أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

من يقف وراء تفجيرات كولومبو؟… راهن الاقلية المسلمة في سريلانكا

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

لا ينتطح عنزان على أن التفجيرات التي ضربت العاصمة السريلانكية، واستهدفت عددا من الكنائس الكاثوليكية والفنادق، الاحد الماضي، هي عمل ارهابي لا مبرر له سوى ضرب الامن المجتمعي السريلانكي المهتز والمتوتر أصلا، وخلق حالة من الفوضى تعود بالفائدة على بعض المتنفذين والمستفيدين من وراء هذا العمل الاجرامي اذ من المعلوم ان كل فعل عنيف يستهدف السكان عادة ما يكون له اهداف سياسية واخرى اقتصادية، خاصة في بلد مثل سريلانكا ما زال يعيش حالة من الفتنة الطائفية بين الاغلبية البوذية والاقلية المسلمة من جهة، وتوتر شديد وملحوظ يُنذرُ بعودة التوتر الى مربعاته الأولى على الرغم من انتهاء الحرب الاهلية عمليا عام 2010 بين الاغلبية السهالية البوذية (المنتصرة) والاقلية التاميلية الهندوسية (المغلوبة/ المهزومة) من جهة أخرى.
وما زال هذا البلد يراغم الخروج من حرب أهلية استمرت اكثر من عقدين ونصف (عمليا عمرها اكثر من قرن ولكنها اندلعت على شكل حرب منظمة بين الاغلبية السهالية البوذية والاقلية التاميلية الهندوسية عام 1983 ووضعت أوزارها عام 2009 وتوقفت نهائيا عام 2010 واعلن الرئيس السريلانكي آنذاك انتصار بلاده على الارهاب واجتثاثه نهائيا بفضل اعلان الثوار التاميل الاستسلام بعد انهيار عناصر جيش تحرير التاميل اثر جهود دولية ودور مباشر للهند والصين)، وكان العام الماضي قد شهد أعمال عنف منظمة من طرف مجموعات بوذية متشددة، ضد المسلمين خاصة في العاصمة كولومبو، لاستقبالهم اخوانهم من الروهينغا الذين ذبحتهم الحكومة البوذية والعصابات البوذية المتطرفة في بورما، وكان لبعض رموز الحكومة السريلانكية من كبار الموظفين ومن رسميين، دور في تلكم الفتنة التي لا تزال آثارها قائمة الى هذه اللحظات.

راهن الاقلية الاسلامية السريلانكية

يعيش معظم سكان الاقلية المسلمة السريلانكية والتي تشكل 10% من مجموع السكان البالغ عددهم 22.4 مليون نسمة، في مناطق عديدة في البلاد خاصة العاصمة كولومبو ومنطقة كاندي السياحية التي تقع وسط جزر في المحيط الهندي المعروفة بزراعة الشاي المشهور، وتعتبر هذه المنطقة أكبر مصدر للشاي في العالم، وعلى هذه المنطقة يتم صراع نفوذ عالمي تشارك فيه دول عالمية واقليمية كالهند والصين وبريطانيا والامارات العربية المتحدة وهو ما يضع بعض من علامات السؤال حول تلكم التفجيرات وعلاقتها بصراعات النفوذ؟
تنتمي الغالبية العظمى من السكان الى المذهب الشافعي وتنتشر مئات المدارس الدينية التي تشرف عليها مؤسسات شرعية، بإشراف حكومي مباشر، ووصل عدد تلكم المدارس وفقا لإحصائيات عام 2106 الى 540 مدرسة، وفي السنوات الاخيرة أي منذ قرابة العقدين تغلغل الفكر السلفي الى تلكم البلاد، كما تغلغل الفكر الشيعي، وتمارس كلا من السعودية وإيران أدوارا شتى لبث عقائدها الشيعية والسلفية (السلفية الجامية والسلفية المدخلية)، وواضح في السنوات الاخيرة ان لإيران دور كبير في مساعيها لتشييع المسلمين، ووفقا لمركز دراسات العقائد الشيعية فان عملية التشيع في تلكم البلاد تمر في صعوبات شتى تماما كما أن تسليف الشارع الاسلامي السيريلانكي يمر في صعوبات مماثلة .
تاريخيا لم يكن المسلمون في سريلانكا طرفا في الصراع الطائفي بين المجموعتين العرقيتين السهالا والتي تشكل 70% من تعداد السكان وتتمتع بنمو كبير وصلات أورو- هندية- صينية واسعة، والتاميل الذين يشكلون 13% من تعداد السكان، فيما يشكل المسلمون وفقا لبعض المصادر 11%من تعداد السكان والباقي أي 6% من الطائفة المسيحية الكاثوليكية.
شكل المسلمون لسان ميزان بين تلكم الاطراف المتناحرة وسعت المجموعة المسلمة لحلحلة الاوضاع في البلاد لصالح العيش المشترك بفضل حضورهم المميز والكبير في تلكم البلاد وبسبب وقوفهم على الحياد في تلكم الحرب الأهلية المدمرة ومساعيهم التي لم تتوقف لوقف هذه الحرب واستنزافها لخيرات البلاد وقد راح ضحيتها اكثر من 100 الف قتيل واكثر من 500 الف جريح واكثر من 2 مليون مشرد، ويشهد لقياداتهم بدورهم الكبير في حل النزاعات بين الاطراف المتحاربة بيدَّ ان المصالح الدولية والاقليمية وانتشار التطرف القومي الديني البوذي في السنوات الاخيرة في سريلانكا وتولي شخصيات بوذية متطرفة مناصب عليا في الدولة وانتشار الفساد بين اذرع تلكم السلطة وتداخل الاطراف المتشددة مع عديد القيادات السياسية الناظمة للشأن السريلانكي المحلي، دفع نحو صدام مباشر مع المجموعات العرقية الثلاث، ولكن بأشكال متفاوتة أي مع العرق التاميلي الهندوسي والاقلية المسلمة والاقلية المسيحية. بيدَّ أن شرر استهداف الاقلية المسلمة بدأ عام 2014 في العاصمة، وفي مركز ثقلهم البشري منطقة كاندي، واتهمت السلطات السيريلانكية عددا من المسلمين عام 2016 بانضمامهم الى تنظيم الدولة وزعمت أطراف حكومية ان تنظيم الدولة يتغلغل في صفوف الشباب المسلم السريلانكي، مما يعني ان المخابرات السريلانكية تتابع وتراقب كما حال كل مخابرات الارض اليوم هذا التنظيم وتتبعه، مما يضع علامات سؤال كبرى حول هذه التفجيرات وشبكة العلاقات التي تحدثت عنها اجهزة تلكم الدولة وهل لها علاقة بالمال الدولي والنفوذ ومساعي السيطرة على تلكم المنطقة الاستراتيجية سياحيا وزراعيا.

المسلمون بين فكي كماشة التطرف
مع تمدد “الدولة الإسلامية” التابعة لتنظيم الدولة عام 2014 وازدياد اعمال العنف المؤسس والمنظم ضد المسلمين في تلكم البلاد وسط صمت عربي واسلامي ودولي وجد العديد من الشباب المسلم ضالته في تنظيم الدولة- كما زعمت اجهزة تلكم الدولة- كتنظيم يتمتع بسيولة تنظيمية وفكرية تتجاوز الحدود ويبشر بعالمية اسلامية وفقا لمبدأ ومعتقد عالمي ينهي الظلم النازل على المسلمين ويعيد الاعتبار للمنظومة الاسلامية العالمية.
هذا التنظيم مني بخسائر تترا في منطقتي الرافدين والشام وانتهت دولته في الموصل ودير الزور بأكبر جريمة حرب في العصر الحديث ارتكبتها الاسرة الدولية بقيادة الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي وشراكة عربية كاملة بحق سكان تلكم المدينتين وضواحيهما، مما دفع من تبقى من هذا التنظيم لتأكيد نظرياته في السيولة الفكرية والتنظيمية والتي فيما يبدو حط بعض من رحالها سريلانكا وعدد اخر من دول العالم.
في ظل المظلومية التي يعاني منها المسلمون عالميا ومن ضمنها سريلانكا وبسبب التكالب الاممي الرسمي على المسلمين ويشارك في ذلك عدد كبير من زعامات العالمين العربي والإسلامي، تشكلت تنظيمات اسلامية كردود فعل على هذا الظلم النازل عليهم كان من ضمنها تشكيل تنظيم اسلامي يحمل فكر تنظيم الدولة في سريلانكا وقد جاء تشكيله كرد فعل مباشر للتطرف البوذي، علما ان اعداد المنتمين لهذا التنظيم وفقا لمصادر حكومية ودراسات تعنى بمتابعة حركة هذا التنظيم دوليا عددهم محدود جدا وتشير بعض تلكم الدراسات ان دخول السلفية الجهادية على الخط بدأ عام 2104 مع تنامي تيار البوذية المتطرفة المدعوم حكوميا واقليميا من اطراف هندية وصينية مما عولم الصراع ونقله من طوره وأفقه المحلي الى الاقليمي والدولي.

من يقف وراء تلكم التفجيرات

بعد مرور ثلاثة ايام على التفجيرات صدر بيان من مؤسسة اعماق التابعة لتنظيم الدولة تزعم فيه ان التنظيم يقف وراء هذه العملية الارهابية بحق المصلين المسيحيين في قداس الاحد وعدد من الفنادق، والذي راح ضحيته أكثر من 330 شخص وقرابة 550 جريح، زاعمين ان هذه العملية ردُّ على مجازر “كرايست تشيرتش” في الجمعة السوداء في نيوزلندا.
أن يصدر هذا البيان بعد ثلاثة ايام من العملية وان يسبقه بيان حكومي رسمي باعتقال عدد من السريلانكيين واعتقال سوري واصدار الحكومة السريلانكية وثيقة تحذر من مغبة وقوع هذه المجازر واتهام اطراف حكومية اجهزة الامن بالتقصير بعد الاعلان عن هذه الوثيقة والاعلان عن اسم تنظيم مغمور نفذ هذه المجازر الارهابية، كل ما سبق، يضع علامات سؤال كبرى حول هذه العملية ويشير بأصابع الاتهام الى مسؤولين رسميين سريلانكيين، خاصة ان من تمَّ استهدافهم هم من المسيحيين لإثارة الراي العام العالمي ضد المسلمين السريلانكيين ومن ثمَّ ضمان صمت دولي على كل فعل مستقبلي ستمارسه تلكم السلطات ضد المسلمين في البلاد، خاصة منطقة كاندي ولا يستبعد كاتب هذه السطور استغلال المخابرات السريلانكية واطراف دولية اخرى تعاونت معها بعضا من العناصر الاسلامية المؤدلجة وتحريضها وغسل دماغها لتنفيذ هذه العملية مع علم كامل لدى تلكم الاجهزة لهذا العمل على غرار ما حدث في عام 2001 من تفجيرات في نيويورك، غيرت الكثير من المسارات خاصة في منطقتنا. ويقابل هذا السيناريو الافتراضي سيناريو اخر لا يقل عنه اهمية يتعلق بعودة ثوار التاميل الى خط المواجهة الصامتة مع الحكومة السريلانكية ويبدو ان هذه المجموعات العائدة الى الحياة من جديد بعدئذ منيت بهزائم ساحقة مرتبطة ايضا بمنظومات دولية احييت رممها لتحقيق مكاسب اقتصادية تمر عبر جماجم المسلمين برسم انهم من يعيشون على تلكم البقعة المهمة كما اسلفت. فهل سنشهد في الأشهر القريبة مذابح للمسلمين في سريلانكا خاصة وإننا امام عملية اجرام منظم تمارسه السلطات الهندية والبورمية والصينية ضد المسلمين في تلكم البلاد وسط صمت عربي واسلامي؟
ولذلك ثمة سؤال مشروع في هذه الحالة، من هي تلكم الجهة المعنية بعولمة الصراع على الاراضي السريلانكية، وهل نحن على عتبات نقله من منطقتنا الى منطقة اسيا وتحديدا منطقة الهند الصينية، وشبه القارة الهندية التي يتصارع على بواباتها الخلفية محور الصين- روسيا ومعه ايران وتركيا ويتقربون مؤخرا للهند، ومحور لندن-واشنطن ومعه السعودية والامارات، وهل لهذا علاقة بالحرب الصامتة المستعرة بين الولايات المتحدة والصين من جهة، والولايات المتحدة وروسيا كحارس خلفي للبوابة الاسيوية من جهة أخرى، وأين تقع تحديدا ادوار كل من الهند وايران في هذا الموضوع واين هي ادوار الامارات والسعودية في كل ما يدور على الاراضي السريلانكية، وهل سيدفع المسلمون ثمنا لتلكم الصراعات التي عادة ما يكون وقودها الحلقات الاضعف في تلكم الدول خاصة اذا كانت تعيش على اراض ومناطق ذات حيوية استراتيجية عالمية . وهل نحن امام عودة مجددة للكولونياليات المعاصرة تذكرنا بالسيطرة على مقدرات شبه القارة الهندية وبحرب الشاي وخطوط البهارات الانجليزية في القرن الثامن عشر؟
التفجيرات التي هزت العاصمة استهدفت الحلقة الاضعف في المكون السريلانكي لخلق حالة دولية واممية من التضامن مع أطراف حكومية ورأسمالية سيريلانكية واقليمية تعمل منذ أمد بعيد على استهداف الاقلية المسلمة واخراجها من منطقة كاندي الاستراتيجية للسيطرة عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى