أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

تثبيت الخطاب االإسلامي (1)

صابر عبد الله – باحث فلسطيني

1. هو الخطاب الإسلامي الوسطي الذي يستمد فهمه الراشد من القرآن الكريم والسنة النبوية، ولا يرضى أن يُرَّجح أي رأي أو خطاب أو فتوى أو فكر أو مبدأ على القرآن والسنة، وهو الذي يعضُّ عليهما بالنواجذ إلتزاما بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي).

2. وهو الخطاب الذي يدرك خلال إصراره على التمسك بالكتاب والسنة أن من أصول التمسك بهما فهم الزمان والمكان والحال الذي نعيش فيه، وفهم الوسائل الشرعية المطلوبة لحفظ مبادئ وثوابت وأحكام القرآن والسنة في هذا الزمان والمكان والحال الذي نعيش فيه.

3. وهو الخطاب الذي يعي على بصيرة أنه الى جانب القرآن والسنة كمصدرين أساس للتشريع الإسلامي هناك الأجماع والقياس والاستصحاب والاستحسان وسد باب الذرائع والمصالح المرسلة التي تستقي وجودها من القرآن والسنة وتوسع مدى مساحة الادراك في الفقه الإسلامي بحيث لا يمكن لمسألة أن تحدث إلا ولها حل إسلامي في القرآن والسنة وإلا ففي سائر مصادر التشريع الإسلامي: الأجماع والقياس والاستصحاب والاستحسان وسد باب الذرائع والمصالح المرسلة، مع التأكيد أن الاستناد إلى كل هذه المصادر بداية من القرآن والسنة فصاعدا بهدف إستنباط الأحكام الشرعية ليس مشاعا يجوز للجميع أن يخوضوا فيها ويستنبطوا الأحكام الشرعية منها لأنفسهم أو لغيرهم، بل لا بد لطالب العلم أن يستوفي شروط الخوض في هذه المصادر وإستنباط الأحكام الشرعية منها.

4. ولذلك ليس كل من حفظ القرآن عن ظهر قلب هو فقيه، ولا كل من حفظ الأحاديث النبوية، ولا كل من اتسعت مدارك ثقافته الإسلامية، ولا كل من أحاط ببعض علوم اللغة العربية ولا كل من خطب الجمعة أو ألقى درسا أو كتب مقالة أو أوتي جدلاً، بل لا بد أن تتحقق فيه كل شروط الاجتهاد كيما يستنبط الأحكام الشرعية، وإلا إذا تجرأ على الاجتهاد وهو لا يملك شروط الاجتهاد، ففيه قيل في الاثر : ( أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار).

5. الخطاب الإسلامي يدرك ذلك ويدرك أنه حتى نجنب أنفسنا هوى أي متلاعب بأحكام الاجتهاد في أية مسألة فلا بد لنا من الالتزام بما نصت عليه المذاهب الأربعة في أية مسألة، فان لم يتوفر في المذاهب الأربعة حل لمسألة جَدَّت علينا أو أكثر، فهناك مجامع الفقه الإسلامي التي هي في مأمن من خطر الهوى الفردي والمزاجية والتلاعب والانحراف.

6. الخطاب الإسلامي يحمل الخير للمسلمين بخاصة ولأهل الأرض بعامة، ولذلك فأنه يصبو لهداية الناس، ونقلهم من ظلمات الضلال إلى نور الإسلام، ولكنه عندما يخاطب الناس لا يغلظ عليهم ولا يقسو، ولا يتبنى لغة التجريح أو التخوين أو التكفير، ولا لغة توزيع الشهادات على الناس ما بين صكوك غفران وصكوك حرمان.

7. الخطاب الإسلامي يتمسك دائما في كل مسيرته بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا)، وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق فأن المنبت لا ظهراً أبقى ولا أرضا قطعا.)

8. الخطاب الإسلامي يتمسك سلفا بقول الله تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ)، وبقول الله تعالى: ( إدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).

9. الخطاب الإسلامي يتمسك بالواقعية والاتزان والعقلانية والرؤية الراشدة الناضجة الشمولية والثبات في موقف الثبات والمرونة في موقف المرونة والتطور بما يُتاح من تطور، والحداثة بما يتاح من حداثة، والتقدم بما يتاح من تقدم، والعصرنه بما يُتاح من عصرنه في حدود القرآن والسنة وسائر مصادر التشريع الإسلامي التي هي تابعة للقرآن والسنة وتدور معهما وتأتمر بهما وليس العكس.

10 ولذلك فان الخطاب الإسلامي ليس بحاجة إلى من يدعو اليوم إلى إدخال الواقعيه أو العقلانية أو العصرنة إلى الخطاب الإسلامي، لأنها موجودة في صميمه أصلا، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها وصادمها من صادمها، مع التأكيد أن من جهلها أو صادمها ليس حجة على الخطاب الإسلامي، بل الخطاب الإسلامي حجة عليه، وكل مخلوق يُؤخذ منه ويُرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

11 ولكن إلى جانب ذلك فأن من حق الخطاب الإسلامي أن يدافع عن نفسه، وأن يحفظ لنفسه ما يتمتع به من ثوابت ومبادئ وأصول وقيم ، ومن حقه أن يصارح من أساء استخدامه وأن يقول له: لقد أسأت استخدامي، بلغة النصيحة والتصحيح لا بلغة الفضيحة والتجريح. وإلا لضاع الخطاب الإسلامي بدافع الجهل مع حسن النية او سوئها في بعض الأحيان، أو بدافع إرضاء الآخر على حساب الخطاب الإسلامي، أو بدافع التبرؤ من تهمة الإرهاب والتطرف والرجعية والداعشية على حساب الخطاب الإسلامي.

12 إن حَمَلَة الخطاب الإسلامي ما كانوا متهمين لأنهم يحملون الخطاب الإسلامي، ولن يكونوا متهمين في يوم من الأيام، ولن يقفوا موقف المدافعين عن أنفسهم، بل سيجهرون بالخطاب الإسلامي في كل زمان ومكان وظرف، معتزين بالانتماء إليه، ومفتخرين بأنهم من حملته، ولا يخافون في الله لومة لائم، لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم.

13 فيا أبناء الخطاب الإسلامي كم أنتم بحاجة ماسة أن تعضوا على الخطاب الإسلامي بنواجذكم، لو تكالبت عليه كل الأحزاب الجاهلية، وكم أنتم بحاجة أن تنصروه بأقوالكم وأعمالكم وأقلامكم وسلوككم، وكم أنتم بحاجة أن تردوا عنه أي إفراط أو تفريط، وكم أنتم بحاجة أن تحافظوا عليه محجة بيضاء ليلها كنهارها، صافيا نقيّا من عبث المغالين أو المتطرفين أو الجاهلين أو المتغربين أو المدسوسين أو المهزومين أو المضبوعين !!

14 كم أنتم بحاجة أن تقفوا في وجه كل من قد تسول له نفسه أن يتطاول على الخطاب الإسلامي وأن تصرخوا في وجهه: نحن هنا في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس !! إلا الخطاب الإسلامي.

15 كم أنتم بحاجة أن تقفوا في وجه السيسي الذي بات يسعى إلى إجهاض الخطاب الإسلامي باسم تطوير الخطاب الديني، وأن تقولوا له: نحن هنا !! إلا الخطاب الإسلامي.

16 كم أنتم بحاجة أن تقفوا في وجه محمد بن سلمان الذي بات يسعى إلى هدم ميزان الحلال والحرام في الخطاب الإسلامي باسم تجديد الخطاب الديني، فأذاق مكة المكرمة، وأذاق المدينة المنورة، وأكنافهما وأذاق علماءهما وأحرارهما وحرائرهما الويلات علانية وعلى المكشوف وبالبث المباشر، وأن تقولوا له: نحن هنا!! إلا الخطاب الإسلامي.

17 كم أنتم بحاجة أن تقفوا في وجه محمد بن زايد الذي بات يسعى هو وزبانيته إلى تمييع هوية القدس والمسجد الأقصى المباركين، وكأن هذا الاحتلال الإسرائيلي ليس باحتلال، وكأن القدس والمسجد الأقصى المباركين ليسا بمحتلين، وكأن للاحتلال الإسرائيلي الحق الكامل في القدس المحتلة وبيوتها، وفي المسجد الأقصى المحتل وجواز أداء الطقوس التلمودية فيه، وأن تقولوا له: نحن هنا!! إلا الخطاب الإسلامي.

18 كم أنتم بحاجة أن تقفوا في وجه السبسي الذي بات يسعى للتلاعب بأحكام الميراث الإسلامية باسم عصرنة الخطاب الإسلامي، وأن تقولوا له: نحن هنا!! إلا الخطاب الإسلامي.

19 كم أنتم بحاجة أن تقفوا في وجه من تآمروا مع الأذرع الإسرائيلية والأمريكية على حظر الحركة الإسلامية إسرائيليا وهم من بني جلدتنا وأن تقولوا لهم: أنتم مكشوفون علينا، حتى لو لبستم ألف (طاقية خفاء) !! إلا الخطاب الإسلامي.

20 كم أنتم بحاجة أن تقفوا في وجه من أغراه منصبه في القضاء الشرعي الإسلامي المربوط بوزارة القضاء الإسرائيلي، وكاد أن يؤذي أحكام القضاءالإسلامي في شؤون الاسرة ومسائلها وأن تقولوا له : إتق الله!! إلا الخطاب الإسلامي.

21 كم أنتم بحاجه أن تقولوا لمن حاول أن يجر أئمة المساجد –الذين نثق بهم- إلى ما لا تُحمد عقباه: لا نزال نحسبك من أهل العطاء!! إلا الخطاب الإسلامي.

22 كم أنتم بحاجة أن تقولوا لمن وصف المقتحمين الإسرائيليين للمسجد الأقصى المبارك المحتل بصفة (زوار) وأن تهمسوا في أذنه: لقد تعثر قلمك بهذا الوصف، ولا نزال نحسبك من أهل العطاء!! إلا الخطاب الإسلامي.

23 كم أنتم بحاجة أن تقولوا لمن أخطأ باجتهاده عندما ظن أنه لا بأس من التنسيق الرسمي مع شرطة الاحتلال الإسرائيلي عندما قام ببعض الأعمال التطوعية في المسجد الأقصى وأن تنصحوه غيورين عليه: لا تمنح سيادة للاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى المحتل، من حيث لم تقصد، ننصحك أن تنتبه، إلا الخطاب الإسلامي.

24 كم أنتم بحاجة أن تقولوا ناصحين بكل لغة نصح ودعاء بالخير إلى من بات يرفع شعار (تجديد الخطاب الديني) على صعيد الداخل الفلسطيني: لا نزال نحسبك من أهل العطاء، ولذلك نرى من الواجب أن ننصحك من القلب إلى القلب وأن نصارحك بشفافية، محذرين أن يستغل البعض- وهم الذين نعرفهم وتعرفهم- هذا الشعار الذي رفعته، كيما ينالوا من مبادئ وثوابت الإسلام باسم: ( تجديد الخطاب الديني) الذي يرفعه فلان!! ونحن على ثقة أنهم لن يخدعوك ببريق الألقاب التي قد يخلعونها عليك!! فكم باتت حصوننا مهددة من الداخل، وكم نحن بحاجة إلى تثبيت الخطاب الديني بمفهومه الوارد في هذا التمهيد.

25 وسلفا من الواجب أن يُقال : قد يرى البعض أنه لا حرج عليه أن يواصل المشاركة في لعبة الكنيست التي كانت ولا تزال مكشوفة عورتها، أو أن يدعو إلى إقامة حزب جامع للمسلم والمسيحي والدرزي واليهودي لخوض لعبة الكنيست العدمية، ولا يسعنا إلا أن نقول له: لا يملك أحدنا الحق أن يكمم فم الآخر، وإن كنا نستغرب عليك كل ذلك، وننكر كل ذلك ونرفضه، ولكن كم نتمنى عليك: أن تقول هذا رأيي، وليس موقف الخطاب الإسلامي.

26 يا حملة الخطاب الإسلامي، سووا الصفوف وسدوا الفرج، ولا تنابزوا بالألقاب في أية مسألة خلاف، فالأيام حُبالى بما بشرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وميلادها قريب، فتعالوا لنلتقي على تثبيت الخطاب الإسلامي، برؤية راشدة، لا نخاف فيها لومة لائم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى