائل إعلام محترمة ومحللون سياسيون معروفون بالنزاهة ليقولوا إن إعلام السيسي سجل سقوطا إعلاميا في تغطية جريمة استشهاد الرئيس. والأمر ليس كذلك. هذه لم تكن سقطة مهنية. فالسقوط المهني يعني أن وسيلة الإعلام تمارس النزاهة المهنية في العادة، ثم يحدث أن تسقط سقطة ما في حدث ما لسبب ما، أو لخطا ما في قضية ما، وهذا الوصف لا ينطبق على إعلام السيسي (وبطبيعة الحال لا ينطبق على إعلام المُجرميْن ابن سلمان وابن زايد ومن لف لفهما) لأنه إعلام فاجر ساقط لا يعرف شيئا عن نزاهة المهنة ولا الحرفية الإعلامية ولا الموضوعية، وهو جزء من المؤامرة وجزء من آلة القتل التي نالت من الرئيس مرسي. هي بؤرة فاسدة مفسدة مارست دورها كما يجب، لأنها جزء من الجهاز الذي اغتال الرئيس. وفي التالي من الخطأ أن نلوم ونعاتب إعلاما كهذا على أنه سقط إعلاميا في حادثة قتل الرئيس. ومن يقول هذا إما جاهل وإما هو نفسه سجل على نفسه سقطة إعلامية. والشيء الوحيد المطلوب هو اقتلاع ذلك الإعلام المجرم من جذوره، ورميه هو رجالاته في حاويات القمامة.
لا تستعجلوا في لوم الشعب
أدرك حجم الغضب وكبر المصيبة والكم الهائل من الحزن، والرغبة في عمل أي شيء للتعبير عن حجم القهر الذي أصاب الأمة كلها جراء الجريمة النكراء، ولكن من الخطأ الاستعجال في توجيه اللوم الشديد إلى الشعب المصري، واتهامه بالتقصير في الدفاع عن رئيسه الشرعي. ويجب ألا ننسى أن هذا الشعب الذي نلومه الآن، هو نفسه الذي ثار ضد مبارك وأسقطه (رغم ما لنا من ملاحظات)، وهو نفسه الذي أوصل الدكتور مرسي إلى الرئاسة، ومنح المشروع الإسلامي الثقة. وإن الأمل في الشعب المصري يجب ألا ينقطع، فالمسألة لم تنته، والثقة بقدرة الشعوب على أداء دورها في اقتلاع الظالمين وإنهاء الظلم لا تتزعزع، وإن المسـألة مسألة وقت فقط، وعندما تنضج الثمرة، وتسنح الفرصة سنكتشف أننا أخطانا في تقدير المسألة. والأمور لا تقاس بالاستعجال، ولا يُنظر إليها من خرم الإبرة، ولا يمكن تقديرها كما يجب في لحظة غضب أو لحظة حزن، وكأن على الناس أن يحملوا سيوفهم من الغداة وينقضّوا على عصابة السيسي. ما هكذا تسير الأمور. ولنعلم أن هناك الآن من يفكر ويخطط ويدرُس ويقرأ المشهد، ويعدّ العدة للحظة حسم قادمة. فلا تستعجلوا..
الحقيقة في الحقيبة
ماذا يوجد في الحقيبة التي تحدث عنها الرئيس مرسي قبل اغتياله؟ يمكنك أن تخمّن دون عناء. فقد طلب من المحكمة جلسة مغلقة يحضرها الخائن عبد الفتاح السيسي والمحامون، ليكشف أمام الجهاز القضائي كل الحقيقة، ويكشف الخائن الحقيقي والمتخابر الحقيقي، والجهات التي لها علاقة بالمؤامرة، سواء كانت مصرية أو عربية أو أجنبية أو صهيونية. حقيبة يُفترض أن فيها وثائق شديدة الأهمية والخطورة. فهل لأجل هذا أسرعوا في التخلص من الرئيس؟ أظن ذلك وأرجّحه. وأين هذه الحقيبة الآن؟ هل هي في مكان آمن ويمكن أن تظهر في مرحلة ما، أم أن العصابة وضعت يدها عليها؟ لا أحد يعلم مصيرها حتى الآن. نعم، الحقيقة في الحقيبة، لكن الحقيقة الكبرى يعرفها الجميع، ولا تحتاج إلى حقيبة ولا إلى ملفات، لأنها جلية ظاهرة للعيان. وهذه الحقيقة تقول، بما لا يدع مجالا للشك، إن المؤامرة على الإسلام وعلى المشروع الإسلامي كانت ولا تزال مؤامرة عالمية تشارك فيها جهات الأرض الأربع، وإن المؤامرة على ثورة الشعب المصري، (وعلى ثورات الربيع العربي) وعلى الرئيس مرسي وعلى الإخوان المسلمين، بدأ التخطيط لها من اللحظة الأولى التي قرر فيها المجلس العسكري تنحية مبارك، وهي لا تزال مستمرة حتى هذه اللحظة وإلى ما شاء الله.
إن ملف اغتيال الرئيس لا يزال في بدايته، وهو يحمل في طياته الكثير الكثير من التفصيلات والمفاجآت. وظني أنه لن يطول الوقت حتى تتساقط الأقنعة وتتكشف الخفايا، ولن يكون الشعب المصري بعيدا عن المشهد. البركان يغلي كالمرجل.
حسابات خاطئة
يظن الذين قتلوا الرئيس أنهم بالتخلص منه قد أنهوا ملف الثورة المصرية، وأغلقوا ملف الشرعية وأسقطوا ورقة المطالبة بعودة الشرعية من خلال عودة الرئيس وإنهاء الانقلاب من أيدي أنصاره. ولكنهم مخطئون. ومخطئ كل من مارس التحليلات المتسرعة حول هذه المسألة. فالقضية ليست قضية أشخاص وأفراد، ولا حتى قضية تيار معين، كتيار الإخوان المسلمين، بل هي قضية مشروع تحرر الشعوب من ربقة عصابات مجرمة، وانعتاقها من أغلال الاستعمار بكل أشكاله. ولا بد أن يدرك هؤلاء أن الشرعية التي صنعها الشعب المصري بدماء أبنائه لا ترتبط بالرئيس مرسي رحمه الله تعالى، ولا تنتهي باستشهاده، بل هي مرتبطة بإرادة هذا الشعب الذي صنع تلك الشرعية، ولذلك فإن المطالبة بعودة الشرعية لم يُطوَ ملفها، بل إن الشعب المصري، وفي مقدمته أنصار الرئيس وأبناء جماعة الإخوان المسلمين، قادرون أن يستعيدوا هذه الشرعية، بقوة إرادتهم وبموجة ثورية جديدة تقتلع الانقلابيين من جذورهم. وإن غدا لناظره قريب.
ختاما
لم تنزل بالأمة مصيبة أعظم ولا أشد أثرا في النفوس، ولا مبعثا للخوف من ضياع البوصلة، من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. غير أنه بموته عليه الصلاة والسلام، ورغم شدة الأم وحجم الوجع والمصيبة، لم تختلط الأمور، ولم يَضِعْ اتجاه البوصلة، ولم تتوقف الرسالة، ولم يتخلف الصحابة عن أداء المهمات. وكانت أولاها مواصلة ما أعد له النبي عليه الصلاة والسلام من إعداد جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما. هذا موقفٌ يُستفادُ منه في واقعنا، وفي مصيبة استشهاد الرئيس مرسي. والمطلوب منا، كأمّة، أن نشدّ على الجراح، وأن نواصل الطريق الذي اخترناه، ولنعلم أن ما يجري هو جزء من قدر الله، وإن المجرمين والمتآمرين والقتلة وعصابات العسكر ومن والاهم ودعمهم من قوى عالمية وإقليمية، من الذين يظنون أنهم حققوا ما تهوى أنفسهم، إنما هم جزء من هذا القدر، وهو سائر بهم (وبنا) إلى نقطة اللاعودة. وما علينا إلا أن ندفع القدر بالقدر، وأن نوطِّن أنفسنا، وألا نتراخى، وألا يصيبنا القنوط والإحباط واليأس، فوعدُ الله كائن، رغم أنف من يسعوْن – بغبائهم- إلى الحيلولة دونه، وهو وعدٌ حاصل بنا أو بغيرنا، لكن الثمرة لم تنضج بعدُ، وحريٌّ بنا الآن أن نعمل على إنضاجها، والإعداد للحظة قطفها، وأظنها لحظة قريبة وإن طالت.



