ماذا نريد؟؟؟ انتخابات الكنيست، الهوية، الانتماء ومستقبلنا (1-2)

حامد اغبارية
خلي الصوت يقرر!
في كلّ مرة تعلن المؤسسة الإسرائيلية تقديم موعد الانتخابات يستيقظ النائم الدائم، وينشط الخامل، ويتنبّه الغافل، في مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، لتبدأ حملة إعلامية محمومة، ملخّصها أن مصيرنا مرتبط بانتخابات الكنيست، وأننا إذا لم ننشط، ولم نتفاعل، ولم نساهم فإن نهايتنا ستكون وخيمة، والنتائج ستكون كارثية، وسنضيع نهائيا، ولن تقوم لنا قائمة!
فهل مجتمعنا مقتنع بكليّته بهذا الوهم؟ وهل للشعب وزنٌ في اتخاذ القرار، أم أن التعامل معه هو كالتعامل مع القطيع؟ المشهد الانتخابي المتكرر منذ سبعة عقود هو صاحب القول الفصل في هذا.
إنها عملية خداع يتعرض لها الجمهور الفلسطيني في الداخل، وعملية غسيل دماغ تساهم فيها الأحزاب العربية المتفاعلة مع انتخابات الكنيست، والإعلام العربي المحلي، الذي تشكل أية حملة انتخابية إكسير حياة بالنسبة له، وهو؛ أي الإعلام، في غالبيته، له أجندة واضحة تصب في أتون الأسرلة، ولا يهمه – في الحقيقة-مستقبلنا ولا مصيرنا ولا ماذا نريد فعلا، ولا ما يجب أن نريد حقا!
يضاف إلى هؤلاء الإعلامُ العبري الذي يعتبر أخطر كتيبة مجنّدة تعمل في صالح المشروع الصهيوني. ومن هذه المصالح إيقاع هذه الشريحة الأصلانية من شعبنا الفلسطيني في شرَك اللعبة السياسية الإسرائيلية، وإخراجها من دوائر انتمائها الحقيقية، وسلخها عن همومها وعن شعبها وعن أمتها، وكأنها مجموعة طارئة وُجدت فجأة في خضم الصراع على فلسطين، والذي بلغ ذروته الموجعة في نكبة 1948. ولذلك تجد هذا الإعلام يخصص وجبات إعلامية للأحزاب العربية المرشحة للمشاركة في الانتخابات، ويستحضر الاستطلاعات والخبراء والمحللين، في محاولة لحصر كل القضية في الشأن الانتخابي، وكأن مصيرنا معلق به. ولذلك لم يأت ذلك الاستطلاع الغريب، والمثير للتساؤلات، الذي أجرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” من فراغ، ليمنح العربية للتغيير (د. أحمد طيبي) ستة مقاعد، ومثلها لسائر مركبات القائمة المشتركة! ولن تكون هذه نهاية المطاف، بل كانت هذه الطلقة الأولى في حملة إعلامية ممنهجة، هي جزء من خارطة طريق إقليمية قديمة – جديدة، أضيفت إليها مؤخرا عناصر جديدة على شاكلة السعودية والإمارات والبحرين.
ويضاف إلى هؤلاء جهات فلسطينية لها مصلحة في الإبقاء على المياه الراكدة، وعلى رأسها سلطة رام الله، التي تدلي هي الأخرى بدلوها في انتخابات الكنيست، وتمارس الضغوط على كافة الصعدة لبعث الروح في الجسد الميت، تحقيقا لأهداف تصب في نهاية المطاف في صالح الأسرلة.
ويضاف إلى هؤلاء شريحة “النخبة” من مثقفين وناشطين سياسيين، من الذين يؤدون دور الخاطبة للتوفيق بين “الرؤوس بالحلال”، وليس هذا فقط، بل إقناع الجمهور بضرورة التفاعل الإيجابي مع انتخابات الكنيست، لأنها هذه المرة (مثل كل مرة طبعا) ستكون مصيرية، وتترتب عليها مسائل وقضايا كبرى، إلى درجة إيهام الناس بأن مستقبلنا مرهون بهذه الانتخابات.
ومن أهم الأدوار التي تؤديها “النخبة” تكرار سمفونية “خلي صوتك يقرر”.. و “وصوتك مؤثر”، وهي أكبر عملية خداع للجمهور، الذي يخضع لعملية مسخ تحصره في أضيق دائرة؛ هي دائرة انتخابات الكنيست.
ولنتوقف لحظة عند هذه الشعار الخداع، الذي يحصر القرار والتأثير وتحديد المصير ورسم المستقبل في الإدلاء بالصوت في صندوق الانتخاب، وإلا فهو الخسران المبين!! علما بأن صاحب الصوت لا يُسمَعُ صوتُه بعد أن يدلي بصوته.
فمن الذي قال إن القرار والتأثير وتحديد شكل المستقبل مرهون فقط بالإدلاء بالصوت في أكبر عملية خداع، وفي أكبر كذبة نعيشها منذ النكبة، وهي كذبة المواطنة والحقوق المدنية، التي هي في الحقيقة أسرلة وذوبان في الآخر، الذي لا يريدنا أصلا، ويلهو بنا على طريقته هو، وبأدواته هو، وتحقيقا لأهدافه هو؟
إنْ كان شعار “خلّي الصوت يقرر” حقيقيا، فلماذا يحصرونه في التصويت فقط، ولا يكون عدم التصويت هو الجانب الآخر من المعادلة؟ لماذا لا يكون عدم التصويت هو أيضا مقرر ومؤثر وراسم للمستقبل؟! هكذا يريدونها؛ معادلة من طرف واحد، علما أن الطرف الآخر للمعادلة له أنصاره ومؤيدوه، وهم يشكلون القطاع الأكبر من أبناء مجتمعنا في الداخل، أو على الأقل يشكلون النصف تماما، حسب إحصائيات الأسرلة.
ألم يكن خيار عدم التصويت مؤثرا وذا نجاعة وفائدة كبيرة ونتائج صادمة للآخر، يوم اتخذ في العام 2001، كعقوبة وكاحتجاج على أحداث هبة القدس والأقصى؟ كانت المقاطعة احتجاجية مؤقتة ذات أهداف ضيقة وآنية، ومع ذلك كان لها ذلك التأثير الكبير، فكيف عندما تكون مبدئية، ومن منطلقات إيديولوجية؟ بالتأكيد ستكون تأثيرات وآثار ذات أبعاد لم يشهد لها داخلنا الفلسطيني شبيها طوال سبعة عقود.
ثم لو لم يكن لقرار تلك الشريحة الواسعة من أبناء شعبنا في الداخل بعدم التعاطي مع انتخابات الكنيست وكأنها قدر محتوم، فلماذا لجأ قادة سياسيون إسرائيليون كبار إلى الاستجداء والتوسل وعرض الميزانيات الطائلة على قادتنا، كي يدفعوا (ولو بطريقة غير مباشرة) جمهور المصوتين للإدلاء بأصواتهم؟! ألم يكن لدى البعض منّا القدر الكافي من الذكاء كي يفهم أن الطرف الآخر في معادلة انتخابات الكنيست له ذلك القدر من القوة بحيث يقلب الموازين، إلى درجة أنه دفع قادة إسرائيليين كبار، يُعتبرون من أكبر المحرّضين على قادة شعبنا وعلى أطر تنظيمية بعينها، إلى استجداء هؤلاء القادة وتلك الأطر؟
إذا أردت أن يكون شعار “خلي الصوت يقرر” ذا نجاعة وتأثير، فلتكن معادلته كاملة الأطراف، وما سوى ذلك فهي عملية خداع حان الوقت أن ينفضها شعبنا عن كاهله، وأن يستيقظ يقظة الذي تبين له أنه لم يعد أمامه خيارات كثيرة، بعد تلك السلسلة القبيحة من السياسات القميئة، والقوانين العنصرية التي تستهدف وجودنا ليس فقط كمجرد أقلية، وإنما كقطاع أصيل من ذلك المحيط الواسع الذي يضم داخله دائرة الانتماء الفلسطينية، ودائرة الانتماء العربية، ودائرة الانتماء للأمة الإسلامية.
بقرار شعبي!! أحقًّا؟
البسطاء فقط هم الذين تنطلي عليهم مقولة إن القائمة المشتركة تشكلت بقرار شعبي، وإن قرار الشعب يجب أن يُحترم!
هذه ليست الحقيقة. لأن الحقيقة أن أحدا من الأحزاب لم يسْتفتِ الشعب ولم يسأله رأيه، بل إن هناك أحزابا لم تستفت أعضاءها ومؤيديها وأنصارها، وكان قرارها من قيادتها، أو من مكاتبها السياسية، أو على الأكثر من مؤتمراتها العامة. فلا يتحدّثن أحد عن قرارات شعبية! والحقيقة الصادمة التي يعرفها الجميع، بمن فيهم أولئك الذين مارسوا عملية الخداع تلك، أن تشكيل القائمة المشتركة جاء لاعتبارات انتخابية بحتة، أفرزه قرار رفع نسبة الحسم. وتستطيع أن تتخيل معي شكل الأحزاب التي دخلت الكنيست لو أن قرار رفع نسبة الحسم لم يُرفع في الانتخابات السابقة.
ما الحكاية إذًا؟! إنها المصلحة الضيقة التي ربطت مصير وجودها، ومدار نشاطها بانتخابات الكنيست. لأنك عندما تأتي لفحص قوة تلك الأحزاب في الشارع، فسوف تصاب بالصدمة، حين تكتشف أن الأصوات في صناديق الاقتراع لا تعكس بالضرورة قوة تلك الأحزاب على الأرض. ولأنهم يعلمون هذا، فليس أمامهم سوى خيار الكنيست…
في القسم الثاني من هذه القراءة سنفصل أكثر، ونقرّب الصورة أكثر، وبشكل مختلف.. (يتبع)