أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

متى نتحرر من لعنة النقد الأعور

د. أنس سليمان أحمد

أقصد بالنقد الأعور أن يعطي البعض منا حقه في النقد وأن يصادره من الآخرين، وكأن هؤلاء البعض هم الوحيدون الذين يجيدون أدب النقد، وكأنهم هم الوحيدون المتنورون المثقفون التقدميون المؤهلون لممارسة نقد الآخر!! وكأن غيرهم محرم عليه أن ينتقدهم مرة واحدة حتى لو انتقدوه ألف مرة، وكأن غيرهم سفيه لا يجيد أدب النقد، وكأن غيرهم ظلاميّ ومتخلف ورجعي وسطحي غير مؤهل أن ينتقدهم أو أن يشير إليهم بالنصيحة!! وهكذا يتحوّل هذا الآخر إلى متهم في حساباتهم إذا ما انتقدهم، وهكذا يعطون لأنفسهم الحق باتهامه أنه مشبوه أو متفلسف او متخاذل أو إنطوائي أو فئوي أو طائفي إذا ما انتقدهم!! ولكن في المقابل هم الوحيدون في نظر أنفسهم حملة الأقلام وذوو الفهم الخارق والعيون الثاقبة الذين يجوز لهم أن ينتقدوا الآخرين، باسم حرية النقد، وباسم أن حرية النقد هي حرية الكلمة، وحرية الكلمة هي المقدمة الأولى للديمقراطية!، ولذلك فإن البعض من هؤلاء البعض أعطى لنفسه الحق أن ينتقد بادعاء أنه يملك حرية النقد بلا حدود، وهذا ما بات يدفعه ان يتساءل عن وجود الله تعالى باسم النقد بلا حدود أو أن يطعن في الشريعة الإسلامية باسم النقد بلا حدود.

فهذه صحيفة الاتحاد على سبيل المثال لا يخلو عددها الذي يوزع كل يوم جمعة من الغمز واللمز بالإسلام – عقيدة وشريعة وأخلاقاً وتاريخاً- باسم النقد بلا حدود، وهذه عضو الكنيست سابقاً حنين زعبي لم تتردد ان تتهم المساجد بالتحريض على العنف ضد المرأة ثم لم تردد أن تطالب بفرض رقابة على المساجد باسم النقد بلا حدود، وهذا عضو الكنيست أيمن عودة لم يتردد أن يسخر من الحجاب الذي هو من أدب الإسلام، والذي هو زي السيدة مريم عليها السلام باسم النقد بلا حدود، ولكن ليت شعري لماذا يسارعون في المقابل إلى اتهام غيرهم بالتخوين أو التكفير إذا ما انتقدهم من منطلق نفس حق النقد الذي أعطوه لأنفسهم، ولماذا يتحول هذا المسكين إلى منبوذ من الصف الوطني – في حساباتهم- إذا ما انتقدهم؟! نعم لماذا هذا النقد الأعور الذي يعضّون عليه بنواجذهم، وهل يتوقعون أن تتحول جماهيرنا في الداخل الفلسطيني إلى مجرد طبقة مصفقين لهم ، وكأن هذه الجماهير طبقة المصفقين هي طبقة العمال وكأنهم في المقابل هم طبقة رأس المال وهم الطبقة البرجوازية في مقابل هذه الطبقة الكادحة طبقة العمال أو “البروليتاريا” كما يحلو لهم أن يرددوا هذا الاسم بألسنتهم أو بأقلامهم، ولذلك فإني أخشى أن تتبلور مع الأيام ظاهرة الطبقية السياسية بسبب هذا النقد الأعور، وكأن النقد حق محدود لبعض محدود فقط من جماهيرنا في الداخل، ولذلك كم تعجبت من عضو الكنيست السابق عن التجمع واصل طه عندما اتهم في قناة مكان الإسرائيلية بعض الأصوات التي دعت إلى مقاطعة انتخابات الكنيست أنها أصوات مشبوهة!! وكي لا أظلمه فقد قال في تلك القناة إن هناك أصوات أيدلوجية صادقة من مجتمعنا العربي في الداخل قد دعت إلى مقاطعة انتخابات الكنيست!!

ولكن عتبي على السيد واصل طه لما ندخل جماهيرنا في الداخل الفلسطيني في هذه البلبلة والتشكيك، لدرجة أن يبدأ البعض بالتساؤل: هل فلان الذي يدعو إلى مقاطعة انتخابات الكنيست هل هو صوت مشبوه أم صوت أيدلوجي صادق؟! لماذا لا نعتبر أن الأصل في جماهيرنا في الداخل الفلسطيني أنهم ثقات، وأنهم يملكون كامل الحق في حرية النقد!! ثم العجب كل العجب أن نكتشف أن عضو الكنيست سابقاً عن الجبهة عصام مخول كاد أن يخوّن على صفحته في مواقع التواصل من دعا إلى مقاطعة انتخابات الكنيست من جماهيرنا في الداخل الفلسطيني!! والسؤال الذي يُسأل: لما يا سيد عصام مخول؟! هل كانت هذه الجماهير واعية عندما دعمتك بأصواتها في انتخابات الكنيست ثم تحوّلت فجأة إلى مشكوك فيها عندما مارست حقها في النقد ودعت إلى مقاطعة انتخابات الكنيست؟

ثم العجب كل العجب أن الإعلامي عبد الإله المعلواني عندما كتب عن (الألعاب البهلوانية) التي وقعت في آخر ساعة من انتخابات الكنيست الأخيرة والتي أدّت إلى رفع نسبة التصويت فجأة هكذا بقدرة قادر من 26% إلى 45% و50% في كل من الناصرة وأم الفحم وغيرها من البلدات العربية، وهذه حقيقة، إلا أنه لما كتب عن هذه (الألعاب البهلوانية) في صفحته في مواقع التواصل اتصل به البعض وألحوا عليه وطالبوه أن يحذف ويشطب ما كتبه في صفحته عن (الألعاب البهلوانية)!! والسؤال لماذا؟! ألا يحق له أن يمارس حقه الصحفي كإعلامي؟! ألا يحق له أن يمارس حقه في النقد كانسان؟! متى نتحرر من لعنة النقد الأعور؟!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى