أخبار عاجلةمقالات

عن “الساعات الأخيرة”.. ومرسي و”أبو إسماعيل”!

فراس أبو هلال

لا يهدف هذا المقال إلى تحليل وتقييم فيلم “الساعات الأخيرة” الذي بثته قناة الجزيرة عن آخر أيام مرسي في “الحكم” قبيل الانقلاب عليه، ولكنه محاولة للمشاركة في النقاش السياسي الذي فتحه هذا الفيلم.

إحدى زوايا النقاش المهمة التي فتحها هذا الفيلم كانت السؤال المضني: كيف استطاع السيسي خداع الرئيس مرسي ومن ورائه جماعة الإخوان المسلمين بهذه السهولة؟ وكيف فشلت الجماعة برؤية ما رآه أشخاص مستقلون أهمهم بدون شك الشيخ صلاح أبو إسماعيل، الذي لا يزال كثير من المتابعين ينشرون ويتناقلون كلماته المحذرة من الانقلاب قبل شهور من يوليو 2013؟

لا بد من الإشارة ابتداء إلى أن “أبو إسماعيل” لم يكن الوحيد الذي لاحظ تحركات الدولة العميقة للانقلاب على مرسي، فقد كتب كثيرون عن ذلك، ولاحظ كتاب ومحللون وجود إجراءات تعطل مرسي، وتحضر للانقلاب عليه بناء على متابعة الساحتين السياسية والإعلامية خلال الشهور السبعة الأخيرة قبل الانقلاب بالذات.

وبينما اعتمد هؤلاء في توقعاتهم على تحليل تعامل الدولة العميقة والإعلام مع مرسي، فقد كان آخرون يدركون أن الجيش يعمل بشكل جدي على الانقلاب بناء على فهمهم لفلسفة “الدولة الحديثة” وعقيدة الجيش في المنطقة، ولعل من أهم هؤلاء المثقف الثوري الإسلامي “حسام الدين أبو البخاري” الذي يعاني الآن في معتقله بسبب مواقفه الثورية الثاقبة.

وفي الوقت الذي “رأى” فيه أبو إسماعيل وآخرون مؤشرات الانقلاب، هل غفل الإخوان والرئيس مرسي عنها فعلا، وكيف حصل هذا؟

لعل من التبسيط المخل الإجابة على هذا التساؤل بصيغة خاضعة للثنائيات الحادة بالقول نعم أو لا، لأن من الصعب ابتداء معرفة ما كان يدركه الرئيس مرسي ومستشاروه وجماعة الإخوان وما لا يدركونه، لأن غالبية الفاعلين في تلك المرحلة هم الآن خلف القضبان، ولا يكفي للحكم على المرحلة الاعتماد على شهادة أحد مستشاري مرسي وهو السيد خالد القزاز في فيلم “الساعات الأخيرة”، خصوصا مع إدراك متطلبات الإنتاج للأفلام الوثائقية التي يضطر منتجوها لأخذ شهادات طويلة يقص معظمها بسبب الوقت المتاح للفيلم.

ومما يزيد صعوبة الإجابة المباشرة على هذا التساؤل وجود مؤشرات تدل على تعرض مرسي والجماعة للخداع، ومؤشرات أخرى تدل على أنهم كانوا يدركون حجم الحرب التي يتعرضون لها من الدولة العميقة.

من الأمثلة التي قد تشير إلى تعرض مرسي والإخوان للخداع بعض التصريحات والمانشيتات الإعلامية لقيادات وصحف الإخوان وحزب الحرية والعدالة التي رحبت بتدخل الجيش قبيل 30 يونيو، ومنها أيضا أن الرئيس لم يتيقن من حصول انقلاب إلا قبيل ساعات من وضعه في الإقامة الجبرية بحسب شهادة القزاز في الفيلم المذكور، ولكن في المقابل ثمة مؤشرات أخرى تدل على العكس، أهمها رفض الرئيس لدعوة الجيش لرعاية الحوار الوطني إبان أزمة الإعلان الدستوري في كانون أول/ ديسمبر 2012 بما يعني إدراكه لخطورة رجوع الجيش للسياسة، وحديثه شبه المباشر عن محاولات الدولة العميقة لتعطيل المسار الديمقراطي والعمل الحكومي في الخطاب الشهير الذي ألقاه بحضور السيسي وقيادات الجيش قبل أسبوع من مظاهرات 30 يونيو.

إن من يتهمون الرئيس مرسي “بالسذاجة” والفشل في كشف خداع المؤسسة العسكرية يعتمدون على مؤشرات حقيقية تقود إلى استنتاجهم هذا، وبالمقابل فإن هناك مؤشرات تدل على العكس، ولهذا فإننا نعتقد أن رؤية مرسي وجماعة الإخوان للأحداث كانت مركبة إلى حد بعيد، فقد كانوا يعلمون تماما أن الدولة العميقة تريد منع الرئيس من الحكم، ومن المرجح أنهم كانوا يعلمون أن السيسي هو خيار المؤسسة العسكرية وبالتالي هو خيار الدولة العميقة، ولكنهم في ذات الوقت لم يكونوا يتوقعون أن التعطيل سيصل إلى مستوى الانقلاب الدموي بسبب اعتمادهم على الشرعية الشعبية والانتخابية ووجود شارع مؤيد لمرسي مقابل الشارع المعارض له.

ولعل إدراك مرسي ومستشاريه لعداء الدولة العميقة للرئيس هو ما دفعه لإرسال رسائل متناقضة أحيانا تجاهها، في محاولة لاستمالتها ومنع وصول العداء إلى درجة الصدام عبر انقلاب عسكري، وكمثال على ذلك فقد هاجم الرئيس الدولة العميقة بشدة في الخطاب المذكور آنفا في 23 يونيو 2013، ولمح إلى إمكانية التعامل مع رموزها بحزم كبير، ولكنه في نفس الوقت قال عن رجال الجيش والشرطة في نفس الخطاب إنهم “رجالة زي الذهب”.

وبالحديث عن الفرق بين رؤية مرسي التي جمعت الحذر من الدولة العميقة واليقين بأن جهودها لن تصل إلى حد الانقلاب وبين رؤية أبو إسماعيل وغيره التي كانت تحذر بشكل واضح من انقلاب عسكري، فإن هذا يحيلنا إلى كمية المعلومات المخادعة التي كانت الدولة العميقة والجيش يقدمانها لمرسي عبر السيسي.

هذه المعلومات كانت عاملا مؤثرا على تحليل الإخوان للأحداث، وقد كان محورها الرئيسي رسم صورة خاصة عن السيسي باعتباره خاضعا لحكم الرئيس مدافعا عن الشرعية، وإن كان جزءا من الدولة العميقة.

بمقابل هذه المعلومات المخادعة للرئيس ودائرته الضيقة، لم يكن الجيش معنيا بخداع أشخاص مستقلين مثل صلاح أبو إسماعيل وغيره، ولذلك فقد استطاع هؤلاء أن يقرؤوا الأحداث مجردة بالتحليل، بعيدا عن تضليل المعلومات التي أخضع لها مرسي ومستشاروه.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الذين كانوا يتحدثون قبل 30 يونيو عن انقلاب حتمي هم نسبة قليلة جدا ومحدودة من الكتاب والخبراء، فيما اقتنع كثيرون بل روجوا لوجود “تحالف” بين الدولة العميقة والإخوان، فيما استقر آخرون أثناء “حكم” مرسي على أن ثورة يناير أنهت الانقلابات في مصر، وبعض هؤلاء بالطبع يدعون الآن “الحكمة” و”رجاحة التحليل” ويلومون مرسي على ضعف حنكته السياسية!!

ولكن، هل يبرر هذا تعرض مرسي للخداع؟ بالتأكيد لا. فالرئيس القادم بعد ثورة محاطا بعناصر من الدولة العميقة لا بد أن يغلب “سوء الظن” على حسنه، ولا بد أن يشغل “مجموعات تفكير” بعيدة عن دائرته الضيقة لقراءة وتحليل الأحداث بطريقة هادئة بعيدا عن خداع المعلومات وحرائق العمل اليومي التي كانت تحيط بالرئيس ومستشاريه.

وتبقى هنا إشارتان ضروريتان: الأولى أن الرئيس وجماعة الإخوان كان يمكن أن يتحرروا من تأثير الخداع لو توسع الرئيس في إشراك آخرين في الحكم، ولو توسع في تعيين مستشارين حقيقيين يسمح لهم بالعمل وإعطاء المشورة وليس مجرد أشخاص يحملون منصب المستشار دون عمل.

أما الثانية، فهي أن من حق من وقفوا مع مرسي من غير الإخوان أن يلوموه على تعرضه للخداع خصوصا إذا كانوا قد حذروه من ذلك الخداع قبل الانقلاب. أما أولئك الذين كانوا أكثر من مخدوعين من العسكر والدولة العميقة، بل كانوا مطية لتنفيذ الانقلاب عبر المطالبة بإسقاط رئيس منتخب فهم آخر من يحق لهم أن يتحدثوا عن “سذاجة” مرسي وجماعته. من كان منكم بلا خطيئة فليلقم الناس بحجر.. ومن لم ينخدع منكم من قبل العسكر فليلق على مرسي محاضرات في الحنكة السياسية!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى