أخبار عاجلةمقالات

مشروع السلام الإقليمي قناة عبور للتطبيع الشامل مع العرب

البروفسور إبراهيم أبو جابر

أتقن الإسرائيليون على مدار سبعين عاما فنّ المراوغة والتسويف في تعاطيهم مع القضية الفلسطينية، عملا على تصفيتها وإقناع الفلسطينيين باستحالة العودة، والرضوخ لسياسة الامر الواقع.

انّ تمرير السياسات الإسرائيلية هذه لم تفلح في ثني الفلسطينيين عن التشبّث بحقوقهم المشروعة، رغم ممارسة الإسرائيليين كل أنواع الإرهاب والمجازر والتنكيل والتهجير والملاحقات السياسية والأمنية، ممّا دفعهم نحو التفكير في مشروع جديد يمكّنهم من اختراق الصف العربي، وحملهم على تطبيع العلاقات مع المؤسسة الإسرائيلية بعيدا عن التوصّل إلى حل للقضية الفلسطينية، وذلك من خلال طرح فكرة السلام الإقليمي.

يجيد المسؤولون الإسرائيليون استغلال الفرص لتحقيق غاياتهم، وهذه المرّة أيضا، حيث الأنظمة العربية الحاكمة تعاني حالة من الإفلاس الاستراتيجي، وتبعيّة كاملة تقريبا للغرب بخاصة الولايات المتحدة الامريكية التي انقذتها من مردودات الثورات العربية التي أطاحت ببعض رموز الحكم في الوطن العربي.

لقد اتقن الإسرائيليون لعب هذا الدور مستفيدين من موقف الإدارة الامريكية الحالية المنحازة كليا للطرف الإسرائيلي، فباشرت حكومة نتنياهو في فتح قنوات اتصال مع قادة ومسؤولين من صنّاع القرار في العالم العربي، وتحديدا دول الخليج وبمساعدة مصرية أحيانا، حيث يدور الحديث (قبل حادثة خاشقجي) عن إمكانية الإعلان عن حلف استراتيجي أطلق عليه “الناتو العربي” يضم دولا عربية المؤسسة الإسرائيلية والولايات المتحدة، لمواجهة ما يطلقون عليه الخطر الإيراني.

انّ مشروع السلام الإقليمي هذا، الذي هو في الأصل ماركة إسرائيلية بحتة، لن يصبّ في المحصّلة الا في صالح المؤسسة الإسرائيلية ، حيث سيمكّن الأخير أولا من تطبيع علاقاته مع الأنظمة العربية الرجعيّة وتحييدها من الصراع مع الفلسطينيين، ثم الاستفادة من ثروات ومقدّرات الامة العربية، والتضييق على الشرفاء والحركات الإسلامية والوطنية الرافضة للتسوية والتطبيع مع تل ابيب، في ظل الرفض الإسرائيلي للاعتراف بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني.

انّ مظاهر ومؤشّرات سعي الطرف الإسرائيلي لتحقيق ما يسمى السلام الإقليمي، تلك الزيارات المتكرّرة لمسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى الى دول الخليج، وافصاحهم عن مشاريع تمّ طرحها على الدول العربية في مجالات عدة، رافق ذلك بيع معدّات عسكرية وتقنيات إسرائيلية لهذه الدول، وعقد لقاءات متكرّرة بين شخصيات إسرائيلية اعتباريّة وأخرى عربية، ومشاركة البعض في منتديات ومؤتمرات عالمية تحت عناوين مختلفة.

انّ القضية الفلسطينية اليوم على مفترق طرق خطير بخاصة بعد هرولة الأنظمة العربية تلك نحو التطبيع، والقبول على استحياء لمبدأ ما يسمى السلام الإقليمي والتعاون الاستراتيجي مع الطرف الإسرائيلي، “لمواجهة الخطر الإيراني”وقد يؤدي ذلك الى تصفيتها أو خلق ظروف معيّنة تفرض على الفلسطينيين القبول بالأمر الواقع والعيش المشترك مع الإسرائيليين، وابداء تنازلات مؤلمة للطرف الاخر.

وأخيرا، صحيح أنّ المتغيّرات الإقليمية والدولية ليست في صالح الفلسطينيين، الا انّ تصفية القضة الفلسطينية يستحيل ما دام أهلها حاضري المشهد، ويرفضون مشاريع التصفية، مهما كانت صفة المبادرين لها، وعادة الأيام دول، والنصر مع الصبر!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى