أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

نحن والانتخابات (4) انتخابات الكنيست .. الفائدة المرجوة

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
تعتبر الانتخابات في النُظُم الديموقراطية احد أهم الادوات لتداول السلطة بين القوى السياسية الفاعلة في تلكم المجتمعات، وتشكل الانتخابات الطريقة الوحيدة لتحقيق مصالح القوى المنتَخِبة داخل المجالس التشريعية، حتى لو كانت تلكم القوى في المعارضة بفضل تمريرها لتشريعات تصب في مصلحة فئات بعينها أوصلتهم إلى تلكم المجالس، سواء من خلال مشاركتها في الائتلافات الحكومية او رهنها الموافقة على تمرير تشريعات بتمرير مصالح عينية أو عبر سن القوانين والتشريعات التي تحظى بقبول من النواب والمشرعين. وتتسم هذه الطريقة بالعلاقة المباشرة بين الناخب والمنتخب لتحقيق تلكم المصالح .
في الحالة الاسرائيلية تتم الانتخابات على أساس من القوائم المغلقة التي يعلن عنها مسبقا، أي قبل الانتخابات التشريعية العامة- مع أواخر الشهر الجاري ستقدم كافة القوى المتنافسة قوائمها- والعلاقة بين الناخب والمنتخب تنتهي بمجرد دخول الاخير الكنيست ومزاولة عمله داخلها، مع اننا نشهد في السنوات الاخيرة نوعا من التواصل شبه اليومي بين اعضاء الكنيست والقطاعات الجماهيرية المختلفة، من اجل تحقيق العودة مجددا للكنيست ومن اجل سن تشريعات تضمن مصالح تلكم الفئات، ومعلوم ان الانتخابات الاسرائيلية لا تفرز حزبا يستطيع بمفرده تشكيل الحكومة مما يحتم عليه صناعة الائتلافات لتحقيق منجزه السياسي، وهو ما يترتب عليه دفع أثمان لهذا الائتلاف، عادة ما تعود بالنفع على تلكم الاحزاب سواء عبر تنفيذ سياساتها الخاصة كما حدث في هذه الحكومة حيث نجح البيت اليهودي-ثمانية اعضاء فقط- بخلق واقع سياسي وقانوني اكثر يمينية وتطرفا ورفضا للوجود العربي ومؤسسا لضم الضفة الغربية عبر قوانين وتشريعات سنّها او عبر تقديم خدمات كبرى للقطاعات التي يمثلها الحزب كالمستوطنين في حالة البيت اليهودي الذي تفكك مؤخرا او الاحزاب الحاريدية ممثلة بشاس وديجل هتوراه.
تمارس الاحزاب عدة طرق لاختيار مرشحيها لانتخابات الكنيست، من ذلك الانتخابات التمهيدية المغلقة داخل الاحزاب كما يحدث في ميرتس والعمل والليكود، أو انتخابات برايمرز مفتوحة، بحيث يحق لكل مواطن المشاركة فيها وهي مستحدثة في الانتخابات الاسرائيلية وتمارسها حركة زهوت “هوية ” بقيادة موشيه فيجلن، او عبر انتخابات اللجنة المركزية للحزب كما هو حاصل مع الجبهة او التجمع او البيت اليهودي، او عبر لجنة تعيينات وقد كانت تاريخيا هذه الطريقة المعمول بها في احزاب المباي وحيروت واليوم يعمل وفقا لهذه الطريقة الاحزاب الدينية الحاريدية، شاس وديجل هتوراه وأخيرا التعيينات المباشرة من قبل قائد الحزب ومعمول بهذه الطريقة في يش عتيد بقيادة يائير لبيد وكولانو بقيادة موشيه كحلون او حزب الحركة بقيادة تسيفي ليفني. والسؤال هل استفادت جماهير الداخل الفلسطيني من الانتخابات بحسب انها اداة ناعمة توافقت عليها الاحزاب والحركات المؤمنة بضرورة الانتخابات للكنيست كرافعة لتحقيق مصالح الداخل الفلسطيني: المصالح اليومية اللوجستية.

الخطوط الحمراء

في اطار جدل العلاقة الذي اشرت اليه بين الداخل الفلسطيني والمؤسسة الاسرائيلية فأن ادخال الاحزاب العربية حتى وإن ارادت ذلك في ائتلافات حكومية مرفوض اسرائيليا بل هو خط أحمر، وإن شهدنا بالسنوات الاخيرة تعيين وزير او نائب وزير، ولكن الامر لم يتعد ذلك قط، بل وكلنا يعلم ان احد الاسباب الهامة بتشكيك اليمين باتفاقية اوسلو التي اوصلت القضية الفلسطينية دار البوار هو وقوف الاحزاب العربية في الكنيست جسما مانعا بعدئذ رفض رابين اشراكهم في الحكومة، وهذا الامر مجمع عليه في الشارع السياسي الاسرائيلي السياسي والشعبي ففي المؤسسة الاسرائيلية حكومة وشعبا ثلاثة خطوط حمراء لا يمكن للأقلية العربية الاقتراب منها: الائتلافات الحكومية ، المشاركة في الناتج القومي ، والمشاركة في الهم الامني الوطني المخصوص، مما يعزز من اسئلة الجدوى حول الاستمرار في هذه الانتخابات من جهة ولماذا لا نبحث عن أدوات اخرى لتحقيق مصالحنا في الداخل الفلسطيني.

ابن خلدون ونظرية الغالب والمغلوب

لن أخوض في سياسات الاحزاب العربية ومواقفها الايديلوجية والسياسية والاجرائية من التعامل مع المؤسسة الرسمية بقدر ما يهمنا في هذه المقالة اجتراح وسيلة نفهم من خلالها جدل العلاقة القائم بين العمل من خلال الكنيست مع عدم جدواه والاصرار عليه.
عالج العلامة ابن خلدون في مقدمته هذه القضية بعد أذ تنبه في قراءاته التاريخية لمسارات الأمم الى أحوال الامم الغالبة والامم المغلوبة، وفي هذا يقول في المقدمة ” … إن النفس أبداً تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه…” وهي عملية تفوق الآخر “الغالب” أو الذي يمتلك التفوق العسكري والتقني والصناعي حسب نظرية فرانز فانون، ويملك ناصية التطور الزراعي والعمراني والسايبري المعاصر، فهو يمتلك القوة بكل معانيها وتجلياتها التي هي رمز الوجود بالنسبة للغالب، والاستلاب بالنسبة للمغلوب والقوة في هذا الصدد لا تُفَسَرُ فقط بمعناها الحرفي بل بالقوة الناعمة التي من ضمنها بل وفي مقدمتها المفاعيل السياسية والثقافية ومن ذلك قضية الانتخابات فهي من جهة تبهر الناظرين ويعمل المغلوب على التعاطي معها على اعتبار ان هذه القوة هي رمز وجوده المستلب، والقوة هنا لا يتم تفسيرها بحد ذاتها فحسب، وإنما ما “انتحل الغالب من العوائد والمذاهب” ولذلك تكون الانتخابات حمالة لوجهين متناقضين يستفيد من كلاهما الغالب: الانبهار والاقتداء وبذلك تتخلق علاقة وجدانية بين الغالب والمغلوب يكون فيه الاقرار الضمني من المغلوب ببقاء وسيطرة الغالب من جهة وتقمص سياساته واللعب بأدواته التي وضعها وعدم الخروج عن الفضاءات التي رسمها، ولذلك مع مرور الوقت سيجد المغلوب نفسه كما قال ابن خلدون “ولهذا تذعن للرق في الغالب أمم السودان لنقص الإنسانية وقربهم من عرض الحيوانات” حسب قوله، وبالتعبير الماركسي إنهم يصبحون آلة في خدمة المستعمِر(بكسر الميم) “إذا غلب على أمره وصار آلة لغيره” وهو ما يعني من ضمن ما يعني أن المغلوب قد أقرّ بعجزه في مقارعة الغالب وتغيير المعادلة والعودة بها الى حالة من التوازن ومن ثم تغييرها وتغيير ما في عمليات التغيير لتحقيق العودة الى الذات “المنكوبة “، والحالة التي نحن فيها يشبهها ابن خلدون بقوله “العامة على دين ملوكهم” فالركون الى الواقع والتعاطي معه من خلال فلسفات تبرر الواقع وتمتهنه مصلحة ذاتية/ فردية وجماعية/ حزبية، يعني ان المغلوب قد تقمص اخلاق وسلوكيات الغالب وانصاع لإرادته طوعا، ولذلك لا يمكننا تجاوز حالة الترهل المجتمعي وتغلغل “الأنا” على حساب المصلحة الجمعية، الا من خلال فهمنا للفلسفة التي صاغتها المؤسسة الاسرائيلية المبنية على قاعدتي الاقصاء/ الاحتواء وفرق تسد. وبينهما مساحات واسعة من العمل كما تتكشف لنا سياسات الليكود منذ عام 2009 والى هذه اللحظات.

الانتخابات إذ تحقق اهدافها

في هذا السياق تكون الانتخابات قد حققت اهدافها اسرائيليا ابتداء من اعتراف معلن ومبطن بوجود الدولة، واستحالة اعادة العجلة الى الوراء وبقبول الواقع الراهن، وهو ما يولد شعورا بالاغتراب لدى العامة من الناس، شعور يبينه ابن خلدون بالتماهي مع قوة الغالب وكما يبينه ماركس بالاغتراب، وتزداد هذه العملية تعمقا مع كل انتخابات للكنيست، أذ يتجند المتحزبون ومن يعتقدون هذا المسار كأنهم من غفوتهم صاحون يتراكضون فيما بين العامة والخاصة كل يحمل برنامجه أن كان عنده برنامج والهدف الاساس الوصول الى الكنيست، لا تصحيح خطأ تاريخي وقع على الشعب الفلسطيني، وفي هذا الصدد تفيد القراءات المتواترة للعلاقة بين السلطة الاسرائيلية والداخل الفلسطيني انها لم تتزحزح عن القاعدة التي نادى بها بن غوريون في بدايات تأسيس هذه الدولة، بضرورة محاسبة العرب على ما يمكن ان يفعلوه لا على افعالهم، فالعربي في العقلية الاسرائيلية الرسمية والعامة متهم دائما، وذلك من منطلق عقلية الغالب التي لا تتحسب دائما من ظهور مجموعات قد ترفض سياسات الإستخذاء ودوام السيطرة فحسب، بل وتعمل جاهدة على تفتيت هذه المجموعة إذا ما سعت للتخلق والتبلور مجددا على اساس من واقعها السالف، ولذلك اعتمدت العقلية الاسرائيلية منذ لحظة تأسيسها الأول سياسة الاتهام حتى يظل المغلوب في محل دفاع عن النفس ومبررا او مستنكرا ما يصدر من اعمال لا يرضى عنها الغالب الى ان تستوي نفسيته بقبول الامر الواقع، وهذه الفلسفة لم تتغير منذ بن غوريون والى هذه اللحظات، بل ازدادت حدة ووضوحا في السنوات الاخيرة مع ملاحظتين هامتين. الاولى ان المؤسسة الاسرائيلية وصلت الى خلاصات محددة في جدل العلاقة مع الداخل الفلسطيني مفادها انه ما عاد بالإمكان طردهم من البلاد والثانية ان الاقلية العربية الفلسطينية كذلك ايقنت انه ما عاد بالإمكان انهاء وجود هذه الدولة والعودة الى المربعات الاولى قبل النكبة، ولذلك منذ عام 2009 نهجت المؤسسة الاسرائيلية بنهجين للوهلة الاولى متناقضين ومختلفين، الاول تعلق بالمجموعات السياسية الناشطة في الداخل الفلسطيني ووضعت مسطرة تقيس عليها هذه المجموعة تقاربها من خلال الكنيست ومن خلال الموقف المستقبلي من الدولة والوجود اليهودي عموما على ارض فلسطين التاريخية، فمن رفض الكنيست وآمن بدولة كل مواطنيها او بدولة واحدة من البحر الى النهر علمانية يحكم فيها من تنتخبه الجماهير بغض النظر عن هويته العرقية والدينية، او أمن بالعمل من خلال الكنيست وأخذ مواقف جد “متطرفة ” من الدولة ورموزها فهو في مأمن من قبضتها الأمنية لأنه يزامل هذا العمل والخطاب تحت سقف الدولة ممثلا بالكنيست. ومن لم يؤمن بتلكم الطروحات ورفض المشاركة في انتخابات الكنيست فقد كان نصيبه السياسي الملاحقة والمطاردة والاعتقال ومن ثم الاخراج عن القانون وما الحركة الاسلامية عنا ببعيد. والثاني يتعلق بالداخل الفلسطيني وقد استعملت المؤسسة الاسرائيلية سياسات ذكية للوهلة الاولى متناقضة ولكنها في السير العام تصب في تحقيق وتثبيت الوجود الاسرائيلي بل وتعزيزه عمليا ونفسيا بين عموم الناس في الداخل الفلسطيني، وقد خطت المؤسسة الاسرائيلية في هذا الباب ثلاثة خطوط لا تزال تعمل وفقها: استعمال القبضة الحديدة ضد كل من تسول له نفسه الاعتراض على سياسات الحكومة المتعلقة بالداخل الفلسطيني من مثل سياسات هدم البيوت ومصادرة الاراضي، والاعتراض على سياساتها في القدس والضفة الغربية والقطاع، ولم تتورع باستعمال السلاح والقتل كما حدث في ام القيعان، او كما حدث من اعتداءات على المواطنين في مختلف المظاهرات، ولا تتورع هذه المؤسسة بالإعلان بكيل التهم لهذه المجموعة ووصمها بالإرهاب والتماهي مع الارهابيين، وكلنا عاش لحظات وادي عارة ومحمد نشأت مطلع عام 2016، وكيف أصاب الهذيان رئاسة الحكومة وكبار الوزراء.
في الوقت ذاته اقرت الحكومة الاسرائيلية في عام 2016 خطة اقتصادية بميزانية تجاوزت 16 مليار شيقل تنفذ ما بين سنوات 2016-2020 وشارك في اعدادها مكتب رئيس الحكومة والمالية، ومكتب الوزيرة جيلا جمليئيلي، والقائمة المشتركة في الكنيست، وهي من باب السكاكر التي يمنحها الغالب للمغلوب لدوام سيطرته عليه وهذه الخطة تصب في البنى التحتية في السلطات المحلية العربية في البلاد، وهذه السياسة الجامعة بين العصا والجزرة جاءت لتعزيز سياسات الاقصاء والاندماج التي تنتهجها المؤسسة الاسرائيلية مع الداخل الفلسطيني منذ مطلع هذه الالفية، كأحد الاستنتاجات الرسمية المتعلقة بأحداث هبة القدس والاقصى عام 2000، وتعزيز الايمان بإسرائيل دولة ديموقراطية في الغابة العربية، والتشتت الفلسطيني والترهل الاسلامي، والاعتقاد أن لإسرائيل حق تاريخي ناجز بوجود الدولة وقوتها، فضلا عن العيش “الكريم” فيها، فالإنسان الفرد والمجتمع أكثر ما يهمه الأمنين المعيشي والذاتي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى