أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

كونوا كالشجر

د. أنس سليمان أحمد

إن الانتصار للمشروع الإسلامي يستدعي انتصارا لقيمه وخطابه، بمعنى أنه يجب أن تكون القيم إسلامية والخطاب إسلامياً، ولا ينفع أن تكون القيم إسلامية والخطاب فظاً غليظاً، أو أن يكون الخطاب إسلامياً والقيم لا إسلامية، بل لا بد من وحدة القيم والخطاب في عروة وثقى لا تقبل الانفصام، وطمعاً بالوصول إلى ذلك فإنني أنصح حملة المشروع الإسلامي الذين يسعون لنصرته بألسنتهم وأقلامهم بما يلي:
1) إن الخطاب الإسلامي يعتمد الحوار والإقناع ومقارعة الحُجة بالحُجة، بعيداً عن الإكراه وخنق الأصوات، ومصادرة آراء الآخرين، وفي ذلك يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ)، ويقول الله تعالى في القرآن الكريم: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)، ولذلك فأن أبناء المشروع الإسلامي يرفضون تكفير الناس بغير وجه حق، ويرفضون التشديد عليهم بالنكير والوعيد فيصل الناس إلى اليأس والإحباط.
2) سيظل أبناء المشروع الإسلامي قدوة، يرفقون بكل الناس ويتدرجون معهم في الإصلاح، ويحرصون على تأليف القلوب، ووحدة الصف وعدم إثارة الشحناء والبغضاء، والتسلح الدائم بالكلمة الطيبة وسمت الحٍلم، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كان الحلم في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه).
3) إن أبناء المشروع الإسلامي لا يتوجهون بالإساءة لمن خالفهم، (لا يشغلون أنفسهم بالرد على من تطاول عليهم أو من انتقدهم إذا كان الحوار مظهره الجدال واللدد في الخصومة.. فما يشغلهم أكبر من هذه الخلافات)، ورحم الله تعالى الأمام الشهيد حسن البنا عندما قال: “كونوا كالشجر يرميه الناس بالحجر ويرميهم بالثمر”، ومن خلال قراءتي للواقع الذي نعيش وجدت أن الحركة الإسلامية المحظورة اسرائيلياً تعرضت لكثير من التطاول عليها، وأتوقع أنه كان بإمكانها أن ترد على كل من تطاول عليها وأن تلقمه حجة تسكته إلا أن عيونها لم تكن على من تطاول عليها، ولا حظّ نفسها، بل كانت عيونها على القدس والمسجد والأقصى المباركين، وعلى الأيتام في غزة والضفة الغربية، وعلى مأساة وواقع المقدسات- الإسلامية المسيحية- في كل الداخل الفلسطيني، وعلى كل هموم الأهل المعيشية والاجتماعية والتعليمية والصحية- في الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية، وعلى واقع أفرادهم وبيوتهم ومجتمعهم، وعلى ما يعانون من مظاهر الظلم الإسرائيلي والعنصرية الإسرائيلية والاضطهاد الإسرائيلي، وعلى ما يتهدد هويتهم الإسلامية العروبية الفلسطينية، وعلى ما يتهدد ثوابت هذه الهوية، وعلى ما يتهدد قيمهم ولغتهم العربية وجذور انتمائهم إلى تاريخ وحضارة إسلامية عربية، وعلى ما يتهدد أمنهم الاجتماعي وسلمهم الأهلي، ولذلك آثرت الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيلياً أن تصرف وقتها وجهدها ولسانها وقلمها وخطابها إلى كل هذه الهموم الثقيلة كثقل الجبال، بعيداً عن الرد على كل متطاول، سواء كان قريباً أو بعيداً، وصديقاً أو حسوداً.
4) يعتقد أبناء المشروع الإسلامي (بجواز الخلاف في الفرعيات بل هو ضروري لا بد منه، فلا يقفون عند هذا الخلاف ولا يجعلونه نقطة مفاصلة وافتراق) ولكن يتمسكون في نفس الوقت بحقهم بالحفاظ على خصائص مشروعهم الإسلامي وعدم جرّه إلى متاهات لا تُحمد عُقباها قد تجرُّ السلبيات عليهم كما جرَّ على غيرهم، كلعبة الكنيست ولعبة التفريط بالثوابت الإسلامية العروبية الفلسطينية تحت أية ذريعة كانت، ولعبة شحذ الألسن والأقلام للتنابز بالألقاب، ثم سيبقى أبناء المشروع الإسلامي قبل ذلك وبعد ذلك متمسكين بأدبهم في المكره والمنشط وفي أجواء كل طقس ومناخ، وفي ذلك يقول الله تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).
5) يؤمن أبناء المشروع الإسلامي أنهم لن يكونوا فوق النقد في يوم من الأيام، لأنهم ليسوا معصومين، ولذلك سيخطئون، ولكنهم يتمنون على الجميع أن يتحلى بأدب النقد – أسلوباً ومضموناً- وسيتعاملون مع من انتقدهم بأدب النقد بقول الفاروق عمر رضي الله عنه: “رحم الله امرأ أهدى أليّ عيوبي”، ثم سيتعاملون مع من أساء نقدهم في أسلوب نقده أو مضمونه بالنصيحة الذهبية التي يقول فيها الإمام حسن البنا: “وستسمعون أن هيئة من الهيئات تتحدث عنكم فإن كان الحديث خيرا فاشكروا لها في أنفسكم ولا يخدعنكم ذلك عن حقيقتكم، وإن كان غير ذلك فالتمسوا لها المعاذير وانتظروا حتى يكشف الزمن الحقائق، ولا تقابلوا هذا الذنب بذنب مثله ولا يشغلنكم الرد عليه عن الجد فيما أخذتم أنفسكم بسبيله”.
6) إن أبناء المشروع الإسلامي لا يحتكرون المشروع الإسلامي، فهم ليسوا جماعة المسلمين بل من جماعة المسلمين، وليسوا الأمة الإسلامية بل من الأمة الإسلامية، وليسوا الدعوة الإسلامية بل من الدعوة الإسلامية، وسيظلون يدعون للتعاون من الآخرين، والمشاركة في كل صالح ومفيد. يحفظ علينا رباطنا في أرضنا وبيوتنا ومقدساتنا.
7) إن أبناء المشروع الإسلامي يرفضون أسلوب العنف والإرهاب أو الجبر والإرغام مع الخصوم والهيئات المخاصمة، ويرفضون استخدام القوة بالشارع تحت مسمى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم سيظلون يتذرعون بالصبر والأناة والحكمة والموعظة.
8) إن أبناء المشروع الإسلامي يصرّون على دفع روح الاحباط واليأس وإيقاظ الإيمان والأمل، طامعين أن يحيوا في كل فرد من الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني: القلب الحي والروح المحلّقة، والنفس الشاعرة، والوجدان اليقظ، والأيمان العميق.
9) إن أبناء المشروع الإسلامي يدعمون (أية فئة من الأمة تستهدف الإصلاح والتعاون معها في ذلك، سواء المسلمين أو غيرهم من أبناء الوطن، أو حتى ممن لا يتبنون الشعار الإسلامي) مع التأكيد أن (هذا التعاون أو التأييد لبعض المواقف لا يعني القبول والرضا بأي منهج أو نظام يخالف منهج الإسلام ولا يقوم على أساسه) مع التأكيد الواضح أنه محال على أبناء المشروع الإسلامي أن ينضووا تحت لواء أي حزب هجين عن المشروع الإسلامي كائناً من كان، أو أن يمالئوا حاكماً هجيناً عن المشروع الإسلامي كائناً من كان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى