أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

أمراء وعلماء… ثعالب وعقارب

الشيخ كمال خطيب
دائمًا وأبدًا كانت الأمة تبلغ ثروة مجدها حينما يكون التوافق الإيجابي بين الأمراء وبين العلماء، وذلك حين يهيئ الله سبحانه للأمة حاكمًا صالحًا ويهيئ لهذا الحاكم بطانة صالحة من علماء أصحاب كلمة حق وأصحاب فهم شرعي سليم، فيكونوا هم من يصوّبوا الحاكم، وهم من يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر، وهو يستجيب لهم.
وفي المقابل فإنها الأمة تتردى وتنحدر حتى تبلغ أسفل سافلين اجتماعيًا واقتصاديًا وفكريًا وعسكريا، حينما يكون التوافق السلبي بين الأمراء وبين العلماء، وذلك حين يتسلّط على الحكم ملك أو أمير ظالم وفاسد ويتخذ له بطانة ومقربين من مستشارين وعلماء سوء لا همّ لهم إلا إرضاءه والتصفيق لكل ما يفعله، بل وإصدار الفتاوى وليّ أعناق النصوص والآيات وتفسيرها وتطويعها بما يتلاءم مع سياسة ومواقف جلالته أو سيادته أو سموّه، بينما ينخرسون ويملؤون أفواههم ماء حين يتطلب الأمر منهم بأن يقولوا كلمه حق.
فأفضل ما تكون عليه الأمة حالًا عندما يفسد أمراؤها وعلماؤها، وهذا ما أشار إليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: “صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس، العلماء والأمراء”.
# الأمراء الثعالب
إنهم اولئك الزعماء الذين إما ورثوا الحكم وراثة، وإما اغتصبوه اغتصابًا وليس منهم واحد قد وصل عبر صندوق الانتخابات. هؤلاء الذين لا همّ لهم إلا الحفاظ على عروشهم وكراسيهم ومكتسبات عائلاتهم ومقربيهم، ولأجل ذلك فإن الغاية عندهم تبرر الوسيلة. فمن أجل البقاء في الحكم لاستمرار سلب ما تبقى من ثروات البلاد فإنه القمع والقهر والظلم، وإنها السجون والزنازين، وإنه التضييق وقمع الحريات، وإنه شراء الذمم والضمائر من الكتّاب والعلماء والأدباء وغيرهم وفوق هذا كله فإنه التظاهر بالوطنية وبالتدين لإضفاء هالة من الشرعية على أنفسهم وهم ليسوا كذلك.
وإنها الشعوب المقهورة، فمن بينها من يصبح مثل القطيع يسير ويلهث خلف كل من يملأ بطنه ويتحول إلى مصفق ومطبّل، بينما يلتزم الفريق الآخر الصمت خشية أن تنهشه سياط الظلم والقهر، ومن رفع صوته رافضًا هذا الحال فإنه السجن والقمع ولعله القبر، فيسبق البعض ذلك بالفرار والهجرة خارج الوطن غريبًا هائمًا على وجهه.
وكم كانت وما زالت معبرة قصيدة أحمد شوقي عن الثعلب والديك، وهي في الحقيقة تحكي قصة ذلك الحاكم الطاغية مع أفراد الشعب المقهور:
بَرَزَ الثَعلَبُ يومًا في ثِياب الواعِظينا
فَمَشى في الأَرضِ يَهذي وَيَسُبُّ الماكِرينا
وَيَقولُ الحَمدُ لله إِلَهِ العالَمينا
يا عِبادَ اللَهِ توبوا فَهوَ كَهفُ التائِبينا
وَاِزهَدوا في الطَيرِ إِنَّ العَيشَ عَيشُ الزاهِدينا
وَاطلُبوا الديكَ يُؤَذِّن. لِصَلاةِ الصُبحِ فينا
لقد أرسل الثعلب سفيره ومندوبه لإقناع الديك بتوبة الثعلب، لكن الديك كان ذكيًا ولم تنطلِ عليه حيلة الثعلب ومكره
فَأَجابَ الديكُ عُذراً يا أَضَلَّ المُهتَدينا
بَلِّغِ الثَعلَبَ عَنّي عَن جدودي الصالِحينا
عَن ذَوي التيجانِ مِمَّن دَخَلوا البَطنَ اللَعينا
أَنَّهُم قالوا وَخَيرُ ال قَولِ قَولُ العارِفينا
مُخطِئٌ مَن ظَنَّ يَومًا أَنَّ لِلثَعلَبِ دينا
مع الأسف إن الديك كان فطينًا ونبيهًا أكثر من المرحوم الاستاذ جمال خاشقجي، الذي صدّق سفير وقنصل محمد بن سلمان بأنه يساعده ويوقّع له الوثائق التي طلبها، فظنّ أن للثعلب ابن سلمان دين ومروءة وبقايا إنسانية، ونسي ما قاله العارفون والعقلاء ممن هم في سجون ابن سلمان وزنازينه.
لقد وقع خاشقجي في الفخ وأكل الطُعم، وقد ظنّ أن للثعلب بن سلمان دين، فكان مصيره القتل والتقطيع بالمنشار كما تفعل أنياب الثعلب بالديك لمّا تفترسه.
وكيف يكون عندهم دين وهم الذين فضّلوا ودعموا السيسي الذي أمر بحرق كتب السلف على محمد مرسي الذي ترضّى على الصحابة أبي بكر وعمر في عقر مقر الحكم في طهران، وهو فك الله أسره من حفظة القرآن.
وكيف يكون عندهم دين وهم الذين رفضوا استقبال ولا السماح للشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والشيخ حارث الضاري رئيس هيئه علماء العراق بدخول السعودية، بينما استقبلوا سمير جعجع النصراني الحاقد ووليد جنبلاط الدرزي الراقص على كل الحبال مع كل ما فعلوه بالمسلمين، أم أن ذنب الشيخ حارث أن جدّه ضاري هو من قتل القائد العسكري الانجليزي في العراق في معركة البصرة الشهيرة في عشرينيات القرن الماضي.
وكيف يكون عندهم دين وهم الذين قتلوا عشرات آلاف اليمنيين والمصريين وغيرهم من المسلمين إما بسلاحهم أو بأموالهم.
وكيف يكون عندهم دين وقد أهدى الملك عبد الله قلمه للكاتب العلماني تركي الحمد وهو من كتب بنفس القلم “إن محمدًا قد صحح عقيدة إبراهيم وآن الآوان لمن يصحح عقيدة محمد”. وهو الذي كتب وقال “علينا أن نتخلى عن ابن تيمية كما تخلى الغرب عن أوغسطين”.
وكيف يكون عند آل سعود دين وهم الذين يسمحون للمخنثين من المغنيين العرب والأجانب لإقامة الحفلات الماجنة في بلاد الحرمين، وهم الذين وعدوا بفتح وإقامة الكنائس في بلاد الحرمين بما يخالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إنهم الأمراء والثعالب، ومخطئ من ظن يومًا أن للثعلب دينًا.
# العلماء الضفادع
كان من المفترض وقد انحرف الأمراء وفسدوا وظلموا وطغوا أن يتقدم العلماء ليقولوا كلمة الحق، أنهما دفة الميزان الثانية. ولكن من رفع صوته رفضًا للظلم والقهر والفساد فإنه أودع السجن كحال الشيخ سلمان العودة والشيخ سفر الحوالي والشيخ علي العمري والشيخ محمد الشريف ومئات بل آلاف أمثالهم، وأما علماء السلطان وشيوخ البلاط ومن هم تحت عباءة آل سعود فمن تكلم منهم فقد نضح فمه بالكذب والنفاق والتدليس والتعظيم كحال الشيخ عائض القرني والشيخ العريفي والشيخ المغامسي والشيخ السديس وغيرهم، وفي أحسن الأحوال فإنهم قد صمتوا وانخرسوا وملؤوا أفواههم ماء كما تفعل الضفدع وقد قال فيها أحد الشعراء:
قالت الضفدع قولًا صدقته الحكماء
في فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء
لقد قال ابن القيم رحمه الله: “كل من آثر الدنيا على الآخرة فلا بد أن يقول على الله غير الحق في حكمه وفتواه لاسيما وأن أهل الرئاسة تتعارض شهواتهم مع قول الحق”.
وكيف سيقول الحق من أغدق عليهم الرؤساء والأمراء الأموال والبيوت والسيارات وأهدوا الهدايا الثمينة ليوافقوهم على سياساتهم، وقد وصل الأمر بأحدهم وهو عضو هيئه كبار العلماء في السعودية كما يقول الشيخ سفر الحوالي في صفحة 2566 كتابه – نصائح إلى آل سعود: “إنه أرسل إلى الديوان الملكي رسالة يقول فيها جاء رمضان وما جاء التمر”. حتى التمر كان ينتظر أن يتصدق به عليه الديوان الملكي السعودي فكيف لن يكون ضفدعًا ويملأ فمه ماء، فلا يُسمع منه حتى نقيقًا وإنما هو الانخراس.
لقد صدق من قال أن فتنة علماء الضلال أشد من فتنة المسيح الدجال، وصدق من قال: إذا زلّ العالم، زلّ بزلّته عالَم. ومن قال أن علماء السلطان مثل الباذنجان يعطيك ما تطلبه منه مشوي مطبوخ مقلي مكبوس، وفتنة علماء السلطان جاهزة كما يريد وليّ نعمتهم.
أين علماء السلطان من سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى وقد قيل له “إن السلطان سيرضى عنك إذا قبلت يده، فقال: والله لو قبّل هو يدي ما رضيت، يا قوم أنتم في واد وأنا في واد. الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرًا من خلقه”.
مع الأسف إن علماء السلطان ليس فقط أنهم يملؤون أفواههم ماء مثل الضفادع حينما يتطلب الأمر منهم كلمة الحق لصالح الدين والشعب، وإنما هم الذين تدور عليهم الدوائر وإذا بالزعماء والرؤساء والأمراء يسلكون معهم ليس فقط سلوك الثعالب كما في قصيدة أحمد شوقي، بل سلوك العقارب كما في القصة الرمزية المشهورة:
فيحكى أن ضفدعًا كانت على حافة النهر، وبينما هي كذلك اذ اقترب من الماء عقرب يريد أن يعبر النهر إلى الضفة الثانية، وكلما اقترب العقرب من الماء خاف الغرق ورجع إلى الوراء.
رأى العقرب الضفدع وهو يعلم قدرتها على السباحة، فطلب منها أن تحمله على ظهرها إلى الضفة الأخرى. رفضت الضفدع خوفًا من أن يلدغها العقرب، ومرة بعد مرة وتحت إلحاح العقرب وافقت الضفدع فحملته على ظهرها ودخلت الماء. بينما هما في النهر وإذا بالعقرب يغرز إبرته في الضفدع ويلدغها. أحست الضفدع بالألم الشديد، فصاحت في العقرب لماذا لدغتني وإنني سأموت وأغرق وتغرق معي وأنا التي حملتك لتنجو من الغرق. فقال العقرب “اللدغ طبيعتي لا أستطيع أن أتخلى عنه”.
يظن العلماء الصامتون والمنخرسون ومن ملؤوا أفواههم ماء، أن عداء الزعماء والملوك والأمراء هو لعلماء بعينهم، أما هم فإنهم سينجون. إنهم يتجاهلون أمام بريق الإغراء والإغداق أن عداء هؤلاء للدين، وأن الدور سيأتيهم يومًا لأن الثعالب لن تستطيع تغيير طبيعتها العدوانية ضد الديكة وأن العقارب لن تتخلى عن طبيعة اللدغ فيها.
وهذا ما حدث مع الشيخ محمد العريفي الذي غرّد في سرب محمد بن سلمان الطاغية الفاسد ظانًا أنه سينجو من اللدغ، وإذا بابن سلمان يمنعه من السفر بل يحرمه من أداء مناسك الحج الماضي، بل وقد اعتقل قبل أسبوعين ابنه البكر بتهمة تماثله مع أفكار جماعة الإخوان المسلمين. إنه محمد بن سلمان العقرب لا يتخلّى عن طبيعة اللدغ حتى لمن غرّدوا في سربه.
وهذا ما حدث مع خطباء ومشايخ حزب النور السلفي المصري الذين غرّدوا في سرب السيسي الطاغية المجرم وأيدوه بكل جرائمه بحق الإخوان المسلمين، وإذا بالسيسي وبعد أن أمسك الأمور بيده فينقلب عليهم ويعلن الحرب السافرة ضدهم، ويُعمِل فيهم أنيابه كما يفعل الثعلب بالديك ويلدغ كما لدغ العقرب الضفدع.
ألا فليخرج علماء السلطان عن صمتهم ولا يظلّوا كالضفادع وقد ملأت أفواهها ماء، ولينطقوا بكلمة الحق وليرفعوا صوتهم في مواجهة السلطان الجائر، لأن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر كما قال صلى الله عليه وسلم.
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى