أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الشيخ الهباش والشيخ الضفدع

الشيخ كمال خطيب

# بنت الهوى أفضل ممن هوى

قال المرحوم الشيخ مصطفى السباعي: “من باع إخوانه وسمعته وكرامته، لقاء منصب تفضل به عليه المتسلطون، كانت بنت الهوى أحسن منه حالاً في بعض الحالات؛ إن منهن من يلجئهن الجوع لبيع شرفهن، وهؤلاء يلجئهم التهالك على الجاه الزائف إلى التفريط بشرف بلادهم وحقوق أمتهم”.

عشرات السنين مرت على وفاة المرحوم الشيخ السباعي وقد قال هذه الكلمات التي توزن بميزان الذهب، قالها ليس ليتحدث عن حالة بعينها وإنما قال ليتحدث بل ليحذر من ظاهرة، إنها ظاهرة عمرها عمر التاريخ من الذين استهواهم بريق المال والجاه، فباعوا أنفسهم بثمن بخس دراهم معدودة. إنهم الذين تركوا وانسلخوا عن معتقدهم وعن فكرهم وعن شعبهم، إنهم الذين تركوا جماعتهم وبيتهم الذي نشأوا فيه وارتموا في حضن الأعداء والمغتربين، إنهم الذين انتقلوا من الطهر إلى الدنس، من الأصالة إلى الزيف ومن الفضيلة إلى الرذيلة. لقد انتقلوا مقابل أموال وضعت في جيوبهم وفي أرصدتهم. إنهم الذين باعوا اخوانهم الذين نشأوا معهم وفكرتهم ودعوتهم وجماعتهم التي بفضلها أصبحت لهم مكانة مقابل بريق ولمعان لوّح لهم به المتسلطون والظلمة. إنه بريق مال أو كرسي أو جاه زائف. هكذا فعل بعض بني إسرائيل “يهودا الأسخريوطي” الذي باع نفسه إلى الرومان، ووشى بعيسى عليه السلام مقابل شيكلات وضعت في جيبه. وهكذا فعل الشيخ الباقوري رحمه الله الذي ارتضى كرسي الوزارة في حكومة جمال عبد الناصر رغم رفض إخوانه لذلك، والأمثلة كثيرة بل كثيرة جدًا في الماضي وفي الحاضر، وستظل تتكرر في المستقبل.

لعله قاسٍ الوصف الذي به وصف الشيخ السباعي هؤلاء لمّا شبه أحدهم ببنت الهوى التي تمتهن الرذيلة وتمارس مهنة الدعارة، فتبيع شرفها وعرضها وتسلّم جسدها لمن يريد مقابل المال. إنها أحسن حالًا من الذي يبيع إخوانه ودعوته وإذا به يهوي تحت أقدام أراذل الناس مقابل المال، وإذا به يشمت بدعوته، وإخوانه الذين كان ينتمي إليهم.

إن من تمتهن الرذيلة والدعارة قد ألجأها لذلك الحال الجوع والفقر، وهؤلاء ألجأهم التهالك على الجاه الزائف والبريق، وإذا بهم يفرّطون بشرف بلادهم وأوطانهم.

إنهم الذين يبيعون أنفسهم للأعداء، فيعملون في خدمتهم عملاء. إنهم الذين يبيعون أوطانهم وشعبهم لينالوا الحظوة عند الأعداء {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير} آية 61 سورة البقرة.

إن أشرف الناس هم الذين يثبتون ولا يبدّلون {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا. تبديلا} آية 23 سورة الأحزاب. أما الذين يرتمون كل يوم في حضن، وخاصة حضن الأعداء مقابل المال منهم ودون أن نظلمهم، مثل بنت الهوى التي تلقي بنفسها كل يوم في حضن رجل. ومثلما أن هذه قد هوت في مستنقع الرذيلة فإن هؤلاء هم عديمو الشرف.

# للإسلام وعلى الإسلام

قال الشيخ عصام العطار أمد الله في عمره وأحسن خاتمته: “بعض الناس يعيش للإسلام، وبعض الناس يعيش على الإسلام”.

إنه الفارق الكبير بين من يجعل نفسه وما يملك في خدمة دينه، وبين من يستخدم الدين من أجل تحقيق مصالحه الشخصية. إن المخلصين والصادقين والأوفياء شعارهم قول إبراهيم عليه السلام {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} آية 162-163 سورة الأنعام.

نعم إن من الناس من يسخر وقته وماله، بل ويقدم روحه ودمه فداءً لدينه، ويظل مع ذلك يعتبر نفسه مقصرًا. إن من الناس من مثله كمثل خالد بن الوليد رضي الله عنه وقد قال لأبي عبيدة عامر بن الجراح بعد أن وصلته رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عزله عن قيادة جيوش الشام وتولية أبي عبيدة مكانه، فقال خالد لأبي عبيدة “أنا سهم في جعبتك إرم بي حيث تشاء”. نعم إنهم المخلصون الأوفياء الذين يعطون بلا حدود، ويبذلون بدون كلل ولا تعب، بل إن متعتهم في العطاء لدينهم لا يريدون بذلك جزاءً ولا شكورًا، لا بل إنهم يعتبرون أن فضل الله عليهم عظيمًا لما أعطاهم شرف خدمة الدين، وقد قال أحدهم يومًا لعمر رضي الله عنه: “جزاك الله خيرًا عن الإسلام يا عمر” يقصد لعظيم ما قدمه عمر للإسلام. فقال عمر رضي الله عنه “بل جزى الله الإسلام عني خيرًا” يقصد أنه لولا الإسلام والهداية لما كنت قمت بهذا العمل بل ولكنت وما زلت أعبد الأصنام.

ومثلما أن هناك من يعيشون للإسلام، فإن هناك من يعيش على حساب الإسلام. ومثلما أن هناك من يعيش للوطن، فإن هناك من يستغل الوطن من أجل تحقيق مصالحه. فكم من الناس استغلوا انتماءهم الديني ولبسوا عباءة التدين، مثلها عباءة الوطنية وهم ليسوا إلا تجارًا وسماسرة، وهم ليسوا إلا طفيليين يقتاتون على حساب دينهم وشعبهم وأوطانهم.

كم من الناس من خدعوا شعوبهم بظاهر انتمائهم الديني والوطني، وما كانت هذه إلا وسيلة وسلمًا للوصول به إلى تحقيق أهداف رخيصة ومصالح ضيقة. وإذا كان الشيخ العطار قد قال: “بعض الناس يعيش للإسلام وبعض الناس يعيش على الاسلام” فقد سبقه لذلك الإمام الشهيد حسن البنا لما قال: “من الناس من يحملون الدعوة ومنهم من تحملهم الدعوة”. إنه الفارق الكبير بين من يحمل الفكرة والمشروع والدعوة والدين في قلبه وجوانحه ليوصله إلى الناس، وبين من يستخدم الفكرة والمشروع والدعوة والدين ليجعله مطية ووسيلة تحمله لتوصله لتحقيق أهدافه ومصالحه. وإنني سأتكلم عن حالتين للمثال وليس للحصر حيث الأمثلة أكثر من أن تحصى:

# الشيخ الهباش

إنه محمود الهباش من يشغل اليوم منصب مستشار أبو مازن للشؤون الدينية وقاضي القضاة وخطيب مسجد المقاطعة حيث يصلي أبو مازن صلاة الجمعة. إنه الذي كانت بدايته ضمن المشروع الإسلامي وضمن صفوف حركه حماس وحيث دراسته الشرعية التي أضفت عليه مزيدًا من الهالة وقد كان يخطب في مساجد القطاع، فلمًا تبين ارتكابه مخالفات أخلاقية تم فصله في العام 1994 فأخذته العزة بالإثم وذهب ليرتمي في حضن الراحل ياسر عرفات مع بداية سلطة أوسلو بل وانتقل لتنظيم فتح.

ومع تسلم حركة حماس القيادة في غزة عام 2007 فقد هرب الهباش مع الهاربين إلى رام الله، وبدأ يتسلم المناصب من خلالها أصبح لسانه سوطًا لأبي مازن على غزة وأهلها ومقاومتها، فأصبح يشتم ويسب ويطعن ويشكك، بل دعا لمحاصرة غزة حتى ترفع الراية البيضاء. لم يمنعه دينه ولا ماضيه، فأصبح خاتمًا في أصبع أبي مازن بل حذاء في رجله.

ولإن الله سبحانه يأبى إلا أن يعامل أمثال هؤلاء بعدله، إنه وبدل أن يراجع أحدهم نفسه ويتوب عمّا فعله ويتصالح مع ربه ومع إخوانه وشعبه، فإنه يذهب بعيدًا في الكيد. نعم إنه يصبح مثل بنت الهوى، فقد وصل به الأمر أن يدافع عن مشاركة أبو مازن في حضور جنازة شمعون بيرس في العام 2016، فلمّا كان التلويم له قال: “لو أن الرسول محمدًا حيٌّ لكان شارك في الجنازة”. لقد انحدر في قذارته إلى حد لم ينتبه أن رجال أبو مازن يوقعوه في شباكهم ليصبح من المستحيل عليه العودة، فأعدوا له ملفات فساد غرق بها مثل ابتزازه لامرأة مقابل ترقيتها في وزارته، وملفات فساده في عقود فنادق الحج والعمرة وما كان يحصل عليه من أموال، ثم فساده في مزارع التمور في أراضي الأوقاف في أريحا، ثم الفيلات والبيوت والعقارات التي تبين أنها مسجلة باسم زوجته “أمل يوسف الهباش”، وأخيرًا وليس آخرًا اكتشاف أن له حسابًا بنكيًا في البرتغال يمتلك فيه ثلاثة مليون دولار. لقد كان اسمًا على مسمى، كان هباشًا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، والهباش هو اللص والسراق.

الغريب أن أبا مازن وقد فتح للهباش تلك الملفات لم يقم بفصله، بعد أن كتب الهباش رسائل الاستجداء والتذلل ليستر عليه ولا يفضحه، ولكن المقابل كان مزيدًا من التلحيس ومزيدًا من الانبطاح ومزيدًا من طول وبذاءة اللسان على غزة وأهلها ومقاومتها، إرضاءً لسيده الذي هو في الأصل عبد عند الاسرائيليين الذين يعاملونه بنفس الأسلوب الذي به يعامل أبو مازن الهباش فالطيور على أشكالها تقع.

هكذا يكون مصير من باع إخوانه وسمعته وكرامته لقاء منصب تفضّل به عليه أبو مازن. لقد أصبح حال بنت الهوى أحسن من حال الهباش لما هوى.

# الشيخ الضفدع

إنه الشيخ بسام الضفدع إمام مسجد في مدينة قطنا في غوطة دمشق، والتي تظاهر أنه مع ثورة الشعب السوري ضد بشار الجزار، بل إنه شارك ضمن فصيل عسكري في مواجهة الميليشيات الطائفية التي ارتكبت المجازر في أهل الشام عمومًا وأهل الغوطة خصوصًا.

ومع اشتداد الحصار على غوطة دمشق مطلع العام 2018 ليتبين لنشطاء الثورة، أن مواقف بسام الضفدع غير منسجمة مع مواقف باقي قيادات الفصائل الثورية، لا بل اشتموا منه رائحة المصالحة ومحاولة التثبيط في مواجهة النظام.

لكن الأمر كان أكثر من ذلك حيث تفاجأ أهل مدينته وأهل الغوطة أنه ومع اقتراب قوات النظام، وإذا ببسام الضفدع يترك مواقعه ومعه مئات المقاتلين كانوا تحت إمرته وينتقل مباشرة إلى الطرف الآخر ليتبين لاحقًا أن الشيخ الضفدع كان قد أجرى اتصالات مع مخابرات النظام اتفق فيها معهم على عودته إلى حضن النظام مقابل العفو عنه، لا بل إنهم طلبوا منه الاستمرار بالتظاهر بدوره الثوري والعمل من خلال ذلك الموقع على نقل أخبار الثوار والمجاهدين بل والعمل على تفتيت وتثبيط الصف الداخلي.

لقد كان جزاء بسام الضفدع أن استقبله بشار في قصره وراح هو يشيد بشار وولائه له. لم تمض إلا فترة قصيرة إلا ويكتشف الضفدع أن النظام قد نقض كل عهوده وتراجع عمّا وعد به بخصوص أهالي بطنا وأقارب الشيخ الضفدع.

إنه الذي باع إخوانه وسمعته وكرامته لقاء عفو تفضل به عليه القاتل بشار، ولعله منصب في أحسن الحالات يتكرم به عليه. نعم لقد كانت بنت الهوى أحسن حالًا منه تلك ألجأها الجوع لبيع كرامتها وشرفها، وهذا ألجأه المنصب والجاه الزائف ليفرط بشعبه وثورته ودماء مليون شهيد و12 مليون مهجّر. وصدق القائل: “فمن اتبع الهوى فقد هوى”. والقائل كذلك: “بنت الهوى أفضل ممن هوى”. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى