أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

ورشة المنامة.. القضية الفلسطينية موءودة القرن؟

صالح لطفي-باحث ومحلل سياسي
أعلن مكتب ترامب عن انطلاقة صفقة القرن عبر دعوته العديد من الدول للمشاركة في ورشة هدفها تشجيع الاستثمار في الاراضي الفلسطينية وتأمين الالتزامات المالية تحت شعار “السلام من أجل الازدهار”، حيث ستعقد في المنامة عاصمة البحرين في 25 و26 حزيران/ يونيو المقبل. وتتمحور مهام الورشة الاقتصادية لتأمين الالتزامات المالية من دول الخليج الغنية وكذلك من الجهات المانحة وبعض الدول الاسيوية والمبلغ الاولي الذي سيجمع وفقا لعديد التصريحات الاعلامية -تهويسة- 68 مليار دولار ستوزع على الفلسطينيين والاردن ولبنان ومصر وستكون حصة الفلسطينيين 30 مليار دولار وفقا لبعض التقديرات، يعني بلغة الارقام ان ترامب يريد انهاء الملف الفلسطيني ببيعها في المزاد العلني وبمشاركة دول عربية نافذة ووازنة بأقل من ثلاثة الاف دولار لكل فلسطيني على اعتبار ان التعداد السكاني للفلسطينيين تجاوز 13 مليون بقليل.
إنَّ اعلان السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية رفضها المشاركة في هذه الورشة سيضعها ابتداء في خانة الفشل باعتبار ان صاحب الشأن غير موافق على هذا المشروع مطلقا على الرغم من تصريحات جرينبلات مبعوث البيت الابيض للسلام في الشرق الاوسط ان الصفقة قد انطلقت ولحاق الفلسطينيون بها لصالحهم ويبدو أن تحركات القيادة الفلسطينية والفصائل على عدة مستويات اقليمية ودولية تأتي لتحقيق فشل هذه الورشة وهذه الصفقة خاصة، وانه حتى كتابة هذه السطور اعلنت واشنطن ان عدد المستثمرين الفلسطينيين المشاركين في هذه الورشة، مستثمر واحد فقط. الى جانب هذا فإننا الان امام صورة واضحة للمشاركين في هذه الورشة فكل الدول التي ستشارك فيها هي في حقيقة الامر شريكة في جُرم دفن القضية الفلسطينية وأهلها أحياء بيدَّ أن القضية الفلسطينية لن تكون موءودة القرن؟
ثلاثة قوى اقليمية -دولية تعارض علنا وجهارا صفقة القرن، روسيا وتركيا وايران والدول الثلاثة قوى لا يمكن للولايات المتحدة وحلفها العربي التهاون بها خاصة في السياق الاقتصادي حيث تشارك الدول الثلاثة في منتدى شنغهاي والذي يطلق عليه ايضا منظمة شنغهاي للتعاون- ايران تشارك بصفة مراقب-، وهذه الدول ترفض صفقة القرن جملة وتفصيلا وتتحفظ عليها ويمكن ان تشكل بالنسبة للسلطة الفلسطينية بديلا وخرجا للخروج من توريطات هذه الصفقة التي يطمع ترامب ان ينهي دورته الرئاسية الحالية بتحقيقها ليسجل في سجل الذين خدموا المشروع الانجيلي المسيحياني خدمة جليلة.
تكمن مشكلة ترامب وإدارته ومن يقف معه بما في ذلك المؤسسة الاسرائيلية في تعاطيهم مع القضية الفلسطينية في انهم يعتقدون ان الغرب والعرب ما زالوا أوصياء على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وأن ما فعلوه بالفلسطينيين في اربعينات القرن الماضي يمكن تكراره مع كثير من البهارات “المال” عبر رشوة القيادات الفلسطينية بمختلف توجهاتها وذلك بجرها للإغراءات تارة وبالتهديد تارة أخرى للموافقة على الصفقة التي بدأت بالقدم اليسرى مقدمة الاقتصاد على السياسة أي مقدمة القضايا المطلبية والمعيشية على القضايا الاستراتيجية والمصيرية ظنا منهم أنَّ المال بإغراءاته الكبيرة يمكن أن يمد من أمد القضية مئة عام قادمة لصالح المؤسسة الاسرائيلية ولصالح المشروع المسياني المسيحي-الصليبي الذي بات الحديث عنه في الاروقة الاكاديمية والسياسية رسميا للغاية، غافلين ككثير من الاستراتيجيين الغربين والعرب العلمانيين عن كونية القضية الفلسطينية وتجاوزها الشعب الفلسطيني الى الامتين الاسلامية والمسيحية، فكون القضية الفلسطينية منذ نشوئها والى هذه اللحظات في الاروقة الاممية تؤكد انها قضية كونية أي انها اكبر من العرب واكبر من الولايات المتحدة واكبر من اوروبا وبالقطع اكبر من الاحتلال الاسرائيلي.
لماذا المنامة؟
لم يأت الاعلان عن انطلاق الصفقة من المنامة مجرد صدفة فمن الواضح ان المتتبع لمجرى التحولات في منطقتنا سيجد ان خيوط صفقة القرن تم ترسيم خطوطها العريضة في مؤسسات البحث والتفكير الاستراتيجية الامريكية والاسرائيلية ذات التوجهات اليمينية مع مطلع العقد الثاني من هذا القرن ويعتبر نتنياهو رأس الحربة في هذه المخططات فهو الداعي الاول للسلام الاقتصادي والذي رفع شعار الاعتراف بالدولة اليهودية كشرط للاعتراف بكيان فلسطيني منزوع السلاح دون القدس ودون عودة اللاجئين والداعي الى ضم الضفة الغربية “مناطق ج” الى اسرائيل ومنح الفلسطينيين كيانا سياسيا في المدن الكبرى والقطاع واقتطاع اراض من شمال سيناء، وهذه المخططات خرجت للتنفيذ على اكثر من مستوى اقليمي وتتورط دول عربية بإتمام هذا المخطط الذي يسعى لطي صفحة هذه القضية، وكل متابع لسياسات ترامب يعلم ان اعترافه بالقدس عاصمة ابدية لإسرائيل وقطع الامدادات عن وكالة الغوث تمهيدا لإغلاقها وهو ما يعني وقف المساعدات لملايين اللاجئين الامر الذي سيترتب عليه تسوية أوضاعهم في الدول المضيفة لهم وهو ما تعمل عليه ورشة المنامة حيث ستصرف اموال على تلكم الدول المضيفة مقابل سنوات استضافتهم من جهة وتوطينهم في تلكم الدول من جهة اخرى. وهذه السياسة الامريكية في جوهرها تحقيق للمطلب الاسرائيلي بتوطين اللاجئين في البلدان المضيفة وتحقيق هذا المطلب يأتي كحلقة ثانية متممة للمخطط الاسرائيلي في القضاء على القضية الفلسطينية فيما يتعلق بقضايا الحل النهائي المتمثلة بالقدس واللاجئين والحدود والمياه.
ولذلك فصفقة القرن من ألفها إلى يائها هي مخطط اسرائيلي بامتياز راعى المصالح المطلقة للاحتلال واستبدل مصالح الشعب الفلسطيني في فتات من الدولارات والولايات المتحدة تفعل ذلك برسم القوة والبلطجة السياسية والإغراق الايديولوجي الذي يعيشه ترامب وجيشه من الانجيليين.
تم اختيار المنامة لعقد هذه الورشة لعدة أسباب مرتبطة أساسا بإسرائيل وبالبحرين ففضلا عن انه تربط الدولتين علاقات حميمة برزت جليا في السنوات الاخيرة دفعت رعاة الصفقة لتكون البحرين محل استضافة مريح للإسرائيليين الذين سيشاركون بوزير المالية و200 مستثمر كما رشح عن وسائل الاعلام الاسرائيلية، وفضلا عن أن المنامة تعيش فيها جالية يهودية نافذة فإن المنامة التي تمر في نوبات اقتصادية سلبية منذ عدة سنوات جعلت معدلاتها الاقتصادية في تراجع مستمر وهي باستضافتها لهذه الورشة تطمع وتطمح ان يكون لها نصيبا من تلكم الكعكة التي سيشارك فيها عديد الدول والمنظمات والشركات والمستثمرين حيث يُمَّكِنُ البحرين من جذب بعض من هذه الاستثمارات اليها طمعا بحلحلة اوضاعها البائسة، وفي ظل الضغط الداخلي والتوتر الذي تشهده المملكة مع مكونها الشيعي وارتمائها بحضن السعودية والامارات واعلانها الحرب المفتوحة على الاخوان المسلمين البحرانيين استجابة لرغبات محور السعودية -مصر-الامارات، فقد مضت في ركابهم طمعا في الحفاظ على سلطة ونفوذ العائلة الحاكمة “آلـ عيسى”، واستحقاق تقدمه للولايات المتحدة التي تحميها ليس فقط من مكونها الشيعي بل ومن أن تبتلعها السعودية الدولة الاكبر والاقوى في الخليج، أذ تتنبه البحرين الى أن السعودية التي حاولت يوما ان تبتلع قطر وفشلت بفضل سياسات حكيمة انتهجتها العائلة الحاكمة واحتمائها بغلاف دولي جمع كافة المتناقضات، لن تتردد بفعل الامر ذاته معها اذا رأت مصالحها العليا تقتضي ذلك، وفي ظل حكم ابن سلمان في السعودية وابن زايد في الامارات، فإن الاطماع التي تدور في رأسيهما لا تتوقف ولن يهمهم تحويل صديق اليوم الى عدو الغد، لذلك تكون استضافة هذه الورشة– مصطلح الورشة والصفقة ينميان عن عقلية تجارية تتعاطى مع قضية خطيرة كالقضية الفلسطينية بعقلية التاجر- ضمن منطق حسابات استراتيجي بحريني يجمع المصالح الاقتصادية والسياسية والبقاء في الحكم ولو على حساب الفلسطينيين.
ألم يقولوا يوما مصائب قوم عند قوم فوائدُ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى