أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

إلى الراحلة “أم الحسن” كوثر خليل…وكل رواحل الدعوة

إيمان راسم مصري

لم أكن أملك إلا أن أحزن كما حزن عليك أهلك، أواجه الخسائر وأتشبث بالدعاء وأكتب فوحدهم الكتّاب لا يجيدون فن الكلام بل يجيدون صمت الاحزان.
وقفت بعيدا ارتقب الجميع، في عالم يضج بالذكريات، وفكرة واحدة تجول في خاطري أن أطارد طيفك كي أواصل لملمة الاسرار، انا التي تتقن فن التعامل مع الغياب.
كيف ترصد ذبذبات المكان، وتشعر أنك تدخل بيت تملأه الفة الامكنة، فتستأنس وتستأنف الحياة…لحظات توهمك أنك عشتها وانت لست كذلك. ينتابني شعور بالفقدان، بافتقاد شيء لم أكن أملكه بعد فلم تربطني بك صداقة متينة ولا معرفة قريبة لكنني أحببتك وشعرت للتو أني فقدتك قبل أن عرفتك! سعيدة بما لا اعرفه عنكِ وأكثر من ذلك بما عرفته.
متى اراكِ؟ صمتت لتظهر الحقيقة. أطفأت في منفضة الألم أسئلتي، وذهبت أتمتم بالدعاء… كانت حكمتك قد أذهلتني… فقد جمعتِ عُدتك وذهبتِ… وانا التي كانت تحسب أنها تعرف الإعداد… فكم بحوزتي من أشياء لا أحتاجها…
غادرتنا سريعًا فحملتِ مصحف ودعوة وسجلٍ مليء بالسعي في ميادين العلم والعمل…. وكفن على مقاسك وحسب! هنيئًا لكِ فوزكِ…. إنني بفقدانك تأدبت وتعلمت، ها هي الكارثة… يوم يغلق التابوت على احلامك التي بقيت مفتوحة عمرا كاملا. ولن أكون هنا يومها لأعلم كم كنت غريبة قبل ذلك.

أيا شهيدة!
أصبحتِ سرًا في حياتي …وأصبحت أقصى المنى أن نلتقي …وأصبحت أبحث عن سر تلك البسمة فوق محياكِ والحياة…ويتحقق في القول: فتنت روحي يا شهيد. علمتني معنى الحياة!
“أمي الثانية” كما كتبت الداعية ليلى مواسي حفظها الله وهي قامة في الدعوة والمجاهدة والمصابرة.. قد سطرت كتبًا في الجهاد والرباط والركض وليس السير وحسب في طريق الدعوة…فمنذ أن كنت فتاة في مقتبل العمر تحجبتِ وصرتِ في بلدي الأول قدوة للفتيات والنساء … ثم طلبت العلم وعدتِ لتأخذي بيد أخواتك إلى طريق الحق والالتزام … تزوجتِ فكنت زوجة الشيخ المربي المجاهد، أستاذي ومعلمي وشيخي الذي له الفضل عليّ أيما فضل، الشيخ عبد الرحيم الذي أدبني بخلقه والتزامه وتقواه وعلمه وعمله وسعيه …فصبرت وحفظت أهلك وبيتك وأكملت سعيك حتى آخر لحظات في حياتكِ …. وشعارك “وعجلت إليك ربي لترضى”، عجلتِ … فيا رب ارضَ عنها.
ليس أجمل من أن تترك الدنيا فيذكرك الناس بالخير، ويتذكرون عنك كل خير، ويترحمون عليك بعمل الخير. اعتدنا أن نرى أهل العزاء يقيمون الولائم للمعزين، أما أنتِ يا أم الحسن فالولائم تبدلت بـ “مواعظ في المساجد” وصدقات عن روحك تصل مرضى غزة وتوجيه وتأديب لنا نحن “بنات دعوتك”.
إني بوفاتك أتألم على وجع محبيكِ وأهلكِ …وأتألم على حالي!!! أتألم على حالي وعلى بنات جيلي…اللواتي ما زلن يترددن في المسير ويشتكين الحال ويضعن الحجة فوق الحجة والعذر فوق العذر…لنزج أنفسنا خارج دائرة التقصير رغم كل ما فينا من تقصير.. لنرتاح ونسكن ونستكين لأنفسنا.. بينما كنت أنت السباقة في المسير…وتحقق فيك قول الرواحل الذين يحملون لا يطيق الناس عن حمله.. بينما أنا من الذين يعجزون ويبررون العجز!
نعم هي وقفة محاسبة.. نعم هي كلمات تهز الوجدان…نعم هي وقفات وكلمات بل صرخات، تئن.. تئن…أن يا نفس عودي! تابعي المسير. لا تعجزي…لا تتعبي…فقد آن وقت العطاء…أن وقت الجد…آن وقت الرباط. أن وقت الدعوة…آن وقت الصبر.. وكل ما كان.. لم يكن إلا مقدمة قصيرة.. لتعلمي كم تتحملين!
إلى فتياتي الغاليات.. وأخواتي الداعيات وكل المرابطات المجاهدات والمربيات! للنصر طعم أوله مر لكن آخره عسل، وقد يطول الزمان ويبقى في الحلق بعض الأثر، وما هي الا لحظات ينتهز فيها الفرصة ليقاوم ويرتشف كاس ماء نقي شفاف، فيدرك حينها طعم العسل!، ولنكن نحن ذلك الجيل …. الماء النقي الشفاف، وعسى ان يكون قريبا!
رحمكِ الله يا “أم الحسن” وربط على قلب شيخنا وأهله وألحقنا بكِ في جنات النعيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى