أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

فلا العنقاء يمكن أن تُصادا.. ولا الإسلام يمكن أن يُبادا

الشيخ كمال خطيب
كثيرًا ما قرأنا عن الطائر الأسطوري والخرافي “العنقاء” الذي ورد ذكره في قصص ألف ليلة وليلة. ذلك الطائر الذي يجمع بين القوة والجمال، وهو الطائر الذي لا يستطيع أحد أبدًا أن ينال منه أو أن يصطاده. وإنه كذلك لا يموت موتًا طبيعيًا، بل إنه وعند انتهاء حياته فإن نارًا تشتعل فيه ويحترق ثم ما يلبث من بين رماده أن يخرج طائر عنقاء آخر، وذلك اشتهر القول “العنقاء تقوم من تحت الرماد”.
ليس عن طائر العنقاء أريد الحديث، ولا عن الأساطير والخرافات، وإنما عن الإسلام عن الحقائق والثوابت واليقين، عن دين الله الخالد، عن نور الله الذي لا ينطفئ، عن صوت الحق الذي لا يغيب، عن وعد الله لا يخلف أبدًا.
نعم ليس عن الماضي نتحدث وإنما عن المستقبل، ليس عن المجد الذي ضاع وإنما عن المجد الذي سنصنعه، وليس عن السلف الذين رحلوا إنما عن الخلف القادمون.
لقد تعرض الإسلام خلال مسيرته من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا إلى صنوف من الكيد والعداء السافر ومحاولات الاستئصال. كان هذا من كفار العرب وكان هذا من الفرس والروم والصليبيين والتتار، ثم من الاستعمار بأنواعه الإنجليزي والفرنسي والطلياني.
وهو الإسلام اليوم يتعرض لنفس المحاولات من الروس والأمريكان ومن منافقي العرب عملاء الغرب والشرق ومن المشروع الصهيوني. كل هؤلاء وإن اختلفت أهواؤهم، إلا أنه يوجد إجماع بينهم والتقاء على حرب الإسلام والمسلمين {أِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} آية 36 سورة الأنفال.
صحيح أن الإسلام في هذا الزمان بعد إذ تكالب عليه الأعداء وتآمر عليه المتآمرون ممن ينتسبون إليه، وإذا به بعد القوة قد اعتراه الضعف، وبعد العزة لحق بأبنائه الذل، وبعد الوحدة الإسلامية الجامعة فإنها الفرقة والشتات والعصبيات الوطنية والقومية والمذهبية. إنه الإسلام الذي أصبح كأنه الطائر المكسور الجناح الغير قادر على التحليق، وإذا به يتحول إلى فريسة للكلاب والضباع والذئاب، وصدق في وصفه قول الشاعر:
إني تـذكرت والذكرى مؤرقة مجداً تليداً بأيدينا أضعناه
ويح العروبة كان الكون مسرحها فأصبحت تتوارى في زواياه
أنّى اتجهت إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوصاً جناحاه
كم صرّفتنا يدٌ كنا نُصرّفها وبات يحكمنا شعب ملكناه
لكن ولأننا على يقين أن ما يمر به الإسلام في هذه المرحلة ليست إلا حالة مرضية عابرة يوشك الإسلام أن يتعافى منها، وأنها سحابة صيف توشك أن تنقشع، وأنها ظاهرة كسوف للشمس توشك أن تعبر وتعود للشمس اشراقتها ونورها الساطع. إنه الإسلام نور الله تعالى الذي لن يستطيع أقزام الأرض أيًا كانوا أن يطفئوه، إنهم يحاولون ذلك مثل الصبيان الذين ينفخون لإطفاء وهج الشمس أو ينشرون الغبار ليحجبوا أنوارها، ولكن أنّا لهم ذلك والله تعالى يقول {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} آية 8 سورة الصف.
كثيرون هم الذين أرادوا أن يجربوا حظهم في القضاء على الإسلام ولكنهم رحلوا وبقي الإسلام، بل إنه الإسلام كان دائمًا مثل الذهب كلما ازداد وهج النار حوله كلما ازداد صفاء، ونفث الحنث والزيف الذي فيه، وعاد إليه وهجه وبريقه.
كثيرون هم الذين شيّعوا الإسلام إلى مثواه الأخير وقالوا إنها الضربة القاضية وجهوها إليه في مقتل، وإذا بالإسلام سرعان ما يعود قويًا بل أقوى مما كان. حدث هذا بعد حروب الردة، وحدث هذا بعد حملات الصليبيين، وحدث هذا بعد غزو التتار ودمار بغداد، وحدث هذا بعد الخروج من الأندلس وحدث هذا بعد سقوط الخلافة الإسلامية عام 1923م.
ها هو الإسلام مثل المارد العملاق ومثل الموج الهادر. إنه الإسلام يدرك أعداؤه قبل أبنائه أنه المارد الذي بدأ يتململ والبركان الذي بدأ ينفث حممه على أهل الباطل.
إنه الإسلام القادم بغير ما توقع كارهوه، وعلى غير ما أراد منافقوه، إنه الإسلام القادم كما قال فضيلة الشيخ القرضاوي:
فأمّلوا وأبشروا.. يا أيها المضيّعون.. والمُحطمون.
وهللوا وكبروا يا مؤمنون
فالفجر لاح
والديك صاح
والعطر عطر الحق فاح
والنهار قادم والمسلمون قادمون
فقل لأنصار الظلام: ما لكم لا تعقلون؟!!!.
من ذا يؤخر النهار؟!
من يصارع الأقدار؟!
من يعاند القهار؟!
من يناطح المريخ؟!
من يوقف التاريخ؟!
إلا بلهاء يجهلون.. أو صغارٌ يعبثون
فليتهم يفكرون ساعة ويصدقون
ليعلموا علم اليقين: إننا قادمون.
أجل.. أجل.. المسلمون قادمون.
لقد غادر البلبل الحديقة فما عليه لو عاش فيها البوم
إنه المثل الشعبي يردده وتعرفه الشعوب الناطقة بالأوردية الباكستان، الهند وبنغلاديش وغيرها.
دائمًا وأبدًا كان يراد للأمة أن تُنكب في قادتها وفي علمائها، حتى إذا شغرت تلك المواقع من الشرفاء والصادقين والخيّرين أشغلها العملاء والجهلاء والجبناء والانتهازيون.
لقد حرص أعداؤنا بكل إمكانياتهم أن يتصدر المشهد الرويبضات والمتردية والنطيحة من الزعماء، من الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: “إنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ سِنِينَ خَدَّاعَةً، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ”.
لقد غادرت البلابل الحديقة وزج بها في السجن في مصر فلماذا وماذا عليه لو نعق فيها الغراب وعشعش فيها البوم، وترأس مصر السيسي الانقلابي، بينما محمد مرسي الرئيس الشرعي وعالم الفيزياء النبيه وحافظ القرآن التقي والإنسان المتواضع في السجن يعاني الإهانة والإذلال.
لقد غادرت البلابل الحديقة في بلاد الحجاز وماذا عليه لو نعق فيها البوم. لقد زج بها في السجن بالشيخ الفاضل سلمان العودة والعالم الجليل ناصر العمر وسفر الحوالي وغيرهم، وما عاد يخطب في منابرها إلا أمثال أولئك الذين راحوا يكيلون المديح لترامب، العاهر الماجن، ولمحمد بن سلمان المجرم القاتل والإباحي المارق.
لقد غادرت البلابل الحديقة في الشام وشرد أهلها، حيث قريبًا من نصف سكانها إما لاجئ خارج الوطن أو نازح في داخله، وما عادت تغرد بلابل الشام إلا ألحان الحزن والألم على فقدان الأهل وخراب البيوت والمدن. غادرت البلابل الحدائق والبساتين في غوطة دمشق الغناء وما عاد ينعق فيها إلا بوم إيران وغربانها من العمائم السوداء التي هاجرت من بلاد بعيدة لتسكن أطلال مدن سوريا وخراباتها.
وفي كل أرجاء الوطن العربي وبلاد المسلمين، فإنها بلابل الحديقة قد هاجرت أو هُجّرت، سكتت أو أُسكتت وما عادت تغني، وإذا بتلك الحديقة تصبح ملاذًا ومسكنًا للمنافقين والانتهازيين من أدعياء العلم الشرعي ومن الإعلاميين من أبواق أنظمة العار والفساد يملؤون فضاء بلادنا وقد احتكروا الشاشات والمنابر يتطاولون بألسنتهم على شرفاء الأمة وأخيارها وصدق الشاعر يقول إذ يقول:
إذا ما الفسق حلّ بأرض قوم رأيت أسودها مُسخت قرودا.
أنت المحرك وأنت المكبح

إنها جولات الصراع بين الحق وبين الباطل، بين الخير وبين الشر، بين الإسلام وبين أعدائه وإن اختلفت أسماؤهم وراياتهم. وإنهم أعداء الإسلام يغتنمون كل فرصة لطعننا في صدورنا وإسالة دمائنا. وفي مثل هذا الظرف يكون الوفاء ويبرز صدق الانتماء، ليسأل كل منا نفسه إن لم أكن أنا وأنت للإسلام فمن يكون؟
إنه الإسلام ينادي أبناءه ليردوا عنه الهجمة ويدفعوا عنه النقمة، ويقدموا في سبيله كل غالٍ وكل نفيس، فما على الواحد منا نحن أبناء الإسلام إلا أن نقول لبيك لبيك يا إسلام، ولسان حالنا نردد ما كان يقوله عنترة الشاعر الجاهلي وهو يقول:
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
إنه الواجب وإنه الشرف في نفس الوقت تناله وأنت تؤدي دور من يخدم الإسلام وينصره، ومن يؤدي دور الدينامو والمحرك الذي يدفعه إلى الأمام. نعم لتكن أنت هذا المحرك للخير والفضيلة وللحق، ولتعلم ولتتذكر أن هذا من فضل الله عليك أنه يستخدمك لنصرة دينه، ثم لتعلم ولتتذكر أن عجلة الإسلام وقطار الدين يمضي سريعًا إلى الأمام بك وبغيرك، بي وبدوني ولكنه فضل الله وكرمه أن يجعل لي ولك نصيبًا في دفع هذه العجلة، وأن نكون حلقة أو قطعة صغيرة في هذا الدينامو الذي يمد الإسلام بأسباب القوة والاندفاع.
وفي الوقت الذي تؤدي فيه دور الدينامو والمحرك الذي يساهم في دفع عجلة الإسلام إلى الأمام، فأنت مكلف كذلك بأن تؤدي دور المكبح والفرامل التي توقف اندفاعة الباطل وتعيق سير زحوف الشر التي تزحف تبغي بالإسلام مكرًا وشرًا.
نعم يا ابن الإسلام أنت لست بالخيار، وأنت تقبل لنفسك أن تقف كالمتفرج على مدرج حلبة مصارعة بين الإسلام وبين أعدائه، بين الحق والباطل. إنها اللامبالاة بل إنه التبلد أن يتساوى في نظرك الإسلام وأعداؤه، أو أن تصفق وتهتف لمن يسدد الضربة القاضية لخصمه، إنني أعيذك أن تكون كذلك.
وما أشد أسفك وندمك بل واحتقارك لنفسك وأنت بعدها ترى الإسلام منتصرًا بإذن الله، لتدرك مقدار تقصيرك بل عظيم تقريعك وعتابك لنفسك كيف أنك لم تحظ بشرف المساهمة في هذا النصر الأكيد بإذن الله تعالى.
نعم والله إنني لأكاد أراها بيارق النصر ورايات الحق تخفق، وأصوات التكبير تدوي. إنني والله لكأني أراها زحوف الإسلام تملأ فضاء هذا الكون تزيل عنه آثار الباطل ومفاسده. فاختر أين ستكون هل في قافلة الخير أو قافلة الشرّ، هل في مواكب الحق أم مواكب الباطل، هل ستكون محركًا للإسلام أم محركًا ودينامو للباطل، هل ستكون مكبحًا وفرامل في وجه الباطل أم ستكون مكبحًا وفرامل وعائقًا في وجه زحف الإسلام؟!!!
إنه الإسلام، ينفض عنه غبار السنين ومثالب الأيام، إنه الإسلام يطوي صفحات العجز والضعف ويفتح اسعار المجد وسجلات الفخار بإذن الله تعالى.
كما العنقاء أكبر أن تُصادا فإنه الإسلام أكبر أن يُبادا
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى