أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

السيسي الفرعون ومرسي الشهيد والدولة العميقة

الشيخ كمال خطيب

لمّا تحدّث القرآن الكريم عن قوى الشر وعن طواغيت العصر الذين أصبحوا مضرب الأمثال في جبروتهم وإمكاناتهم المادية والعسكرية حتى أنه يخيّل للسامع أن هؤلاء أبدًا لا يهزمون، وأنهم باقون ما بقي الدهر، فقال الله تعالى معزيًا ومواسيًا رسوله صلى الله عليه وسلم عمّا كان يلقاه من طواغيت قريش وصناديدها، ولكأنه يقول له ماذا يساوي هؤلاء في ميزان غيرهم؟ وماذا يملكون مقارنة بما ملكه غيرهم من الأمم {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ*إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ*الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ*وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ*وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ*الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ*فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ*فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ*إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} آية 5-14 سورة الفجر.
إنهم عاد وثمود قوميّ هود وصالح عليهما السلام، وإنه فرعون الطاغية الجبار الذي تحدث عنه التعبير القرآني بالقول {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ} قيل إن معناها الجنود والجيش، وقيل معناها الأهرامات. إنها الدلالة الواضحة جدًا على أن فرعون لم يكن ليحكم مصر وحده، ويتسلط على شعبها بمفرده لولا أن معه من يعينه ومن ينفذ أوامره وسياساته، بل وأكثر من ذلك من يطبل ويزمر ويروّج لفرعون ومواقفه.
وإذا كان القرآن قد تحدث عن هؤلاء بأنهم أوتاد، هذا يعني أنهم ضاربون في عمق المجتمع المصري مثل الأوتاد، والأوتاد تكون في العمق وليس في الهواء ولا على الأطراف. صحيح أن التعبير يشير إلى صعوبة اقتلاع الباطل بسبب تشبثه وعمق ارتباطاته، إلا أن هذا لا يعني استحاله ذلك، وإنما هو التوقيت الذي فيه سيُنزل الله بهم عذابه وبطشه لأنه سبحانه لهم بالمرصاد ولن يتركهم {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ*إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} آية 13-14 سورة الفجر.
وإذا كان القرآن الكريم قد أسمى بطانة فرعون ورجالاته وأدواته بذي الأوتاد، فإن المصطلح السياسي المشهور اليوم هو “الدولة العميقة”. نعم قد يظن الناس ويخيّل للمشاهد أن حاكمًا وطاغية كالسيسي أو غيره يتحكمون بالدولة بكل مفاصلها بشكل مباشر، بذلك يكون مخطئًا لأن هذا مستحيل، وإنما يكون لهذا الطاغية فرعون يومها والسيسي وابن زايد وابن سلمان وأمثالهم اليوم، يكون لهم من ينفذون أجنداتهم وهؤلاء قد يكونوا رجالات الجيش والمخابرات، وقد يكونوا أباطرة الاقتصاد، وقد يكونوا هم المشايخ والإعلاميين والكتّاب الذين يروّجون لهذه السياسة وهذا النظام الحاكم تمامًا مثلما هم السياسيون والوزراء والسفراء والمستشارون من حوله. نعم لقد تم خلع مبارك ولكن جذوره العميقة ظلت باقية في مصر، وهي التي دعمت الانقلاب وأيدته بل نفّذته بعد إذ قامت بتعطيل وإفشال الرئيس الشرعي الشهيد الدكتور محمد مرسي، لأن هؤلاء كانوا يضربون عميقًا في جذور ومفاصل الواقع المصري.
لكن هذا لا يعني أبدًا أن الصراع مع هؤلاء محسوم لصالحهم، وأنه لا مجال للمغامرة معهم وأن أي جولة ستنتهي بانتصارهم. لا وألف لا، إنما ومع التأكيد على حتمية الانتصار عليهم في جولة قادمة إلا أنه يجب عدم إغفال دورهم وإمكاناتهم على الإفساد والتخريب وأنهم يسعون ويعملون جاهدين بإمكاناتهم وإمكانات قوى الشر في الخارج التي تدعمهم، إلا أنهم في الحقيقة ليس فقط يصادمون إرادات الشعوب التي هي إن أرادت الحياة والثورة والتغيير فإنها ستنتصر وأنه سيستجيب القدر، كما قال الشاعر:
إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
وإنما هم يصادمون نواميس الكون وإرادة الله سبحانه النافذة بأن مآل الظالمين إلى بوار وأن الله لا يغفل عنهم حسبما يظنون، وإنما هو التوقيت منه سبحانه متى سيزلزل عروشهم وتهتز كراسيهم وينزل عليهم سبحانه سوط عذاب، وقد كان لهم بالمرصاد وإن كانوا هم يظنون أنهم منتصرون بل وأنهم باقون إلى الأبد.

## مرسي الشهيد
وها نحن في واحدة من جولات وصولات الباطل، حيث أبرز رجالاتها الفرعون الجديد عبد الفتاح السيسي، والذي قاد انقلاب 30/6/2013 وعزل واختطف وسجن ثم دبّر عملية اغتيال بطيء للرئيس الشرعي محمد مرسي يوم الإثنين الأخير 17 /6/2019.
واضح جدًا أنه ليس السيسي وحده من قام بهذه المهمة، يكفيه أن يكون قد أصدر أمرًا وإذا برجالات الدولة العميقة من القضاة والنيابة والأطباء والسجانين ورجال الشرطة، كل يقوم بمهمته للوصول إلى النتيجة التي أرادها السيسي، وهي التخلص من الرئيس الشرعي الشهيد محمد مرسي.
ويستمر السيسي في محاوله مغالبة نواميس الكون، يفرك يديه مبتهجًا ولسان حاله يقول “أنا أحيي وأميت” وقد تمت عمليه اغتيال مرسي بنجاح، ولكنه ولجهله لا يعلم أن من نواميس الكون أن إرادة الشعوب من إرادة الله وأنها أبدًا لا تقهر، ويجهل أن دماء الشهداء تتحول إلى وقود ودينامو لاستمرار ثورات الشعوب، وينسى أن الشهداء لا يموتون بل هم أحياء عند ربهم يرزقون وفي قلوب شعبهم لا يغيبون.
سيدرك الفرعون الصغير أنه باستشهاد الرئيس مرسي فإن مرحلة جديدة من مراحل الغضب والنقمة عليه ستبدأ، وأنه يضرب بيده المسمار الأخير في نعشه ونظام حكمه.
رحل مرسي شهيدًا، لكن مكانته وصدقه وتواضعه وإيمانه ومظلوميته، ستظل هي الشراع الذي يدفع بمركب الثورة حتى ترسو بإذن الله على شاطئ السلام والفرج والخلاص من الانقلاب الذي يقوده السيسي الفرعون الصغير.

## لا تكرهوا الفتنة فإن فيها حصاد المنافقين
إن كلمة فتنة هي بحد ذاتها ثقيلة على الأذن، والمسلم الصادق يكره الفتنة والفتن والمفتنين. وإن كان من الناس من في طبعهم وجيناتهم حب الفتن، بل إنها تجري فيهم مجرى الدم من العروق. وإذا كان من الناس من يكون الخطأ والزلل هو الشيء الطارئ في حياته وسلوكه حيث أن من طبعه الاستقامة والخيرة، فإن من الناس من تكون الاستقامة والخيرية هي الشيء الطارئ في حياته، لا يعرف عنه إلا الفساد في الأرض والفتن وإيقاع الأذى بين الناس.
نعم إن أجواء الفتن تكاد تنبعث أنفاسها من كل جانب من جوانب حياتنا حتى لكأننا نجزم بالقول إننا في زمن الفتن الذي حذّر منه النبي صلى الله عليه وسلم، حيث فيه انقلاب الموازين واحتلال الأشياء وانحراف البوصلة وسرعة تبدل المواقف، ليس في القول فقط وإنما في الحالة الإيمانية كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف “يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع دينه بعرض من الدنيا”.
إن أجواء الفتن لا تصل فقط إلى حد تبدل المواقف والسياسات، بل إنها تتعداها إلى حد الردة بالكامل وتصل خطورتها إلى درجة أن يصبح الحلال حرامًا والحلال حرامًا والعياذ بالله تعالى.
وخلال هذا المشهد القاتم فإنها الحسرة وإنه الحزن، ولعله الإحباط يسري في نفوس الصالحين والخيّرين، وكأن جهدهم قد ضاع وأنهم كانوا كمن يصرخ في واد وينفخ في رماد، وإذا بصوت الحسن البصري يصرخ فيهم يوقظهم من تلك الحيرة يقول لهم: “لا تكرهوا الفتنة فإن فيها حصاد المنافقين”.
نعم لئن كانت الفتن لا يحبها المسلم الصادق ويكرهها ويكره أهلها ويدعو الله أن يجنبه إياها وأن يحفظ عليه دينه، إلا أن بين ثناياها وطياتها منافع وفوائد.
إن فيها حصاد المنافقين والمتلونين الذين لا تجدهم إلا حيث مصالحهم بعيدًا عن القيم والمبادئ والعقيدة والثوابت والأصالة.
إنهم الذين يحلفون بالله أنهم مع المؤمنين وإذا بالفتن تكشف أنهم مع أعدائهم {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} آية 119 سورة ال عمران.
إنها الفتن وحدها تكشف أن من كانت حناجرهم مع الحق وإذا بخناجرهم مع الباطل. لقد سمعنا عنهم وقرأنا عنهم في الكتب، وإذا بنا اليوم نراهم عبر المواقع الإلكترونية بل على الشاشات وبالبث المباشر يتمرغون في مستنقع النفاق والكذب، ليس فقط أنهم سياسيون بل إنهم كتّاب، بل إنهم علماء ومشايخ وخطباء والعياذ بالله تعالى.
إنها الفتنة تكشف المعادن، فيظهر الأصيل من المزيف والصادق من الكاذب. إن فيها يميز الله الخبيث من الطيب كما قال سبحانه {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} آية 37 سورة الأنفال.
ليس أننا يجب ألا نكره الفتن كما قال الحسن البصري، بل يجب أن نشكرها كما قال الشاعر:
جزى الله الشدائد كل خير بها عرفت على عدوّي من صديقي

## الصيف والسيف
بعد غد الأحد 23/6 هو اليوم الأول من أيام فصل الصيف، وفصل الصيف هو فصل القيّظ والحرّ الشديد، ومع ذلك فإنه كان حبيب المؤمنين والصالحين. إن الصيف كان حبيب سيدنا عمر والأقرب إلى قلب سيدنا علي رضي الله عنهما، وكيف لا وعمر هو القائل: “لولا ثلاث لتمنيت الموت، لولا أنني أُغبر جبيني في التراب طاعة لله، ولولا أنني أصوم اليوم الشديد الحرّ اتقاء لحرّ يوم القيامة، ولولا أن لي أخوة في الله أجالسهم ويجالسونني”. وكيف لا يكون الصيف هو الأقرب لسيدنا علي وهو القائل كرم الله وجهه: “حُبّب إليّ من دنياكم ثلاث، إطعام الضيف والصيام بالصيف وضرب أعداء الله بالسيف”.
يبدو والمؤشرات كثيرة أن صيفنا القريب الذي سيبدأ بعد غد، سيكون صيفًا حارًا جدًا، ليس فقط بدرجات حرارته المرتفعة وفق مقياس درجات الحرارة، بل لعله سيكون ملتهبًا سياسيًا وعسكريًا.
وإذا كانت أداة الحرب والنزال زمن الإمام علي كرم الله وجهه هي السيف، إلا أن الحال قد اختلفت بما لم يخطر على بال بشر من أدوات القتل ووسائل الحرب الدموية الفتاكة التي باتت تملكها الدول والجيوش.
مع الأسف أن حرارة السيف والصيف سيتلظى بها ويكتوي بنارها العرب والمسلمون فقط. فمنهم سيكون القتلى وبلادهم التي ستدمّر وأموالهم التي ستهدر، لا لشيء إلا لأن البعض منهم ما يزالون تبعًا أذلاء لأباطرة الحروب الذي تحركهم نزعاتهم الدينية السوداء يغلفونها بغلاف الاقتصاد والمصالح والسياسة.
كما أننا مطالبون أّلا نكره الفتنة، لأن فيها حصاد المنافقين فلعلنا مطالبون كذلك ألّا نكره الحرب والقتال، إذ لعل فيها الخير الذي يعلمه الله ولا نعلمه نحن {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} آية 216 سورة البقرة.
فإذا كان من بين أتون الفتن يكون حصاد المنافقين فلعل من بين أتون الحرب ونيرانها يكون حصاد ونهاية وزوال الظالمين والفاسدين من الطواغيت عملاء أمريكا وروسيا وإسرائيل.
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم أبعد عن أمتنا الحروب والكروب. اللهم ابعث في أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من يجدد لها أمر دينها، اللهم واجعلنا من خاصة جنده يا رب العالمين. اللهم عجّل بالفرج والنصر والتمكين للمسلمين يا رب العالمين.

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى