أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الكف قد يلاطم ألف مخرز

د. أنس سليمان أحمد
حاول البعض منا أن يزرع فينا (ثقافة الهزيمة) و (ثقافة الخنوع) و (ثقافة الانبطاح) و (ثقافة الانكسار) و (ثقافة الرضوخ والاستسلام للأمر الواقع) و (ثقافة رفع الراية البيضاء) وراح يقول لنا بثوب المخدر الناصح الأمين: (الكف لا يلاطم مخرزا) وقد أخطأ في ذلك، إذ أن الكف قد يلاطم المخرز الواحد، وقد يلاطم ألف مخرز، ولو صمت المظلومون عن ظلم الظالمين وعن بغيهم وشرهم وجرائمهم وسجونهم، لظلت الأرض تحت سطوة الظالمين منذ فجر التاريخ حتى الآن، ولظل المظلومون أتباعاً أو عبيداً في بعض الأحيان أو مضطهدين محتلين لا وزن لهم ولا اعتبار، ولكن حال التاريخ الطويل العريض في مسيرة البشرية لم يكن كذلك، فهذا بلال ابن رباح العبد الأسود لاطم بكفه مخرز أمية بن خلف وتحول إلى عَلَم للحرية ومدرسة لكل العبيد في كيفية فك قيود عبوديتهم ويرفعوا بيارق الحرية شامخة على مخلفات الأسياد الظالمين!!
وهذا عمار بن ياسر لطم بكفه مخرز أبي جهل الذي قتل أمام ناظريه أمه سمية لا لسبب إلا أنها قالت: ربنا الله، وتحول عمّار من ذاك المستضعف المضطهد الذي طالما أكلت من ظهره وصدره النيران والسياط والسلاسل إلى قائد باسل منصور من قيادات الفتح الإسلامي نذر روحه لله كي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجورا، وكي يُخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ظلم الأنظمة الجاهلية إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة!!
وهذا سلمان الفارسي لاطم بكفه مخرز سيده اليهودي بيثرب الذي اتخذه ردحا من الزمن عبداً مملوكاً يُباع ويُشترى ولا قيمة له ولا اعتبار، ولا حق له إلا بالتنفس، وما سوى ذلك فهو مكره مأمور أن يعمل طوال حياته في أرض سيده اليهودي ليلاً ونهاراً لحرثها وزرعها وريها وقطف ثمرها وبيعه في السوق، ثم صب كل أموال هذا البيع في جيب سيده اليهودي، ولكن انتفض ضمير سلمان فجأة وكسر أغلال الرق من حول عنقه، وراح يسيح في أرض العالم القديم ما بين جزيرة العرب وأرض مصر وفارس والروم، يُغنّي للحرية ويصرخ في العبيد كي يهبوا من سُبات عبوديتهم، ويتحدى تنفيش الأكاسرة والقياصرة وحشود علوجهم، وهو تائه فرحاً وسعادة وسروراً بعد ان قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سلمان منا آل البيت)!! نعم إنها ثورة هؤلاء البؤساء المنسيين الموجوعين بلال وعمار وصهيب على كل معاناة ظالمة مستبدة سواء كانت قريشية أو عربية أو يهودية أو فارسية أو رومية أو ما سوى ذلك، وهكذا أثبتوا لمن عاصرهم من أهل الأرض أو لمن سبقهم أو لمن سيأتي بعدهم أن الظالم إن يكن مخرزا، والمظلوم إن يكن كفا، فإن بمقدور كف المظلوم أن تلاطم مخرز الظالم، ولتكن قوة الظالم الظاهرة ما تكون، فإن قوة المظلوم الكامنة ستظل أقوى بشرط أن تنتفض وألا تظل كامنة، ولتكن صولة الظالم دموية متوحشة سادية على حساب روح وجسد ودماء المظلوم، إلا أنها ستظل صولة ساعة وسيعقبها صولة المظلوم المستديمة حتى قيام الساعة، ولتكن جعجعات الظالم صاخبة مدوية ذات مكاء وتصدية، كما هو الطبل السمين الأجوف، وقد تخيف الجبناء وتخدع الدهماء وتستدرج السفهاء، إلا أنها سرعان ما ستختفي عند أول صرخة للمظلوم لا يداهن فيها ولا يتلعثم ولا يتعثر، بل يرمي هذه الصرخة المدوية في وجه الظالم وحاشية مرتزقته صائحاً فيهم: الله أكبر !! يا الله، يا لها من صيحة منصورة تعلو ولا يُعلى عليها، وتغلب كل عدو ولا تُغلب، وتهزم كل من ناوأها ولا تُهزم، وهكذا ستبقى حتى قيام الساعة وبعد قيامها مضيئة كالنجوم، مشرقة كالشموس ومنيرة كالبدور، وشامخة ما فوق ارتفاع كل مخلوق، وزاداً في طريق قافلة الأحرار السالكين في مدارج إياك نعبد وإياك نستعين!! يا الله كم قالها المظلوم صارخاً في وجه الظالم فسقط كرباج الظالم من يده رعباً وفزعاً!! وكم صدح بها سجين في وجه السجان فخارت قوى السجّان وسقط مغشياً عليه، وسقطت قلاع سجنه وباتت كومة حجارة خراباً كأن لم تغن بالأمس!! وكم استغاث بها مكروب في لجج كربه ففرّج الله تعالى كربه!! وكم استعان بها معسر في حندس ليل عسره فيسّر الله تعالى يسره!! وكم تسلّح بها صابر على دمعه ودمه وجرحه وجوعه وغربته ولوعته وحزنه وألمه فجاءه النصر من عند الله تعالى ضاحكاً يسعى!! هي الله أكبر مات بها بلال وعمّار وصهيب فكانت ولا تزال أكبر من أمية ابن خلف وأكبر من أبي جهل وأكبر من السيد اليهودي المندثرين بلا رجعة، وأكبر من كل حفيد لذاك أمية اليوم، وأكبر من كل وريث لذاك أبي جهل اليوم وأكبر من كل ذنب لذاك السيد اليهودي اليوم.
الله أكبر هي استراتيجية الصمود في وجه الظالمين والتصدي لكل مظاهر ظلمهم، وهي مشعل كل حر على وجه الأرض ينشد حرية إنسانيته لنفسه ولغيره في كل الأرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى