أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الاحتلال الاسرائيلي والمقاومة

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

الصراع القائم بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية له امتداداته التاريخية وله امتداداته المستقبلية كما له امتداداته الراهنة. وتتجلى هذه الامتدادات في جولات هذا الصراع التي بدأت قبل قيام الدولة ومرت بتعرجات شديدة الوعورة والمأساوية كان من آثارها على سبيل المثال لا الحصر نكبة الشعب الفلسطيني وقضم حقوقه عبر تسلسل زمني تعمدته قوى اقليمية ودولية وشاركت فيه قوى فلسطينية خاصة في العقود الاخيرة.
أنَّ رصدا لتاريخ هذا الصراع يومئ أنَّ أشد فترات الصراع هي التي نشهدها هي العقود الثلاثة الاخيرة وتحديدا في العقد الاخير حيث تدور معركة حامية الوطيس على اكثر من جبهة وجهة ونوع من المعارك بين المقاومة ذات النزعة الاسلامية والاحتلال الاسرائيلي.
تاريخيا سجلت المقاومة الاسلامية نقاطا هامة في صراعها مع الاحتلال الاسرائيلي وباتت رقما صعبا لا يمكن للأسرة الدولية وأشد الدول تأييدا لإسرائيل تجاوز حقيقة هذه المقاومة، ولعلي هنا اشير الى تلكم التسريبات التي نشرتها بعض الصحف الاسرائيلية والاوربية عن ما يسمى صفقة القرن والتي تتحدث في تضاعيف تلكم الصفقة عن حركة حماس كرديف لمنظمة التحرير الفلسطينية وعن نزع سلاحها كاشتراط اساس لإتمام هذه الصفقة وهو ما يشير الى اعتراف امريكي وإسرائيلي بهذه الحركة التي ما زالا يوصمانها بالإرهاب ولحقهما في ذلك عدد من الدول العربية المذدنبة أمريكيا واسرائيليا، وهو ما يؤكد حجم تأثيرها في محور الصراع القائم على أرض فلسطين ” الانتدابية “.

أدوات جديدة في الصراع وتفكير خارج الصندوق..

من الواضح جدا ان المقاومة في قطاع غزة تستفيد من تجارب حركات التحرر العالمية وقد تجاوزت حساسية نزعتها “الدينية” في استلهام تجارب حركات تحرر آمنت بفكر وايديولوجيا مختلفة إذ القاعدة عندها كما يبدو ان الحكمة ضالة المقاوم أنى وجدها فهو اولى الناس بها وواضح ان المقاومة تستفيد من تجاربها الذاتية وخبرات الاخرين وحتى من الاحتلال الاسرائيلي نفسه وأدوات تفكيره وهذا ما يمكن لمسه في هذه الجولة ومن الواضح ان اية جولة قادمة ستسير على نفس الايقاع ولكن بأدوات أكثر تطورا يمكن أن تفاجئ المراقب الاستراتيجي والمستشرف على حد سواء.
تتعرج انحناءات هذا الصراع بين الطرفين وتستعمل كافة الأدوات التي تمتلكها الأطراف المتصارعة مع وجود ترسانة عقدية يعتمدها كل طرف لتحقيق صِدقية الصراع وتبريره مجتمعيا وأخلاقيا، ولذلك يتم من الطرفين استحضار التاريخ والدين وادلجتهما لصالحهما كل وفقا لرؤيته وتصوراته. نحن امام تطور مستمر بالأدوات تتكشف تباعا لتوضح أنَّ الصراع الدائر بين الطرفين حامي الوطيس وما نعلم عنه الا قليل، إذ يبدو أنَّ َ كافة العلوم الانسانية حاضرة في هذه الحروب “المتقطعة” والمشكلة حالة مخبرية نادرة، كالعلوم السياسية والعلوم الاجتماعية والتاريخ والاعلام وعلم قياسات الرأي كعلم النفس السياسي وعلم النفس الاجتماعي وعلم النفس المرتبط بالأداء العسكري وعلم الإحصاء وعلوم تضاريس الأرض والجغرافيا السياسية والبشرية وعلوم الكيمياء والفيزياء والرياضيات وعلوم الحاسوب وعلوم الاستشراف وعلوم التكنولوجيا وعلوم السايبر، كلها وأكثر منها يستعمل كأدوات مساعدة بل وفي احايين عديدة كأدوات حاسمة في هذا الصراع. ولتبيان جانب مما ذهبت اليه نستشهد بتدمير الاحتلال لبناية “الخزندار” في القطاع- بناء على ما ذكرته العديد من وسائل الاعلام المحلية والدولية – كان تحت ذريعة أنَّ هذه العمارة تُستخدم من طرف قراصنة المعلومات التابعين لحركة حماس لشن هجمات الكترونية على اهداف إسرائيلية، وبذلك يكون هذا الاعتداء العسكري الاول من نوعه عالميا في أتون الصراعات القائمة بين المتصارعين عموما وبين حركة تحرر واحتلال يعتبر نفسه متقدم في عالمي الهايتك والسايبر، وتكون بذلك حروب السايبر التي طالما قرأنا عنها وسمعنا عنها ماثلة امامنا في هذه الحرب- حرب اليومين- وهذا أول رد عسكري في العالم على هجوم سايبراني وبذلك تدخل حركة حماس التاريخ من اوسع ابوابه في مسألتي الحرب السايبرانية من جهة وامتلاكها كحركة تقنيات وعلوم تتعلق بعالمي علوم الحاسوب والسايبر، وامتلاكها قوة دفعت الاحتلال لاستعمال طائراته لتدمير مبنى يشكل بناء على ما ذَكِر هدفا عسكريا وبذلك نكون “عالميا” امام اول هجوم عسكري تقليدي على موقع مدني يستعمل التقنيات الالكترونية لتحقيق هجمات “مدنية ذات طابع امني” تخترق الجهاز ين العسكري والمدني الاسرائيلي.
لقد كان رد اسرائيل الفوري كما اشارت العديد من التقارير الاعلامية على هذه الهجمات السايبرية مؤشر الى حجم الحرج الذي دخلته اسرائيل كدولة تعتبر نفسها مالكة زمام هذا الفن وهذه الصنعة ودخول تنظيم سياسي-عسكري على خط هذا الفن وهذه الصنعة تصعيد في ادوات الصراع وجعله أكثر خطورة أذ الامر يتعلق بمداميك الحياة اليومية والامنية والعسكرية وهذا الامر يبين ان الطرفين يرقبان بعضهما البعض كما يشير الى تطور لافت في ادوات الحرب والصراع ويعتبر في جوهره اعتراف اسرائيلي ضمني بقدرات حركة حماس السايبرية.
في هذا الصراع يرصد كل طرف الطرف الاخر فيستمع الى نشرات الاخبار والى كافة الاذاعات ويخترق معظم الهواتف النقالة الذكية لعلية المجتمع ويرصد ويحلل كل واحد منهم الاخر ويجتهد كما يبدو قراءة التأثيرات المتحصلة من هذه الحرب وتداعياتها على القيادات السياسية من جهة وعلى المجتمع من جهة ثانية وعلى صُناع القرار من جهة ثالثة ويرصد الطرفان كيف تؤثر الاحداث الجارية في المجتمعين على صُناع القرار واتخاذهم القرارات السياسية والعسكرية.
لقد بات مثلا عدد القتلى والجرحى وعدد المنازل المهدمة وعدد المُرَحَلين والفارين من العوامل المؤثرة على قيادات الطرفين ويدخل في معادلات الصراع لتحقيق مبادئ الانكفاء والردع والحسم من جهة وسبل التواصل عبر وكلاء من جهة اخرى وفي تصوري إذا استمرت هذه السياسات فلن يطول اليوم الذي سيجلس فيه الطرفان للمفاوضات تحت فوهات البنادق والحرب المستعرة على أكثر من صعيد ودائرة اذ لطالما كانت الحرب أداة من ادوات السياسية لتحقيق أهداف سياسية أو استراتيجية لصالح فريق على حساب الاخر.
من الواضح ان الحرب الدائرة بين الطرفين والتي كلما خفتت وهمدت نيرانها عادت واندلعت يحافظ فيها الطرفان على نار هادئة فلا الاحتلال الاسرائيلي معني باحتلال القطاع لما يحمله من تداعيات ستهز المجتمع الاسرائيلي وحقليه السياسي والعسكري هزا ولا المقاومة معنية بتصعيد يرقى الى هجوم اسرائيلي بالطائرات يحيل مناطق بأكملها قاعا صفصفا ويُخلف الالاف من الشهداء والجرحى في مجتمع احوج ما يحتاجه القليل من الراحة والمدد المادي ليستعين به في حركة الحياة.
الملفت للنظر كذلك في هذه الحرب “المتقطعة” أنها في تصاعد مستمر بحيث يجرب كل طرف آخر ما أبدعته صناعاتهم العسكرية واللوجستية وهم في هذا الخضم يبدو أنهم مستمرون بتطوير أدواتهم في الصراع وتجويدها خاصة المقاومة في القطاع وتحديدا الكتائب التابعة لحركتي حماس والجهاد الاسلامي وقد كشفت المواجهات الاخيرة بعضا مما ذكرت.
ثمة بعد أخر ثاو في هذه المواجهات “التكتيكية” يتجلى في رد الفعل المقاوم السريع والمتناسق والمستهدف للعنصر المدني فبعد ان باتت اسرائيل لا تملك اية حل استراتيجي للقطاع وبعد ان ثبت بالمشاهدة والمتابعة انها تستهدف المدنيين كرهينة لكسر شوكة المقاومة ارتدت هذه المعادلة على الاحتلال وبالا وثبت في متابعات هذه الحرب ان بوسع المقاومة استهداف المدنيين بالمثل بل وجعل مدن كاملة رهينة بيدها لا يستطيع الجيش فعل شيء يذكر مما سيؤدي مستقبلا الى تفكير اكثر عمقا على الاقل لدى الطرف المالك للاوراق أي الاحتلال للخروج من هذا المأزق فالمجتمع الاسرائيلي لا يحتمل حربا كالتي جرت ويبدو ان نموذج اشكلون” عسقلان” قد نجح وبقوة وهو ما سيجعل المؤسستين العسكرية والامنية تفكران مليا في أي حرب قادمة بحجم الخسائر التي من الممكن تكبدها اذ اثبتت هذه الحرب المصغرة أنَّ الطرفين يملكان القدرة على جعل المدنيين رهائن مع الفارق التدميري بينهما، لكنَّ التعامل مع العنصر البشري لا يبنى على الحسابات المجرة فحسب من حيث عدد القتلى والجرحى بل يبنى على ما هو اهم بكثير مستوى التحمل لدى هذه المجموعات السكنية وكلما كانت هذه المجموعات مالكة لما يمكن الخوف عليه كلما كان صبرها على التحمل أقل وهذا من اسس تحقيق معاني الردع
أنَّ مساعي الطرفين لجعل العنصر المدني رهينة في الحرب ومن ثم قراءة تداعيات هذا التصرف على المجتمع وتأثيراته على صُناع القرار كان واضحا في هذه الحرب. ففي حين يتعمد الاحتلال قصف المدنيين وتدمير بيوتهم ومساكنهم وتدمير مرافق حياتية ومجتمعية إمعانا في أذلال المجتمع والمقاومة وجعل الاخيرة تفكر في الاثمان التي ستدفع جراء سياساتها ، شاهدنا تطورا نوعيا من طرف المقاومة في هذا السياق أذ قابلت الاحتلال بنفس العملة مع الفارق الواضح بين أمكانيات الطرفين وبدت تصريحات الجانب الاسرائيلي حول ترك اعداد كبيرة من الساكنة من الاسرائيليين في غلاف غزة ومدن الجنوب التي تعرضت للقصف الصاروخي كاشفة لحجم الخلل والضعف الذي يعتور هذا المجتمع ولم يجد نفعا الدفع الاعلامي لبقاء تلكم الاسر في بيوتها فهم في نهاية المطاف بشر أول ما سيفكرون فيه انقاذ عوائلهم وانفسهم وتلك سجية بني البشر وبذلك نجحت المقاومة في تدمير اسطورة ” الاسرائيلي ” الذي لا يقهر أذ لطالما سعى الاعلام الاسرائيلي تصوير هذا الاسرائيلي على انه ” السوبرمان الطلائعي” الذي لا يتأثر ويملك الاستعداد المادي والنفسي والروحي ( لاحظ تحت أي مظلة تمت احتفالات الاستقلال اول امس ) للتضحية دون تردد وبكل ما يملك ،وهذا ما كذبته الحرب الاخيرة… هذه الحقيقة تدفع الى طرح سؤال يشكل نقطة تحول استراتيجية- في تصوري- في مستقبل العلاقة بين الطرفين يوم تحقق المقاومة إمكانياتها في حيازة سلاح نوعي يقاوم الطيران الاسرائيلي خاصة وأننا أمام دالة تصاعدية تؤكد أن المقاومة تتطور بسرعة فائقة فاجأت الجميع…ويمكننا بناء على ذلك أنْ نستشرف مستقبل الصراع بناء على هذه الحيثية.

الخبرات المضادة والبعد الكوني
وكما أنّ الجيش الاسرائيلي يستعين بعديد الخبرات الإسرائيلية والدولية لتطوير أدواته القتالية فمن الواضح لأن المقاومة تقوم بنفس العمل مما يعني أنَّ الصراع القائم بينهما يحمل بشكل غير لافت أبعادا كونية تتجاوز مساحات الدول والاقطار لتتأسس حالة سائلة من الصراع بين حركة تحرر وطني وبين احتلال محمي دوليا وعربيا ، وفي هذه الحيثية يكون هذا الصراع ذا فرادة لا تجده في أي صراع بين حركة تحرر واحتلال يدفعنا مجددا لقراءة تاريخ هذه المنطقة والعودة الى عصر الحروب الصليبية والتتارية والادوات التي استعملتها الممالك الصليبية لتثبيت وجودها في منطقتنا سواء كانت من خلف البحار او من العملاء اومن الامارات العربية التي كانت منتشرة في تلكم الحقبة من التاريخ.
كما ان الاحتلال الاسرائيلي له دوائره الاقليمية ( لاحظ ما صدر عن عديد الاعلاميين الخليجيين خاصة من السعودية وموقفهم المتضامن مع الاحتلال والشامت والمستهزئ بالمقاومة ) والدولية والعالمية التي تحميه وتدعمه (لاحظ مثلا تصريحات ترامب ووزير خارجية ألمانيا وما صدر عن مبعوث الأمم المتحدة من دعم مباشر للاعتداءات الاسرائيلية وتنديد بالمقاومة)، فكذلك للمقاومة دوائرها الاقليمية والدولية والعالمية مع اختلاف اساسي يتمثل في ان الشعوب هي التي تقف الى جانب المقاومة مع بعض الدول المتضامنة معها والتي ليس بالضرورة ان تكون عربية او اسلامية وبذلك تتخلق صيرورة دولية تضع مداميكها المقاومة في القطاع تؤسس لحالة كونية قادمة تزايل الانظمة المستبدة وان تزيت بالديموقراطية محليا- على مستوى شعوبها- وتغولت في دماء شعوب المنطقة كالحالة الفرنسية والامريكية والروسية والبريطانية بدأت ملامحها تتجلى عيانا في عديد دول العالم بين الانظمة والشعوب حتى تلكم التي عُرِفَت تاريخيا بموالاتها للاحتلال الاسرائيلي ولعل اوضح مثال على ما أذهب أليه التحولات الجارية في الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا على المستويين الشعبي والاكاديمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى