أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

نحن والانتخابات (13) المـــــراجعات

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

انتهت انتخابات الكنيست للدورة الـ21 والتي جرت يوم الثلاثاء9.4.2019، بتراجع ملحوظ للأحزاب العربية المشاركة في انتخابات الكنيست وتعززت مكانة التيار الديني “الحاريدي” وتعززت مكانة الليكود وقويت شخصية نتنياهو ليتحول الى ظاهرة حرية بالدراسة في سياق التحولات الجارية في البلاد عموما وكيفية استثمار الميديا والتقنيات وادوات التواصل للوصول الى النتائج التي يريد، ويقابل ذلك تحطم حزب العمل واصلا الحضيض لتنتهي بذلك دورة حزب “مباي” المؤسس لهذه الدولة ودخولها الى عصر الجمهورية الثالثة المتساوقة مع المناخ الدولي العام المتماهي مع اليمين والتطرف السياسي مضافا اليه ظاهرة الزعامات السياسية القوية المتلبسة بفضائح وقضايا مالية متغشاة بفساد سياسي في اكثر من دولة اوروبية واسيوية وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
في هذه الانتخابات نافست بقوة قائمة الجنرالات “أزرق أبيض” الليكود بعد إذ استأثرت بأصوات محسوبة على اليسار والمركز وعلى أوساط اسرائيلية علمانية ومحافظة، وبالمجمل حافظت الكتل السياسية- نقول ذلك اجرائيا فقط- على وضعياتها الانتخابية تقريبا مع تغييرات طفيفة”.

في هذه المقالة وما سيتلوها من مقالات أتناول تقييما مجردا للحالة السياسية في الداخل الفلسطيني والاسباب التي ادت الى هذه النتائج غير المرضية عند من يرى بالكنيست سبيلا للنضال ولو من باب المرحلية والتكتيك- كما في الفكر الماركسي- أو من يراه سبيلا وحيدا لنيل الحقوق كما يراه بعض الذرائعيين- كما الفكر الرأسمالي- او اولئك الذين يرونه مكسبا وانجازا في رفع نسبة المقاطعين سواء كانت المقاطعة على خلفيات ايديولوجية أو لأسباب مختلفة تتجاوز الموقف المبدئي.

هذه الانتخابات على كل الاحوال، والحديث يدور فقط عن داخلنا الفلسطيني، تشي بثلاثة قضايا مرتبطة بعضها ببعض بل وتكاد تتناسل الواحدة تلو الاخرى، يمكن ان تؤسس لواقع سياسي مختلف عما نحن فيه إن تم فهم هذه اللحظة بشكل جيد وعميقا وبعيدا عن سياسات عقليات التواطؤ والتخوين وتحمل الجميع مسؤولياته السياسية والاخلاقية اتجاه وطنه ومجتمعه وشعبه، وادراك اهمية اللحظة التاريخية التي نمر بها، إن في الداخل الفلسطيني او شعبنا الفلسطيني وإن أمتنا العربية، فنحن نعيش لحظات التغيرات الكبرى في عالمنا العربي وفي قضيتنا الفلسطينية، وبيدنا نحن فقط ابناء الداخل الفلسطيني عموما وقياداته تحديدا أن نكون شركاء حقيقيين في صناعة او لنقل المشاركة في صناعة وهذه اللحظات، وليس فقط معايشتها، وهذا يتطلب قيادة مسؤولة بكل معنى الكلمة فهل القيادة الراهنة على قدر هذه اللحظة؟.

القضية الاولى: فهم عميق لأسباب هذه النتائج وذلك بغض النظر عن عدد النواب العرب في الكنيست، فهم الخلفيات والصيرورات والمآلات، والقضية الثانية تتعلق بجوهر العلاقة مع الدولة التي باتت تتخذ علنا بعد إذ لم تكن معلنة، مواقف يمينية وشوفينية مبدئية واضحة من المواطنين العرب، وأضحت مسألة التخلص منهم مسألة حاضرة وبقوة في اجندات عديد الاحزاب والحركات اليمينية، بل ويتخذهم رئيس وزرائها شماعة لتعظيم مواقفه وتبيانها من الخارطة والمشكل السياسي واعتبارهم “عار” السياسة الاسرائيلية و”الرجس” السياسي والايديولوجي الذي لا يجوز الاقتراب منه أو التحالف معه سياسيا، وذلك حتى نفهم جدل هذه العلاقة ومستقبلها على ضوء التحولات الحكومية الجارية كأثر عيني وتجل للتحولات الجارية في المجتمع الاسرائيلي. والقضية الثالثة دعوة مفتوحة للطرفين لفهم وإدراك راهن ومستقبل الداخل الفلسطيني على ضوء تلكم السياسات وعلى ضوء ما يحاك للقضية الفلسطينية برمتها، وأين نحن من هذه المخططات التي في مقدمتها ما يسمى صفقة القرن.

دراسة الحالة الاسرائيلية
في هذا الخضم لا يمكننا الخروج بنتائج موضوعية ذات طابع علمي مجرد بعيد عن نزوات الذات والعاطفة إن لم ندرس وبعمق نتائج الانتخابات في الشارع الإسرائيلي، في الدورات الثلاثة الأخيرة على الأقل، أي منذ عام 2013 بكونها مرتبطة بشكل عميق بشخصية نتنياهو وفكره من جهة، وبالتحولات الجارية في الشارع الاسرائيلي من جهة أخرى، وفهم جدل العلاقة القائم بين هذه التحولات وبين تعقيداتها الكلية والبينية، إن على مستوى الداخل الإسرائيلي، أو العلاقة مع ارتفاع قوة اليمين السياسي في اوروبا والولايات المتحدة وخاصة الانجيليين الصهاينة الحكام الفعليين اليوم للولايات المتحدة الامريكية، ودور روسيا والاتحاد الاوروبي في تعزيز مكانة اسرائيل في عصر نتنياهو، وكيف تحول هذا كله الى منجز حقيقي لإسرائيل كدولة ومجتمع استثمر لضرب القضية الفلسطينية ومن ضمنها نحن في الداخل الفلسطيني، وكيف يستثمر هذا الامر على الصعيد الاسرائيلي مجتمعيا وذلك من خلال تجليات المنظور الجابوتنسكي وما بعد الجابوتنسكية باعتبارنا وفقا للمنظور الجابوتنسكي، عرب ارض إسرائيل، التي تشمل الضفة الغربية والقدس والقطاع واجزاء من بلاد الشام والرافدين وأجزاء من حوض النيل، بما تحمل هذه الفلسفة من توجهات تتعلق بوجودنا على هذه الارض وفهم الامر في سياق التحولات الجارية في الدول العربية عموما.

يضاف الى ذلك كله ضرورة تفكيك المجتمع الاسرائيلي برمته بقبائله المجتمعية والسياسية والاقتصادية، ووضع عدد من المحددات نؤسس عليها فهمنا العميق والدقيق لواقع ومستقبل هذا المجتمع بحيث تجمع هذه المحددات بين المدني والاجتماعي بشقيه المجتمعي والاقتصادي وبين الديني والسياسي بشقيه الايديولوجي والمسياني، وذلك لتكون رؤيتنا أقرب ما تكون للصواب ليحيى من يحيى على بينّة.

دراسة وتفكيك الحالتين السياسية والسياسية المجتمعية الاسرائيلية عملية لا مناص منها ولا محيص عنها لفهم التحول الذي حصل في الداخل الفلسطيني في هذه الانتخابات. وتتأتى أهمية هذه الخطوة بعد ان سمعنا بالبث المباشر نتنياهو في اعلان فوزه ليلة الاربعاء، ليلة فوز حزبه، بأنه سيكون رئيسا للجميع لليهود ولغير اليهود رافضا ان يقول العرب على اعتبار ان ذكر العرب في لحظة تاريخية بالنسبة له في مثل هذا الموقع والموقف اعتراف ضمني منه بهم كأقلية قومية وهو ما لا يريده ولن يسمح به.

تراجع مستمر في نسبة التصويت في الداخل الفلسطيني

قد لا آتي بجديد اذا قلت ان نسبة التصويت المنخفضة في الداخل الفلسطيني في هذه الانتخابات “50.3%” ليست مفاجئة للباحث والمراقب فقد قاربت انتخابات عام 2009 حين شارك في الانتخابات “53.4%”، وفي الحقيقة منذ عام 2006 وحتى هذه الانتخابات، راوحت نسبة المصوتين العشرية الخامسة ولم تخرج عنها الا استثناء عام 2015 حيث تكونت القائمة المشتركة بفعل عوامل متعددة منه ما له صلة مباشرة بالأحزاب وتخوفها من عدم تجاوز نسبة الحسم بعد رفعها الى 3.25%، ومنها ما له علاقة بالضغط الخارجي الذي تعرضت له هذه الاحزاب دفعها لتشكيل هذه القائمة بعد ارتفاع اصوات عالية تطالبهم بتشكيل قائمة مشتركة في ظل تغول اليمين الاسرائيلي وتوسع ابواب ومساقات الفاشية الاسرائيلية في السياقين القانوني والسياسي-المجتمعي، لتدخل تقريبا الى كافة مفاصل الشأن السياسي الاسرائيلي وتتدخل مباشرة في حركة حيواتنا كمواطنين إن صحت تسمية مواطن.
عمليا ارتبط التراجع في المشاركة في انتخابات الكنيست بعوامل مباشرة تتعلق بالداخل الفلسطيني فمثلا في عام 1999 صوت 75% من ابناء الداخل للكنيست فيما صوت عام 2001 لانتخاب مباشر لرئيس الوزراء 18% فقط وللتذكير فقد قادت الحركة الاسلامية المحظورة اسرائيليا ومعها احزاب وحركات عربية هذا التوجه. لا يمكن لعين الباحث ان تنكر الدور الكبير لأولئك الذين دعوا مباشرة أو بشكل غير مباشر لمقاطعة انتخابات الكنيست لأسباب هم على قناعة مطلقة بها، تتراوح بين القناعات الدينية المؤسسة على اصول شرعية واخرى ايديولوجية مؤسسة على منظور سياسي وثالث على اساس سياسي صرف ينظر الى منطق المصالح والمكاسب المتحققة للداخل الفلسطيني من هذه الكنيست. في عام 1996 وصلت نسبة المشاركين في انتخابات الكنيست 77% وفي عام 1999 هبطت الى 75%، وفي عام 2003 هبطت الى 62% أي بفارق سلبي مقداره 13 درجة. ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف مسيرة التراجع وكل تراجع في المجمل العام يحسب لصالح المقاطعين وإن لم يكن بالضرورة مقاطعا ايديولوجيا او سياسيا ولكننا نتناول الموضوع بسياق رياضي صرف يمكن ان يستثمره كل فريق لصالح تحليلاته.

في عام 2000 حدثت هبة القدس والاقصى وسقط ثلاثة عشرة شهيدا من ابناء الداخل وكان من المفترض في تلكم اللحظات التاريخية الفارقة التي أسست لواقعنا الراهن أن تتخذ القوى السياسية موقفا حازما من المشاركة في انتخابات الكنيست لكنها لم تفعل فكانت ردة الفعل في الصناديق بالتراجع النسبي وفي عام 2018 سنت حكومة نتنياهو قانون القومية ومن قبل في اواخر عام 2015 حظرت المؤسسة الاسرائيلية الحركة الاسلامية “الحركة الاسلامية الشمالية” وبعد ذلك بقليل سنت قانون الارهاب ومن ثم تتالت القوانين وكان ذروتها قانون القومية الذي سن عام 2018 وكان من المفترض على ضوء ما حدث خلال السنوات الاربعة الخالية وخاصة مع قانون القومية ان تتخذ الاحزاب في القائمة المشتركة قرارا تاريخيا لكنها لم تفعل فكانت ردة الفعل مرة اخرى في صناديق الاقتراع بتراجع نسبي ليس بكبير قياسا على حجم الجرم الحاصل بحقنا كفلسطينيين من جراء سن هذه القوانين.
الداخل الفلسطيني شهد تراجعا في انتخابات الكنيست خلال عقدين من الزمان ما نسبته 13% وراوح عدد اعضاء الكنيست خلال هذه المرحلة بين 9 الى 13 نائب في الكنيست.

لقد جرت مياه كثيرة خلال هذه المرحلة الزمانية من عمر هذه الاقلية وتقلبتها احداث كبيرة، راوحت بين الحرب على الفرد ومحاولات تفكيكيه مجتمعيا واخلاقيا، واجتثاث قوى خلاقة فيه، فانفجرت منذ ذلك التاريخ -تقريبا- موجات العنف في الداخل الفلسطيني، وبدأت منظومات مجتمعية ذات خاصية وأهمية تتفكك امام اعيننا كمثل الارتفاعات المطردة في نسب الطلاق في مجتمعنا عموما وفي المجتمع المسلم خصوصا، ولاحظنا سيلا من التراجعات المجتمعية القيمية كالأواصر الاجتماعية لصالح ظواهر مجتمعية حمائلية عنصرية تُعنى بالأنا الحمائلية، وما يترتب عنها من مكاسب ولاحظنا تراجعا مستمرا بالأداء السياسي والشللية السياسية وتغلب الفردانية وظهور النجومية على حساب المهنية السياسية وبروز النفعية السياسية على حساب الاخلاق السياسية، وخلال هذه الفترة الزمنية شن الاحتلال اربعة حروب على شعبنا الفلسطيني في القطاع والضفة الغربية، ولا حقت المنظومة السياسية الاسرائيلية العمل السياسي العربي الفلسطيني بكل انواعه، وسعت لتفزيع وتخويف المجتمع الاسرائيلي من كل عمل سياسي فلسطيني ولاحقت ونزعت شرعية عمل العديد من اعضاء الكنيست العرب واتهمتهم بالاهتمام بالقضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية على حساب القضايا المطلبية وهذا افتئات وافتراء عليهم يضاف الى ان الكنيست حالت دون ان يتقدم النواب العرب بقوانين تتعلق بمستقبل جماهيرهم، ونجحت في خلق حالة من الذعر الاسرائيلي المستدام الذي يستثمر كل فترة زمنية لصالح الحزب الحاكم على حساب الفلسطيني فردا ومجتمعا وحضارة تجلت في الاعتداءات المتكررة على كافة مقدسات المسلمين وخاصة المسجد الأقصى، وفي السنوات الاخيرة تتهدد الاوقاف المسيحية الارثوذكسية اخطارا جمة الى جانب ذلك كله سنت الكنيست قانون القومية الذي يعتبر ذروة التحدي الاسرائيلي للإنسان الفلسطيني ليس فقط في الداخل الفلسطيني بل على كامل تراب هذه الارض المقدسة، ومع كل ما ذكرت ويضاف عليه الكثير مما لا يسعه هذا المقال فقد رفضت بعض الاحزاب والقوائم العربية الخروج من الكنيست ونقل مكاتبهم ولو مؤقتا الى مكاتب لجنة المتابعة بل ورفضت مجرد الاحتجاج وحتى أن تعتصم في مكاتب لجنة المتابعة وعقد مؤتمرات صحفية لفضح ما يدور في أروقة الكنيست.

كما ذكرت، بعد سن قانون القومية رفضت بعض القوائم المشاركة في القائمة المشتركة في الكنيست ترك الكنيست ولو لأيام احتجاجا على سن هذا القانون تحت حجج وفلسفات مختلفة، وبعد ظهور معالم ازمة في القائمة المشتركة التي لم تنجح مركباتها بالحفاظ عليها- دون ان نقيم هذه التجربة في هذه المقالة- شرعت العديد من التساؤلات تظهر تتعلق ببعض الحركات والقوائم المشاركة في القائمة المشتركة حول جدوى عملية تفكيك هذه القائمة ولمصلحة من تمَّ هذا الأمر، وهل لهذه العملية صلة بالنزعة الفردية والأنا أم تحسبا من الاختفاء عن الخارطة السياسية أم تنفيذا لأجندات خارجية، ليس بالضرورة أن تكون من خارج الحدود، أم لصلة مباشرة بالسياسة الاسرائيلية وصناعها ومن يقف خلفها وهو ما يعيد وبقوة سؤال الاخلاق والسياسة في داخلنا الفلسطيني وهل القوى السياسية المختلفة وبغض النظر عن موقفها من الكنيست على مستوى من المسؤولية لتتحمل راهنها بكل ما فيه؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى