أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

هذا حَال لجنة المتابعة اليوم

عبد الاله وليد معلواني

إذا أردنا أن نتعرف على لجنة المتابعة العليا اليوم، نجد أن رئيسها هو الأستاذ محمد بركة، وقد حصل على هذا المنصب بناء على انتخابات ضيقة جداً جرت بين أعضاء المجلس العام لهذا اللجنة، وهي أول مرة تجري فيها انتخابات حول رئاستها منذ أول يوم لتأسيسها، أي منذ أكثر من أربعين عاما، وأما عن مجلسها العام فهو عبارة عن ممثلين للقوى السياسية الأساس في الداخل الفلسطيني وهي: الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليا، والحركة الجنوبية، والجبهة، والتجمع، وأبناء البلد والحزب العربي، والحزب القومي العربي، إلى جانب أعضاء الكنيست العرب وسكرتارية اللجنة القطرية، وهو مجلس شبه محنط إذ أنه مضى عليه سنوات طوال لم يجتمع فيها مرة واحدة، وحتى في المرات النادرة التي اجتمع فيها، فإن عدد الحضور لم يتجاوز النصف من أعضائه، وهناك سكرتارية لجنة المتابعة المنتقاة من المجلس العام التي من المفروض ان تكون هيئة ناشطة ومستعدة للاجتماع الدوري أو الطارئ في كل لحظة، إلا أنها مع شديد الأسف شبه غائبة ومن يحضر اجتماعاتها هو عدد محدود منها، قد لا يتجاوز ثلثها في بعض الأحيان، ولذلك بات معروفا- اضطرارا- أنها تقرر كل قراراتها بمن حضر منها حتى لو كانوا أقل من النصف أو أقل من الثلث.

وإلى جانب رئاسة المتابعة ومجلسها العام وسكرتاريتها، هناك لجانها العشرة التي وُلدت معظمها ميتة، والتي كان من المفروض ان تعنى بقضايا الأرض والمسكن والمقدسات وحق العودة والثقافة والعلاقات الخارجية والحريات وعلاج كارثة العنف وتعزيز التواصل مع كل الأبعاد: العالمية والإسلامية والعربية والفلسطينية، إلا أن معظم هذه اللجان العشر لأنها وُلدت ميتة، فهي لم تجتمع مرة واحدة منذ تأسيسها، ولعل بعض رؤساء هذه اللجان نسي نفسه ونسي منصبه ولم يعد يتذكر اسم اللجنة التي يترأسها، وشر البلية ما يضحك!!

ومن باب الأنصاف، فإن لجنة الحريات التي يترأسها –اليوم- الشيخ كمال خطيب هي اللجنة الناشطة الوحيدة من بين هذه اللجان، ولعلها سبقت بنشاطها سكرتارية لجنة المتابعة، وقد حاول المحامي طلب الصانع رئيس لجنة مكافحة العنف التي هي من ضمن هذه اللجان أن يجدد نشاط لجنته إلا أنها ظلت متعثرة حتى الآن، وذات يوم انضم إلى لجنته الشيخ رائد صلاح وأخذ على عاتقه مشروع (إفشاء السلام) في كل الداخل الفلسطيني فأقام لهذا المشروع اثنتين وأربعين لجنة محلية لإفشاء السلام في اثنتين وأربعين بلدة على امتداد الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية، وكاد أن يعلن عن إقامة لجان محلية أخرى في البلدات الدرزية أو المسيحية، إلا أنه تعرض للاعتقال في منتصف عام 2017، وهكذا دب الضعف في مسيرة مشروع إفشاء السلام، وكي لا نغمط حق أحد فقد حاول إبراهيم حجازي أن ينشّط لجنة متابعة (اللجان الشعبية المحلية)، إلا أن نشاط هذه اللجنة ظل موسميا وضعيفا ومحصورا في عدد محدود وقليل من البلدات في الداخل الفلسطيني!!

وإلى جانب كل ما ذكرت هناك لجنة سكرتاريي الأحزاب التي يغلب على نشاطها الموسمية والعشوائية والانتقائية، وهناك لجنة أصدقاء المتابعة التي كان من المفروض أن توفر الدعم المالي المطلوب للجنة المتابعة، إلا أن لجنة أصدقاء المتابعة مع شديد الأسف انكفأت على نفسها، وباتت هي بحاجة ماسة إلى دعم مالي حتى تحافظ على وجودها!!

ووفق هذه اللجان المتعثرة أو الميتة او المنفردة بنشاطها تسير لجنة المتابعة اليوم!! ووفق نظام يحكمه اللانظام والوهن، تنهض لجنة المتابعة مرة، وتتعثر مرات!! ومما زاد الطين بلة أن الكثير من أعضائها يتعامل معها بفوقية قبيحة كأنه لا يعترف بوجودها، وكأنها في نظره هي مجرد جلسة تسالي لشرب القهوة وعرض العضلات والتنابز بالألقاب، وكأن مقامه (الرفيع!!) هو أعلى شأنا من لجنة المتابعة رئاسة وعضوية!! وأن من يتصدر مشهد هذا التعامل الفوقي هم بعض أعضاء الكنيست العرب!! ولذلك لا أبالغ إذا قلت إن لجنة المتابعة أصبحت كجيش مطالب بتحرير الأندلس إلا أنه جيش بلا جنود وبلا عتاد وبلا طعام وشراب، وبلا نظام، وما هو إلا قائد وبضعة جنود لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة.

وهكذا بات مجتمعنا في الداخل الفلسطيني أشبه ما يكون بسفينة أوشكت على الغرق وسط عواصف عاتية وأمواج غاضبة ولا ربان لها. والخطر كل الخطر أن تصل إلى مرحلة (حارة كل من إيده إله)، وإلى مرحلة أن يخوّن الأمين ويؤمّن الخائن، ويكذب الصادق ويصدّق الكاذب، ويتطاول الرويبضات والتحوت ولكع بن لكع كيما يتحدثوا باسم هذا المجتمع الجريح النازف دما، كأنهم الممثلون له، والناطقون باسمه!!

وإن من ثالثة الأثافي أن تجتمع كل هذه التعقيدات الشائكة على هذا المجتمع العليل الموجوع وقد غرق في بحر من الهموم التي يكفي هَمُّ واحد منها حتى يُغْرق هذا المجتمع ويَخْنق أنفاسه!! فكيف حال هذا المجتمع المحتضر إذا عَضَّته كل هذه الهموم بأنيابها المسمومة القاتلة!! فهناك هَمُّ غول العنف، وهناك هَمُّ العنصرية الإسرائيلية وتمييزها القومي واضطهادها الديني، وهناك هَمُّ قانون القومية الإسرائيلي وسائر القوانين الإسرائيلية العنصرية السوداء، وهناك هَمّ التهديد بالترحيل، وهناك هَمّ مواصلة مصادرة الأرض وهدم البيوت وخطف الأوقاف وتدنيس المقدسات، وهناك هَمُّ البطالة والفقر والتفكك الأسري، وهناك هَمّ تعثر رسالة التعليم وتسلل الانحلال وتآكل القيم، وهناك هَمُّ اندثار المصلحة العامة والإرادة العامة والموقف العام وتسلق مصلحة الأنا وارادة الأنا وموقف الأنا، تحت شعار: (تخرب البصرة ويعيش الرئيس) وهنك هَمَّ القضية الفلسطينية وحق العودة وحق المهجرين، وهناك هّمُّ القدس والمسجد الأقصى!! وكل ذلك يعني أن هناك حقيقة مرة تقول: إن مجتمعنا على مفترق طرق، إما نحو الأسرلة، وإما نحو إعادة بناء الذات، ولأننا نصرّ على بناء الذات ونلعن الأسرلة، فلجنة المتابعة مطالبة فورا بإعادة بناء ذاتها، كخطوة ضرورية أولى لبناء ذاتنا، وإلا فهي مطالبة أن تعلن عن انتهاء دورها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى