أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

وجدانيات ناشئة في طريق الدعوة

إيمان مصري

نفحات ربانيّة نبتت بأرض قلب ناشئة قد ارتوت معانيها من ينبوع نفوس المؤمنين الصافي الزلال واكتسبت رقتها من قلوب ورديّة يلونها الإحسان وجمالها من أرواح دعاة أتقياء أنقياء.
ناشئة عشقت الدعوة الحبيبة كأمها بل يزيد، فكانت كلما ضاق صدرها التجأت إلى دعوتها فهدأت واستكانت روحها وكلما اشتدت الخطوب والمحن على قلبها كانت هذه الحبيبة ظلها الظليل تُبرد الروح من حر الدنيا فتسافر بها لمجالس الإخوان ليكون الثمن عرش الرحمن.
دعوة حبيبة…من أجلها ارتحلت الناشئة بقلبها الصغير وغايتها السامية وحلمها الكبير لتبذل الغالي والرخيص …ولتسافر في رحلة شاقة مضنية لا عودة فيها إلا لمتخاذل أو متكاسل.
دعوة حبيبة …كانت كلما ابتعدت عنها الناشئة ازداد أنينها وكلما اقتربت منها ازدادت شوقًا إليها أكثر وأكثر فهي التي منحت هذا القلب الطمأنينة والسلام حتى تمنت أن تقبل يديها ورجليها…وترتمي في حضنها إلى أبد الآبدين لتكون أقرب الناس إليها..وتفوز بأعلى المنازل والدرجات التي وعد بها عباده المتقين وإمام المرسلين.
دعوة حبيبة…هاجر من قبل هذه الناشئة لأجلها دعاة متيمون..وعشاق مجاهدون…فأزهرت هجرتهم بساتين زهر وورد …وبستان الناشئة لم يثمر بعد..زهراته خجلى منحنية للدنيا..قد كسرت شموخها استكانة أو عثرة..أو التفاتة أو غفلة.
تناجيها الناشئة في سبحات الليل واشراقات النهار وتقول لها:
دعوتي الحبيبة..أتحرى في كل يوم قربك …وأنقلب على حالي إذا ذقت يومًا بُعدك …
فهل حالي هذا يسرك؟
يا دعوتي …أنتِ ميداني الساحر …وكأني بك أعيش رحلة وصال وعشق ممض …
ومن حولي شلالات الجنة تجري في مشاعر ربانية لا نهاية لها …فيك أرتقي وبك أسمو وأحضن الدنيا بجناحي المحبة …وأرى في ملامحك كل شيء جميل خرج وانساب من يدي الله تعالى .
يا دعوتي …أضواؤك مثل اللآلئ المنثورة إذ تلقينها على أبنائك فتجعلين لهم نورًا يمشون به على الأرض …قد صبغتِ قلوبهم منه، كما هي وجوههم، فأصبحوا قناديل مضيئة …فهل لي بشرف الانتساب إليك فأكون منهم؟!
يا دعوتي …كلما قطفت وردة من ورودك بفعل أو قول وفقني الله إليه أحسست بدفئك …
وبشذى من الأمل يعطر أرجاء روحي وكأنها نظرة رضا من رب كريم …فأضع جبهتي على الأرض حبًا وتسليمًا وشكرًا بأن هداني وأكرمني لأكون من أهلك وشرفني بالإنتساب إليك …
يا دعوتي …هذه عصارة وجدانياتي وكأنها بداية عصارتي الحقيقية في الآبدين ..
سكبت لك هنا مشاعري، وكتبتها من أعماق قلبي…فنمت براعم حب لك …
دعوتي…أنت حبيبتي أنتِ …فحسبي من محبتي أني شرفًا إليك أرجو ..
وإني بكِ أريد الوصول!

زفرات ناشئة أمام المرآة

إيه يا نفسي…كم فقدتِ من ملامح حتى إني لم أعد أعرفكِ.. وكم فقدتِ من تفاصيل كُنتِ تُعرفين بها…سجادتي التي قتلها ظمأ دموعي…محرابي الذي يضج من صدى أنينه…كتابي الذي غطاه الغبار…حديثي الذي أصبح وأمس عن أخبار الدولار!!
يا نفس…قد ضاعت مني هذه التفاصيل وزاد حجمي مع ازدياد سباقي نحو الصدارة، فلم أعد أعرف أحدًا غير “أنا” ولم أعد أقدر أحدًا غير “أنا” ولم أعد أفكر بأحد غير “أنا”!! كيف لا و”أنا” صاحبة التجربة..”أنا” صاحبة الخبرة…”أنا” التي لم تعد تستقبل نقدًا ولا سؤالًا من “صغيرة”…فقاعة أنا زادت حجمي ولكني “أنا” في داخلي لا أساوي شيئًا!!
عجبًا يا نفسي! إن الدنيا عند الله لا تزن جناح بعوضة…فمن تكونين أنت؟ ما لي أراكِ هائمة تجمعين سجل عثرات لإخوانك وأخواتك تجمعين به أخطاءهم وتحصيها عليهم حتى إذا حصل حاصل أخرجتها من درج مظلم في حنايا قلبك وسردتها واحدة تلو أخرى: أتذكرين يوم كذا وكذا؟! يا نفس…مالي أراك تجيدين لغة النقد ولا تجيدين فن التحفيز؟! رأيك يحتمل المناظرة من أجل المسارعة للحصول على الألقاب حتى لو تألم الأحباب!

ويحك يا نفس! لم تخدعين نفسك؟ لا يغرنك خداعهم لكِ…تمعني في عيوبك وتفريطك وتقصيرك…تمعني في عثراتك وزلاتك…منذ متى وأنت تسيرين؟ هل قطعت طريق الجنة وقبلتِ لتنبهري!
إنك مغرورة …تظنين أنك في آخر الطريق ولعلك لم تتجاوزي أوله بعد! إن مُدعي الإخلاص قد قُتلوا في أول امتحاناتهم…تضاءلوا بعد أن بلغوا..ونفست فقاعاتهم من فيض ما امتلأت به من كِبر هو هباءًا منثوراً..تناثرت جبال أعمالهم أمام هول جنايتهم بعد أن كانوا يظنون أنهم ممن أحسن صنعًا.
انظري في المرآة يا نفس إلى نفسك…لا أجد منك إلا صورتك القبيحة…فلا يغرنك ما وهبه لكِ الآخرين من مديح…وما دثروك به من هيبة لسبقك ولهفك وراء “الشهرة” ولتهافتك على عتبات المراكز!
يا نفس عجبًا لك..أما زلت تترددين؟!
إذا سخط القوم ذممتهم!
إذا آلموكِ بعتاب رقيق نفرتِ منهم وأبعدتهم!
إذا قربوكِ سعدتِ!
وإذا أبعدوكِ بعدت وأصررت!
وإذا انتقصوكِ غضبت وأغضبتِ!
مديحهم يطربك!
وإطرائهم يعجبك!
حتى لو كنت ممن قيل فيهم:” وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ” !
أما علمتِ أن ربك يعلم حقيقتك!
أما آن لك يا نفس أن تُسَّلمي بعد أن أسلمتِ؟
يا نفس..شأنك إن أرتفع فهو من تراب وإلى التراب راجع
وبين جبهتك والأرض يكمن “عزَّك”!
إننا وإن تشرفنا وشُرفنا فإن الطين أصلنا..وإن افتخرنا وفاخرنا فإن إلى التراب مردنا وما لمن خُلق من ماء مهين أن يشمخ بأنفه أو يزهو بعلمه أو يُعجب برأيه!!!
يا نفس تجردي..فما قتلت باطلًا ولا رميته..ولكن الله رمى..إنه ليس من فضلك وليس لك من الأمر شيء..تجردي…ودققي في أرض قلبكِ قبل أن يدقق عليك!!
يا نفس بكى أبا بكر لكلمة قوية قالها لأنصاري لم يقبل أن يسامحه وإيمانه يعدل أمة وهو أحد المبشرين بالجنة وقد نزلت فيه آيات الله تبشره وتزكيه وكفى أنه “الصديق” الذي يُخير بالدخول للجنة من أي الأبواب شاء! فما أكون أنا أو أنتِ ..ريشة يُحركها الهوى..بعوضة …هوااااااء ولكننا نكابر ونجعل أنفسنا فوق اعتبار وما ثمة إلا الإنكسار لله والتواضع بين عبادة يزيد المرء إلا علوًا.
يا نفس تأملي قول امرأة جاءت تعظ عبد الواحد بن زيد قبل أن يبدأ بالوعظ:
يــا واعـظـا قــام لاحتــسـاب *..* يـزجــر قــومـا ً عن الذنـوب
تنهـى وأنـت المـريـض حــقـا ً *..* هذا من المـنـكـر العجيـــــب
لـو كنـت أصلـحت قبـل هــذا *..* عيـبـك أو تـبـت من قـريـب
كــان لمن قلـت يـا حبيـبــــي *..* مــوقـعُ صــدق من القـــلوب
تنهـى عن الغـي والتـمــــادي *..* وأنت فى النهي كــا لمــــريب

فيا رب… إن كنـت لا أصـلـح للقــرب *..* فشــأنك الصـــفـح عن الذنـــب..

إلهِي أَلْبَسَتْنِي الْخَطايا ثَوْبَ مَذَلَّتِي، وَجَلَّلَنِي التَّباعُدُ مِنْكَ لِباسَ مَسْكَنَتِي، وَأَماتَ قَلْبِي عَظِيمُ جِنايَتِي، فَأَحْيِه بِتَوْبَة مِنْكَ يا أَمَلِي وَبُغْيَتِي، وَيا سُؤْلِي وَمُنْيَتِي، فَوَ عِزَّتِكَ ما أَجِدُ لِذُنُوبِي سِواكَ غافِراً، وَلا أَرى لِكَسْرِي غَيْرَكَ جابِراً، وَقَدْ خَضَعْتُ بِالإنابَةِ إلَيْكَ وَعَنَوْتُ بِالاسْتِكانَةِ لَدَيْكَ، فَإنْ طَرَدْتَنِي مِنْ بابِكَ فَبِمَنْ أَلُوذُ؟ وَإنْ رَدَدْتَنِي عَنْ جَنابِكَ فَبِمَنْ أَعُوذُ؟ فَوا أَسَفاهُ مِنْ خَجْلَتِي وَافْتِضَاحِي، وَوالَهْفاهُ مِنْ سُوءِ عَمَلِي وَاجْتِراحِي.
أَسْأَلُكَ يا غافِرَ الذَّنْبِ الْكَبِيرِ، وَيا جابِرَ الْعَظْمِ الْكَسِيرِ، أَنْ تَهَبَ لِي مُوبِقاتِ الْجَرآئِرِ، وَتَسْتُرَ عَلَيَّ فاضِحاتِ السَّرآئِرِ، وَلا تُخْلِنِي فِي مَشْهَدِ الْقِيامَةِ مِنْ بَرْدِ عَفْوِكَ وَغَفْرِكَ، وَلا تُعْرِنِي مِنْ جَمِيلِ صَفْحِكَ وَسَتْرِكَ. إلهِي ظَلِّلْ عَلَى ذُنُوبِي غَمامَ رَحْمَتِكَ، وَأَرْسِلْ عَلى عُيُوبِي سَحابَ رَأْفَتِكَ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى