أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الإرهاب اليهودي والمــستقبل المنظور

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
الارهاب اليهودي ليس ظاهرة عابرة في السياقات اليهودية والاسرائيلية، وخاصة منذ أن جِيءَ بالصهيونية إلى أرض فلسطين، فقد عاشه الفلسطينيون مباشرة وعلى جلودهم منذ أكثر من مئة عام وحتى هذه اللحظات. وهذا الارهاب بكل تجلياته وتقلباته وتداخلاته اليهودية والصهيونية والإسرائيلية له علاقات جذرية بالدين والسياسة، الدين من حيث هو دين والسياسية من حيث هي سياسة أي برسم النصوص التأسيسية لهما وفقا لرؤيتهم، وتربطهما علاقات فكرية وايديولوجية بمسألة الإرهاب، فحاله ككل انواع الارهاب الظاهر في عالم اليوم له مرجعياته التأسيسية التي يعتمدها لتشرعن عمله من جهة ولتمنحه البعد الأخلاقي لهذا العمل من جهة أخرى…. العلاقة بين الدين والسياسة في الثيولوجيا اليهودية (علم الإلهيات في اليهودية) علاقات عميقة تصل مدياتها الى تعريف الانسان من حيث هو إنسان وتفضيل اليهودي عليه وما يترتب على ذلك من فتاوى وأقوال تخص النظرة الدونية للأغيار ومن ثم استحلالهم لممتلكاته وماله ونفسه. وهذا الوضع ينسحب على الصهيونية كذلك من حيث هي ممارسة ومن حيث هي فكر وإيديولوجيا ، إذ لا تنفك العلاقة بين اليهودي واليهودية ومن بعد بين الصهيوني والصهيونية عن كونها علاقة مرجعيات كما أشرت آنفا، فهي أي اليهودية المرجعية الاخلاقية للإرهاب اليهودي كما الصهيونية.
تعود الأصول الاخلاقية لتبرير الاعمال الارهابية من طرف الجماعات اليهودية المتشددة تجاه المسلمين الى القيم الدينية- والأخلاقية التي بثها حاخامات اليهود على مدار قرون سواء كانوا من الاشكناز او من غيرهم بين عوام اليهود معمقين النظرية الفوقية لليهودي على غيره ومزدرين الديانات واتباعها وبالذات الإسلام وقد كان للحاخام الرامبام دورا كبيرا في هذا الباب فقد وقف موقفا سلبيا وعنصريا من الديانة الاسلامية معتبرا اتباعها من الكفرة (انظر : אליעזר שלוסברג، יחסו של הרמב”ם אל האסלאם- יד בן צבי, פעמנם, מס42- עמ39-41) ومثل هذه المواقف الدينية من كبير فقهاء اليهود اخذت مكانها في الفلسفة اليهودية والصهيونية من بعد، سواء من حيث نظرتهم الى الاخر او من حيث استحلاله عند تحصيل المنعة والقوة. وفي الموروث اليهودي يعتبر الراب شنيئور زلمان ملادي (1745-1812)مؤسس جماعة حاباد الأب الروحي للحاخامات المؤيدين للأعمال الإرهابية لجماعات مثل تدفيع الثمن وشباب التلال امثال الحاخام يتسحاق شابيرا والراب يتسحاق جينزبيرغ (صاحب كتاب شريعة الملك الذي يرى أنه ليس ثمة مشكلة في قتل عرب أبرياء، حتى لو كانوا أطفالًا) الذي يعتبر نفسه متمما لطريق الراب شنيئور وطريق الحاباد ويرى في العرب والفلسطينيين عبدة أوثان ويفتي بشأنهم بفتوى الشعوب السبعة التي ورد ذكرهم في “المكرا” [المكرا الاسم الآخر للتناخ وتضم كتب التوراة والأنبياء والحكمة” الاشعار]: فتوى قتلهم وابادتهم.. والشعوب السبعة التي سكنت ارض كنعان هم:(الكنعانيون، اليبوسيون، الحثيون، الاموريون، الفرسيون، الجرجسيون، الحوويون )، وبناء على هذه الفتوى التي ينزلها جينزنبرغ على الفلسطينيين فهم بين خيارين القتل او الجلاء يضاف الى ذلك ان هذا الحاخام وبما انه هو الأب الروحي لهذه الجماعات يضاف اليه حاخامات مستوطنة يتسهار فإنّ هذه الفتاوى تشكل الأرضية الاخلاقية والسياسية لأفعالهم.
معلوم أنه لا يوجد في الأدبيات الرسمية الاسرائيلية خاصة قوانينها تعريفا للإرهاب بل أن قانون الارهاب للعام 2016 تعرض لكل شيء له صلة بالإرهاب الا تعريف الإرهاب “كذات” فالبند الثاني من القانون المتعلق بالتعريفات والتفسيرات بكل فصوله لم يتعرض لمصطلح الإرهاب بل تناول اعراضه- بالنسبة للمشرع- وبنى عليها مسودته القانونية. ومرد ذلك إلى الإشكالات الُمعاشة من طرف “المؤسسة” مع الارهاب اذ تعريفه كيفما كان سيورط هذه المؤسسة قانونيا وأخلاقيا وهو ما يلمسه القارئ على سبيل المثال لا الحصر من تعريفات شبرانتسيك وجانور فقد عرَّفَ أهود شبرانتسيك الباحث في الجماعات اليهودية المتشددة وقضايا الارهاب اليهودي، الارهاب على النحو التالي: “استعمال عنفٍ حادّ- قتل أو إصابة بالغة أو تهديد بهما- ضد مدنيين، بالمخالفة التامة لقوانين الحرب ولكل الأعراف والمعايير المعمول بها؛ والنظر إلى هذا العنف بوصفه أداةً لنقل رسالة مخيفة وتهديد لجمهور عريض لا يتضرر بشكل مباشر من هذا العنف (أنظر : אהוד שפרינצק , בין מחאה חוץ פרלמנטרית לטרור: אלימות פוליטית בישראל , מכון ירושלים לחקר ישראל , 1995,עמ8) . وعرّفه بوعز جانور، الباحث بمعهد السياسات المضادة للإرهاب، بأنه: “استعمال متعمّد أو تهديد باستعمال العنف ضد مدنيين أو أهداف مدنية؛ بغرض تحقيق أهداف سياسية” وهذا التعريف الأخير يستند إلى أربعة عناصر: ماهية الفعل: استعمال عنف أو تهديد باستعماله. الفعل: دائمًا سياسي، أي تحقيق هدف سياسي. الدافع إلى الفعل: أيديولوجي؛ ديني أو غير ذلك. المستهدفون بالفعل: مدنيون.
الحاضنة الرسمية والشعبية للإرهاب..
تسود في المجتمع الاسرائيلي قناعات ان الأعمال التي يقوم بها الشبان اليهود المتشددون ضد العرب ليست ارهابا ويكفي القارئ الكريم والقارئة الكريمة ان يعلموا أنّ40% من مصوتي شاس و24% من مصوتي اسرائيل بيتنا و20% من مصوتي يهدوت هتوراه و14% من مصوتي البيت اليهودي لا يعتبرون حرق عائلة الدوابشة عملا إرهابيا، وكشف استطلاع للرأي اجراه المعهد الاسرائيلي للديموقراطية أنّ 46% من الاسرائيليين 67.5% من اليمين الاسرائيلي يوافق نتنياهو على عدم وصم وتعريف مجموعات شباب التلال وتدفيع الثمن بالارهابيين، وكان رئيس الوزراء نتنياهو قد رفض في عام 2016 تعريف شباب التلال ومجموعة تدفيع الثمن بالإرهاب وبَينَّ موقفه بوضوح في الاجتماع السري الذي عقده المجلس الوزاري المصغر والمجلس الامني في العام 2013 حيث طالب الحضور باعتبارهم تنظيما محظورا وليس تنظيما ارهابيا وعلل نتنياهو ذلك بان تعريفهم بالإرهاب سيكون “خطئا جسيما ترتكبه اسرائيل وسيلحق بها ضررا فادحا ويشوه صورتها وهو ما سيزيد من مطالب سحب الشرعية من اسرائيل وهو ما سيدفع تنظيمات عالمية للمطالبة بالمساواة بين اعمال حماس والجهاد الاسلامي ومجموعة تدفيع الثمن (–باراك رابيد، هأرتس 16-6-2013) والحقيقة المخفية من وراء قرار نتنياهو لا تتعلق بالتبريرات التي طرحها بل بإيمانه العميق بشرعية هذه الجماعات ولأنها مكملة لفكرة “الدولة اليهودية” التي يؤمن بها فهذه الجماعات من حيث المنطق الايديولوجي لشخصية مثل نتنياهو هي جماعات وظيفية تمارس دورا وظيفيا لتحقيق قضية عقائدية والمؤسسة الاسرائيلية تتعاطى مع هذه الجماعات والافراد كذلك وظيفيا وكبيان لذلك نسوق فقط ما قالته المحكمة الاسرائيلية بالنسبة للإرهابي اليهودي جاك طيبطال الذي قتل فلسطينيين لمجرد انهم فلسطينيان، ومحاولة قتل اثنين اخرين، ووضع قنبلة في بيت الفيلسوف والمفكر اليهودي زئيف شطيرنهل وذلك عام 2013، فقد حكمته المحكمة بضع سنين فقط ولّما طالب اهالي الضحايا الدولة بالتعويضات رفضت المحكمة الطلب متبنية دعوى السلطة الاحتلالية بزعم ان ما قام به جاك ليس عملا ارهابيا وان على هذه العائلات التوجه للقاتل.
الارهاب اليهودي لا يعمل من فراغ..
العصابات الارهابية اليهودية لا تعمل من فراغ وكذلك لا تعمل في الفراغ فكما أشرت في سياق الوظيفية التي تتعاطاها- سواء بعلم او بغير علم- فأنها تتحصلُ على دعم مباشر وغير مباشر من بيئتهم الحاضنة ممثلة بعديد الحاخامات وبمجتمع استيطاني حاضن وبدعم مباشر وغير مباشر من الاجهزة الامنية والسياسية وفي مقدمتهم وزراء وكبار موظفين ورجالات أمن وضباط في الجيش، ولذلك فللإرهاب اليهودي في مناطق السلطة ذراعان: الذراع الرسمي ممثلا بالجيش الذي يمارس عنفا وإرهابا رسميا ضد السكان في الأراضي المحتلة ويمارس نوعا من الديكتاتورية على الأرض هدفها الاستيلاء على أكبر كم ممكن من الأرض وسجن أكبر عدد ممكن من السكان على أقل مساحة ممكنة من الأرض، وذراع الارهاب اليهودي الثاني متمثلا بالمجموعات الارهابية من مثل مجموعة شباب التلال و “تدفيع الثمن”، وعديد المليشيات اليهودية التي تقوم بالأعمال القذرة ضد السكان منذ سبعينات وثمانينات القرن الماضي من مثل تنظيم عصابة ليفتا وكهانا حي وكاخ وتنظيم مملكة إسرائيل “تسريفين”…. كافة الاحداث التي حدثت وتورط بها هؤلاء تشير الى أنَّ الإرهابيين سيجدون قضاء متخاذلا بل ومناصرا باعتبار أنَّ “القضاة اليهود يحبون إخوتهم الأعزاء”.
المؤسسة الاحتلالية تغض الطرف عن اعمال الشغب والاجرام وحتى محاولات القتل التي يقوم بها افراد هذه العصابات واذا ما قام الشاباك باعتقالهم فسيجد امامه القضاة والساسة وحتى الاعلام فضلا عن المحامين وشخصيات اعتبارية في المجتمع وتتبلور سياسات الاحتلال في الاراضي المحتلة على أساس من قيام هذه العصابات بأعمالها الاجرامية التي ستدفع المؤسسة الاحتلالية لاتخاذ خطوات باتجاههم بزعم تخفيف غلوائهم ويكون ذلك بأساليب متعددة منها منحهم أراض خاصة للفلسطينيين ليست لهم ومثال ذلك توسعة مستوطنة عامي- حاي التي اقيمت من اجل مستوطنة عامونه حين تم اخلاؤهم منها أو القرارات التي اتخذتها حكومة نتنياهو ببناء الآلاف من الوحدات السكنية كرد فعل لأعمال قام بها فلسطينيون انتهت بقتل عدد من اليهود في المناطق المحتلة فمثل هذا القرار لا يمكننا فهمه الا ضمن سلسلة من الأفكار اليهودية المترابطة المتجهة نحو تقعيد الدولة في سياقاتها اليهودية الدينية.
رؤية مستقبلية..
كَشفُ الشاباك يوم الاحد الفائت عن مجموعة ارهابية تعمل في الأراضي المحتلة وموقف المحكمة المركزية في الرملة الرافض لكافة الاعترافات التي قدمها الشاباك بحق متورط في حرق كنيسة وبحرق عائلة الدوابشة قبل ثلاثة سنوات، مؤشران أساسيان على اتجاه الرياح في السنوات القادمة فيما يتعلق بالفلسطينيين عموما فالقضاء الإسرائيلي كما اشرت من قبل في متن هذه المقالة والغالبية العظمى من اليمين الاسرائيلي لن تسمح للشاباك أن يتجاوز الخطوط المرسومة له في قضايا تتعلق بهذه المجموعة الوظيفية والمحمية كما يبدو سياسيا وقضائيا.. وبغض النظر عما ستتكشف عنه تحقيقات هذه المجموعة فأننا كفلسطينيين أمام ثلاثة حقائق يجب أن تكون محددا لنا في كيفية التعامل مع هذا الواقع الآخذ بالتطور سلبا من حيث العلاقة معنا كفلسطينيين، الحقيقة الاولى ان مجموعات الإرهاب اليهودي محمية من طرف الدولة ولذلك فكل فعل مهما بلغت قذارته ستجد من يبرره ويحميه كما حدث مع قصة الدوابشة والقادم كما يبدو سيكون أسوأ ولا نستبعد قيام هذه المجموعات مستقبلا بأفعال تفوق ما قامت به حتى هذه اللحظات في الداخل من حرق للكنائس والمساجد وتخريب للممتلكات إلى صدام واستهداف لشخصيات بعينها أو الاعتداء على بعض منا لمجرد هويتهم وانتمائهم وما سيحصل في المناطق المحتلة سيكون أكثر سوء وبغيا، والحقيقة الثانية أننا أمام مجتمع إسرائيلي آخذ بالتطرف واليمينة والتشدد وتبرير كل ما تفعله هذه المجموعات في حالة انكشاف أمرها وسيترتب على هذه الحقيقة مواقف شعبوية وإقصائية تصل حدّ الاعتداءات الجماعية فنحن نتوجه مع هذه الانتخابات ذات الطابع الشعبوي والهستيري الى كنيست اكثر يمينية وحكومة اكثر تطرفا من تلك التي عايشناها وهو ما سيؤثر على مجمل العلاقات الموصوفة اصلا بالمتوترة والحساسة، والحقيقة الثالثة ان هذه المجموعات مدعومة من أطراف امنية وعسكرية وموجهة من قبل العشرات من الحاخامات والمدارس الدينية خاصة في الاراضي المحتلة التي تمنحها شرعية العمل الارهابي وتمنح العاملين راحة اخلاقية وشعورا دينيا بأنهم يقومون بمهام دينية مقدسة… وهذا كله يتطلب من الطرف الفلسطيني موقفا واضحا يبدأ على المستوى الفلسطيني الرسمي في مناطق السلطة برصد دقيق لهذه المجموعات والسلطة بكل تملكه من أجهزة وادوات تستطيع رصد كل تحركات هذه المجموعات، بعدئذ بات واضحا انّ الاحتلال يحتاج السلطة كما تحتاجه فدايتون أبدع في عمله سواء في ربط الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالإسرائيلية او حاجة الثانية الى الاولى. ويتطلب رصدا علميا دقيقا وواعيا لما يحدث في المجتمع الاسرائيلي لا من حيث توجهاته نحو اليمين المتدين الرافض من حيث المبدأ لأوسلو ومخرجاتها فهذا بات واضحا لكل راصد وباحث وخبير إنما المطلوب كيفية مواجهة هذا التوجه بما يحول دون تنزيله سلبا على مجتمعنا في الداخل الفلسطيني خاصة في ظل حالتي التفكك والخصخصة التي يعايشها مجتمعنا منذ أكثر من عقد من الزمان تحول دون امتلاكه مقومات المناعة المطلوبة ولذلك تتعاظم الحاجة الى مؤسسة متخصصة مهمتها رصد المجتمع الاسرائيلي بتفاصيله الدقيقة خاصة في موضوعي التدين والتديين والتشدد بحيث تصب كسوبات هذا الرصد في مصلحة الفلسطينيين حالا ومآلا، وفي ذات السياق على الاطراف الفلسطينية في الداخل الفلسطيني أن ترتقي في أدواتها في التعامل مع واقع قادم أكثر يمينية وتطرفا وغلواً على كافة المستويات الرسمية والشعبية وهو ما يجعل من مهماتنا الراهنة فتح بحث كافة الخيارات وفي مقدمتها خيار الكنيست وإذا كان القول الشعبي “ما حاك جلدك إلا ظفرك” صحيحا لأفراد الناس، فهو مؤكد للجماعات والمجتمعات خاصة كتلك التي هي في مثل حالتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى