أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

خادم الحرمين وخائن أولى القبلتين

الشيخ كمال خطيب
صحيح أننا في أيام شهر رمضان المبارك وقد قال عنها صلى الله عليه وسلم: “رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار”. وصحيح أننا في الأيام التي نهينا فيها خاصة، وفي غيرها عامة أن نرفث أو أن نفسق كما قال صلى الله عليه وسلم: “وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق وإن شاتمه أحد فليقل إني صائم”.
ولكن اختياري لهذا العنوان وكتابتي في هذا الموضوع ليس فيه مخالفة لهدي الكتاب ولا السنة الشريفة، وإنما هو انتصار للكتاب والسنة، وامتثالًا لأمر الله الذي قال {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ… } آية 104 سورة آل عمران. وامتثالًا لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم الذي قال: “الساكت عن الحق شيطان أخرس” وهذه مهمة المسلم دائمًا وأبدًا في رمضان وفي شعبان وفي كل الأزمان.
نعم إن لرمضان حرمة وإن للكعبة المشرفة حرمة، ولكن حرمة دم المسلم وعرض المسلم وعقيده المسلم هي في ميزان الله عظيمة، بل إنها أعظم من حرمة الكعبة المشرفة كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن ما يمارسه حكام آل سعود في هذه المرحلة من إساءة للدين وانتهاك صارخ بل واعتداء سافر عليه، يجعل كل مسلم مطالب بالانتصار لدين الله دون مجاملة ودون أن تأخذه في الله لومة لائم.

# بئر عثمان وابار النفط
قبل شهرين وخلال رحلة العمرة أكرم الله أخوة لنا بها، وخلال زيارة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم المنورة، وخلال زيارة بعض المعالم القليلة والنادرة التي بقيت من آثار رسول الله وأصحابه، والتي أزالها ومحاها ودمرها آل سعود عن بكرة أبيها. من هذه المعالم القليلة الباقية هو بئر عثمان رضي الله عنه الذي اشتراه من أحد يهود المدينة، حيث كان هذا اليهودي يستغل حاجة الناس للماء فيبيعهم إياه بثمن غالٍ، فكان أن عرض عثمان رضي الله عنه على اليهودي شراء البئر فرفض، لكنه وتحت الإغراء بالثمن الكبير الذي استعد عثمان لدفعه فقد وافق على بيع نصف البئر ليكون البئر يومًا لعثمان يفعل به ما يشاء ثم يكون اليوم الثاني لليهودي يفعل به ما يشاء. وفي اليوم الذي يكون فيه البئر لعثمان فإنه كان ينادي المسلمين لأخذ حاجتهم من الماء مجانًا، بل ويدّخروا لليوم الثاني بينما إذا كان يوم اليهودي فكان لا يشتري أحد منه الماء. عندها أدرك اليهودي خطأ ما وقع فيه وخسارته، فعرض على عثمان شراء البئر كله ففعل عثمان بل هذا ما كان يتمناه وينتظره، ثم أعلن عثمان رضي الله عنه أن هذه البئر هي لكل المسلمين ينتفعون بمائها بلا ثمن، وأصبح البئر يسمى بئر عثمان.
فهل يفعل آل سعود مثلما فعل عثمان الذي جعل بئر الماء لكل المسلمين ينتفعون منها، بأن يجعلوا آبار النفط التي أكرم الله بها بلاد الحرمين لينتفع من خيرها كل المسلمين، لا أن تصبح موردًا خاصًا لأمراء آل سعود، بينما يحرم من خيرها باقي المسلمين بل وباقي الشعب في بلاد الحجاز والحرمين.
خلال رحلة العمرة لأولئك الأخوة وبشهادة أحد الأخوة المرشدين الثقات الذي كان يرافقهم، والذي لما رأى لافتة على سياج البئر قال أنها لم تكن موجودة من قبل وأنها حديثة العهد. هذه اللافتة التي كتب عليها (تعود إلى شخص يهودي اشتراها الخليفة الثالث عثمان بن عفان وجعلها صدقة للمسلمين عامة) وهي موقعة باسم وزارة الشؤون البلدية والقروية والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني – المملكة العربية السعودية.

لعل البعض يطالب بل ويرفع شعار حسن الظن، وأن ما كتب على اللافتة هو مما كتب في الكتب، فلماذا تحميل هذه الحادثة أكثر مما تحتمل؟!! ولأن ما يجري من ممارسات وسياسات آل سعود يتكشف عن علاقات وثيقة بينهم وبين إسرائيل والتأثير المباشر عليهم من الرئيس ترامب ومن صهره اليهودي كوشنير بشكل خاص، وعن موافقتهم على بنود صفقة القرن التي عرضت عليهم قبل غيرهم، كل هذا أو غيره ليجعل سوء الظن أولى من حسن الظن بل إنه الأصل في هذه الحالة، حتى أن عمر رضي الله عنه قال: “سوء الظن من الكياسة”. فلماذا الإشارة إلى ملكية سابقة ليهودي لهذا البئر مع أنه ثبت بدليل السيرة والتاريخ أن عثمان رضي الله عنه قد اشتراها من اليهودي، وأن اليهودي باعها برضاه وقبض ثمنها. وعليه فإنني لا أتردد بالقول بل بالجزم أن لا مكان للصدفة ولا للعفوية ولا لحسن الظن ولا للبراءة في هذا الفعل، وليكون السؤال هل نصب هذه اللافتة الرسمية يهدف للتذكير وللتعريف بأن يهودًا كانوا يومًا في هذا المكان وأنهم خرجوا ولابد من تعويضهم على هذه الأملاك كما طالب نتنياهو ذلك مرارًا، مع العلم أن ظروف خروجهم من المدينة معلومة وسببها هو مكرهم بل وخيانتهم وغدرهم التي سجلتها آيات في القرآن كثيرة من أهمها مطلع سورة الحشر وآيات سورة الأحزاب وسورة التوبة وغيرها.
وهل إعادة التذكير بوجود يهودي سابق في المدينة المنورة هو من أجل التمهيد لإجراء مقايضة ومبادلة بين حق مزعوم لهم في المدينة المنورة وفي خيبر، وبين حق مزعوم لهم في القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك؟ أم أن الهدف هو تبني حل وسط ضمن صفقة القرن بدعوة اليهود للتنازل عن أملاكهم في المدينة المنورة والذي تقر وتعترف به المملكة العربية السعودية وفق نص اللافتة، مقابل تنازل المسلمين ونسيان حقهم وتاريخهم في القدس الشريف؟ أم إنها الدعوة المباشرة لإلغاء حق العودة للفلسطينيين إلى فلسطين، الذين هجّروا في نكبه 1948 وشطب هذا الحق مقابل عدم مطالبة اليهود بالعودة إلى المدينة المنورة وإلى خيبر.

# خادم الحرمين والأقصى
وإذا كان البعض يأخذ على حسن الظن كتابة تلك اللافتة، فإن حسن الظن بالنسبة لهم حاضر كذلك مع تكرار سماع إعلاميين وخطباء وسياسيين سعوديين وهم يعرّفون الملك سليمان بأنه خادم الحرمين والأقصى، كان آخرهم الشيخ عبد الرحمن السديس خطيب المسجد الحرام والذي كرر هذه العبارة في أكثر من مناسبة.
إنني لا أفصل أبدًا بين السياق الذي كتبت فيه لافتة البئر وبين ضم المسجد الأقصى بأنه يحظى بخدمة ورعاية الملك سلمان وطبعًا ابنه محمد بن سلمان، بل إنني أرى أن هذا التعريف أخطر بكثير من تعريف لافتة البئر، وأنه كذلك ليس بمعزل أبدًا عن تفاصيل صفقة القرن وبنودها والدور الذي ستلعبه السعودية للترويج بل التمويل من أجل قبول تلك الصفقة من العرب والمسلمين عامة ومن الفلسطينيين خاصة.
طالما سمعنا عن ملوك آل سعود أنهم يعرّفون أنفسهم ب “خادم الحرمين الشريفين” مع العلم وضرورة التذكير أن هذا المصطلح ليس من بنات أفكارهم هم ولا هو من تفكيرهم، فقد سبق أن عرّف الفاتح صلاح الدين الأيوبي بأنه خادم الحرمين الشريفين، وكذلك الملك الناصر محمد بن قلاوون وكذلك فعلها السلطان العثماني سليم الأول، لكن أن يُسمع الشيخ عبد الرحمن السديس يشيد بالملك سلمان بأنه خادم الحرمين الشريفين والأقصى الشريف وأن له أيادٍ بيضاء في صد الاعتداءات الاسرائيلية عن الشعب الفلسطيني، ووقف وإنهاء الانتهاكات الصهيونية بحق المسجد الأقصى كما قال ذلك في خطبة الجمعة في المسجد الحرام قبل سنة ونصف وعاد وكرر نفس المصطلح مرات ومرات.
وليكون السؤال هل هي حالة من حالات الإفراط الزائد بالمديح بل النفاق وقد وصلت إلى حد أن الملك سلمان يستحق أكثر من لقب خادم الحرمين بل إنه خادم الثلاثة، حرم مكة وحرم المدينة وحرم القدس. أم أن هذا المصطلح ليس وليد الصدفة ولا هو نتاج حالة من حالات ولا وجبة من وجبات النفاق، وإنما هو المصطلح الذي قيل عن معرفة ودراية وقصد.
ومن قال أن ترامب من دعاة السلام في هذا العالم ودعا الله أن يوفقه، فليس غريبًا عليه أن يصف الملك سلمان بأنه خادم الأقصى وأنه أوقف وتصدى للانتهاكات الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى.
لقد سمعنا وقرأنا وكشفت وسائل إعلام كثيرة عن غضب شديد وانفعال غير مسبوق ظهر على الملك الأردني عبد الله الثاني في مجالسه الرسمية والخاصة بعد أن تم الكشف أن من بنود صفقة القرن إقامة “كونفدرالية فلسطينية” بما يشكل خطرًا على مستقبل الحكم في الأردن، لا بل إنه تم الكشف عن مخطط لزعزعة استقرار الأردن بما يشبه الانقلاب تقوم عليه الإمارات والسعودية، الأمر الذي أدى إلى تغييرات جذرية أجراها الملك الأردني في الديوان الملكي منها تحييد عدد من المستشارين إضافة إلى إقالة مدير المخابرات العامة وتعيين مدير جديد لها.
وليس بعيدًا عن هذا كله إن صفقة القرن التي أكد كوشنير أنه أطلع عليها آل سعود وآل زايد والسيسي، وأنها تضمنت إعلان القدس عاصمة إسرائيل الأبدية والموحدة وهذا ما تم إعلانه فعلًا، ويبدو أن السعودية المتواطئة والمتآمرة مع الموقف الأمريكي ستوافق إما على الإعلان عن المسجد الأقصى أنه منطقة مقدسه لكل الديانات أو حتى الموافقة على تقسيم المسجد الأقصى المبارك.
ومن أجل أن يكون لهذا الموقف ثقله ودلالاته، فكان لابد على ما يبدو من أن الشخص الذي سيعلن موافقته فلا بد أن تكون له صفة تمثيلية أقوى من صفة خادم الحرمين والأقصى.
هناك إجماع عربي وإسلامي على دعم الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى المبارك. إنه وعلى الرغم من الضعف في الموقف الأردني النابع من ظروف الأردن الخاصة، إلا أن المساس والاعتداء على هذا الإجماع يعني بشكل واضح أن هناك نية مبيته للقيام بتصرف وموقف ترفض الأردن القيام به، ويبدو أن السعودية وحكامها من آل سعود هم من سيقومون بهذا.
نعم لقد وافقوا على أن تكون القدس عاصمة إسرائيل الأبدية والموحدة، وبعد رمضان وفق أقوال كوشنير ستأتي التفاصيل، ويبدو أن أحدها هو الموقف من المسجد الأقصى المبارك والذي علينا أن لا نتفاجأ من أي خطوة سيعلن عنها (خادم الحرمين والأقصى!!!).
للتذكير فإنه في العام 1936 وخلال زيارة الأمير السعودي سعود بن عبد العزيز للقدس الشريف فقد خاطبه الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود قائلًا:

يا ذا الأمير أمام عينك شاعر ضجت على الشكوى المريرة أضلعه
المسجد الاقصى أجئت تزوره أم جئت من قبل الضياع تودعه؟!

إنه الحدس وإنها القراءة السليمة لسلوك آل سعود، وقد أدرك من خلالها الشاعر عبد الرحيم محمود بل وشم رائحة التواطؤ، فكان تضييع غربي القدس عام 1948 ثم شرقي القدس عام 1967 وها هم يستكملون مشوار التضييع والتفريط بالمسجد الاقصى في العام 2019.

# وماذا مع هولوكوست ومحرقة غزة
وليس بمعزل عن لافتة بئر عثمان وأنها كانت ليهودي، وعن التعريف الجديد للملك سلمان بأنه خادم الحرمين والأقصى، فإنه التصريح الرسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية على صفحتها الرسمية تعلن فيه على لسان الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي السعودي محمد بن عبد الكريم العيسى أن وفدًا يهوديًا إسرائيليًا، مع التشديد أنه ليس يهوديًا من أمريكا فقط وإنما من إسرائيل كذلك سيقوم بزيارة السعودية في الشهر الأول من العام2020، وأن العيسى هذا قد أعلن انه يعتزم زيارة معسكر أوشفيتس في بولندا لإثبات تضامنه ضد الهولوكوست.
ومما يجدر ذكره أن الوفد اليهودي سيكون برئاسة “دافيد هاريس” رئيس الوكالة اليهودية التي قال عنه بيرس أنه وزير خارجية الشعب اليهودي وهو من المعروفين بدعوتهم لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وشطب حق العودة وتوطين الفلسطينيين حيث هم مع التعويض لهم.
هل هذه صدفة أم أن الشيخ العيسى هذا تصرف بمفرده مع أن رابطته هي مؤسسة تابعة للدولة السعودية. هكذا كان يقال عن اللواء ماجد عشقي صاحب الزيارات الشهيرة لتل ابيب وهو ضابط استخبارات سعودي سابق، أم أن كل هذا إنما يصب في وجهة وسياسة السعودية للمرحلة القريبة؟!
أليس غريبًا أن السعودية تستقبل وفودًا يهودية من إسرائيل، بينما هي تمنع علماء وشيوخ أفاضل مثل الشيخ القرضاوي وغيره من دخول أراضيها، بل إنها تعلن عنهم إرهابيين في قائمة تضم خيار أهل الأرض في هذا الزمان. أليس غريبًا أن السعودية ورجالاتها في منظمة رابطة العالم الإسلامي يمدون الجسور مع اليهود ومع الإسرائيليين، بينما هم يقاطعون ويحاصرون شعبًا جارًا لهم في قطر، ويرتكبون المجازر في اليمن، ويعبثون ويزوّدون بالسلاح حفتر وهو يذبح الشعب الليبي، ويتأمرون ضد الشعب السوداني، كما فعلوا ذلك مع الشعب السوري وكما يوكلون السيسي بحصار غزة، بل إنهم ينخرسون أمام الهولوكوست وحرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل في غزة بما لا يقل عن الهولوكوست والمحرقة التي ارتكبها الألمان بحق اليهود. فمن يكون هؤلاء يا ترى؟!
إن الأيام حبالى، وإن ما يرشح وما يظهر من سياسات آل سعود ليؤكد على الانحراف الخطير في بوصلة هؤلاء وأن حديث نتنياهو عن اتصالات معهم ليؤكد أن ما خفي أعظم وأن هؤلاء سيقدمون على خطوات غير مسبوقة في المواقف السياسية مثلما سبقوها بخطوات غير مسبوقة في علمنة المجتمع السعودي وخلق كل الظروف لإحداث انقلاب أخلاقي وفكري وثقافي وديني داخل المجتمع السعودي.
من يفعل كل هذا فليس غريبًا ولا مستهجنًا أن يكون له مواقف غير عادية بحق المسجد الأقصى بعد إذ تقمص شخصية أنه خادمه، وبعد إذ بدأ يمارس بعض سياسات ومواقف توحي بالقابلية لسلوك هذه المواقف غير العادية.
وعليه فإن سلمان وابنه محمد وكل من يسير على طريقه لن يكون يومًا من الأيام خادم المسجد الأقصى، وإنما هو خائن المسجد الأقصى والمتآمر عليه.

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى