أخبار عاجلةمقالات

نتنياهو في بلاد الحرمين؟!

حامد اغبارية
قبل ما يقرب من أربعين سنة، يوم كنا فتيانا نبحث عن شخصياتنا ومستقبلنا وننسج أحلامنا وبطولاتنا بين ركام الدنيا، وصلتنا من وراء المحيطات قصة “جليفر” بجزأيها: (جليفر في بلاد الأقزام)، و(جليفر في بلاد العمالقة). وقد أخذتْ تفاصيل تلك القصة بتلابيب عقولنا، وشدتنا بطولات جليفر، ذلك البطل العجيب الذي تغلب على الأقزام، كما تغلب على العمالقة!!
وها نحن اليوم نعيش قصة جليفر من جديد، بوجوه جديدة وشخوص جديدة، لكنها هي ذاتها لم تتغير، كما عرفناها يوم كنا صغارا.
فهل يمكن أن يحدث هذا ذات يوم قريب؟ هل يمكن أن نرى نتنياهو يترجل من طائرة إل عال في أرض مطار الرياض أو مطار جدة، وقد انتفخ صدره وانتفش نشوة وشماتة، ليقف على كثيب رملي في صحراء جزيرة العرب وعيناه نحو المدينة المنورة، وهو يهمس لنفسه ولمن معه: ها قد عدنا يا خيبر. وسنأخذ ثأرنا من محمد وأتباعه؟ لا؛ ليس من محمد بن سلمان وأتباعه، بل من محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) وأتباعه، بعونٍ من محمد ابن سلمان وأتباعه!
هل سنقرأ قريبا قصة: (نتنياهو في بلاد ابن سلمان) ومَن حولَه من الأقزام.. من أقزام الأمة؟!
في ظل ما يجري في منطقتنا فإنني لا أستبعد حدوث هذا وأكثر منه، وأسوأ منه. لن نقرأها في كتاب يأتينا من وراء المحيطات، بل سنعيش الحدث ونراه عيانا لحظة بلحظة وخطوة بخطوة. ستُداس كرامة الأمة، ويُدنّس طُهر الحرمين، في زمن الأقزام، من أمثال محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي وخليفة حفتر وبشار الأسد وحمد بن خليفة. لكن يقيني أن نتنياهو لن يكون في بلاد العمالقة. ذلك أن زمن العمالقة الذين سيقتلعون جذور الشر من كوكب الأرض لم يأت زمانهم بعدُ، لكنه قريب. إنه زمن عمالقة أمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذين سيطهّرون الأرض من الأقزام وأشباه الرجال.
أما الأهون من ذلك فهو أن نرى ابن سلمان يحط في مطار الشقيق ابن جوريون.. ولا يستغربنّ أحدٌ وقوع هذا أو ما يشبهه ذات يوم قريب. فقد بدأت القصة تأخذ شكلها العلني في الأسبوع الماضي، كما بدأت عشية سقوط أنور السادات في مستنقع المؤامرة على مستقبل الأمة. فقد خرج علينا أحد أعضاء الكنيست من المعسكر الصهيوني (بالذات وتحديدا!! يا للعجب)، وألقى خطابا بعربية أعجمية عرجاء، دعا فيه نتنياهو لتوجيه دعوة إلى محمد بن سلمان لزيارة الكنيست وإلقاء خطاب فيه، تماما كما فعل السادات قبل نحو أربعين سنة، يعني في ذات الفترة، أو قريبا منها، التي وصلتنا فيها قصة جليفر من وراء البحار! ولم يكن ذلك عبثا، ولا هو مجرد مبادرة شخصية، كما قد يبدو الأمر لأول وهلة، بل هو خطوة من خطوات كثيرة تمهّد للحدث. ويبدو أن المسألة تحتاج فقط إلى توقيت مناسب وقرار من سيد البيت الأبيض، الذي يملك زمام الأمور في بلاد الأقزام.
ويومئذ سيجد محمد بن سلمان أبواقا إعلامية في أرض الحجاز المحتلة من آل سعود، وفي سائر بلاد الأقزام، تمهد للزيارة، وأخرى تمجّد، وثالثة تبرّر، ورابعة تصفق، وخامسة تنعت الفعل بالشجاعة والبطولة وصُنع المستحيل واختراق العقلية الإسرائيلية وكسر الحواجز. وسيجد ابن سلمان كذلك من علماء السوء من يفتيه بالزيارة، ومن يشدّ على يديه، ومن يشرح (بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية) على الفضائيات، إنجازات ابن سلمان العظيمة، وهو “يغزو” العدو في عقر داره!! وربما يخرج علينا أحد علماء السلطان ليحدثنا عن “الفتوحات السلمانية” المؤزرة بمدد من الله! وسيصلي ولي العهد في الأقصى (دون بوابات الكترونية طبعا!)، وسيجد مِن شعبنا من يستقبله ويحتفي به، وربما يصلي صلاة عيد الأضحى، كما فعل السادات (حتى لو كان بغير وضوء).

العنزي يبحث عن الوجه الحسن عند “أولاد عمّه”

ولقد بدأت أبواق ابن سلمان تتقيأ وتطبل وتزمر للزيارة، وكان ِأول غيثها تفتفات آسنة على شكل مقال نشره المدعو “دحام العنزي”، مدح فيه خطاب عضو الكنيست من المعسكر الصهيوني، ودعا سيده وولي نعمته ابن سلمان لزيارة تل أبيب وإلقاء خطاب في الكنيست، ذلك أنه “رجل المرحلة وصانع السلام”، وليس مثل أولئك الإرهابيين من الحركات الإسلامية أمثال حماس والإخوان المسلمين والقاعدة وداعش وحزب الله، الذين يتاجرون بالقضية الفلسطينية، على حد بُصاقه!
ويحلم العنزي هذا، بزيارة أبناء العم، الذين هم أقرب إليه من الجنس الفارسي والتركي، لكي يرى الماء والخضرة والوجه الحسن. وأهم ما في الموضوع – طبعا- الوجه الحسن!!
وقد دعا العنزيُّ البقريُّ هذا إلى افتتاح سفارة لبلاده في القدس الغربية عاصمة إسرائيل، وسفارة لتل أبيب في بلاد الحرمين.
وختم العنزي مقاله قائلا: “افعلها يا نتنياهو إذا أردت السلام، ولن يخذلك ابن سلمان”.
أيها المخلوق العنزيُّ، نبشرك: سيفعلها نتنياهو، ونحن متأكدون مثلك تماما أن ابن سلمان لن يخذله، كما لم يخذله أبوه وأعمامه وأجداده من قبل. غير أن المشكلة الوحيدة (وهي مشكلة صغيرة لا تُلقِ لها بالا، ولا تشغل حبك لرؤية الوجه الحسن عند أبناء عمك بهذه التفاهات!!)، أن نتنياهو لا يريد السلام، بل يريد بلادك أيها الأحمق المغفل. وسيدوس نتنياهو أرض بلاد الحرمين، وسيقول من هناك: ها قد عدنا يا خيبر. ويومها نريد أن نسمعك ماذا ستقول أنت وأمثالك. وكيف سيكون حالكم مع “أولاد عمكم”، الذين هم أقرب إليكم من الجنس الفارسي والتركي. هذا إن عشتم إلى تلك اللحظة، وإن لم يسبق السيف العذل، ويقتصّ الشعب السعودي من الذين تآمروا على الأمة.
قد يحدث هذا وأكثر منه في عصر الأقزام، الذين تطاولوا على الأمة تاريخا وحضارة وإنجازات ومقدرات، وأشبعوها كذبا وتفتفات، وأغرقوها في بحور من الأوهام، وجروها ذليلة خلف السيد الأبيض، الذي يجلس في البيت الأبيض يفرك يديه فرحا مسرورا بما حققه لأجداده فرسان الهيكل، الذين كانوا رأس الحربة المسمومة في الحملات الصليبية، التي ما تزال مستمرة حتى هذه اللحظة، والتي يبدو أنها ستستمر حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
حتى الآن “أنجز” ابن سلمان، ومعه أبوه سلمان، ومن قبلهما عمه عبد الله، المهمة في مصر وفي ليبيا وفي اليمن وفي سوريا. وتمكن الأقزام من حرف البوصلة، من خلال جعل إيران العدو الأول والوحيد للأمة، وإعفاء المشروع الصهيوني من هذا اللقب، ولم يبق عليه سوى أن “ينجز” المهمة الأكبر في إنهاء ملف فلسطين على أحسن وجه تريده الصهيونية والكنيسة الإنجيلية والماسونية العالمية. وهكذا تُطوى آخر صفحة من كتاب “مُلك آل سعود في بلاد الحرمين”.
غير أن ابن سلمان، ومعه سيده الأشقر، ومعهما نتنياهو، ومعهم أقزام المرحلة من السيسي والأسد وابن خليفة وأولاد زايد ومن لف لفهم، وهم يظنون أنهم “ينجزون” خارطة الطريق التي يسميها أهل الاختصاص باسم “صفقة القرن”، قد نسوا أو غفلوا أو وُقِر على آذانهم وأغلقت قلوبهم بأقفال، أن هناك خارطة طريق من نوع آخر، لا يمكن إلا أن تكون هي المنتصرة، تلك هي خارطة الطريق الربانية، التي تعلمنا منها أن أهل الحق، وهم أهل الإسلام، منتصرون لا محالة، مهما طفا على سطح المشهد من فتن كقطع الليل المظلم، ومهما برز على مسرح العبث من أقزام أمثال هؤلاء.

“إصلاح الإسلام” على الطريقة الأمريكية

نشر موقع “إنتر سبت” قبل أسبوعين تقريرا غاية في الأهمية، أعده مهدي حسن وريّان غريم، كشفا فيه عن مذكرة مسرّبة من الخارجية الأمريكية، تنصح الرئيس ترامب بالدفع في اتجاه “الإصلاح الإسلامي” أو “إصلاح الإسلام”، بحجة مواجهة التأثير الإيراني وتنظيم “داعش”!
وقد نوقش الموضوع – حسب التقرير- على أعلى المستويات في الخارجية الأمريكية، ما يعني أنه انتقل من الهامش إلى المركز، من حيث الأهمية، وأصبح له حيز مهم في رسم السياسة الخارجية الأمريكية، بعد أن كان محصورا في اهتمام الجماعات المتطرفة المعادية للإسلام في الولايات المتحدة.
وكان فريق تخطيط السياسات الخارجية الأمريكية قد تقدم بوثيقة في صيف 2017، أثناء إعداد مجلس الأمن القومي الأمريكي استراتيجية إدارة ترامب. وركزت الوثيقة على “التنافس الإيديولوجي”، وكان وزير الخارجية يومها ريكس تيليرسون، الذي اعترض على خطاب ترامب المعادي للإسلام، ما أدى في نهاية المطاف إلى استقالته، واستبداله بالوزير الحالي مايك بومبيو، المعروف بعدائه الصريح والمباشر للإسلام، تماما مثل سيده.
ومن العناصر التي اعتمدتها الوثيقة لـ “إصلاح الإسلام” استخدام موضوع المرأة وتقوية مكانتها (في العالم الإسلامي!!) بهدف توسيع أهداف الإمبراطورية الأمريكية.
وجاء في الوثيقة “إن تقوية المرأة (في العالم الإسلامي) تعتبر هدفا رئيسا لإيصال الرسائل في عالم التأثير على الإسلام، ما سيسمح للولايات المتحدة بالحفاظ على المكونات الأخلاقية الأميركية وروايتها الليبرالية.
فهل هذا هو كل شيء؟ هل الهدف فقط ترسيخ (الأخلاق الأميركية وروايتها الليبرالية)؟
عن هذا السؤال سنجيب بعد قليل!
ويتابع تقرير “إنترسبت”، الذي أورد تحذيرات خبراء ومختصين ودبلوماسيين أميركيين من هذه الخطوة، على لسان دبلوماسي أميركي سابق في أفغانستان أن “الإقدام على هذه الخطوة سيغذي نظرية المؤامرة، وعندما تدعم القيادة ( هيقصد البيت الأبيض) هذه الفكرة، فإنها ستخرب الكثير من العمل الجيد الذي حققه على الأرض الدبلوماسيون الأميركيون”.
فما هو “العمل الجيد” الذي حققه هؤلاء على الأرض، على مر السنوات الماضية، ويخشون أن يفسده مشروع “إصلاح الإسلام” الذي تتحدث عنه تلك الوثيقة؟ نجيب أولا عن السؤال السابق، ثم نجيب على السؤال الأخير؟!
صحيح أن الولايات المتحدة الأميركية لديها منظومة أخلاقية خاصة بها، تسعى منذ نشأتها إلى فرضها على كوكب الأرض، وهي أخلاق ذات طابع ليبرالي في ظاهرها، ولكن حقيقتها كنسية انجيلية عقائدية، همها الوحيد إفساد المجتمعات الإسلامية على وجه الخصوص وإبعادها عن دين الإسلام، كي تحيا في فراغ عقائدي وفكري ومجتمعي، واستخدم الاقتصاد بوجه خاص وسيلة أساس في تقييد المجتمعات الإسلامية، وإلحاقها بالركب الأميركي. وقد نجح الدبلوماسيون الأميركيون في إنجاز شوط كبير جدا من هذه المهمة، وهو ما نراه ماثلا أمامنا وفي تفاصيل حياتنا الصغيرة والدقيقة في شتى أنحاء العالم الإسلامي.
غير أن هذا الهدف ليس هو الأساس، مع أهميته. ذلك أن كل سياسات الولايات المتحدة الأميركية تصدر من منطلقات عقائدية إنجيلية شديدة الوضوح، لمن يريد أن يرى الحقيقة دون تزييف. وهذه المنطلقات تصبّ وتخدم وتسعى إلى تحقيق أهداف دينية صليبية تلتقي في نقاط كثيرة مع المشروع الصهيوني- التوراتي، الذي ينطلق هو الآخر من منطلقات عقائدية، وإن كان قد أوهم الدنيا أنه مشروع علماني ليبرالي. ومن ثم فإن مشروع “إصلاح الإسلام” معناه “إصلاحه” بما يخدم المشروع الصهيوني ونقاط التقائه مع أهداف الكنيسة الإنجيلية. (كنت تحدثت عن هذه النقاط والأهداف في مقال سابق مطول؛ ملخصه: عودة المسيح في آخر الزمان، وقيام مملكة إسرائيل الكبرى، وبناء الهيكل الثالث، ومعركة هرمجدون الفاصلة).
والآن إلى الإجابة على السؤال حول “العمل الجيد”، الذي أنجزه دبلوماسيو واشنطن في العالم الإسلامي.
أولا: نجحت هذه الدبلوماسية في الإبقاء على العالم الإسلامي مفتتا مشتتا تابعا اقتصاديا للماكينة الاقتصادية الأميركية.
ثانيا: جرّت الدبلوماسية الأميركية جميع الدول الإسلامية (بما فيها العربية) إلى أتون المفاوضات البعثية، بحجة العمل على حل القضية الفلسطينية وسائر قضايا المنطقة.
ثالثا: أدخلوا إلى المجتمعات الإسلامية مفاهيم الثقافة الأميركية وأخلاقيات المجتمع الأمريكي، حتى أصبح نموذجا يحتذى، ومثلا يُضرب للتطور والحضارة والنجاح الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي، حتى وصل الأمر درجة تحويل أميركا إلى حلم وحيد يدغدغ مشاعر الشاب المسلم والعربي.
رابعا: نجحوا في إقناع (وإجبار وجرّ) الحكام الرابضين بالقوة العسكرية على أنفاس الشعوب الإسلامية بأن أميركا دولة حيادية، وهي تريد تحقيق السلام في المنطقة، وأن مفاتيح الحل في يدها وحدها، وأنها الوحيدة القادرة على تحريك الأمور، وأنه بدونها لا يمكن لشيء ان يتقدم أو يتحرك.
خامسا: مهّد هؤلاء الدبلوماسيون الأرضية لدخول جهاز المخابرات الأميركية في كل زاوية من زوايا العالم الإسلامي، ليعيث فيه فسادا وتخريبا. وفي ذات الوقت تمكنوا من جرّ الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي إلى مربع الفنّ (الفكر والثقافة) الأميركي، بكل أشكاله، بحيث أصبح هو المهيمن على السلوك الفني (والإعلامي كذلك)، حتى تحول – على مر السنين- إلى جزء لا يتجزأ من شخصية المجتمعات الإسلامية، بطريقة غير مباشرة. ونحن نعيش هذا ونراه ونعاينه. ولعل أقرب مثال على ذلك، وأكثرها وضوحا وحدّة ما يحدث في دولة آل سعود في هذه الأيام. (بطبيعة الحال فإن المجتمع الغربي كله، ممثلا بأوروبا، له أيضا دور أساس في تحقيق هذه الأهداف، بدءا من الاستعمار العسكري في أواخر القرن الثامن عشر/ الاحتلال الفرنسي لمصر). وهذا فقط ملخص سريع “للأعمال الجيدة” التي أنجزتها الدبلوماسية الأميركية في العالم الإسلامي، لكن القائمة طويلة وتفصيلاتها كثيرة وخطيرة.
وحقيقة الأمر، بناء على ما تقدم، أن هؤلاء الدبلوماسيين قد قطعوا شوطا كبيرا في مشروع “إصلاح الإسلام”، الذي يعني في الحقيقة هدم الإسلام، وتحويله إلى غير ذي تأثير، لكنهم فعلوا ذلك بهدوء، وبطريقة غير مباشرة. ولذلك فإن تلك الوثيقة التي أشرنا إليها هنا، ليس اختراعا جديدا، لكن “مشكلتها الوحيدة” أنها تتحدث عن “إصلاح الإسلام” على الطريقة الأميركية بصورة فجة (على طريقة ترامب)، يُخشى جراء فجاجتها وصراحتها المباشرة، أن تؤدي إلى رد فعل عكسي في المجتمعات الإسلامية.
بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 بين السادات وبيغن، بدأت الآلة الصهيونية تعمل على مدار الساعة لتغيير لهجة الإعلام المصري تجاه الدولة العبرية، والمشروع الصهيوني والاحتلال، وقد نجحت في هذا إلى حد كبير. ثم انتقلت إلى التأثير على مناهج التعليم بشكل عام، ثم زحفت نحو السنة النبوية والقرآن الكريم في محاولة لإخفاء الآيات والأحاديث المتعلقة بعلاقة الإسلام بأهل الكتاب (اليهود والنصارى) من المشهد العام، وتحييدها من الإعلام ومن مناهج التعليم ومن الخطاب السياسي. وقد نجحت في هذا أيضا، لكن ببطء وتؤدّة وعلى مراحل استغرقت عقودا.
وها نحن اليوم، نرى خطاب السيسي وإعلامه، وما أجري على مناهج التعليم المصرية (على مراحل) من تغييرات، إرضاء لتل أبيب، ونزولا عند رغبة الدبلوماسية الأميركية.
لكن “المفاجأة”، التي هي في نظرنا ليست مفاجأة إطلاقا، أن هذا الأخطبوط زحف إلى كل العالم العربي، بدءا من العراق (بعد احتلال 2003)، ومرورا بالسلطة الفلسطينية، وليس انتهاء بالسعودية وسائر دول الخليج.
إنهم يريدونه إسلاما خاليا من أي مضمون حقيقي. يريدونه دينا تعبديا محبوسا في المسجد والزاوية، له مظاهر وطقوس، وأعياد يحتفل بها، ومناسبات دينية تشغل المجتمع، لكنه إسلامٌ خالٍ من عناصر بناء الشخصية الإسلامية، كما جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ شخصية تصنع حضارة، وخالٍ من بناء الدولة الإسلامية، المنطلقة من مفاهيم دولة المدينة المنورة، التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالٍ من الفريضة السادسة، التي هي الجهاد في سبيل الله، وخالٍ من الاقتصاد الإسلامي النقي من قاذورات الاقتصاد الرأسمالي، وخالٍ من التربية الأخلاقية النظيفة، التي تؤدي بالضرورة إلى نشوء مجتمعات قوية متماسكة ناجحة في كل المجالات، وخالٍ من وحدة حال الأمة، ومن ضرورة أن تكون لها قيادة مركزية واحدة تدير شؤونها، وخالٍ من أشباه الرجال الذين صنعتهم الماكينة الأميركية والغربية والصهيونية، وخالٍ من المرأة المسترجلة، التي تمكنت الماكينة الأميركية والغربية والصهيونية من إنتاجها على مدار عقود طويلة، وخالٍ من الربا، ومن الزنا، ومن الخمور، ومن الميسر، ومن الفن الهابط، ومن الجريمة، ومن المخدرات، ومن البطالة، ومن الفقر، ومن الجهل، ومن الخوف، ومن التعلق بالدنيا ومتاعها، وخالٍ من الشعور بالهمّ الجماعي، ومن المروءة، ومن الشهامة، ومن الشجاعة، ومن نصرة المظلوم، ومن قول كلمة الحق، ومن مواجهة الظلم والظالمين، ومن إغاثة الملهوف، ومن مبدأ “انصُر أخاك”، ومن الرغبة في تحرير الإنسان، وإخراجه من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عد الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والأخرة.
لحظة من فضلك! المهمة لم تنتهِ بعد، والمعركة مستمرة حتى اللحظة الأخيرة. هذا المشروع لن يتوقف، فأين نحن منه؟
إننا نقف الآن على أطراف المرحلة الحرجة. مرحلة اللعب على المكشوف، دون رتوش ودون مواربة. ولكنها أيضا مرحلة نهضة ويقظة إسلامية، بدأت براعمها تتكون في 2011، مع ثورات الربيع العربي، ولن تتوقف عن النمو، رغم ما حيك ويحاك، ورغم ما نعيشه في هذه اللحظات من مرحلة شديدة القتامة والسوء..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى