أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

صفعة القرن

توفيق محمد
قال السيد عزام الأحمد خلال لقاء جمعنا معه قبل أكثر من عام أنه رغم رفض السلطة الفلسطينية لصفقة القرن الا أن السلطة ستأكل العسل الذي فيها، وتلقيها.
في مثل هذا الوقت قبل مائة سنة كانت صفعة القرن الأولى التي عمل مشرطها في جسد الامة، وجعل منها أمما وشعوبا وقبائل متناحرة متنافرة متقاتلة، ودولا ذات أهداف وأنماط مختلفة لكل منها حدود مصطنعة، وترك بينها مناطق نزاع مفتعلة حتى تبقى كل دولتين متجاورتين في حال صراع دائم، يُضعف الأمة ويبقيها في حالٍ يُمَكِّنُ الأعداء من السيطرة الدائمة عليها، وهكذا وقع شرقنا العربي الإسلامي تحت الاحتلالين البريطاني والفرنسي، وهكذا وقعت فلسطين تحت الاحتلال البريطاني الذي سلمها على طبق من فضة لليهود بعد ان كان وزير خارجية بريطانيا قد أصدر وعده المشؤوم الذي سُمِّيَ بإسمه وعد بلفور قد تعهد في 2.11.1917 بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين خلال 30 سنة، وهذا ما كان بالضبط.
بعد مرور 100 سنة على صفعة القرن العشرين يبدو أننا الآن على مشارف صفعة القرن الحادي والعشرين والتي يتعهد فيها رديف الاحتلالين البريطاني والفرنسي بصفعة قرن جديدة بدأت ملامحها النهائية تتضح، فأمس أُعلن عن ملامح الصفعة الأمريكية التي يُراد توجيهها للقضية الفلسطينية وللأمة الإسلامية وللعالم العربي، بعد اذ انهكت الحروب الداخلية والمؤامرات الكونية الدول العربية ومحيط فلسطين بحروب وخلافات داخلية ما تزال تدمي جسدها بشكل يشغلها الى أمد طويل بجراحها الداخلية ويُحَيِّدُها عن القضية الجوهر والأساس للأمة الإسلامية وهي القضية الفلسطينية وفي القلب منها القدس والمسجد الأقصى.
تتحدث صفعة القرن الجديدة عن حكم ذاتي فلسطيني فيما يتبقى من أرض فلسطينية لم تقم عليها مستوطنات يهودية، وشرعنة المستوطنات اليهودية القائمة في الضفة الغربية، وتأجيل البت في مناطق “سي” وهي 61% من مساحة الضفة الغربية، وتخضع بشكل تام للاحتلال الإسرائيلي إداريا وأمنيا، وسيطرة أمنية إسرائيلية على مجمل مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية وتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك (ستاتس كفو) بحيث يتم تقوية التعاون الأردني الإسرائيلي الفلسطيني في المسجد الأقصى المبارك، وهو أخشى ما نخشاه ليس فقط لذات المسجد الأقصى وإنما لما يحمله المسجد الأقصى المبارك والقدس من رمزية للقضية الفلسطينية، فسقوط حاضرة الدول والأوطان يكون إيذانا بسقوطها.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن بعد فتح باب الرحمة ان السماح بإجراء الترميمات في باب الرحمة منوط بأن تقدم الخرائط للجنة التنسيق المشتركة، وكأنه يستبق الإعلان الأمريكي لصفعة القرن التي تتحدث عن تعاون ثلاثي، علما انه لا توجد لجنة من هذا القبيل ولا سيادة في المسجد الأقصى الا تلك السيادة الفلسطينية العربية الإسلامية التي ينوب الأردن فيها عن هذه الدوائر الثلاثة.
ولا شك ان الوصفة الامريكية – صفعة القرن-تعني طي ملف القضية الفلسطينية وسيطرة إسرائيلية احتلالية كاملة وتامة على كل الأرض الفلسطينية.
السنة الأخيرة شهدت حدثين هامين في مسيرة المسجد الأقصى المبارك شكلا ضوءا أحمر، على ما يبدو لم تحسن الإدارة الامريكية ورئيسها “ترامب” قراءتهما بشكل جيد، وقد شكل الحدثان ردا مقدسا صادقا ومخلصا على كل التغييرات التي يراد إنزالها على المسجد الأقصى.
الحدث الأول كان البوابات الالكترونية التي وضعها نتنياهو وأردان على مداخل المسجد الأقصى، وتم إزالتها بعد هبة البوابات التي حشدت عشرات آلاف المقدسيين وأبناء الداخل الفلسطيني على مداخل الأقصى يوميا وقبل كل صلاة رفضا لها، والحدث الثاني هو باب الرحمة الذي احتشد له مرة أخرى المقدسيون وأهل الداخل الفلسطيني حتى تم إعادة فتحه كأحد مصليات المسجد الأقصى الذي تُقام فيه الصلوات الخمس والجُمَعُ.
سبق وحذرت الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا ان المسجد الأقصى في خطر منذ عشرين سنة، وسخر من سخر، وتآمر من تآمر على حظرها، وكل من تآمر يعلم من نفسه ذلك، وعليه ان يقف أمام المرآة، ويسأل نفسه أين هو من الوطن ومقدساته، لكن مع ذلك فقد نجحت المحظورة إسرائيليا، ونجح أبطال المرحلة المقدسيون برعاية الأوقاف الاسلامية في القدس ان يرسموا حدود الخطر المحدق في المسجد الأقصى المبارك ووجوب الدفاع عنه أمام الغطرسة الإسرائيلية التي تسعى للسيطرة عليه وانتهاك حرمته.
ورغم الفتاوى اليهودية الواضحة لمن يطلق عليهم حاخامات القدس بالحرمة الواضحة والجارفة على اليهود بان يقتحموا المسجد الأقصى المبارك الا ان من يُجَيِّرُ الدين اليهودي من الجماعات اليهودية المتطرفة والحكومة الإسرائيلية يصرون على مواصلة اقتحام المسجد الأقصى وانتهاك حرمته وتجريم من يخدمه ويدافع عنه خدمة لأهدافهم السياسية الممهورة بالتأصيل الديني أيضا، ولذلك فإن صفعة القرن المفصلة وفق المقاسات الإسرائيلية تأتي لتضع المسجد الأقصى المبارك على مشرحة القرن حتى توجه صفعتها القاضية للقضية الفلسطينية وفقما تعتقد، لكن صمود المقدسيين الذي أسقط ما سبق من مؤامرات على المسجد الأقصى المبارك كفيل بأن يسقط كل المؤامرات التي تحاك من جديد تحت مسميات التعاون والتشكيلات الجديدة التي تسعى أمريكا والاحتلال الإسرائيلي لفرضها على المسجد الأقصى المبارك، ولا شك ان الشعب الفلسطيني والمقدسيين وهيئة الأوقاف لديهم القدرة على مواجهة التحديات مهما كانت جساما، وبإمكانهم أيضا رفض كل العسل الذي يسكبه الأمريكان في إناء السم المسمى صفقة القرن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى