أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

نحن والانتخابات (7)… فاقد الشـــيء لا يعطيه

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
انتهت مرحلة وبدأت مرحلة جديدة من عالم التحالفات داخل مجتمعنا الفلسطيني بين الاحزاب والقوائم والحركات المشاركة في الكنيست بعد الفشل في إبقاء المشتركة على قيد الحياة وانتهت كما يعلم القراء الكرام الى تحالف بين الجبهة والحركة العربية للتغيير وبين التجمع والاسلامية المشاركة في الكنيست.
عندما نتابع ما يرشح عن اسباب فشل الاستمرار في المشتركة ستجد ان الشخصانية والمنفعية والأنوية “الأنا” والارتهان لأجندات محددة كان من أسباب تفكيك المشتركة، وهذا معناه اننا امام حالة مرضية، تبعا لها لا يمكننا ان نضع داخلنا الفلسطيني أمانة في عنق هذه الأحزاب والحركات التي فشلت في استمرار المشتركة التي مثّلت الحد الادنى من العمل المشترك بين المشاركين في الكنيست ؟.

فاقد الشيء لا يعطيه
تقدمت كافة الاحزاب الاسرائيلية بقوائمها الانتخابية وكالعادة تميزت القوائم بين جمع وطرح، فهناك قوائم بقيت الى اللحظة الاخيرة مترددة وانتهت بتوافقات وائتلافات كما حدث مع لبيد وغانتس وكلاهما من خارطة اليمين- الوسط والائتلاف الذي دفع به نتنياهو بين البيت اليهودي والاتحاد الوطني الديني وكلاهما تحالفا مع القائمة الكهانية-الفاشية عوتسما يهوديت، وقد فعل ذلك نتنياهو لضمان اغلبية يمينية يضمن من خلالها تشكيل حكومته القادمة سواء فاز حزبه بأغلبية المقاعد او لم يفز، باعتبار ان اغلبية يهودية يمينية في الكنيست سيضمن توصيتهم لرئيس الدولة ليقوم نتنياهو بتشكيل الحكومة، في المقابل فشلت الاحزاب العربية في إبقاء المشتركة، ويوميا تتجلى أسباب وخلفيات هذا الفشل في الاستمرار في القائمة المشتركة وباتت الانتقادات وإلقاء التهم بين مختلف الأطراف التي كوّنت المشتركة خبز الاعلام المحلي وأدوات التواصل الاجتماعي.
وفي سياق المقارنات في ظل التحولات الجارية داخل المجتمع الاسرائيلي نحو اليمينية الدينية ونحو الشعبوية والتطرف، كان من المفترض أن تستمر المشتركة، إذ أنه عند الأزمات تلتئم الاطراف المتفرقة متحدة لمواجهة الخطر الداهم القادم عليها. هذا صحيح في عالم الأحياء والفيزياء والسياسة بين بني البشر، بيدّ أنه غير ذلك عند أحزابنا العربية وهو ما يعني أنهم ليسوا على قدر المسؤولية لقيادة الداخل الفلسطيني ومن ثمّ فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
في الواقع السياسي الاسرائيلي للأحزاب والتي تعتبر الاحزاب العربية المشاركة في الكنيست جزء لا يتجزأ منه، ثمة أمراض موسمية تعترضها ابتداء من منطق المصالح الذي يحكمها فور دخولها الكنيست ومشاركتها في اللجان المختلفة، وعقد الصفقات لتمرير قرارات وقوانين، وهذا طبيعي في النُظُم الديموقراطية الراسخة، وانتهاء بالنزاعات التي تهب بين مكونات الحزب الواحد على خلفية المصالح والمواقف، فضلا عن تلكم التي عقدت بينها صفقات تنتهي بمجرد الدخول الى الكنيست، وهذا تماما ما سيحدث مع القوائم العربية، بعد التاسع من ابريل\نيسان القادم فشراكتها الراهنة لتحقيق عبور نسبة الحسم ومن ثمّ تحكم هذه المجموعات قيم داخلية مختلفة ومتباينة رغم حديث البعض عن تنسيق وعمل استراتيجي سيستمر بعد دخول الكنيست، وهذه النزعة، نزعة الانشقاق داخل الكتل، تكشف عن منطق الشخصانية الحزبية وهذا معناه أن فاقد الشيء لا يعطيه.
لقد انتهى دور المشتركة وأفضت الى ما قدمت إليه، وأضحت محلا للأبحاث والتحليل والدراسات، وهذا بحد ذاته امر مهم، وبات الواقع الانتخابي العربي على ثلاثة مجموعات تحالفية، واحدة منها ستكون محرقة أصوات بالتأكيد لا ذكر لها في الشارع السياسي الانتخابي ألا ما ندر، وكتلتان رصينتان لهما بعض الحظوظ في ظل ارتفاع مستمر للمقاطعة والمطالبين بها كاستحقاق سياسي على خلفيات فشل المشتركة في ادارة ملفات رصينة ذات أثر استراتيجي في مسيرتنا كفلسطينيين في الداخل، من مثل قانون القومية أو كاستحقاق أخلاقي على ضوء ممارسات المؤسسة الاسرائيلية اليومية معنا من بطش وتنكيل، وما يصدر من تصريحات شبه تراكمية- يومية من قيادات اسرائيلية وازنة من مثل رئيس الوزراء الذي بات التحريض علينا كفلسطينيين خبزه اليومي.
وبدل أن تكون الأحزاب العربية صفا واحدا لمواجهة التحديات، تفرقت شذر مذر، ليبقى هذا الداخل ضعيفا وواهنا، فلا هم أبقوا على وحدتهم في الكنيست ولا هم آثروا العمل الوحدوي في المتابعة لتطويرها كسقف وطني جامع للداخل الفلسطيني، ومن ثم فإنّ فاقد الشيء لا يعطيه.
عندما ظهرت قائمة الجنرالات التي تشكل خطرا حقيقيا على ليكود نتنياهو سارع الأخير في أول رد فعل له بمهاجمة العرب في البلاد ومهاجمة القوائم العربية وربط بين تلكم القائمة “كحول لافان” وبين القوائم العربية بحسب أنهم سيكونون الجسم المانع، وكان رد فعل لابيد لا يقل سوءا عن نتنياهو وكلاهما ينطلق من أساس عنصري مرتكز الى الموروث الصهيونيين من “عصر الييشوف” الذي يرى بنا نحن اصحاب البلاد، خطرا يجب التخلص منه، وفي أسوأ الاحوال ترويضه، واستمرت هذه السياسة بعد قيام الدولة عبر فرض الحكم العسكري واعتبارنا خزان أصوات ليس أكثر، وباعتبارنا المادة التي يمكن للصهاينة مهما كانت مدارسهم استعمالهم كمماسح انتخابية متى شاءوا وأنى شاءوا، هكذا تعامل معنا مؤسس هذه الدولة، وهكذا تعامل من جاء بعده، حزب الليكود الحاكم، برئاسة بنيامين نتنياهو.

خدمات مجانية
الاحزاب العربية المشاركة في انتخابات الكنيست تاريخيا لعبت بعلمها أو بغير علمها، دور مبيض الغسيل لثوب المؤسسة الاحتلالي من جهة، ودور الممتص لغضب الشارع العربي في الداخل من جهة أخرى، فمارست الدور ونقيضه مع أهلنا في الداخل الفلسطيني بل ومارست دورا تضليليا بحقه، عبر تفريغ الاحتقان الداخلي بوسائل سياسية غير راشدة من جهة، وأدوات نضالية لا تحقق أدنى المطالب، وبذلك تكون الاحزاب العربية في الكنيست قد خدمت المشروع الصهيوني خدمات جليلة: تحقيق مشروعية وجوده القائم على أنقاض وحقوق الشعب الفلسطيني، بين الفلسطينيين، والحيلولة دون أن يحقق فلسطينيو الداخل متطلباتهم الأساسية النابعة من كونهم أصحاب البلاد، وتبجح المؤسسة الاسرائيلية التي فرضت حكما عسكريا علينا ما زالت تداعياته الى هذه اللحظة في اننا نعيش في دولة ديموقراطية.
كشفت الانتخابات أن النواب العرب في الكنيست، لا يملكون الأدوات التي تمكنهم من خدمة الداخل الفلسطيني، لذلك ظهرت ضرورة إحداث مراجعات في مسيراتنا السياسية في الداخل الفلسطيني، وهم بدورهم يرفضون إجراء مثل هذه المراجعات، برسم انهم يخوضون الانتخابات تحت قائمتين كما أشرت. واذا كان فاقد الشيء لا يعطيه، فمن باب أولى القول إن الكنيست التي لم يأتينا منها الا القهر ومصادرة الارض وهدم البيوت والملاحقات السياسية والقائمة طويلة، من يشارك فيها من عربنا إنما هو شريك (أخلاقيا) في تلكم الانتكاسات التي تصيبنا من جراء تلكم التشريعات، حتى وإن عارضها ورفضها لأنه باختصار وافق أن يكون جزءا منها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى